انحسار مساحات المراعي وغلاء أسعار الأعلاف التي تثقل كاهل المزارعين أدى إلى تراجع كبير في تربية الثروة الحيوانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وأمام معضلة الأعلاف، بدأ التفكير جديا من قبل جهات عدة، في إيجاد بدائل مجدية لمربي الثروة الحيوانية، وكان التفكير نحو استنبات الشعير من خلال الزراعة المائية. فكرة ليست جديدة عالمياً، لكنها بحاجة للاستثمار فيها محليا، لإنتاجها بكميات وفيرة، وبأسعار أقل، وتكثيف العمل من أجل إقناع المزارعين بها. ومن هنا جاء مؤخرا توقيع اتفاقية بين اتحاد جمعيات المزارعين وجامعة القدس المفتوحة ومؤسسة اوكسفام وشركة أجراد ووزارة الزراعة الفلسطينية، لتنفيذ بحثٍ تطبيقي بإيجاد أعلافٍ بديلة توفر لقطاع الثروة الحيوانية أعلافا قليلة التكلفة وزيادةً في كمية الانتاج. فهل يمثل هذا المشروع طوق نجاة لمربي الثروة الحيوانية الذين يصارعون من أجل البقاء في هذه المهنة؟
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
الشعير المستنبت |
تراجعت في السنوات الأخيرة تربية الثروة الحيوانية في الأراضي الفلسطينية، نتيجة عوامل عدة من أبرزها؛ انحسار مساحات المراعي، وغلاء أسعار الأعلاف التي تثقل كاهل المزراعين، علما أن 90% من هذه الأعلاف مستوردة من الخارج.
وأمام معضلة الأعلاف، بدأ التفكير جديا من قبل جهات عدة، في إيجاد بدائل مجدية لمربي الثروة الحيوانية، وكان التفكير نحو استنبات الشعير من خلال الزراعة المائية. فكرة ليست جديدة عالميا، لكنها بحاجة للاستثمار فيها محليا، لإنتاجها بكميات وفيرة، وبأسعار أقل، وتكثيف العمل من أجل إقناع المزارعين بها.
ومن هنا جاء توقيع اتفاقية في نهاية شباط الماضي، بين اتحاد جمعيات المزارعين وجامعة القدس المفتوحة ومؤسسة اوكسفام وشركة أجراد ووزارة الزراعة، لتنفيذ بحثٍ تطبيقي بإيجاد أعلافٍ بديلة توفر لقطاع الثروة الحيوانية أعلافا قليلة التكلفة وزيادةً في كمية الانتاج. فهل يمثل هذا المشروع طوق نجاة لمربي الثروة الحيوانية الذين يصارعون من أجل البقاء في هذه المهنة؟
متحدثون: استنبات الشعير سيقلل تكاليف الإنتاج
بدا التفاؤل واضحا على أطراف الاتفاقية في نجاح تجربة استنبات الشعير وتوفير أعلاف بديلة لمربي الثروة الحيوانية تساهم في تثبيتهم ورفع كفاءة تربية المواشي التي تراجعت مؤخرا. ويرى رئيس اتحاد جمعيات المزارعين الفلسطينيين، رأفت الخندقجي أن هذه التجربة ستمنع تدهور قطاع الثروة الحيوانية الذي بات مهدداً بالانهيار، لأنها ستوفر علفاً رخيصاً. خصوصا في ظل تراجع عدد رؤوس المواشي من مليون و700 ألف إلى 700 ألف فقط.
بدوره، أوضح عميد كلية الزراعة في جامعة القدس المفتوحة معن شقوارة، أن الهدف هو خفض تكاليف العلف المستورد من الخارج، وايجاد مصدر علف محلي وانعاش قطاع الثروة الحيوانية.
وعن الجدوى، بين شقوارة أن هذه التقنية تنتج طنا ونصف الطن من الشعير المستنبت، على مساحة دونم ونصف الدونم خلال 7-8 ايام، وهذا استغلال أمثل لوحدة المساحة، مقارنة مع الانتاج بالطريقة التقليدية، وهو معدل انتاج 350-400 كيلو غرام بالموسم لنفس المساحة خلال 6 أشهر.
وأضاف: "تقنية الزراعة المائية من التقنيات الزراعية التي تهدف إلى المساهمة في توفير الأمن الغذائي الفلسطيني، حيث تعاني الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 من محدودية في الأراضي الزراعية والمياه بسبب الاحتلال وممارساته، وأن هذا النمط متبع في الدول المتقدمة ويتم تشجيعه من كافة المؤسسات العاملة في مجال الزراعة والمياه، وهذه التقنية بالإمكان تعميمها، بعد عقد دورات تدريبية متخصصة للمعنين فيها".
