دروس من الطبيعة.. كيف تساهم البيئة في تعزيز صمود الفلسطيني؟
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يشتد أوار الحرب على قطاع غزة والضفة الغربية، ويستمر الحصار وشحَ الموارد والإمكانيات، ومع هذا، يضطر الفلسطينيون إلى البحث عن حلول إبداعية لضمان بقائهم وتعزيز صمودهم في وجه التحديات، وكان من أبرز تلك الحلول الاعتماد على الاقتصاد المنزلي وإنشاء الحدائق المنزلية، حيث لعبت مبادرات من هذا النوع دورًا حيويًا في توفير الغذاء والاستقلال عن الأسواق التي أصبحت غير مستقرة أو مكلفة. الظروف القاسية والأوضاع الصعبة دفعت الفلسطينيين إلى إعادة اكتشاف قدراتهم على الابتكار والصمود، فتمكنوا من خلق بيئة توفر لهم الحد الأدنى من الاستقلالية الغذائية والمالية، محولّين الأزمات إلى فرص للنمو والاعتماد على الذات. كما برزت روح التعاون بين العائلات والجيران، فأخذوا يتبادلون المحاصيل والمنتجات المنزلية، ما عزَّز التضامن المجتمعي وقلَّل الحاجة إلى الإنفاق النقدي.
|
 |
متطوعون في تكية نادي جنين الرياضي خلال إعدادهم الطعام في شهر رمضان |
يمكن استلهام مقومات الصمود والبقاء من النباتات والأشجار، بدراسة آليات تكيفها وإستراتيجياتها الطبيعية في مواجهة التحديات والظروف البيئية القاسية، فالنباتات تمتلك قدرة مذهلة على التكيف مع التغيرات المناخية والبيئية، على سبيل المثال نباتات الخيزران، تبدو ضعيفة لكنها مرنة جدًا وقادرة على الانحناء أمام الرياح دون أن تنكسر، وبعض النباتات تعيش في علاقات تكافلية مع الفطريات أو البكتيريا لتأمين الغذاء، كما أن الأشجار في الغابات التي تحترق أحيانًا تعيد إنتاج نفسها بواسطة البذور المقاومة للحرائق، وهناك بعض الأشجار الكبيرة ترسل المغذيات إلى الأشجار الصغيرة عبر الجذور الفطرية لضمان بقاء الغابة عامة.
لقد تعلّم واستفاد الإنسان الفلسطيني من البيئة المحيطة أهمية التعاون والعمل الجماعي وهما مفتاح الاستمرارية والبقاء والاستدامة، سواء بين الأفراد أم في المجتمع، كما تعلّم الصبر والمرونة في مواجهة المحن، والقدرة على النهوض مجددًا بعد الأزمات والانكسارات، مستلهمًا كل ذلك في بناء مجتمع متماسك يدعم بعضه بعضًا، مثل تعزيز ثقافة التعاون والمساعدة المتبادلة بين الأفراد والمؤسسات وتشجيع العمل الجماعي.
 |
 |
جانب من الدمار الذي احدثته الجرافات الإسرائيلية في مخيم جنين |
نزوح متواصل وتهجير قسري للمواطنين في قطاع غزة |
التضامن والتكافل: النباتات أنموذج للعطاء
في الطبيعة والبيئة المحيطة توفر بعض النباتات مأوى وظلًا لكائنات أخرى، مثل الأشجار التي تظلّل التربة وتحمي النباتات الصغيرة من الحرارة القاسية، وبعض النباتات تعيش في علاقات تكافلية، مثل النباتات التي تستفيد من البكتيريا لتثبيت النيتروجين في التربة، ما يُحسّن من جودة التربة للجميع.
تعلَّم الفلسطيني كيف يعزز ثقافة التضامن عبر دعم الفئات الضعيفة مثل كبار السن أو ذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما أولئك الذين أجبروا على النزوح قسرًا من بيوتهم في العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في شمال الضفة الغربية.
وتعلّم أيضًا سبل دعم الاقتصاد الاجتماعي الذي يعتمد على التعاون والتكافل بدلًا من المصالح الفردية فقط، وأدرك كذلك أن الغابات التي تحوي تنوعًا نباتيًا كبيرًا تكون أكثر استقرارًا ومرونة في مواجهة الكوارث؛ مقارنة بالغابات التي تقتصر على نوع واحد، وكل نوع نباتي يؤدي دورًا محددًا يساهم في استقرار النظام البيئي.
