خاص بآفاق البيئة والتنمية
منذ بداية عدوان الاحتلال الدموي على قطاع غزة، فقد نحو 200 ألف فلسطيني أعمالهم، مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ووجد معظم هؤلاء أنفسهم بلا أي دخل أو إعانات طارئة، وباتوا يشعرون بالعجز عن توفير استحقاقات معيشتهم اليومية والوفاء بالتزاماتهم المالية. تواكب "آفاق البيئة والتنمية" التداعيات الاقتصادية للتوقف القسري لعمال الداخل، وتبحث في الحلول الممكنة لمساعدتهم، وتطرح أسئلة تنموية لمعضلة تفاقم أزمة البطالة في السوق الفلسطيني، وتفرض نفسها على صُناع القرار.
|
|
العمال الفلسطينيون يتوجهون إلى سوق العمل الإسرائيلي |
فقد نحو 200 ألف فلسطيني أعمالهم منذ بداية عدوان الاحتلال الدموي على قطاع غزة، مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ووجد معظم هؤلاء أنفسهم بلا أي دخل أو إعانات طارئة، وباتوا يشعرون بالعجز عن توفير استحقاقات معيشتهم اليومية والوفاء بالتزاماتهم المالية.
تواكب "آفاق البيئة والتنمية" التداعيات الاقتصادية للتوقف القسري لعمال الداخل، وتبحث في الحلول الممكنة لمساعدتهم، وتطرح أسئلة تنموية لمعضلة تفاقم أزمة البطالة في السوق الفلسطيني، وتفرض نفسها على صُناع القرار.
وتستشرف المجلة من وزارة العمل، وصندوق التشغيل، والنقابات، واقتصادي، وخبير تنموي، التحدي الجديد والخيارات والإجراءات الممكنة لحله، والهزات الارتدادية له على الاقتصاد والتنمية.
عبد الكريم مرداوي مدير عام تنظيم العمل الخارجي في وزارة العمل الفلسطينية
20% من قوى العمل مُعطلة
أوضح مدير عام تنظيم العمل الخارجي في وزارة العمل، عبد الكريم مرداوي، أن العدد الدقيق للعمال في الداخل 200 ألف، يشكلون بين 18-20% من حجم القوى العاملة، ويتوزعون على مجموعات: 105 آلاف من الضفة تصدر لهم" تصاريح" وقسائم رواتب، و18500 من قطاع غزة كانون يشتغلون قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بينهم 3500 بصورة منتظمة وبتصاريح، و15 ألف بـ "تصاريح احتياجات اقتصادية" ودون قسائم رواتب أو حقوق، و35 ألف يشتغلون في المستوطنات، والمتبقون يعملون بتصاريح تجارية وعلاج وبوابات، أو دون تصاريح.
وأفاد بأن الدخل الشهري لهؤلاء نحو 1.5 مليار ونصف شيقل (18 مليار سنوياً)، ووصلت الخسائر خلال الأشهر الأربعة الأخيرة إلى 6 مليار شيقل.
وأكد لـ "آفاق" أن الاحتلال سمح خلال العدوان الأخير بدخول 8 آلاف عامل للمستوطنات، وهي مسألة مرتبطة بتوجهات حكومة الاحتلال المتطرفة، التي طرحت عطاءات لإقامة نحو 7 آلاف وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية، والتي تعارض عودة العمال إلى الداخل وتشجع عملهم في المستوطنات المقامة على أرضنا.
وبيّن مرداوي أن الوزارة تلقت كشوفات لـ 5212 عاملاً في الداخل خلال كانون الأول/ديسمبر الماضي، و5116 في تشرين الثاني/نوفمبر، و9055 في تشرين الأول/أكتوبر.
وأوضح أن مقترحات الوزارة لحل الأزمة التي طرحتها الحكومة ممثلة بوزارة العمل تكمن في إيجاد "تشغيل ذاتي" لعمال الداخل، خاصة أن 80% يعملون في الإنشاءات والبناء، وتقديم قروض حسنة مُيسرة دون فوائد تصل إلى 10آلاف دولار، لإقامة مشاريع صغيرة أو متناهية الصغر، كما تم منحهم تأميناً صحياً مجانياً.
وتابع، أن الوزارة استقبلت 9 آلاف من عمال غزة الذين طردوا من أماكن عملهم في الداخل، وتم توفير المأكل والمشرب ومراكز إيواء في المحافظات.
