خاص بآفاق البيئة والتنمية
يسابق مزارعو سهول جنين الشمس؛ للعناية بحقولهم وللاحتماء من أشعتها الحارقة، التي باتت تُشكل مصدراً للقلق. يتحايل المزارعون على حرارة تموز بقبعات كبيرة وملابس طويلة، ويتزودون بالكثير من الماء، لكنهم يضعون أيديهم على قلوبهم خشية على نباتاتهم، التي باتت عرضة لموجات حر متلاحقة. ويخشى الفلاحون من تضرر موسهم، وتراجع كميات المياه التي يستطيعون توفيرها، وبالتالي تكبدهم المزيد من التكاليف المرتفعة والخسائر، على حد قولهم. المزارعون يتعرضون لكل الظروف الجوية، وتهددهم الرياح، والفيضانات، والصقيع، لكن الحر الشديد يحتاج إلى حسابات أخرى. "آفاق" تفتح ملف "جنون درجات الحرارة" في صيف فلسطيني ساخن وجاف وثقيل، مستعينة بمسؤولين ومختصين وخبراء.
|
 |
جفاف بسبب الحرارة المتطرفة |
يسابق مزارعو سهول جنين الشمس، للعناية بحقولهم وللاحتماء من أشعتها الحارقة، التي باتت تُشكل مصدراً للقلق، كما يتضح جلياً على وجه الأربعيني مصطفى العلي.
يتحايل مصطفى وأقرانه على حرارة تموز بقبعات كبيرة وملابس طويلة، ويتزودون بالكثير من الماء، لكنهم يضعون أيديهم على قلوبهم خشية على نباتاتهم، التي باتت عرضة لموجات حر متلاحقة.
ويخشى الفلاحون، كمصطفى، من تضرر موسمهم، وتراجع كميات المياه التي يستطيعون توفيرها، وبالتالي تكبدهم المزيد من التكاليف المرتفعة والخسائر، على حد قولهم.
وأشار المزارع العلي إلى أن المزارعين يتعرضون لكل الظروف الجوية، وتهددهم الرياح، والفيضانات، والصقيع، "لكن الحر الشديد يحتاج إلى حسابات أخرى"، كما أوضح لـ "آفاق"، التي تفتح ملف "جنون درجات الحرارة" في صيف فلسطيني ساخن وجاف وثقيل، مستعينة بمسؤولين ومختصين وخبراء.
 |
 |
م. ابتسام ابو الهيجاء مديرة قسم الجفاف والتغير المناخي في وزارة الزراعة |
غروب يوم حار |
3 مظاهر مناخية جديدة
من موقعها، أوضحت مديرة قسم الجفاف والتغير المناخي في وزارة الزراعة، م. ابتسام أبو الهيجاء، أنه وفق قراءات نماذج الإنذار المناخي المبكر بين 25 حزيران/يونيو إلى 9 تموز/يوليو الفائت، تلخصت التوقعات في "حدوث 3 مظاهر مناخية جديدة"، و6 مظاهر زراعية، تستوجب 10 احتياطات زراعية.
ولخصت المظاهر المناخية المتوقعة في توالى الموجات شديدة الحرارة دون انقطاع، مع ارتفاع حرارة الليل. إضافة إلى مصاحبة الحرارة العالية لزيادة أكبر في الطاقة الحرارية (الإشعاع الشمسي). بجوار زيادة الرطوبة النسبية صباحاً، وارتفاع معدل تشكل الندى والرطوبة الحرة على أسطح النباتات.
وأفادت بأن أهم المظاهر الزراعية المتوقعة زيادة درجات حرارة الليل، ما يعني رفع معدلات "تنفس الظلام "Dark respiration، وزيادة معدل هدم المادة الجافة التي يصنعها النبات، وتسارع إفراز هرمون الإيثلين، وبالتالي ضعف معدلات التحجيم في الثمار والحبوب أو الاتجاه أكثر للنضج المبكر.
وتطرقت إلى ارتفاع خطورة الحشرات حرشفيات الأجنحة (ديدان الأوراق والثمار)، وبخاصة "دودة الحشد"، إذ تبدأ أجيال الصيف بالتشكل، وهي الأشرس والأسرع في الظهور والتطور خاصة على الزراعات المتأخرة.

