خاص بآفاق البيئة والتنمية
الإجازة الصيفية هذا العام تعني قضاء غالبية الطلبة لقرابة 100 يوم بلا تخطيط ومهمات وواجبات، وتعبئتهم للفراغ الطويل بطرق عشوائية. كما تتزامن إجازتهم مع سنة عصيبة شهدت انقطاعات كبيرة، وغالباً لن تنطلق فيها المخيمات الصيفية على نطاق واسع، وهي المساحة التي كانت تحل جزءاً من المعضلة. تبحث "آفاق" مع مسؤولين وتربويين وأولياء أمور في "الهزات الارتدادية" لعطلة غير مخطط لها، ويمكن إن أردنا، أن تكون معول بناء، ومسرحاً للتطوّع، وفضاء لنشر الإيجابية.
|
 |
مخيم صيفي فلسطيني للأطفال |
تعني الإجازة الصيفية هذا العام قضاء غالبية الطلبة لقرابة 100 يوم بلا تخطيط ومهمات وواجبات، وتعبئتهم للفراغ الطويل بطرق عشوائية. كما تتزامن إجازتهم مع سنة عصيبة شهدت انقطاعات كبيرة، وغالباً لن تنطلق فيها المخيمات الصيفية على نطاق واسع، وهي المساحة التي كانت تحل جزءاً من المعضلة.
تبحث "آفاق" مع مسؤولين وتربويين وأولياء أمور في "الهزات الارتدادية" لعطلة غير مخطط لها، ويمكن إن أردنا، أن تكون معول بناء، ومسرحاً للتطوّع، وفضاء لنشر الإيجابية.

تنمية مهارات الطفولة الفلسطينية في مخيم صيفي
33 يوماً وراء الشاشات
وضع علي الشيخ إبراهيم تصوراً للوقت الذي سيمضيه أطفاله خلال العطلة الصيفية، أمام شاشات الحاسوب والأجهزة الذكية، ووجد بأنهم سيقضون في 100 يوم إجازة أكثر من 800 ساعة (نحو 33 يوماً كاملاً) في عوالم افتراضية، ستكون ذات تأثيرات سلبية كبيرة.
ووصف عطلة هذا العام بـ "المرعبة" لأنها تأتي بعد عدة أعوام حافلة بالعطل والدراسة عن بعد، والعدوان على غزة، والإضرابات الطويلة، وجائحة "كورونا"، وأزمات الرواتب.
وعدّد الشيخ إبراهيم، وهو موظف في القطاع الخاص، بعض السلبيات لوجود الأبناء دون أي مهمة، فهم سيعتبرون الوقت ليس مهماً، وسيواصلون إدمانهم الإلكتروني، وستتضرر صحتهم وخاصة عيونهم، ولن يبذل معظمهم أي جهد عضلي، وسيشعرون بالملل.
وقارن بين الجيل الحالي وسابقه، الذي كان يستثمر هذه العطلة في العمل مع عائلته، وخاصة الزراعة والمشاريع الخاصة، لكن الجيل الحالي بالعموم، "لا يحبذ الفلاحة، ويفضل خيارات أخرى سهلة".

نافع عساف وكيل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية
مساعٍ لتعويض الفاقد التعليمي
من موقعه، أوضح وكيل وزارة التربية والتعليم، نافع عساف، أن الوزارة تعمل مبدئياً على توفير تمويل لتنفيذ نشاطات صيفية في معظم المحافظات، لا تقتصر على أنشطة رياضية وفنية وترفيهية، بل ستصمم لتعويض الفاقد التعليمي، الذي بدأ منذ جائحة "كورونا" والإضرابات المتكررة، والأزمة الاقتصادية الصعبة الحالية.
وأكد بأن الوزارة تحتاج من 3-5 سنوات لتعويض الفاقد التعليمي، وهو ما بدأت بتخطيطه عبر المشرفين التربويين، بحيث تكون "مخيمات جاذبة ومختلفة عن المدرسة" تتجنب ضغط الطلبة، وتمنحهم دعماً نفسياً، خاصة بعد تأثيرات العدوان الأخير على غزة، والقهر في الضفة، وتصنع لهم بيئة مغايرة عن المدرسة.
وأشار عساف إلى حاجة الطلبة لبرامج جذابة، تجمع بين التعليم والترفيه، وتعوض جزءاً من الفاقد التعليمي، وتهتم بالدعم والتطوير النفسي، وتمنحهم حقاً في اللعب والفن والرياضة.
وكشف عن تطوير "التربية" ورقة سياسات في "الفاقد التعليمي بعد إضراب العام الماضي"، حددت 3 سنوات لتعويض الطلبة، لكن الأوضاع العصيبة التي شهدتها غزة، ووجود 750 حاجزاً في الضفة، منعت قرابة 80 مدرسة من وصول معلميها وطلبتها مدة طويلة، وبقيت 12 مدرسة محاصرة حتى الآن، خاصة في الخليل. عدا عن الأزمة المالية الراهنة وغلاء المعيشة، التي خفضت أيام التدريس الأسبوعية من 5 أيام إلى يومين أو ثلاثة.
وأكد أن التعليم الإلكتروني "لم يحل الأزمة لأسباب مختلفة وموضوعية، خاصة بين الذكور، بينما فاق التزام مدارس الإناث به 70%".
وكشف أن الوزارة سعت إلى الحفاظ على "الحد الأدنى من التعليم"، في ظل العدوان، فيما شرعت الوزارة -عبر فريق متخصص- في وضع تصورات لمعالجة أزمات التعليم.
وبيّن عسّاف، أن الوزارة ستتعاون مع المجلس الأعلى للشباب والرياضة، واللجنة الأولمبية، والاتحادات لإجراء تدريبات في الرياضات المختلفة للطلبة خلال البرامج الصيفية، التي نسعى لوضع موازنة لها؛ لإبعاد الطلبة عن الفراغ وتعلقهم المستمر بالتكنولوجيا والإنترنت، كما قال.

