خلال عامي 2007 – 2008: نحو 160 قرية سورية هجرها سكانها بسبب الجفاف وشح المياه
في عام 2050: عدد لاجئي المناخ قد يصل إلى 150 مليونا
المشرق العربي سيشهد في العقود القادمة فترات زمنية أطول من الأشهر الساخنة وارتفاع الحرارة
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تقع جزر "كرتريت" البالغة الصغر والتابعة لغينيا الجديدة (بابوا) في المحيط الهادي، ولا تتجاوز مساحتها نصف كم مربع. ومع ذلك، يقطنها بضع آلاف من السكان المعرضين هم وجزيرتهم للفناء، بسبب الارتفاع المتواصل في مستوى سطح البحر الذي يحاصرهم. وينتظر سكان جزر أخرى في ذات المنطقة أيضا، نفس المصير، مثل جزيرتي "توبالو" أو "نئورو". اللاجئون المحتملون من هذه الجزر لن يفتشوا عن مأوى لهم في أميركا أو أوروبا، بل في بلدانهم الأصلية القريبة منهم، مثل نيوزيلندا وأستراليا اللتين ارتفعت فيهما كثيرا طلبات هجرة مواطني هذه الجزر إليهما.
وحسب معظم التوقعات المتعلقة بعواقب التغير المناخي، فإن "كرتريت" والجزر الصغيرة المنخفضة الأخرى سوف تختفي من الوجود مع الارتفاع المتواصل في مستوى سطح البحر. الوجود السكاني لتلك الجزر ليس هو الوحيد المهدد فقط، بل تشير التقارير المناخية إلى أن هذه الظاهرة ستضرب ملايين الناس، على امتداد بضع قارات؛ حيث سيضطرون، بسبب الكوارث المناخية، إلى هجر مواطنهم.
ويتوقع العلماء حالات طقس متطرفة مثل العواصف العنيفة التي ستحلف دمارا هائلا، والفيضانات، والجفاف الحاد المتواصل والتصحر، وأحداث مناخية غير متوقعة يعتقد أنها ستقضي على مصادر رزق الملايين، وبخاصة في القطاعين الزراعي والسمكي. وكما في كل الكوارث البيئية، يتوقع هنا أيضا أن يتضرر أساسا ملايين السكان في الدول النامية التي تعد إمكاناتها في الصمود وقدراتها على مواجهة الأضرار والدمار محدودة للغاية.
ولا يعرف بالضبط كم عدد الناس الذين سيتضررون، وبالتالي كم سيكون عدد اللاجئين البيئيين؛ لأن الهجرة البيئية مرتبطة ارتباطا وطيدا بالهجرة الناجمة عن أسباب سياسية، أو إنسانية أو اقتصادية، وبخاصة في المناطق الخطرة التي يوجد فيها اقتتال على الموارد الأساسية، كالمياه والأرض الزراعية. فالحرب في إقليم دارفور السوداني، على سبيل المثال، ولدت أعدادا كبيرة من اللاجئين؛ ويسود اعتقاد راسخ بأن الجفاف هو سبب الحرب هناك، وبالتالي أفواج اللاجئين النازحين من الإقليم.
ولو استندنا إلى تقدير أل IPCC (اللجنة بين الحكومية الخاصة بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة) في تقريرها الصادر عام 2007؛ فمن المتوقع أن يصل، عام 2050، عدد اللاجئين البيئيين إلى 150 مليون نسمة.
ولا تبدو هذه الأرقام مبالغا فيها، وبخاصة لو دققنا في تقرير الأمم المتحدة الذي نشر قبل بضعة أشهر، حيث يقول التقرير إن عشرين مليون شخص في العالم أجبروا خلال عام 2008 على هجر أماكن سكنهم، بسبب الأضرار التي تسببت بها الكوارث الطبيعية. ويتعامل هذا التقرير مع الجانب الضيق من الظاهرة؛ أي الكوارث الطبيعية (ومن ذلك الأضرار الناجمة عن خلل البنى التحتية والفيضانات التي تتسبب بها الأمطار السنوية الغزيرة)، إلا أن الخبراء الذين دققوا في هذا الرقم "المتواضع" أشاروا إلى أنه أكبر بأربع مرات من عدد لاجئي النزاعات والحروب.
ونجد في جميع هذه التقارير وصفا مذهلا للعواقب السياسية والاقتصادية والصحية الناجمة عن ظاهرة اللجوء الجديدة؛ إذ إنها تذكر التغيرات الاجتماعية التي ستحدث في الدول التي ستستوعب اللاجئين، فضلا عن تضخم تفشي الأمراض المختلفة، والأوبئة التي ستتفاقم بسبب ازدحام اللاجئين في المخيمات والمعسكرات التي سيقيمون فيها. يضاف إلى ذلك المشاكل الاقتصادية التي ستتسبب فيها البطالة والعمالة اللاجئة.
وفي فيلمه الوثائقي "الوجه الإنساني للتغير المناخي" الذي نشر مؤخرا، يعرض المخرج "مَيكِل ناش" التغير في نمط الحياة الذي أُرْغِم على إجرائه العديد من الناس في العالم؛ وذلك من خلال فقرات "مونولوج" قصيرة، دون قراءة أو تفسير؛ حيث عرضت القصص الإنسانية التي تقف خلف الأرقام الضخمة.
وبالطبع، سيلمس سكان دول حوض البحر المتوسط أيضا، آثار التغير المناخي، ومنهم سكان فلسطين الذين سيعانون، كذلك، من مشكلة لاجئي المناخ.
ويقدر خبراء المناخ بأن يصل عدد اللاجئين البيئيين إلى عشرات وربما مئات الملايين. ومثل هذه الظاهرة موجودة فعليا في بعض مناطق العالم، مثل إقليم دارفور وبعض مناطق شرق إفريقيا. كما أن قطاع الساهل الإفريقي الممتد على عرض إفريقيا، آخذ في التصحر.
وقد تواجه مصر كذلك، محنة مناخية خطيرة؛ إذ إن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر أو أكثر سيحول أكثر من نصف مليون مصري من سكان دلتا النيل إلى لاجئين بيئيين.
وبخصوص القطر السوري، ننوه هنا إلى ما نشره مؤخرا المعهد الدولي للتنمية المستدامة (IISD ) المقيم في كندا والذي يعكف على بحث العديد من الجوانب المتعلقة بمسألة تغير المناخ – نشر معطيات سوداوية جدا؛ مفادها أن نحو 160 قرية سورية هجرها سكانها خلال السنتين 2007 – 2008 بسبب الجفاف المتواصل وشح المياه اللذين لم تعرفهما المنطقة من قبل، إطلاقا. فشح المياه ضرب القدرة المعيشية لأهالي هذه القرى المتواجدة بمعظمها في شمال سوريا؛ مما دفعهم إلى نقل مكان سكنهم، طلبا للبقاء.
كما أشار التقرير ذاته(IISD )، إلى أن منطقة المشرق العربي، وتحديدا فلسطين، ولبنان، وسوريا والأردن، ستواجه في العقود القادمة مشكلة مزدوجة: فمن ناحية، ستشهد المنطقة فترات زمنية أطول من الأشهر الساخنة وارتفاع درجات الحرارة؛ مما سيفاقم أزمة المياه المتفاقمة أصلا. ومن الناحية الأخرى، سيزداد عدد سكان المنطقة بمقدار الضعف تقريبا.
|