ري تكميلي
30% ري أكثر
وبيّنت أبو الهيجاء زيادة حاجة النبات للمياه بأكثر من 30% عن متوسط الاستهلاك الصيفي، خاصة للمحاصيل حديثة الزراعة أو الاشتال الصغيرة كالخضر وبعض أشجار الفاكهة.
وقالت إن "لسعات الشمس" على ثمار المحاصيل خاصة الرمان والبندورة في الزراعات المكشوفة تضاعفت، كما أن توالي ارتفاع الحرارة يؤدي إلى زيادة متسارعة في النمو الخضري، بفعل زيادة معدلات التنفيل في الخضر الثمرية، وفشل الإخصاب في المحاصيل الحقلية، كما يجعل النباتات أكثر عرضه للإصابة بالأمراض المحبة للحرارة والرطوبة العالية، كالبياض الزغبي على العنب والفرعيات.
وأوضحت أن هبوب رياح ساخنة متوقعة، قد يسبب بعض الضرر للمحاصيل المكشوفة، مثلما يتأثر تحجيم ثمار الزيتون والتمور والحمضيات.
وحثت أبو الهيجاء المزارعين على "تقريب فترات الري" خاصة للمحاصيل حديثة الزراعة أو الأشتال الصغيرة والري على مراحل صباحاً ومساء وبكميات أقل، وتجنب الري أثناء الظهيرة عند وجود موجة شديدة الحرارة، إلا إذا كان مصدر إدارة الري الطاقة الشمسية، لأن فترة الظهيرة هي أعلى لكفاءة هذا النظام.
كما حثت أبو الهيجاء على ضرورة فحص نباتات الذرة للتأكد من عدم إصابتها بـ "دودة الحشد"؛ نظراً لتهيئة الظروف المناخية لبداية أجيال الصيف الشرسة من هذه الحشرات، خاصة على زراعات الذرة والذرة البيضاء. إضافة إلى التأكد من عدم إصابتها بحشرات المن "الندوة العسلية".
وذكرت أن الأعشاب الطبية تتطلب الوقاية من أمراض "أعفان التاج" بعد القص بالرش الوقائي، إضافة إلى ضرورة فحص نخيل التمر من "دودة البلح الصغرى" والفحص الدقيق لـ "سوسة النخيل" مع تطهير الفسائل قبل زراعتها، بجانب الوقاية ضد البياض الزغبي على الأعشاب الطبية خاصة الريحان والعنب والقرعيات.
وشددت أبو الهيجاء على ضرورة فحص الإصابة بدودة براعم الزيتون (فراشة الياسمين)، على البراعم الجديدة لدورة النمو الربيعية، و"التحجيم الآمن" لثمار التين والرمان والزيتون والبلح بمجموعة إجراءات، لتقليل نسبة التشقق في ثمار الرمان، وزيادة معنوية في معدل وزن الثمار وحجمها، وسمك القشرة والنسبة المئوية لرطوبة القشرة.

هديل إخميس رئيسة قسم تغير المناخ في سلطة جودة البيئة
حر بوتيرة عالية
بدورها، قالت رئيس قسم تغير المناخ في سلطة جودة البيئة، هديل إخميس، إن التوقعات تشير إلى "صيف حار جداً هذا العام"، لكن بعض الدراسات تشير إلى أنه سيكون الأقل حرارة مقارنة بالأعوام القادمة.
وتبعاً لدراسة حديثة، فإن مواليد عام 2020 لو عاشوا حتى عام 2090، وبمتوسط 70 عاماً فسيشهدون درجات حرارة لم تعشها الأجيال السابقة، وهذا يدلل أن سيناريوهات زيادة درجات الحرارة ستكون أكبر مما نشهده الآن، والأكثر خطورة في التنبؤات وجود سيناريوهات صعبة جداً، لفداحة الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، من حيث موجات الحر والجفاف والأمطار وذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر.
وبيّنت أن الزيادة المتواصلة في الحرارة عالميًا على مدى العقود السابقة، كلها توقعت "زيادة مستمرة في متوسط درجات الحرارة العالية، وهو ما يعتبر مؤشراً أساسياً على تغير المناخ".
 |
 |
جفاف الرمان بسبب التطرف الحراري |
جفاف العديد من أصناف النباتات بسبب التطرف الحراري |
وأكدت إخميس بأن وتيرة موجات الحر وطولها أصبحت "ذات وتيرة عالية وتتكرر"، فخلال العقد الماضي كانت أقصر، وغير متوالية، ولكن منذ أيار/مايو الماضي بتنا نشهد موجات ارتفاعات "منقطعة النظير" من حيث شدتها وطولها، كما تأثرت مواسم الشتاء وصارت تتأخر، ويمكن أن نشهد تغيرات إضافية أبرزها حالات فيضان تسبب كوارث.