عرفات المصري مدير اللجنة الوطنية للمخيمات الصيفية في جنين وطوباس
100 ألف طفل ينتظرون
بدوره، أكد مدير اللجنة الوطنية للمخيمات الصيفية في جنين وطوباس، عرفات المصري، أن انعدام المتنفس لطلبة المدارس يخلق حالة فراغ وضغط كبيرة، فيما تسعى المخيمات الصيفية إلى ملء الفراغ وصقل الشخصية والاعتماد على الذات، من خلال 20 يوماً كل عام، يجري الإعداد لها بتأهيل مشرفين ومنشطين.
وأشار إلى أن فلسفة المخيمات تستند على منح الطلبة فضاء مغايراً عن المدرسة، بحيث لا يشعرون بأنهم عادوا إلى المدرسة مرة أخرى، ويجري اختيار برامج وموضوعات وثقافات جديدة ومختلفة عن المنهاج الدراسي، كالمسرح، والأشغال اليدوية، والفن، واللغات، والثقة بالنفس، والبرلمان، وغيرها.
وبحسب المصري، فإن اللجنة لم تتخذ بعد "قراراً نهائياً" بعقد المخيمات من عدمه؛ بسبب الظروف الصعبة الحالية، لكنها تنفذ في الأوضاع الطبيعية مخيمات يشترك فيها 100 ألف طفل في الضفة الغربية وغزة، في نحو 60 مخيماً عاماً، وعدة مخيمات تخصصية، وتصل تكلفة المخيم الواحد نحو 1000 شيقل، لا تشمل أجور المنشطين والمدربين والمشرفين.

مخيم صيفي بيئي متخصص
وأوضح أن اللجنة كانت تنظم في طوباس والأغوار الشمالية 30 مخيماً، وفي جنين 40، لكنها تراجعت أكثر من النصف؛ بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي تنعكس سلباً على المخرجات، خاصة أنها مجانية وتضم عدداً كبيراً من الأطفال، في حين هناك مخيمات خاصة تطلب اشتراكات مالية مرتفعة.
والحديث للمصري، فإن اللجنة تجري تقييمات مستمرة لنتائج المخيمات، وتعقد للمنشطين والمشرفين دورات مستمرة، وتدخل تعديلات على البرامج، وتدعم المخيمات التخصصية، وتنفذ أيضاً مخيمات شتوية، وأمسيات رمضانية، ومسارات بيئية، وفعاليات قطف الزيتون.
وذكر أن بعض الجهات تنفذ مخيمات دون وجود أدنى خبرة لديها، ولا تسير على منهاج مكتوب، وتشوبها حالة من الفوضى، وتنعكس على نتائجها.

د. علي حبايب ومساعد نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية في جامعة النجاح
كسل وخمول وتسرّب
بينما رأى التربوي ومساعد نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية في جامعة النجاح، د. علي حبايب، أنه من النادر وجود كارهين للعطلة، لكن في الحالة الفلسطينية وإجراءات الحصار والإغلاق المستمر للمؤسسات والمدارس زادت العطل، وتقلص المحتوى التعليمي، وتسبب في اعتقال مدرسين وطلبة واستشهاد عدد منهم.
ولخص حبايب تداعيات العطل الصيفية، التي تؤثر بقوة على طلاب المرحلة الأساسية والمتوسطة، ولها نتائجها على طلبة الصفوف الأولى الأساسية، لأن نجاح أي عملية تعليمية مقرون بتوفر الحد الأدنى من القراءة والكتابة والحساب.
وأكد أن كثرة العطل واستمرارها غالباً "يؤدي إلى الخمول والكسل وعدم الرغبة في التعلم، ويتسبب في تقلص البناء التعليمي للطالب، ويضعف القدرة على تراكم المعلومات".
ونوه حبايب إلى أن انشغال الآباء بالعمل، وعدم قدرتهم أحياناً على الضغط على أبنائهم، قد يؤدي في النهاية إلى هروب الأولاد إلى الشوارع، وتعلم السلوك السيء من الآخرين.
وأشار إلى أن كثرة العطل والفراغ، وطول الإجازة الصيفية يؤدي إلى "عدم الرغبة في التعلم، وكراهية المعلم والمدير والمؤسسة"، وبالتالي يصبح التسرب المدرسي عاملاً يشغل بال الكثير من الطلبة.