واستناداً لمرداوي، هناك "توجهات حكومية" لتشغيل المتعطلين عن العمل عبر إبرام اتفاقات ثنائية مع دول عربية تحتاج لعمال مهرة بمدد زمنية محدودة، كالإعارة بين 3-5 سنوات، يلتزم العامل بعدها بالعودة إلى الوطن، حتى لا يُفسر الأمر بـ "تهجير ناعم لعمالنا".
وتطرق المسؤول في وزارة العمل، إلى قانون الضمان الاجتماعي، الذي أثار ضجة في الشارع الفلسطيني، وجمده الرئيس لإطلاق حوار حوله، وهو ما بدأه وزير العمل نصري أبو جيش في تموز/يوليو 2023 واشتمل 11 لقاءً في المحافظات، وجرى تعديل المواد الخلافية، وكشف الغموض حول القانون، الذي رافقت طرحه "أزمة ثقة" بإجراءات الحكومة.
والحديث لمرداوي، فإن عدم وجود قانون ضمان يعني عملياً حرمان العمال "بدل بطالة" ترتبط بادخار ما يساوي 16% من راتبهم الشهري.
وأكد أن الخلل في الاقتصاد الفلسطيني ارتباطه باقتصاد الاحتلال بموجب اتفاقية باريس وتبعاته، عدا عن احتجاز أموال المقاصة.
وأقر بأن الحلول المتاحة للأيدي العاملة التي فقدت عملها في الداخل "محدودة"، وهناك قيود عديدة تواجه أي مشاريع يصنعها الاحتلال، ونواجه صعوبات في توليد فرص العمل، وفق قوله.
واختتم مرداوي: تستضيف الوزارة 9 آلاف من عمال غزة في مراكز استقبال، وتوفر احتياجاتهم، وقدمت لهم 700 شيقل شهرياً، وفي المقابل لن تقدم أية مساعدة للعمال في المستوطنات، وتحاول البحث عن حلول عاجلة لعمال الداخل، وفق ما تسمح به الظروف.
عمال فلسطينيون في سوق العمل الإسرائيلي
فقدان نصف مليون وظيفة خلال 4 أشهر
من موقعه، اشترط المدير التنفيذي لصندوق التشغيل الفلسطيني، عبد الكريم دراغمة، أن تتضمن خطة الاستجابة الطارئة لتشغيل عمال الداخل، مشاريع موجهة وخيارات متاحة لهم.
وقال إن حجم التحدي كبير، وهو غير مرتبط فقط بـ 200 ألف عامل كانوا في الداخل والمستوطنات والمناطق الصناعية للاحتلال، بل يرتبط بـ 200 ألف آخرين في الضفة الغربية و100 ألف في قطاع غزة خرجوا من سوق العمل المدمر، ما يعني فقدان نصف مليون وظيفة خلال 4 أشهر.
وأفاد بأن "المعضلة" أكبر من قدرة الاقتصاد الفلسطيني وإمكاناته على امتصاصها، أو توفير وظائف لفاقديها في أي قطاع.
وأكد دراغمة وجوب وجود "رؤية عامة للإنقاذ وليس الإنعاش"، تكون غير محصورة بوزارة العمل، ولكن من الأطراف كافة لمعالجة التحدي الكبير كوزارة الاقتصاد الوطني، والقطاع الخاص، والنقابات العمالية، والمجتمع المدني.
وتوقع عدم عودة أرقام العمال في الداخل إذا ما سمح الاحتلال بدخولهم، كما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وستبقى المعضلة قائمة، وتحتم على كل جهة وضع الخيارات أمامها.
وأشار إلى أن خطة الاستجابة الطارئة للصندوق ووزارة العمل كانت مع عمال غزة الذي طردوا من الداخل إلى الضفة الغربية، يجري تقديم المسكن والمأكل والمشرب ومصروف شخصي لتمكينهم من العيش.
وقال: يستند الصندوق على التمويل الخارجي، والحل أمام أية خطة إستراتيجية وطنية شاملة موحدة، أن تكون عملية وطويلة المدى، وتشمل السياسات الاقتصادية والمالية والتحفيز، وتشجع على التوجه نحو مشاريع تشغيل ذاتية، وتقر بأن جهة واحدة ستكون عاجزة بمفردها عن استيعاب عمال الداخل.
وأشار إلى أن الواقع الاقتصادي الذي يفرضه الاحتلال يتطلب "تفكيراً جماعياً" يراعي أننا غير قادرين على المنافسة في الأسواق الخارجية، التي تحتاج عمالة ذات كفاءة عالية ومؤهلة وليست عادية.
ورأى بأنه من غير المنطقي أن تطرح الخطة استيعاب عمالة جديدة، لأن سوق العمل "محدود ومعقد" وبالكاد يستطيع استيعاب 10 آلاف عامل من بين 50 ألف سنوياً، بل يجب تشجيع التشغيل الذاتي.