وعزت أسباب تغير اضطرابات أنماط الطقس إلى زيادة انبعاثات غازات الدفيئة، فيما تدعم التقارير الدولية الأخيرة العلاقة بين الأنشطة البشرية كزيادة حرق الوقود الأحفوري وقطع الغابات وغيرها، و"تطرف المناخ".

جفاف المحاصيل بسبب موجات الحرارة المتطرفة
30 عاماً للجزم بالتغير المناخي
وقالت إن "الجزم بحصول تغير مناخي عالمي" يحتاج إلى بيانات لا تقل عن 30 سنة، لكن علماء المناخ استندوا إلى البيانات التاريخية لمعرفة ما حصل في القرون الماضية بأنماط الطقس، وهل كانت مستمرة أم خلال فترة قصيرة.
وأوضحت إخميس "وجود تغير ملحوظ في فلسطين" من حيث الحرارة، وكميات الهطول وتوزيعه، بعد مراجعة البيانات المناخية لآخر ثلاثة عقود، وهو "مؤشر واضح على حدوث تغير مناخي".
وربطت رئيس قسم تغير المناخ في "جودة البيئة"، بين سيناريوهات التغير المناخي في فلسطين وارتفاعات غازات الدفيئة، التي تعطي مؤشراً واضحاً لما سيحدث على أرض الواقع.
وأكدت أن مصدر "الجزم بحدوث خلل في تغير المناخ"، هي الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي (IPCC)، التي تصدر تقاريرها كل 5-7 سنوات، وهي أدلة علمية موثوقة ومقالات تدرس تأثير تغير المناخ على مناحي الحياة، وبينت في أحدث تقاريرها وجود هذا التغير.
وبحسب إخميس، فإن الهيئة الدولية أكدت أن استمرار انبعاثات الغازات على هذا النحو، سيرفع خلال السنوات القادمة معدلات الاحتراز بأكثر من 1.5 درجة، ما سيؤثر على كل مناحي الحياة وعلى النظم البيئية، ما يتطلب حزما وإجراءات عالمية عاجلة للحد من الانبعاثات.
وذكرت أن الخطوات الحقيقية للعمل المناخي بدأت عام 2016، بعد الانضمام إلى الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، واتفاقية باريس، وكانت السلطة الفلسطينية من الأطراف الناشطة في تخطيط العمل المناخي، وخطة التكيف، والبلاغ الوطني الأول، والمساهمات المحددة وطنيًا، رغم أنها ليست منتجة للانبعاثات، بل تتحمل تكاليف هذه الظاهرة.
وقالت إن تخفيف الانبعاثات لن ينعكس فقط على التغير المناخ، بل سينتقل لقضايا تنموية مثل "إنهاء الفقر، وتوفير مياه نظيفة، وأنظمة صرف صحي متقدمة، وتعزيز الأمن الطاقي، ونهضة في القطاعات الأخرى".
وحصرت السيناريوهات الممكن فلسطينياً والمتصلة بالخطة الوطنية للتكيف، وإعداد تقرير مساهمات الحملة الوطنية، بإنهاء الاحتلال والسيطرة على كافة الموارد ما يعني زيادة الخطط والمساهمات في الحد من الانبعاثات بـ 24,4%، أو باستمرار الاحتلال الذي سيقلل من هذه المساعي بـ 12,8% حتى عام 2040.

جفاف من آثار موجات الحرارة المتطرفة
12 قطاعاً في قبضة الاحتراز
وحدّدت إخميس، القطاعات "الأكثر تأثراً بالتغير المناخي فلسطينياً" بـ 12 منها الزراعة، والطاقة، و"الأمن الغذائي"، والنوع الاجتماعي، والصحة، والصناعة، والنظم البيئية الأرضية، والسياحة، والبيئة البحرية في غزة.