أما الإنسان الفلسطيني فقد استلهم ذلك في تقبّل التعددية الثقافية والدينية داخل المجتمع الفلسطيني، لأن التنوع يعزز الإبداع والقدرة على التكيف وإنشاء مجتمع متسامح يتقبل الاختلافات ويستفيد من التنوع كونه قوة إيجابية.
 |
 |
حقول القمح في سهل مرج ابن عامر في جنين |
طفل يبيع الكتب في أحد شوارع غزة لإعالة عائلته بعد استشهاد والده في قصف للاحتلال على غزة |
المرونة في مواجهة التحديات
تطورت في الطبيعة الفلسطينية النباتات الصحراوية مثل الصبار بطرق مبتكرة، لتقلّل فقدان الماء بواسطة أوراقها الشوكية وتقنيات التخزين الداخلي للاحتفاظ بالماء والتكيف مع الظروف القاسية، إضافة إلى أن بعض الأشجار التي تعيش في ظروف مناخية صعبة، طورت جذورًا قوية لتمكنها من الصمود أمام الرياح العاتية وقلة هطول الأمطار. واستطاع مجتمعنا التكيف مع الأزمات، مثل الأوبئة والحروب والاجتياحات العسكرية أو التغيرات الاقتصادية، بتبني سياسات مرنة تشجع الأفراد على بناء مهارات التكيف والاعتماد على الموارد المحلية والقدرة على الصمود في مواجهة الأزمات.
 |
 |
جيش الاحتلال يواصل حرق وتدمير منازل المواطنين في مخيم جنين |
جنود جيش الاحتلال خلال تجوالهم وسط الدمار في مخيم جنين |
المشاركة والمسؤولية الجماعية
استطاع الفلسطيني عبر تجاربه المتراكمة استلهام مبادئ الصمود والبقاء من النباتات والأشجار لتطبيقها في الحياة اليومية، مثل المرونة، التعاون، الاستدامة، النمو والبقاء، وإدارة الأزمات بحكمة، بحيث قدمت لنا الطبيعة دائمًا دروسًا قيّمة حول كيفية النجاة والتطور والاستمرار رغم التحديات.
في طبيعة بلادنا تساهم الأشجار الكبيرة في تنقية الهواء، وإنتاج الأكسجين، ومنع انجراف التربة، ما يعود بالفائدة على الجميع، وبعض الأشجار مثل الكينا تشارك في حماية البيئة بامتصاصها الملوثات وتحسينها جودة الهواء والماء.
وفي مجتمعنا استطاع المواطن أن يرسخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية، بحيث يتحمل كل فرد أو مؤسسة دورًا في تحسين جودة الحياة للجميع، عبر تشجيع المبادرات المختلفة التي تجعل المجتمع أكثر استدامة.
 |
 |
الزعتر البلدي خلال عملية التجفيف وهو أحد دعائم الاقتصاد المنزلي |
زراعة الخس في سهل مرج ابن عامر في جنين |
مبادرات مجتمعية مساندة
في مدينة جنين التي ما زالت تشهد حصارًا وعملية عسكرية إسرائيلية متواصلة منذ ثلاثة شهور، كما في مدن فلسطينية عدة، لعبت المبادرات المجتمعية والتكايا دورًا بارزًا في تعزيز صمود وبقاء المواطنين في مواجهة التحديات المختلفة.
يقول الناشط المجتمعي محمد أبو الهيجا رئيس المبادرات المجتمعية في محافظة جنين: "نفذّنا عديداً من المبادرات واللفتات الإنسانية ومنها مبادرة "كرَّم معلمك"، ومبادرة "لأجلكم"، ومبادرة "تميز"، ومبادرة "ألفة"، وتهدف هذه المبادرات إلى تقديم يد العون لشعبنا جراء ما يمر به من ظروف صعبة، وفي مقدمتها تكرار الاجتياحات والاعتداءات على جنين ومخيمها، عبر تقديم المساعدات من مواد تموينية وعلاجية، مع التركيز على احتياجات النساء والأطفال".