وقال دراغمة: حل المشكلة خلال فترة قصيرة غير ممكن، خاصة أن الحلول المتاحة "محدودة جداً ومرتبطة بوجود الاحتلال"، وحجم التحدي كبير وله تداعيات اقتصادية واجتماعية هائلة.
وذكر أن قطاع الإنشاءات حالياً لديه "فرصة كبيرة" للاستفادة من العمالة العالية، مقارنة في الفترات السابقة، حيث كان يعاني نقصاً فيها.
وأوضح أن قطاع الخدمات الذي يحظى بنصيب الأسد في السوق المحلي، هو الأكثر تأثراً بالأحداث، في ظل تراجع القطاعات الإنتاجية.
شاهر سعد أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين
المطلوب برامج "احتواء اجتماعي" لعمال الداخل
بدوره، قال أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، إن الأمر العسكري (5732)، المؤرخ في 30 أيلول/سبتمبر 1970، والذي أصدره وزير جيش الاحتلال موشية ديان، منح العمال الفلسطينيين نظرياً "حق المعاملة بالمثل مع عمال الاحتلال أو الوافدين الأجانب" دون تطبيق ذلك عملياً.
وأضاف أن عمال الداخل، تُسقط عليهم البنود المرجعية الخاصة بالاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أُسرهم والتي اعتمدتها الجمعية العامة عام 1990.
وبيّن أن عمليات طرد العمال الفلسطينيين بدأت في 8 تشرين الأول/أكتوبر، وخلالها تم توثيق مئات الشهادات المصورة التي تظهر الاعتداءات الوحشية على العمال، ومصادرة مقتنياتهم، واحتجاز الآلاف منهم في معسكر "عناتوت"، شمالي القدس المحتلة، ضمن ظروف مهينة لكرامة البشر، ودون محاكمة.
والحديث لسعد، فقد خاطب الاتحاد الاتحادات والنقابات العمالية كافة، وحثهم على التنديد بالتدابير الإسرائيلية المٌطبقة على العمال، كما راسل المؤتمرات العمالية وطالبها بالعمل لوقف مجزرة الجيش الإسرائيلي في غزة.
ودعا إلى تشكيل تحالف دولي، للضغط على حكومة الاحتلال لتعويض العمال الذين تم طردهم من سوق العمل الإسرائيلي، لفصلهم تعسفاً من أماكن أعمالهم.
كما طالب في حال عودة العمال إلى الداخل من المؤسسات الدولية ذات العلاقة، "ممارسة الضغط على حكومة الاحتلال لمعاملة العامل الفلسطيني كما تعامل العامل الإسرائيلي".
ووفق سعد، فإن الاتحاد يطالب بكل الوسائل بتحويـل المستحقات المالية الفلسطينية المتراكمة لدى الاحتلال، مـن اسـتقطاعات ضريبة الدخـل والجمارك وحقوق العمال.
وحث السلطة على إنشاء مشاريع استثمارية داخل فلسطين وخارجها واستحضار تجربة "مؤسسة صامد" في الاستثمار المهاجر، ما يسهم في توفير فـرص عمل للشباب والشابات والخريجين، وتأمين دخل مستقل ومستدام بمعزل عن القيود الإسرائيلية.
وجدد سعد الدعوة لإطلاق "برامج الاحتواء الاجتماعي لعمال الداخل"، وحث البنوك ومؤسسات الإقراض على تقديم تسهيلات مالية للعمال، وتفعيل برنامج فوري لدعم البطالة، سيما لعمال المياومة، وتشجيع البنوك على منحهم المزيد من التسهيلات، كالتي كانت تمنحهم إياها قبل تعطلهم عن العمل، وإعادة تشغيل مؤسســة الضمان الاجتماعي، التي تم تعطيلها قبل سنوات.
محمد عرقاوي الأمين العام للائتلاف النقابي العمالي في فلسطين
عجز نقابي وحكومي
قال الأمين العام للائتلاف النقابي العمالي في فلسطين، محمد عرقاوي، إن نقابات العمل "عاجزة عن تقديم المساعدة لعمال الداخل، لأنها لا تملك أي دخل.
وتطرق إلى لقاء مع وزير العمل نصري أبو جيش، الذي أكد أن الوضع المالي للحكومة يواجه أزمة حادة، لكنها تسعى لتقديم ما تستطيع، وتتواصل مع سلطة النقد والبنوك للبحث عن حل عاجل، في وقت يتعذر تشغيلهم، لأن فرص العمل معدومة.