مخيم صيفي
واقترح حبايب عدة إجراءات لإشغال الطلبة وتوجيههم إلى جوانب إيجابية، كممارسة الأنشطة الرياضية، والخروج إلى البرية والاستمتاع بالطبيعة، والقراءة، ما يؤدي بالمحصلة إلى الحد من السلوك العدواني، ويعزز المشاركة الاجتماعية.
وقال إنه من الضروري اقناع الطلبة بأن العطلة الصيفية تحتاج إلى "جهد بدني ينمي فيه الطالب قدراته الجسمية"، وأن الجهد العقلي قليل مقارنة مع الجهد البدني، ينعكس إيجاباً على جسم سليم، يهتم بالتغذية السليمة، ويتفادى الدهون المشبعة والسمنة، وتقود في النهاية إلى قلة التوتر وتمنح العقل والجسم راحة واستمتاعاً ومشاركة تطوعية مع الآخرين.

حسن عبد الكريم عميد كلية التربية السابق في جامعة بيرزيت
إدماج الطلبة في مشاريع بيتية وبيئية
واعتبر عميد كلية التربية السابق في جامعة بيرزيت، حسن عبد الكريم، أن المعضلة الأساسية تكمن في انتشار "ثقافة عدم تقدير قيمة الوقت"، وتأتي عطلة هذا العام بعد سنة دراسية حافلة بالتعطيل، وتقصير الدوام، والتعليم الإلكتروني الذي هو أحد أشكال العطلة، وعقب "كورونا" التي لم يتعلم أطفالنا منذ انتشارها.
وركز على أن العطلة الصيفية دخلت دون وجود "تخطيط تربوي حكيم لكيفية قضاء الأطفال للعطلة"، التي ستكون غالبًا دون مخيمات صيفية بسبب العدوان، وستمثل امتداداً للفراغ الهائل الذي عاناه الطلبة.
وقال إن الأصل "وجود مخيمات صيفية تمنح الطلبة متسعاً لممارسة أنشطة لامنهجية بعيدة عن الجو الدراسي"، كالقيادة، والتنشئة، والقيم الاجتماعية والوطنية، وكان الطلبة يقضون على الأقل ثلث العطلة فيها.
وأوضح أن غالبية الأطفال من 6-18 عاماً سيقضون عطلتهم في البيوت، وفي حالات نادرة ينخرطون في العمل العائلي، وبعضهم سيلتحق بعمالة الأطفال، وغالبيتهم سيتعلقون بالتكنولوجيا، وسيكون لذلك أثره السلبي.
وأوضح عبد الكريم أن "عدم ملء الفراغ" من الجهات المنظمة للمخيمات الصيفية في حال لم تطلقها هذا العام، يحتم على الأهل والمجالس القروية والبلديات والمبادرين تنفيذ "برامج بديلة بتكاليف قليلة وخطط خلاقة".
وبيّن أن غياب "ثقافة السفر" بسبب أوضاعنا السياسية والاقتصادية تفاقم التحدي، خاصة أن العطلة مصممة لإعطاء متنفس للأطفال، لكن غياب أي خطة وضياع الطلبة طوال 100 يوم له انعكاسات كبيرة.
واقترح عبد الكريم ضرورة "إدماج الأهل لأطفالهم في العمل المنزلي"، كتشجيعهم على الانخراط في مشاريع بيتية وبيئية صغيرة كالزراعة وتربية الدواجن، وابتكار بعض الهوايات لصغارهم.
وأكد ضرورة تفادي توجيه الأطفال في العطلة للمعرفة الرسمية، والتركيز على المهارات، والألعاب، والمسابقات، وتعزيز روح القيادة والتطوع والعمل الجماعي، وتنمية القيم الاجتماعية، وتشجيعهم على فكر الإنتاج، وربط المعرفة بالحياة.