ويضيف أبو الهيجا في حديثه مع "آفاق البيئة والتنمية": "عندما أجبر جيش الاحتلال الأهالي على النزوح القسري من مخيم جنين تواصلنا مع جمعية "كي لا ننسى" وبعض المتطوعين لتقديم مساعدة عاجلة من مواد تموينية وبطاطين وفراش، إضافة إلى سلال غذائية لتوزيعها على الأسر المحتاجة في جنين ومخيمها، نظمتها مجموعات شبابية ومؤسسات محلية بمساهمات من المجتمع المدني والتجار المحليين".
ويردف قائلاً: "مع استمرار الأزمة الإنسانية نُظّمت أيام طبية طارئة وسريعة في عدة مناطق استهدفت النازحين لتقديم العلاج السريع للمرضى وللأطفال وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، بالتنسيق مع الإغاثة الطبية الفلسطينية، فضلاً عن تقديم مساعدات بدعم من بعض التجار والمتبرعين".
 |
 |
رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين محمد الصباغ يتفقد سير عمل تكية نيسان |
متطوعون يعدون الطعام في تكية نيسان لتقديم وجبات افطار للنازحين في مخيم جنين |
التكايا تعزيز لثقافة التضامن
تُعدّ تكية اللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين، المعروفة أيضًا بـ"تكية نيسان"، إحدى المبادرات الخيرية البارزة في مخيم جنين، حيث تُجسّد روح التضامن والتكافل المجتمعي، خاصة في شهر رمضان.
تُبرز" تكية نيسان" أهمية العمل المجتمعي في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها محافظة جنين، وبطبيعة الحال اعتداءات الاحتلال المستمرة، أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وبتنفيذ هذه المبادرة، يُظهر المجتمع الفلسطيني قدرته على التكاتف والتعاون لتقديم الدعم للمحتاجين، ما يعزز من صموده.
 |
 |
محصول القثائيات (الكوسا) في سهل مرج ابن عامر في جنين |
بقايا خيام النازحين التي تعرضت للقصف الإسرائيلي في خانيونس جنوب قطاع غزة |
أهمية التكايا
تعد تكية "نادي جنين الرياضي" من أبرز المبادرات التي تقدم وجبات غذائية مجانية للفئات المحتاجة منذ ما يقارب 12 عامًا.
تقول يسرى أبو الوفا المدير الإداري للنادي لمراسل "آفاق البيئة والتنمية": "تعتمد التكية على تبرعات المجتمع المحلي، ما يعكس روح التكافل والتضامن بين أبناء المدينة؛ وبخاصة في الشهر المبارك".
وتضيف أبو الوفا: "شارك النادي في تنظيم عدة حملات للتبرع بالدم في جنين، لدعم المستشفيات المحلية وتلبية احتياجات المرضى والجرحى، خاصة في فترات الحصار العسكري، حيث جسدت هذه المبادرات روح التضامن والتكافل الاجتماعي، وأبرزت تكاتف المجتمع المحلي من أجل تعزيز صمود أفراده في مواجهة التحديات المختلفة".
 |
 |
نبات الركف او زقوقيا البري في جبال جنين والذي استعمله الفلسطيني بديلا لورق العنب |
اغصان الخردل البرية اللينة والتي استخدمت في الطعام |
الصمود في غزة.. دروس من الطبيعة
في قطاع غزة، حيث تتجسد المعاناة في أصعب صورها، تعلَّم الإنسان فن البقاء والصمود، رغم الحصار والحرب والدمار والجفاف والقصف.
لقد فرضت عليه الظروف أن يكون قويًا كالجذور التي تتشبث بالأرض، وأن يتكيف كما تتكيف النباتات مع أصعب البيئات، باحثًا عن بصيص أمل للحياة وسط الدمار.
وكالأشجار التي تنحني أمام الرياح العاتية لكنها لا تنكسر، تعلَّم سكان غزة كيف يتكيفون مع الأوضاع القاسية، مبتكرين حلولًا تضمن لهم البقاء.
تخبرنا المهندسة البيئية رنيم مدوخ من واقع معايشتها لما يحدث في غزة: "لجأ الناس هنا إلى الزراعة المنزلية فوق الأسطح وبين الأنقاض وبعض المساحات المتاحة لتعويض نقص الغذاء، مستلهمين من النباتات قدرتها على النمو حتى في أضيق المساحات، تمامًا كما تستمد الأشجار طاقتها من الطبيعة المحيطة بها، كما استخدموا الحطب وبقايا الأخشاب للطهي والتدفئة عندما نفد الوقود".