وأشار عرقاوي إلى أن الحل العاجل يكمن في تقديم "حزمة مساعدات طارئة" للعمال، وتوفير الحد الأدنى من فرص العمل.
وبيّن أن التشغيل خارج الوطن لم يطرح على الطاولة، مثلما ترفضه اتحادات العمال والحكومات العربية من منطلق "عدم المشاركة في خطط التهجير التي تروج لها حكومات الاحتلال".
وذكر أن معظم العمال لم يطوروا مشاريع صغيرة خاصة بهم، كما أن رفضهم لقانون الضمان الاجتماعي فاقم تداعيات الأزمة الحالية، مثلما تسبب تعليق بعض الدول تمويلها لوكالة "الأونروا"، وعجز الحكومة عن تسديد كامل رواتب موظفيها "زاد الطين بلة"، ويوحي ذلك بوجود "خطة ممنهجة لتدمير الشعب الفلسطيني وإفقاره وخنقه اقتصادياً".
وأكد عرقاوي أن البطالة ارتفعت إلى أكثر من 70%، وانخفضت القدرة الشرائية قرابة النصف.
ورأى بأن "أحد الحلول المستعجلة" للأزمة، تقديم البنوك سلفاً للعمال المحولة رواتبهم لها، والذين فقدوا عملياً كل شيء، ويعجز قطاع الزراعة عن استيعابهم.
وتحدث عرقاوي عن بروز ظواهر سلبية، مثل السرقات والاعتداء على أملاك الغير جراء الظروف الاقتصادية القاسية.
وأوضح أن "التشغيل الجزئي" للعمال في القطاع الخاص المحلي يمكنه أن يقدم حلولاً مؤقتة، لكنه لا يحل المشكلة من جذورها، وتعجز صناديق التكافل المحلية عن تمويل ذاتها.
والمفارقة، كما يصفها عرقاوي، أن عمال الداخل، الذين يجدون بعض فرص العمل المؤقتة يقبلون بنحو 20% من الأجور التي كانوا يتقاضونها قبل الأزمة، فيما كنا نعاني في الضفة الغربية من عدم وجود الأيدي العاملة لأنها "كانت تفضل الأجور المرتفعة في الداخل".
د. رأفت الجلاد عميد كلية الأعمال والاتصال في جامعة النجاح
الحل بيد الحكومة وحدها
من زاويته، وصف عميد كلية الأعمال والاتصال في جامعة النجاح، د. رأفت الجلاد أزمة عمال الداخل بـ "غير المسبوقة" لجمعها بين أزمات سياسية تنعكس على الاقتصاد.
وتمنى أن تكون "الهزات الارتدادية" للأزمة متوسطة الأجل وليس طويلة، باعتبار قطاع العمال المحرك لعجلة الاقتصاد، وفاقم منعهم من العمل في زيادة معدلات الشيكات المرتجعة، وزعزع ثقة المواطنين بإمكانات الاستثمار أو الإنفاق، وأجلوا تنفيذ مشاريعهم الخاصة، ما سبب جموداً في العجلة الاقتصادية.
وأكد الجلاد أن حل معضلة عمال الداخل، وبعيداً عن النظريات الاقتصادية والمالية "بيد الحكومة وحدها"، ففي كل الأزمات العالمية تتدخل الحكومات بأذرعها المختلفة وبسياساتها المالية والنقدية لمعالجة أي تضخم وأزمة، كما فعلت الولايات المتحدة عامي 2008 و2009 عندما ضخت الحكومة مبالغ ضخمة لإنعاش الاقتصاد.
وأشار إلى أن عودة كافة عمال الداخل، حتى بعد انتهاء الأزمة، "غير مؤكدة وغير محددة بتاريخ"، وهو ما يحتم على الحكومة استيعابهم ضمن المنظومة الاقتصادية القائمة، كإنشاء مشاريع ممولة من بنك الاستقلال الحكومي، الذي يضم أموال الصناديق العربية.
واقترح الجلاد تقديم خطة إنقاذ العمال ضمن مراحل قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، وتراعي أن جزءاً من مدخرات بعض العمال بدأت تستنفد جراء الأعباء المالية الكبيرة عليهم كالتعليم وتسديد القروض.
وقال إنه "ليس من دور القطاع الخاص البحث عن حل للأزمة"، وهذا دور الحكومة بالأساس، التي ليس مطلوباً منها تسمية الأزمات أو تبريرها أو إداراتها.
وبيّن أن خيار الأسواق الخارجية للأيدي العاملة الفنية ليس مجدياً، ففي دول الخليج مثلًا لن يستطيع عمال الإنشاءات منافسة الهنود والمصريين الذين يقبلون بأجور أقل.