وبخصوص الاتفاقية، قال شقوارة إنها تتوج التفعيل والتشبيك والتعاون بين كل الجهات، ناهيك عن تفعيل البحث التطبيقي الميداني من خلال جامعة القدس المفتوحة، لخدمة القطاع الزراعي من خلال تغذية الأغنام على الشعير المستنبت الذي ينتج بدون تربة. وتابع بالقول: "في الضفة والقطاع نعاني من استيراد ما يقارب 90% من الأعلاف من الخارج، وبالتالي إذا ما استطعنا النجاح في هذه التجربة، فسينعكس ذلك إيجابا على قطاع الثروة الحيوانية والزراعية من حيث تقليل التكلفة وزيادة معدل الإنتاج".

محطة استنبات الشعير
تجربة عملية على مدار خمسة أشهر في مزرعة بمنطقة العوجا
يهدف البحث إلى تنفيذ تجربة تطبيقية لقياس أثر الاعلاف المستنبتة على الاغنام، وتسمين الخراف، وفقا لما أفاد به مدير اتحاد جمعيات المزارعين عباس ملحم على هامش توقيع الاتفاقية، وأضاف: "هذه التجربة ستكون مدتها 5 أشهر على الاغنام، وشهرين ونصف الشهر على خراف التسمين، والهدف من هذه التجربة هو التقليل من تكاليف الانتاج على مربي الثروة الحيوانية وزيادة الانتاجية في الحليب واللحوم، بإشراف وزارة الزراعة".
وأوضح ملحم أنه تم اختيار مزرعة أغنام في العوجا، وتم تقسيم الأغنام فيها الى خمس مجموعات لتطبيق التجربة، حيث سيتم إطعامها من الأعلاف الخضراء بإشراف خبير تغذية، ومن ثم تسجيل وتوثيق البيانات والمدخلات لمقارنة تكاليف الانتاج مع الأعلاف التقليدية.
أوكسفام: نسعى لحل مشكلة ارتفاع أسعار الأعلاف ومحدودية وجودها
أوضحت مسؤولة الدعم في مشروع التطوير العادل للإنتاج الزراعي وأنظمة السوق في منظمة أوكسفام فداء الحسيني، أن المنظمة تسعى من خلال البحث لاستحداث منهجية تتصل بتطوير أنظمة السوق لخدمة صغار المزارعين. وقالت: " دورنا تيسيري بين الشركاء في القطاع العام، والخاص، والأكاديمي، لحل مشكلة ارتفاع أسعار الأعلاف ومحدودية وجودها، وعدم وجود إنتاج محلي لتلبية حاجة السوق من الأعلاف، إضافة إلى المشكلات التي تعاني منها الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وتأثرها بالتغير المناخي وقلة المياه ومحدودية الأراضي الزراعية".
وأضافت: "هذا البحث التطبيقي يوفر فرصة للتحكم بالظروف البيئية للمنتج، سواء الري والإضاءة والتعقيم والرطوبة خلال فترة الاستنبات، بما يضمن تقليل التكاليف على المزارعين ومضاعفة الانتاج وتحسين النوعية، وبهذه الطريقة نستطيع الحصول على الأعلاف على مدار العام".
ويأتي البحث ضمن برنامج العدالة الاقتصادية المنفذ من قبل أوكسفام، في إطار مشروع التطوير العادل للإنتاج الزراعي وانظمة السوق في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بتمويل من الوكالة السويدية للتعاون الانمائي الدولي "سيدا".

مراحل استنبات الشعير في مختبرات فلسطينية
وزارة الزراعة: نتحدث عن تخفيض 15-20% من تكاليف التغذية
أوضح مدير دائرة الاعلاف في وزارة الزراعة، غازي كعكاني أن هذه التجربة من شأنها تخفيض ما لا يقل عن 15-20% من تكاليف التغذية والتحول من الأعلاف المركزة الى الأعلاف غير التقليدية المستندة على المخلفات الزراعية والاستنبات لمحاصيل علفية تؤدي إلى تكوين خلطات علفية متكاملة بسعر أقل. وأكد أن المشروع خطوة أولى في طريق الاعتماد على السوق المحلية في إنتاج الأعلاف والاستغناء عن تحكم مصانع الأعلاف الإسرائيلية بالسوق.
وأشار كعكاني الى أن هذه التجربة مميزة في تقليل تكلفة إنتاج الثروة الحيوانية سواء اللحم أو الحليب، لافتا إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا في أعداد الثروة الحيوانية خاصة الأغنام بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وعدم قدرة المزارعين على تحمل التكاليف العالية للإنتاج، ما أدى الى التحول إلى نشاطات زراعية أخرى أو الخروج كلياً من القطاع الزراعي.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء يبلغ استهلاك السوق الفلسطينية من أنواع الأعلاف المختلفة حسب إحصائيات 2015-2016 ما معدله 945.298 ألف طن، يغطي إنتاج مصانع الأعلاف الفلسطينية 40% من هذه الاحتياجات، والباقي يتم توفيره من الخارج.