وتستشهد مدوخ بأمثلة من الطبيعة ملهمة للصمود: "زَرع بعض السكان نباتات مفيدة مثل البندورة والنعنع والبقدونس، كذلك، شهدنا مبادرات لإعادة استخدام الأخشاب وبقايا النباتات والأشجار لصنع أدوات بسيطة تلبي الاحتياجات اليومية، في صورة تعكس قدرة الإنسان على التكيف والتعلم من الطبيعة".
وتزيد مدوخ بالقول: "في غزة، كما في الغابات التي تنجو رغم الحرائق والجفاف، يثبت الغزاوي أنه قادر على إعادة الحياة من تحت الركام، مستلهمًا من الأشجار درسًا في الصمود، ومن الأرض قوة لا تنضب".
 |
 |
محصول الملفوف الذي نما في سهل مرج ابن عامر خلال الحرب على جنين ومخيمها |
جانب من الدمار الذي احدثته الجرافات الإسرائيلية خلال العملية العسكرية على مخيم جنين |
الحرب والموارد الشحيحة
يشتد أوار الحرب على قطاع غزة والضفة الغربية، ويستمر الحصار وشح الموارد والإمكانيات، ومع هذا، يضطر الفلسطينيون إلى البحث عن حلول إبداعية لضمان بقائهم وتعزيز صمودهم في وجه التحديات، وكان من أبرز تلك الحلول الاعتماد على الاقتصاد المنزلي وإنشاء الحدائق المنزلية، حيث لعبت مبادرات من هذا النوع دورًا حيويًا في توفير الغذاء والاستقلال عن الأسواق التي أصبحت غير مستقرة أو مكلفة.
 |
 |
انتاج محصول البندورة المحلي خلال الحرب على قطاع غزة |
المهندس يوسف ابو ربيع يزرع بذوراً زراعية أمام بيته الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي |
الحدائق المنزلية: زراعة الحياة وسط الدمار
مع تعطل سلاسل الإمداد الغذائية في الحرب، وصعوبة الوصول إلى المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية والارتفاع الجنوني في الأسعار، لجأت عديد من العائلات الفلسطينية إلى تحويل المساحات الصغيرة قرب المنازل إلى حدائق منتجة سواء على أسطح المنازل، أم في الأفنية الخلفية، وحتى داخل عبوات بلاستيكية معاد تدويرها، فأخذ الناس يزرعون الخضراوات، والأعشاب الطبية، وبعض المحاصيل لتوفير قوت يومهم.
ومن فوائد هذه الحدائق توفير الأمن الغذائي، وإنتاج الخضراوات الطازجة مثل البندورة، والخيار، والنعناع، والبقدونس، والزعتر وغيرها كثير، دون الحاجة إلى شرائها، كونها أصبحت شحيحة وأسعارها لا تحتمل، وبذلك يخففون عن كاهلهم شيئاً من الأعباء الاقتصادية.
 |
 |
واحات زراعية خضراء مزروعة بين المنازل شمال قطاع غزة وينتظر الغزيون قطفها لسد جوعهم |
متطوعون يوزعون المياه المعدنية بعد أن دمر الاحتلال خطوط المياه الرئيسية خلال العملية العسكرية المتواصلة على جنين ومخيمها |
الاقتصاد المنزلي.. عودة إلى الاكتفاء الذاتي
دفعت الحرب والظروف القاسية الفلسطينيين إلى إعادة اكتشاف قدراتهم على الابتكار والصمود؛ بإنشاء الحدائق المنزلية والاقتصاد المنزلي، وتمكنوا من خلق بيئة توفر لهم الحد الأدنى من الاستقلالية الغذائية والمالية، محولين الأزمات إلى فرص للنمو والاعتماد على الذات.
يقول بلال معالي صاحب مشتل زراعي في جنين إنه "نتيجة للظروف القاسية، أصبح الاقتصاد المنزلي ضرورة وليس خيارًا، حيث اتجهت عائلات عدة نحو ممارسات جديدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، منها صناعة الخبز المنزلي وذلك بسبب نقص الدقيق وإغلاق المخابز أحيانًا، وكان لزاماً عليها إعداد الخبز في المنازل باستخدام الأفران والطوابين التقليدية، فضلاً عن تحضير المؤن المنزلية وتخزين وتجفيف بعض المنتجات الغذائية مثل البندورة، والبصل، والليمون، والبقوليات للحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة.