وأكدت أن السيناريوهات القائمة في فلسطين محصورة في زيادة درجة الحرارة بـ 1.5 درجة بحلول 2025، و2.5 درجة عام 2055، و4.5 درجة عام 2090، وارتفاع الفترات الدافئة وانخفاض الفترات الباردة في الشتاء، وتراجع هطول الأمطار بـ 20% بحلول 2025، و25% بحلول 2055، و30% بحلول 2090، ما يعني ارتفاع فترات الجفاف، وتراجع الفترات الرطبة، وارتفاع الأيام شديدة المطر بفعل الفيضانات، ما يؤكد أن التغير المناخي "حقيقة حاصلة، بشكل أسرع مما كان متوقعاً".
واستناداً لإخميس فإن الزيتون سيكون الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، إضافة إلى العنب، والخضراوات البعلية والمروية، والمحاصيل الحقلية في الضفة، وتكلفة إنتاج الثروة الحيوانية والخضروات والحمضيات وصيد الأسماك ومياه الري، وزيادة خطر التعرض للغرق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.
كما أوضحت أن انعكاسات التغير المناخي ستنعكس على إنتاج الطاقة، إذ سيصبح أكثر تكلفة، كما سترتفع أسعار سلع الغذاء، وستزيد فرص انتشار الأمراض المتصلة بالمياه والصرف الصحي والغذاء، وارتفاع تكلفة الصناعة، والخطر على مصادر المياه الجوفية، وارتفاع خطورة الفيضانات ومدى جاهزية البنية التحتية لها، ما يتطلب إجراءات عمل للتخفيف من تداعيات هذه الظاهرة، مرهونة بالدعم الدولي والتكنولوجيا والمصادر المالية، وهي "حق على الدول التي تلوث البيئة بانبعاثاتها، ومن يلوث يدفع".
والحديث لإخميس، فإن النظام البيئي عموماً سيتضرر من التغير المناخي، ولن يقتصر ذلك على التنوع الحيوي، إذ سيتغير توزيع الأنواع بفعل ارتفاع الحرارة، وستتبدل أنماط الهطول، وتتغير مواطن العديد من الأنواع الأصيلة التي ستعجز عن التكيف بزيادة الحرارة، وستتضرر مواسم التكاثر والهجرة، والتوقيتات الموسمية للأحداث البيولوجية كالإزهار والإثمار، وتضرر السلسلة الغذائية خاصة للمفترسات، وسترتفع معدلات التشتت والانقراض، وزيادة العديد من الأنواع الغازية على حساب الأصيلة.
 |
 |
م. عصام عيسى مدير عام دائرة الأرصاد الجوية |
محطة أرصاد جوية |
حزيران القائظ
من جانبه، أفاد مدير عام دائرة الأرصاد الجوية، م. عصام عيسى، بأن شهر حزيران/يونيو الماضي شهد موجتي حر شديدتين، إحداهما كانت في بداية الشهر وامتدت لأسبوع من الثاني وحتى السابع منه، فيما كانت الثانية في منتصف الشهر ولثلاثة أيام من 13 إلى 15 منه.
وأكد لـ "آفاق" بأن درجات الحرارة خلال الموجتين ارتفعت بـ 10-11 درجة مئوية عن معدلاتها، في مثل هذا الوقت من السنة، حيث بلغت قيم درجات الحرارة القصوى في جنين 41.6، ونابلس 39.0، ورام الله 36.8، وأريحا 48.0، والخليل 36.5 درجة.
وأشار إلى أن أعلى درجة الحرارة سجلت خلال حزيران/يونيو في أريحا يوم 14 حزيران الفائت، بحيث تجاوزت أعلى قيمة سجلت خلال هذا الشهر منذ أواخر الستينيات، والتي كانت 46.8 عام 1969.
واستنادًا لعيسى، فإن التوقعات الموسمية تشير إلى أن درجات الحرارة خلال الصيف الحالي سوف تكون أعلى من معدلاتها.

جفاف في وادي النار بالأغوار الفلسطينية
أرقام ملتهبة
وبحسب الأرقام التي حصلت عليها "آفاق" من الأرصاد الفلسطينية، فإن درجات الحرارة المتطرفة في الضفة الغربية، خلال حزيران كانت في جنين عام 1969 بـ 44,6 درجة، وفي نابلس 40,3 عام 1965، و39,4 في رام الله عام 2002، و48 في أريحا عام 2024، و37.2 في الخليل عام 1969.
