خاص بآفاق البيئة والتنمية
اسلام زرلّي - منسقة مشروع البارومتر الأخضر في منظمة راج تونس
كاتوفيتشي – بولندا: تحت سقف واحد، اجتمعت دول العالم لتتفاوض من أجل الحدّ من الانعاكاسات الناتجة عن تغير المناخ، ضغط كبير، تفاؤل في أحيانٍ معينة وخيبة أمل في أحيانٍ أخرى، لكن هذه هي الفرصة لتحريك الأمور قليلًا إلى الأمام، والاستفادة من الـكوب 24 (مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ).
من الدول التي وصلت إلى كاتوفيتشي – بولندا لتحظى بفرصة التفاوض من أجل تغيير الواقع المرير، هي تونس والتي تتمثل بفريق مؤلف من أكثر من عشرة أشخاص من مجالات مختلفة، يبرز فيه بقوة حضور الشباب من منظمة راج التونسية، والتي حاربت من أجل مكانتها في الوفد والرؤيا العملية الشبابية للعمل من أجل المناخ.
مفاوضات تونس إلى طريق مسدود
تواجه تونس الخضراء، والتي تعتبر دولة نامية، في الآونة الأخيرة تحديًا كبيرًا ناتجًا عن تغير المناخ، حيث بدأ التونسيون بملاحظة الانعاكسات المناخية التي تتمثل بالفقر المائي ومستوى الإنتاج الفلاحي والمردود الزراعي الشحيح خلال السنوات الأخيرة خاصّة، وتأثير هذه الانعكاسات بشكل مباشر على العجلة الاقتصادية في البلاد.
محمد زمرّي - منسق الوفد التونسي المفاوض في مؤتمر الأطراف 24
يقول محمد زمرّي – منسق الوفد التونسي للمفاوضات في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 24 – في هذا السياق:" ترتبط تونس بشكل كبير بقطاع السياحة والفلاحة، وبفعل تغير المناخ فنحن نشهد ضربة قوية في هذين القطاعين، وخاصة بالموارد الطبيعية والمنظومات البيئية في الساحل".
يؤكد الوفد التونسي على "حق تونس في أن تعيش طموحاتها وأن تحقق تطلعاتها بالتنمية المستدامة، وهي فعليًا تعمل بكل جدٍ على مجابهة كل الاشكاليات الناتجة عن غازات الدفيئة".
يجري الوفد التونسي مفاوضات مع عشرات الوفود الأخرى من مختلف أنحاء العالم، ويعمل على التشبيك وتقريب وجهات النظر، وخلق الحوار الايجابي من أجل الوصول إلى مسؤوليات متساوية فيما يتعلق بتخفيف الانبعاثات.
يقول زمرّي في هذا السياق: "واجهت المفاوضات عقبات كثيرة، وذلك بسبب صلابة المواقف والعديد من العناصر الخلافية رغم محاولات تقريب وجهات النظر وتقليص الفجوات، وهنا يهمني أن أذكر أن أهم نقاط الاختلاف هي التي تتعلق بمسؤولية كل دولة بتخفيف الانبعاثات والمساهمات المحددة وطنيًا".
مستعدون ولكن!
التفرقة بالمسؤوليات بين الدول النامية والدول المتقدمة، أيضًا تعتبر نقطة جدال أخرى واجهها فريق تونس للمفاوضات، حيث يقول زمري: "من الممكن أن تتحمل الدول النامية عبء الالتزام بتقليص الانبعاثات، لكن بشرط أن تكون في إطار يراعي قدراتها وامكانياتها، رغم أن الدول النامية ليست مسؤولة بشكل كبير عن الانبعاثات مقارنة مع الدول المتقدمة كالصين والولايات المتحدة".
ويضيف: "من الممكن المساهمة إذا توفرت لنا امكانيات التمويل والدعم والمساندة وهذا ما تحتاجه ليس فقط تونس؛ إنما جميع الدول النامية".
لدى تونس عددٌ من المشاريع المهمة التي تنتظر انطلاقها تنفيذًا لمسؤولية تونس في تخفيف الانبعاثات، مثل مشروع الطاقة المتجددة ومشروع الغابات ومشروع نجاعة الطاقة، لكن كل هذه المشاريع متعلقة بشكل مباشر بآليات التمويل، حيث يطالب الوفد التونسي بآليات تمويل شفافة وتحديد أهداف كيفية وكميّة للدعم، كما يطالب بالمصداقية الكاملة من قبل الدول التي تقدم التزامها لاتفاقية باريس.