ويضيف معالي: "مع انقطاع الكهرباء وشح مواد التنظيف، بدأت بعض العائلات تنتج الشمع للإضاءة، والصابون المنزلي باستخدام مكونات بسيطة، كما شرعت أُسر أخرى ممن لديها مساحات صغيرة، ترّبي الدجاج للحصول على البيض واللحم".
ويؤكد صاحب المشتل أن هناك إقبالاً كبيراً على أشتال الزعتر والفلفل والبندورة والباذنجان لخلق نوع من الاكتفاء الذاتي في الصيف، إضافة إلى زراعة أشتال العنب، في حين أن أغلب المواطنين زرعوا الخس والملفوف والزهرة والبصل والبقدونس في فصل الشتاء لسد احتياجاتهم اليومية من الخضراوات.
ويرى أن الأوضاع الصعبة أظهرت روح التعاون بين العائلات والجيران، حيث يتبادلون المحاصيل والمنتجات المنزلية، ما عزَّز التضامن المجتمعي وقلَّل الحاجة إلى الإنفاق النقدي، حسب قوله.
 |
 |
المهندس يوسف أبو ربيع يحمل اشتالا جاهزة للزراعة |
نبات الإصيبعة او الجلثون البري طيب المذاق في سهل مرج ابن عامر في جنين |
عسل جنين "ذهبٌ" في الأزمات
وفي تطور لافت لخلق مشاريع صغيرة مدرة للدخل، قال م. إبراهيم محاميد، رئيس جمعية مربي النحل التعاونية في محافظة جنين، لـ "آفاق البيئة" إن المواطنين في محافظة جنين يقبلون على شراء خلايا النحل وتربيتها لإنتاج العسل، التي تُعد من المشاريع الصغيرة ذات الجدوى الاقتصادية العالية، خصوصًا في المناطق الريفية التي تعاني صعوبات اقتصادية وتراجعًا في فرص العمل.
وتبعاً لحديث محاميد: "ميزة مشاريع تربية النحل أنها توفر مصدر دخل مستدام وقليل التكلفة كونها تعتمد على الموارد الطبيعية المتاحة، فالبيئة الزراعية في جنين، الغنية بالأزهار والنباتات، تُشكّل بيئة مناسبة للنحل وتقلّل تكاليف التغذية والرعاية، وهذا من شأنه دعم السيادة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي".
وحسب اطلاعه، يساعد إنتاج العسل المحلي على تقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة، وهذا يصب في صالح الاقتصاد المحلي، إضافة إلى أن النحل يخدم التنوع البيولوجي ويزيد جودة المحاصيل الزراعية عبر التلقيح، وعلاوة على ما سبق، تربية النحل لا تسبّب التلوث، بل تساهم في التوازن البيئي.

الدبابات الإسرائيلية خلال احتلالها وسط مخيم جنين
خاتمة:
الطبيعة ليست مجرد خلفية صامتة لحياتنا، بل هي معلمٌ صبورٌ يعطينا في كل لحظة دروسًا عظيمة عن البقاء والمرونة والعطاء.
ومن بين جذور الأشجار العتيقة وأوراق النباتات الصحراوية، استلهم الفلسطيني من البيئة التي تحيطه طريقاً نحو الثبات، وتحوّل من متلقٍ للضربات إلى صانع لحلول إبداعية تستمد قوتها من قوانين الطبيعة ذاتها، تمامًا كما تنحني الأشجار أمام الريح لتبقى، وتتوحد جذورها تحت الأرض لتساند بعضها.
لقد أعاد الفلسطينيون حقاً إنتاج الحياة من بين الركام، فابتكروا سُبلًا للعيش رغم الشُحّ والعدوان، وأثبتوا أن الصمود ليس مجرد موقف لحظي، بل هو فلسفة حياة، تُبنى على العمل الجماعي، والمسؤولية المتبادلة، والقدرة على التكيف والابتكار، وفي زمن الحرب والجوع والحصار، باتت الطبيعة رفيقًا ومصدر إلهام، تُضيء له دربًا نحو الكرامة والاستمرارية.
وكما تُزهر النباتات رغم التربة الجافة، يُرينا الفلسطيني في كل يوم أنه قادر على زرع الأمل في أرضٍ أنهكتها المعاناة، لكنه لم يفقد الإيمان بأن الحياة ممكنة، وأن النهوض دائمًا خيار.