نسيم قبها عضو الحملة العربية للتعليم
تراكمات لسياسة تربوية سلبية
بدوره، عرّف عضو الحملة العربية للتعليم، والائتلاف التربوي الفلسطيني، نسيم قبها، المدرسة بأنها "ليست اسماً لمكان، بل هي فعل"؛ لأنها حالياً بناء شبيه بالسجون، وإذا ما غيرنا لافتة المؤسسة التربوية، فتصلح أن تكون سجناً معزولاً محاطًا بأسوار، وبالتالي فإن كره الطلبة لم يأت من كره الممارسة التعليمية بل من "نظام تربوي فلسطيني قاصر"، حافل بالمشاكل ولا يواكب عصرنة التعليم، ينجح في التحصيل ويفشل في التعليم، ولا يحول المدرسة إلى مكان محبب للطالب، ففي بعض الدول يجري اقتصار التعليم على وجود الطلبة في المدرسة، دون نقل الواجبات والدراسة إلى البيت.
وأشار إلى بناء مدرسة بلا أسوار، قبل 4 سنوات في كوبنهاجن، لأن مديرها اعتبر السور حاجزاً، وبإزالته يشعر الطالب أنه في المدينة وبين الناس.
وقال قبها إن العالم برمته شهد فاقداً تعليمياً بعد جائحة كورونا، وترافق ذلك مع حاجز نفسي بين الطالب والمدرسة والمنهاج، وزاد هذا الحاجز فلسطينياً بعد (التعليم عن بعد) بفعل ظروف العدوان وأزمات الرواتب، الذي يختلف جذرياً عن التعليم الإلكتروني، ما عزز نهجاً مختلفاً لدى الطالب والمعلم.
وبيّن أن القانون الفلسطيني يعتبر العطلة الصيفية للطالب وليس للمعلم، ويجري الابتعاد عن الدراسة في أشهر الصيف الحارة، وهذا يثبت عجزنا في تطويع المدرسة على مدار العام.
وقال بأن المتعارف عليه عالمياً عام دراسي به أربعة فصول، بينهما عطل لا تتعدى 10 أيام، لأن الابتعاد عن الكتب 3 أشهر ليس سهلاً، ويشجع على الكسل.

ناد صيفي
ووصف العطلة الصيفية بأنها "تراكمات لسياسة تربوية سلبية"، وكان يجري استثمارها في الوضع الطبيعي للمخيمات، لكنها هذا العام ستعجز -إن عقدت- عن استقطاب الطلبة، ولن تجد ميسرين من المعلمين لعدم تلقيهم 6 رواتب خلال 3 سنوات ماضية.
وأوضح أن الخلل بدأ من تسمية العطلة الصيفية بهذا المسمى، والمفروض وصفها بـ "استراحة إيجابية للطالب والمعلم"، وألا تشهد قطعاً متواصلاً للطالب والمعلم عن البيئة التربوية.
وانتقد قبها، تعامل كثير من أولياء الأمور مع المدرسة، وكأنها مكان للتخلص من الأبناء بضع ساعات. واعتبر العطلة الصيفية "سلبية خالية من الإيجابيات، ولا يجري الاستثمار فيها للتحصيل السابق أو اللاحق، وتبقي الطالب في انعزال تام عن العملية التربوية"، وما سيزيد الأمر تعقيداً أنه بعد نهاية العطلة الصيفية، سيجري تعويض جزء من الفاقد التعليمي.

الاء يعيش مديرة مركز الطفل الثقافي في نابلس
تجربة
من ناحيتها، قالت مديرة مركز الطفل الثقافي، المنبثق عن بلدية نابلس، آلاء يعيش، إن البلدية أسست المركز قبل سنوات عدة، ليكون "حاضنة دائمة للإبداع" في مجالات ثقافية وفنية ومعرفية، خاصة للأطفال والشباب.
وأوضحت بأن المركز نفذ خلال العطلة الحالية ناديه الصيفي بمشاركة 180 طفلاً، قسموا إلى فئات عدة، وفق أعمارهم. وحظي المشاركون على مدار شهر كامل بقراءات ثقافية في المكتبة، ومسابقات ثقافية، وأنشطة بيئية تفاعلية، ورسم، واشغال يدوية، وألعاب ذكاء، وحاسوب، ومسرح ودراما، وموسيقى.
والمختلف في النادي الصيفي الحالي، وفق يعيش، أن إدارته من متطوعين شباب، قريبين في السن على الأطفال، وسبق أن تلقوا تأهيلاً وتدريباً على مهارات قيادية عدة.
وتلخص يعيش أن غياب المخيمات والنوادي والفعاليات الصيفية له تداعيات عديدة، أبرزها الفراغ الكبير الذي سيشعر به الطلبة، واتجاههم إلى تعبئته بطرق عشوائية، وتعودهم على الكسل والنوم لساعات طويلة، وقضاء معظم وقتهم مع حواسيبهم وهواتفهم الذكية.