أما درجات الحرارة المتطرفة في تموز، فكانت 43 في جنين، و40 في الخليل عام 1983، و40 في نابلس عام 2012، و37,5 في رام الله عام 2000، و37 في الخليل في العام نفسه، و48 في أريحا عام 2002.
بينما شهد آب/أغسطس درجات حرارة متطرفة سجلت 42 في جنين عام 1968، و40.5 في نابلس، و39.8 في رام الله، و48,2 في أريحا عام 2015.
ووفق مدير عام الأرصاد، تقاس درجة الحرارة وباقي عناصر الطقس عبر محطة أرصاد جوية تتكون من مجسات إلكترونية لمختلف عناصر الطقس، وترسل المحطة المعلومات إلى خوادم الدائرة كل دقيقة وكل 10 دقائق، وكل ساعة، وكل 3 ساعات، وكل 24 ساعة.
وتعني درجة الحرارة العظمى، أعلى درجة حرارة يتم تسجيلها من الساعة السادسة مساء بتوقيت جرينتش من يوم محدد، الى السادسة مساء من اليوم التالي، أما درجة الحرارة الصغرى فهي أقل درجة تسجل بين السادسة صباحاً وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي.
وأكد عيسى أن درجة الحرارة هي درجة حرارة الهواء الجاف، وتقاس في الظل، أي أن جهاز القياس يكون داخل حافظة خاصة تسمح بمرور الهواء، وتمنع وصول أشعة الشمس المباشرة.

د. باسل النتشة رئيس قسم البيئة والزراعة المستدامة في جامعة فلسطين التقنية
الزراعة رهينة التغير المناخي
من منظوره، قال رئيس قسم البيئة والزراعة المستدامة، في كلية العلوم والتكنولوجيا الزراعية بجامعة فلسطين التقنية (خضوري)، د. باسل النتشة، إن "الزراعة مرتبطة بشكل وثيق بالتغير المناخي الحاصل عالمياً، الذي يتمثل إما بزيادة درجات الحرارة وشح الأمطار، ما يؤدي إلى الجفاف، أو يكون بزيادة هطول الأمطار أو تحول الهطول إلى مناطق لم تكن تشهدها في السابق، كما في دول الخليج، ما يتسبب في فيضانات وكوارث طبيعية.
وأضاف أن التغير المناخي فلسطينياً يتجسد بـ "ارتفاع درجات الحرارة بشكل مضطرد سنة بعد أخرى"، ما يؤثر سلباً على الزراعة جراء محدودية مواردها المائية، ولتحكم الاحتلال بها.
وبيّن أن المحاصيل الشتوية تعاني عدم إكمال دورتها الزراعية، بفعل سوء توزيع الأمطار، ما ينعكس سلبًا على الإنتاج وكميته، وقد يتعذر اكتمال دورة حياة بعض المحاصيل في مواسم معينة. فيما تعاني المحاصيل الصيفية لغياب كميات مياه ري مناسبة.
وأشار النتشة إلى أن الزراعة داخل الدفيئات تستنزف كميات كبيرة من المياه، حتى في مواسم الشتاء، وتسبب في أزمة مائية نعانيها صيفًا كما في محافظات الخليل وبيت لحم، بعد تخفيض الاحتلال لكمياتها إلى نحو 33%.

يوم خماسيني
60% من الماء للزراعة
وذكر أن القطاع الزراعي يستنزف 60% من المياه المتاحة، بينما تتوزع الكميات الأخرى على الاستهلاك المنزلي والصناعي، وفي حال زاد ارتفاع درجات الحرارة، سيجري استهلاك كميات أكبر لري المحاصيل.
وتطرق إلى عدم الاستفادة من المياه المعالجة في الزراعة، كما يحدث في محطة التقنية في دير شرف بنابلس، إذ تتم معالجة 14 ألف متر مكعب يومياً، لكن لا يجري الاستفادة منها، وتعود مرة أخرى لتختلط بمياه المجاري في وادي الزومر.
ورأى النتشة بأن تخفيف زيادة تأثر الزراعة بالتغير المناخي يتطلب حلولاً، في مقدمتها "تقليل استهلاك المياه العذبة لري المحاصيل".