التزام تونس تجاه اتفاقية باريس: خفض كثافة الكربون بنسبة 41% حتى 2030
في إطار المساهمات المحددة وطنيًا وبمقتضى اتفاقية باريس والتي تحدد التزامات كل دولة في خفض نسبة الانبعاثات، قامت تونس بتحديد التزاماتها بتقليص انبعاثاتها الكربونية بنسبة 41% حتى العام 2023.
يعقب زمرّي: "هذا هدفنا، ونعتبره أيضًا خيارًا اقتصاديًا مهمًا جدًا بالنسبة للتنمية في تونس، ومن نسبة الـ41% التي قمنا بتحديدها، سنلتزم بخفض 31% بجهودنا وقدراتنا الذاتية، أمّا النسبة المتبقية فهي مرتبطة بآليات التمويل والدعم".
يركز فريق المفاوضات التونسي على البند 6 من اتفاقية باريس والذي يتعلق بأسواق الكربون، اعتقادًا أنه المجال الأكبر للتمويل والذي من الممكن أن يساهم بمساعدة الدول لتمويل برامجها ومشاريعها ضمن خطة خفض الانبعاثات. يكمل: "هذا البند بشكل خاص لا يزال في أروقة المفاوضات، وحتى الآن اجراءاته غير واضحة أبدًا، وما وصلنا اليه حتى الآن هو فقط طريق مسدود".
راج – منظمة شبابية تتحصل على صفة "مراقب" في المؤتمر
رغم كل العثرات التي قد يواجهها الوفد التونسي خلال إجراء المفاوضات، إلّا أن هناك خططاً داخلية ومشاريعَ يسعى إلى تطبيقها من أجل الالتزام باتفاقية المناخ، ناهيك عن تواجد العنصر الشبابي في الوفد، والذي إن دلّ على شيء فإنه يدلُ على الوعي والمسؤولية والتحرك من أجل حياة ذات جودة عالية.
حظيت منظمة راج التونسية مؤخرًأ على صفة مراقب من قبل مؤتمر الأطراف، ويأتي هذا بعد عمل جاد في مجال البيئة والمناخ على المستوى النظري والعملي في الميدان.
توصيات راج للوفد المفاوض
قامت منظمة راج بعقد لقاء وطني حول تغيرات المناخ خلال العام الماضي، عشية انطلاق فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ – كوب 23 والذي عقد في بون- ألمانيا، حيث حضر هذا اللقاء وشارك في ورشاته التي تمحورت حول المؤتمر واتفاقية باريس، مسؤولون وممثلون من المجتمع المدني العاملون في مجال تغير المناخ، وانتهى اللقاء بتقديم توصيات تُقدم فيما بعد إلى الوفد التونسي المفاوض، حيث توزعت على أربعة مجالات مختلفة، وهي: الجندر وحقوق الإنسان، التلوث والانبعاثات، الفلاحة والطاقة.
آمنة الفراتي - مشروع المنتدى الأخضر للمناخ
توصيات في مجال حقوق الإنسان والجندر
وورد في إطار التوصيات في مجال الجندر وحقوق الإنسان حسب آمنة الفراتي – منسقة مشروع المنتدى الأخضر للمناخ:" التوصية الأولى في هذا المجال، هي زيادة تمثيل المرأة في الوفد الرسمي الذي سيكون حاضرًا في المفاوضات، والتوصية الثانية هي بناء قدرات المندوبين في حقوق الإنسان والجندر لضمان تركيزهم على ذلك، والتوصية الثالثة تعتمد على تحديد الأشخاص المشاركين والشركاء في المفاوضات قبل عملية التفاوض، والتوصية الرابعة، تتطرق إلى أهمية وجود محامين ومفاوضين مع خلفية عميقة في حقوق الإنسان".
توصيات في مجال التلوث والانبعاثات
أمّا عن التوصيات في مجال التلوث والانبعاثات، فهي تتمثل في تبني استراتيجيات واضحة وواقعية، العمل على استراتيجيات تكيّف مع السياسات المناخية والبيئية، والتوصية الأخيرة هي فتح المجال أمام الباحثين والعلماء من أجل تقديم أبحاثهم المتعلقة بالمناخ والبيئة.
توصيات في مجال الفلاحة
وتضيف الفراتي حول التوصيات في مجال الفلاحة بأنها تتمثل بفتح منصة معلوماتية موجهة لأصحاب القرار، المواطنين والعلماء لتتبع التوجهات الوطنية فيما يتعلق بمجال الفلاحة"، أما "التوصية الثانية فتتعلق بفتح باب التواصل بهدف توعية الفلاحين. والتوصية الثالثة تتعلق بتخطيط المناطق الفلاحية الأكثر هشاشة لآثار التغير المناخي".
