خاص بآفاق البيئة والتنمية

احتفالات التخرج- مرحلة التوجيهي الفلسطيني
أنهى في 10 تموز/يوليو الفائت نحو 50 ألف طالب وطالبة امتحان الثانوية العامة "التوجيهي". ولأول مرة منذ النكبة، حُرم 39 ألفاً في غزة من تقديم الامتحانات، وأجلت جلسات اللغة الإنجليزية لطلبة طولكرم إلى اليوم التالي لنهاية الامتحان؛ بفعل العدوان.
يحمل "التوجيهي" رمزية كبيرة، ولطالما تفاخر الفلسطينيون بتزيين "صدور" بيوتهم ومجالسهم بشهادات الثانوية العامة لأبنائهم، وأقاموا احتفالات ضخمة ابتهاجاً بنتائج فلذات أكبادهم، ويصنعون من الاختبار كابوساً لأبنائهم، ويتعاملون معه كحقل اختبار مصيري، ويعجزون عن تطويره وإصلاحه. لكنهم في هذه السنة العصيبة، ذهبوا للامتحان دون رفاقهم في غزة، وقتل الغزاة رفاق صفهم ومعلميهم، وهدم أكثر من 200 مدرسة، وسمم حياتهم منذ أكثر من 9 أشهر.

امتحانات التوجيهي
سنة عصيبة
استمعنا هذا العام، لتفاعلات طلبة ومعلمين وتربويين وأولياء أمور حول الامتحان- المحنة. وكانت الانطباعات الأولية، والتي تحتاج لفحص وبحث، من مختصين، وجود فجوة بين الأسئلة التي قفز واضعوها عن حقيقتين كبيرتين: الأولى: عدم انتظام التعليم منذ 5 سنوات على الأقل (الجائحة، الإضرابات، أنظمة التعليم عن بعد، والفجوة الكبيرة في التحصيل). والثانية: المقتلة والعدوان المفتوح منذ تشرين الأول/أكتوبر، وتأثر المعلمين والطلبة والأهل بهذا المناخ الدموي، الذي يترك أثراً نفسياً قاسياً على الجميع.
وتبعاً لوزارة التربية والتعليم العالي، فإن 430 من طلبة التوجيهي ارتقوا في غزة، و20 في الضفة الغربية، بجوار ما لا يقل عن 8000 شهيد في غزة ممن هم في سن الدراسة، و350 شهيداً من المعلمين والمعلمات، وأكثر من 12500 جريح، بينهم 2500 صاروا من ذوي الإعاقة، وعدد من المفقودين. إضافة إلى 307 مدرسة حكومية، 286 منها تعرضت لأضرار بالغة وطفيفة، وطال الهدم الكامل عشرات المؤسسات التعليمية، في ظل انقطاع 88 ألف طالب من جامعات غزة الخاصة والحكومية عن الدراسة منذ أكثر من 9 أشهر، تدمير أكثر من 80% من المؤسسات التعليمية.

توجيهي 1989
أسئلة مشروعة
تدور الآن عشرات آلاف الأسئلة الصعبة والتوقعات في عقول الطلبة وعائلاتهم، وغالبية ما يجري طرحه يتعلق بالمستقبل، وبالتخصص الذي سيلتحق به هؤلاء، وسط سوق خريجين مثقل بالبطالة ودون تخطيط مرضٍ للتعليم العالي.
ودون مبالغة، لا تعرف أعداد كبيرة من الطلبة، الذين تقدموا للامتحان، التخصص الذي سيلتحقون به، ولما يتلقوا تدريباً على كيفية انتقاء مهن المستقبل، ولم يهتموا بنسب البطالة المتزايدة بين الخريجين.
فيما شرع أولياء الأمور في احتساب طرق توفير التكلفة الاقتصادية الباهظة لأبنائهم، والثمن الذي ينبغي دفعه في عام عصيب، واقتصاد محطم، مع انضمام شرائح واسعة إلى جيش الفقراء الجدد، خاصة غالبية عمال الداخل المحتل.
ولم تنتظر الجامعات لحين انهاء الامتحانات، بل كانت بعضها تذهب للقاعات، وتوزع الماء والابتسامات على الطلبة، وتحاول التأثير على قرارات الممتحنين، قبل معرفة النتائج.
ومنذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، عجزت الحكومة عن سداد رواتب موظفيها كاملة. وتراوحت نسبة الصرف بين 75% و85%، وتضمنت في بعض الأشهر نسبة من المستحقات، لكن الأزمة عادت من جديد مع تشكيل الحكومة التاسعة عشرة، التي لم تستطع إحداث تغيير جوهري في قواعد الصرف، ولم تتمكن خلال 4 أشهر عن صرف أية نسبة من المستحقات لنحو 134 ألف موظف.

امتحانات مرحلة التوجيهي
"رحى البطالة"
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، يدخل حوالي 40 ألف سنوياً إلى سوق العمل، في حين لا تتجاوز القدرة الاستيعابية لسوق العمل 8 آلاف فرصة عمل بالحد الأقصى، ما أدى الى ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين الى أكثر من 50%.
ووصل عدد المؤسسات المعتمدة والمرخصة، في العام الدراسي 2021/2022، 53 مؤسسة تعليمية، بواقع 36 في الضفة الغربية و17 في قطاع غزة. وبلغ عدد الطلبة الجدد الملتحقين بالتعليم العالي، في العام نفسه، (66,408) طالباً وطالبة، ووصل عدد المسجلين والمنتظمين (225,975) طالباً وطالبة.
وتسيطر برامج التعليم والأعمال والإدارة والقانون على النسبة الأكبر من الخريجين بواقع 54%، في حين تجاوزت البطالة بين خريجي التعليم 67%، والأعمال والإدارة 50.5%، والقانون 49%، وقفزت البطالة في العلوم الاجتماعية والسلوكية إلى 59.1%، وفي الصحافة والإعلام كانت 44.3%، وبلغت في العلوم الفيزيائية 64.7%، وكانت في الهندسة والحرف الهندسية 44.3%، والهندسة المعمارية والبناء 53.7%، والصحة 43.3%، والرفاه 68.9%.

شهادة قبل نكسة عام 1967
إصلاحات
خلاصة القول، نحتاج لحزمة إصلاحات لا تبدأ بالتوجيهي" فقط، بل تشمل المنظومة التعليمية كلها، وتعيد بناء التعليم من ألفه إلى يائه، وتقيّم بدقة وموضوعية التخصصات الجامعية، وتتخذ قرارات جريئة لقلب معادلة التعليم الجامعي، التي تساهم في تأهيل الكثير من الخريجين للالتحاق بركب البطالة، وكأنها تساهم عملياَ في خلق معادلة "الأقساط مقابل بيع الخدمات للطلبة"، بدليل أن بعضها لم يراع -بشكل عملي- الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالموظفين الحكوميين وبعمال الداخل المحتل، ولم تجدول الأقساط لأبناء هؤلاء، بل أجل بعضها الأزمة بضعة أسابيع، ولم تجر مسحاً اجتماعياً حقيقياً يساعد "الفقراء الجدد" في إكمال تعليمهم العالي، ليس النوعي والتطبيقي، بل الذي يتناغم مع احتياجات السوق والتطورات الحاصلة.