وأوضح أن عدم إكمال النباتات لـ "دورة حياتها"، يعني أنها ستكون مهددة بالانقراض، ويصبح التنوع الحيوي مع ارتفاع الحرارة في مهب الريح، إذ يعني غياب دورة حياة النباتات تضرر إنتاج بذورها، وينعكس بذلك سلبًا على التنوع الحيوي.
وأكد أن التحول المفاجئ في درجات الحرارة، والانتقال من الشتاء إلى الصيف، يمكن أن يتسبب بجفاف بعض النباتات، وينعكس ذلك سلبًا على التنوع الحيوي، ويعني ذلك زيادة احتمالات التصحر، خاصة مع الرعي الجائر.
وشدّد النتشة على أهمية اتخاذ إجراءات عملية في قطاع الزراعة؛ للحفاظ على المتطلبات المائية للقطاعات الأخرى، كضرورة جدولة الري، والري الذكي، واستخدام أجهزة قياس الرطوبة، واستعمال المياه المعالجة، والحصاد المائي في الدفيئات على نطاق واسع، وتقليص الزراعة في ذروة الصيف.
وعرّف التغير المناخي بتوالي ارتفاع الحرارة وزيادة الجفاف خلال 5 سنوات مثلاً، يمكن أن يتسبب بانقراض العديد من الأنواع، وبخاصة النباتات العشبية التي تتهدد دورات حياتها، ما ينعكس سلباً على التنوع الحيوي.
وأوضح أن تداعيات التغير المناخي على فلسطين "لن تكون شاملة تماماً وبالمستوى نفسه، نظراً لتنوع المناخات، وللاختلاف الكبير في معدلات الهطول بين المناطق الشمالية والجنوبية."

محمد جرار المهندس في المركز الفلسطيني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
الزيتون في عين النار
من زاويته، أفاد المهندس في المركز الفلسطيني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، محمد جرّار، بأن الزيتون من الأشجار المعمرة، التي تقاوم الجفاف والحرارة المرتفعة، ومع ذلك، فإن ارتفاع الحرارة بشكل مفرط قد يُؤثّر سلباً على نموّه الشجرة وإنتاجها.
وعّدد جرار تداعيات الحرارة على الزيتون، من خلال التأثير على عملية التمثيل الضوئي، إذ تلعب الحرارة دوراً هاماً في التمثيل الضوئي، وتُساعد على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى طاقة. ويعني ارتفاع الحرارة بشكل كبير إعاقة التمثيل الضوئي، ما يُؤدّي إلى نقص إنتاج السكريات والنشويات، وهي ضرورية لنموّ الشجرة وإنتاجها.
وأضاف أن الحرارة تُؤثّر بشكل مباشر على حبوب اللقاح والزهور، وقد يُؤدّي إلى "موت حبوب اللقاح وتلف الزهور"، مّا يُقلّل من فرص تلقيح الثمار وبالتالي يُقلّل من الإنتاج. كما تُؤثّر الحرارة المتطرفة على مكونات الثمار من زيوت وماء وبروتينات. ويمكن أن يؤدّي إلى انخفاض محتوى الثمار من الزيت وإلى زيادة محتواها من الماء، ويُؤثّر سلباً على جودة الثمار وقيمتها الغذائية.
وبيّن أن الحرارة العالية تُؤثّر على مقاومة الزيتون للأمراض والآفات، وقد تضعف مقاومة الأشجار ويجعلها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والآفات. كما يُؤدّي الارتفاع المفرط في الحرارة إلى "تقصير دورة حياة شجرة الزيتون وتقليل عمرها الإنتاجي".
وأفاد جرار بأن "اتباع بعض الممارسات الزراعية، يمكنه التخفيف من تأثير ارتفاع الحرارة على أشجار الزيتون"، كاختيار أصناف مقاومة لارتفاع الحرارة، وزراعة الأشجار في مناطق مناسبة من حيث المناخ والتربة، وريها بشكل منتظم، والري التكميلي للبعلية منها، خاصة خلال فترات الجفاف وارتفاع الحرارة.
وحث الفلاحين على تقليم أشجار الزيتون بشكل دوري لتحسين التهوية وخفض حرارة الأشجار، واستخدام الغطاء العضوي (المهاد) حول الأشجار للمحافظة على رطوبة التربة، ومكافحة الأمراض والآفات التي تصيب الأشجار.