وفاء الحمادي - منسقة برنامج البيئة والمناخ في منظمة راج تونس
"راج تونس"
امتدادًا للحراك السياسي والاجتماعي في تونس عام 2011، الذي طالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، وانخراطًا في الديناميكيات التي يمثلها الشباب، انطلقت "راج تونس" عام 2013 في إطار فعاليات المنتدى الاجتماعي العالمي في تونس.
تعمل منظمة "راج تونس" في الميدان الشبابي والبيئي، حيث نفذت عشرات المشاريع منذ انطلاقها، وأبرزها برنامج البيئة والمناخ الذي أطلقته مؤخرًا والذي يشمل عدداً من المشاريع التي تسلط الضوء على البيئة وعلى الانعكاسات الناتجة عن التغيرات المناخية.
وفي إطار هذا البرنامج، ينشط المنتدى الأخضر للمناخ، حيث تقول منسقة برنامج البيئة والمناخ، وفاء الحمادي:" يأتي هذا المشروع تزامنًا مع دخول إتفاقية باريس ووثيقة المساهمات الوطنية المحددة والأجندة 2030 لأهداف التنمية المستدامة السابعة عشر حيّز التنفيذ"، تكمل: "يهدف مشروع "المنتدى الأخضر للمناخ" إلى تشبيك مختلف الأطراف الفاعلة في مكافحة التغيرات المناخية وذلك من خلال خمسة أنشطة تهدف كل منها للوصول لجمهور مختلف".
أنشطة "المنتدى الأخضر للمناخ"
تتمثل الأنشطة في مشروع "المنتدى الأخضر للمناخ" بالمنصة أولًا، وتعتبر المنصة قاعدة بيانات وفضاءً رقميًا لتبادل التجارب والخبرات في مجالي التنمية المستدامة والتغيرات المناخية، وبنشاط "كلمة Climate"، وهي عبارة عن سلسلة فيديوهات تطرح مواضيع مختلفة متعلقة بتغير المناخ بأسلوب واضح وهادف للتوعية، اضافة إلى المرافعة الوطنية من أجل المناخ "احكي Climate"، ويعتبر هذا النشاط دعوة للجمهور العام للعمل والتفاعل من أجل مكافحة التغيرات المناخية، ودعوة لفتح أبواب النقاش في القضايا البيئية في سياقاتها المختلفة.
هذا بالإضافة إلى المنتدى الأخضر للمناخ وهو فضاء للالتقاء بين مختلف المبادرات في مجالي البيئة والمناخ، أمّا عن النشاط الأخير فيتمثل بالجامعات البديلة للمناخ، حيث تمثل جامعة المناخ فرصة للمهتمين بمجال المناخ لتعميق المعرفة وتعزيز القدرات في الاستراتيجيات الوطنية والمفاوضات المناخية والتوافقات العالمية.
وتقول الحمادي: "الآليات التي نتبعها خلال مشروع "المنتدى الأخضر للمناخ" تتمثل بإجراء الأبحاث، إتاحة الوصول للمعلومة، تشبيك وتنظيم جلسات عمل وورشات مع مسؤولين وخبراء عن المجتمع المدني، تعزيز المشاركة في الفعاليات المختلفة حول التغيرات المناخية والتنمية المستدامة".
البارومتر الأخضر
وفي حديث آخر أجريناه مع اسلام زرلّي – منسقة مشروع البارومتر الأخضر، فيما يتعلق بمشروعها وأهدافه وكيف يتماشى مع مكافحة التغيرات المناخية، قالت:" في مشروع البارومتر الأخضر نعمل على تصوير أفلام وثائقية حول القضايا البيئية في المناطق الأكثر تضررًا في تونس، ما يعمل على رفع الوعي لهذه المناطق وتحفيز العمل الفعلي لمساعدتها"، وتضيف: "نعمل أيضًا على تنظيم سلسلة من اللقاءات مع ممثلي الحكومة والناشطين والمجتمع المدني وغيرهم لفتح قنوات الحوار والاتصال فيما يتعلق بقضية مكافحة التغيرات المناخية، إضافة الى تحضير أوراق سياسية نتاج لمحاضرات ناقدة في مجالي البيئة والمناخ بهدف قياس مدى توافق الأنشطة والاجراءات الحكومية مع التزاماتها الدولية، وأخيرًا؛ نعمل على الدعوة لتنفيذ المادة 129 من الدستور التونسي وتعزيز التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة".
تؤكد منظمة "راج تونس" على الشفافية والتشاركية والمصداقية، كما تسعى لتعزيز النضال في الالتزام والدفاع عن قضايا البيئة وتعزيز الإبداع في خلق منهج جديد للتعليم البيئي.
*هذا التقرير بدعم من CCMP 2018 – Climate Change Media Partnership