وأوضح أن العمل في الداخل "لم يكن خياراً دائماً أو مضموناً"، بالنظر إلى ارتباطه بظروف سياسية، وتعرضه لهزات كبيرة.
وأكد أن الأزمة لا تنعزل عن ارتباطنا باقتصاد الاحتلال، وخاصة اتفاق باريس، الذي فرض قيوداً على الأسعار، ورفع مستوى المعيشة، وزاد الاستهلاك، وضاعف الدخل لكن بشكل غير حقيقي، ودون أن يرتبط ذلك بالإنتاج، كما ذهبت تمويلات البنوك للقروض -في معظمها- على الكماليات.
وفسّر الجلاد أن استمرار أزمة عمال الداخل يعني توجه الناس نحو بدائل صعبة "لضعف السوق المحلي وصغره"، وقد بدأت مجموعات صغيرة من العمال فاقدي الوظائف بالتوجه نحو الأردن للتجارة في السجائر، وهذه حلول استهلاكية وقصيرة الأجل، والحل الجذري يتطلب سياسات حكومية لدمج العمل بالمنظومة الاقتصادية المحلية.
وعرّج الجلاد على أزمة دبي عام 2008، التي شهدت ولادة شركات ناشئة، وتحول جزء من العمال المهرة لتأسيس مشاريعهم الخاصة في التكنولوجيا، والتكنولوجيا المالية والعملات الرقمية، لكن هذا لا ينطبق على سوقنا الصغير، وغياب الممولين المحليين، واختلاف السياق العام.
مازن غنام الخبير الزراعي والتنموي
خطأ عدم توقع الأزمة فاقمها
من منظوره، رأى الخبير الزراعي والتنموي، مازن غنام، بأن آفاق التشغيل المحلي لعمال الداخل في أسواقنا محدودة، والفرص القائمة محصورة في التشغيل الذاتي، وهو أمر ليس سهلاً ويتطلب بحثاً وخبرة وتأهيلاً.
وقال إن تأسيس مشاريع صغيرة من عمال فقدوا وظائفهم قد يكون حلاً، لكن مع الفصل بين ربحية المشروع وإنفاق الأسرة، إذ لا يشترط بمشروع صغير أو متناهي الصغر أن يوفر احتياجات عائلة كبيرة.
وذكر غنام أن المعضلة التي تواجه الاقتصاد المحلي "ارتفاع الأسعار من جهة وانخفاض الدخل وقلة فرص العمل أو فقدانها من جهة أخرى".
وعزا معضلة عمال الداخل وغيرهم رغم ارتفاع دخولهم إلى "النزعة الاستهلاكية"، والحصول على قروض بنكية طويلة المدى هدفها الإنفاق على الكماليات وليس الإنتاج والاستثمار.
وأشار إلى أن غالبية العمال والموظفين تقع في "خطأ عدم التوقع"، وتتعرض جراء ذلك لهزات كبيرة.
وضرب غنام مثالاً على عمال الداخل الذين كانوا يحصلون على أجور مرتفعة، لكن ادخاراتهم معدومة، ووقعوا في خطأ عدم توقع الأزمة، ولم يأسسوا مشاريع خاصة إضافية، وسيجدون صعوبة في تلقي أجور أقل والعودة إلى مستوى معيشة أدنى.
وأشار إلى أن "الحلول التخديرية" للأزمات الاقتصادية لا تساهم في حلها، بل تؤجلها، مثلما فعلت بعض الجامعات في تقسيم الفصل الدراسي على فترتين لتأجيل سداد الأقساط لشهرين.
صورة عن قرب
من ناحيته، قال أحمد عبد المنعم، وهو عامل أربعيني، إنه كان يتقاضى أجراً يومياً بنحو 350 شيقلاً، لكنه انضم إلى سوق البطالة منذ العدوان وصار يجلس في البيت، واضطر إلى تأجيل شيكاته المستحقة لأقساط السيارة الجديدة والأدوات الكهربائية.
ويخشى عبد المنعم من أن يُجبر على اتخاذ "قرارات صعبة" لسداد التزاماته، خاصة أنه لا يجد عملاً في مدينته جنين ولا البلدات المجاورة؛ لتوقف الغالبية عن البناء في هذه الظروف.
وأكد أن شهر رمضان والأعياد والجامعات والكهرباء والماء والطعام والشراب والشيكات المستحقة، تحتاج إلى موازنة كبيرة، والخلل كما يعتقد أنه "لم يحسب حساباً" لانقطاعه عن العمل في الداخل، ولم يؤسس مشروعاً خاصاً.