الشركة المنفذة: النتائج مضمونة
اعتبر مدير عام شركة أجراد للتسويق الزراعي جلال الألجي أن هذا المشروع يختلف عن المبادرات السابقة في مجال انتاج الأعلاف الخضراء كونه انتقل للقطاع الخاص كشريك، فالتجارب السابقة كانت مع جمعيات، ولم يكتب لهذه المشاريع تحقيق النتائج المرجوة، ما أدى الى خسائر لدى المستفيدين، لعدم وجود خبرة ومعرفة بالاحتياجات الغذائية للمواشي.
أما اليوم، فيرى الألجي أن هذا البحث التطبيقي سيحقق النتائج المرجوة منه، وذلك بعد القيام بعدة تجارب على مدار عامين. وأضاف: "نحن نتطلع مستقبلا إلى توفير هذه الاعلاف التي ستساهم بشكل كبير في زيادة عدد المواشي التي تراجعت بسبب قلة المراعي وغلاء أسعار الأعلاف، وتحسين نوعية وكمية الحليب واللحوم، بما ينعكس بشكل مباشر على صحة المواطن وقدرته الشرائية".
ما هو الشعير المستنبت؟
من خلال بحث بسيط على شبكة الانترنت، نجد أن بدايات استنبات الشعير تعود لعام 1930 حينما قام علماء بتجريب زراعة النباتات بدون تربة، مستخدمين العناصر الغذائية الذائبة في الماء، ووجدوا أن التربة غير ضرورية إلا لتثبيت جذور النباتات، وأصبحت في متناول الكثيرين في غرب أوروبا، وتستخدم الآن على نطاق واسع في هولندا للإنتاج التجاري للغذاء وتليها كندا في هذا المضمار. أما في الوقت الحاضر فإن هذا العلم الحديث المنشأ يتطور بسرعة كبيرة، ويتكيف مع كثير من الأوضاع من الزراعة خارج البيت إلى البيوت المحمية.
وفق المراجع العلميةـ فإن استنبات الشعير بصفة خاصة هو عملية نقع، حيث يتم تنبيت البذور داخل غرف محكمة الغلق لها جو يماثل الجو الطبيعي لزراعة الشعير كونه نبات شتوي، وذلك من خلال التحكم فى درجة حرارة الغرفة ودرجة الرطوبة والاضاءة طوال العام، ما يؤدي الى تحرر الأنزيمات ونبت الجنين ومضاعفة الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية. فعندما تتعرض حبة الشعير للرطوبة ينشأ أنزيم ( ألفا أميلاس) الذي يعمل على تفكيك النشاء الموجود في حبة الشعير بصيغة مشبعة إلى سكريات بسيطة. وبالتالي يتحول البروتين المعقد إلى بروتين بسيط على شكل أحماض أمينية سهلة الهضم، كما تنشأ أنزيمات أخرى تحول هذه المركبات البسيطة إلى فيتامينات وعناصر غذائية أخرى.
وهنا تطرأ تغيرات هامة على حبة الشعير، حيث تتضاعف فيتامينات B من 3 الى 12 ضعفا حسب نوع الفيتامين، كما يتضاعف فيتامين A الى ثلاثة اضعاف وينشأ فيتامين C بنسبة عالية والذي لا يتواجد في حبة الشعير الجافة.
ومن جهة أخرى تنشأ أحماض أمينية حية لها تأثير هام جداً على تجديد خلايا الحيوان، كما تتولد أنزيمات حية لها أثر إيجابي كبير على الجهاز الهضمي للحيوان، بالإضافة إلى الأملاح المعدنية مثل الكالسيوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم والفسفور المتواجدة في حبة الشعير المستنبت بنسب متفاوتة.
وفي هذه المرحلة من نمو حبة الشعير المستنبت عند عمر 7 ايام تكون هذه العناصر الغذائية بقيمتها العظمى. وتعتبر حبوب الشعير المبرعمة مصدراً حيويا وطازجا للبروتين والأنزيمات والفيتامينات، فهي طعام بسيط سهل الهضم يحتوي على قيمة بيولوجية عالية.
وبغض النظر عن نجاح التجربة من عدمه، فإن مجرد البحث عن البدائل خطوة في الاتجاه الصحيح، وذلك نحو تحرير المزارعين من سطوة الأعلاف المستوردة باهظة الثمن. مشوار طويل، لكنه ليس مستحيلاً في حال توفرت الإرداة وتكاتفت الجهود بين كل الأطراف.