مزارعون بيئيون يستخدمون البدائل العضوية كالكمبوست والقريص والصابون البلدي
الزراعة العضوية أفق فلسطيني واعد لإنتاج غذاء صحي
عزيزة ظاهر
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تزايدت في السنوات الأخيرة التحذيرات من مخاطر الاستعمال الواسع للمركبات الكيميائية في الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وتكاثفت الجهود لتقليل استخدام الأسمدة و المبيدات الكيميائية أو المعدنية بعد اتضاح الأضرار الصحية التي تلحق بالإنسان نتيجة وصول نسب متزايدة منها إلى الجسم البشري، مع ما يحمله ذلك من احتمالات التسمم المباشر وتراكم الآثار السمية واحتمال وجود آثار مسرطنة لمركبات النتريت والنترات والفوسفات وغيرها.

فنظافة الغذاء من تراكم المركبات الكيميائية السامة الناتجة عن الأسمدة أو المبيدات أو غيرها من الكيماويات الصناعية هي المضمون الحقيقي لمصطلح الغذاء الصحي الذي تطلق عليه أسماء أخرى منها الغذاء العضوي والغذاء الحيوي. فهل يمكن التخلص من الآثار الضارة والوصول إلى منتج غذائي صحي وآمن؟
وهل يمكن أن نلغي استخدام الأسمدة والمخصبات الكيميائية ونستعيض عنها بالأسمدة العضوية الطبيعية؟ وما البديل الذي يمكن استعماله عوضاً عن المبيدات الزراعية الكيماوية؟
مجلة آفاق البيئة والتنمية التقت عددا من المزارعين الفلسطينيين الذين اتجهوا نحو الزراعة العضوية الخالية من الكيماويات واتخذوا بدائل للأسمدة الكيماوية.
رياض عيسة..لم استخدم أي مصدر كيماوي
المزارع رياض إبراهيم عيسة، من بلدة صانور الواقعة شمال الضفة الغربية، على بعد 27 كم جنوب غرب جنين، يملك مزرعة بمساحة 25 دونما ويهتم بالزراعة العضوية البعلية. وهو مرخص كمزارع عضوي من المركز الألماني المصري. يقول: "أبرز المحاصيل الزراعية التي أزرعها الخضار بأنواعها مثل الكوسا والخيار والبندورة واليقطين والحمص والقمح والسمسم. وأكثر المحاصيل الزراعية ربحا هي اليانسون والسمسم واليقطين بسبب قلة زراعتها، وأعمل بالزراعة منذ عام 1990 بعد عودتي من الكويت، ومنذ ذلك الحين لم استخدم أي مصدر كيماوي، لا من أجل التسميد ولا بهدف معالجة الآفات الزراعية. ويضيف عيسة: أحقق الاكتفاء الذاتي من كافة أنواع الخضار لأفراد أسرتي والباقي أقوم ببيعه. والمزارع معروف ربايعة من بلدة ميثلون القريبة من صانور، هو أيضا صاحب مزرعة مساحتها 17 دونما، يقول: "أقوم بزراعة القمح والشعير والذرة، والخضار بأنواعها، ولا أستخدم المبيدات الكيماوية، وأعالج الأمراض الزراعية بطريقة عضوية وأحقق الاكتفاء الذاتي لأفراد أسرتي وأقوم ببيع الفائض عن حاجة عائلتي ".
كذلك الأمر بالنسبة للسيدة فاطمة نعيرات أم جهاد من بلدة ميثلون، فهي تمتلك مزرعة مساحتها 10 دونمات، تقوم بزراعتها خضروات ولا تستخدم المنتجات الكيماوية وتبيع ما يزيد على حاجة عائلتها.
وحول أبرز المشاكل التي يعانون منها اتفقوا جميعهم على أن المشكلة الأهم هي عدم وجود سوق للخضار البلدية الخالية من الكيماويات، كما أن المواطن ما زال يجهل الفرق بين الزراعة العضوية وغير العضوية ومازال يجهل خطورة الأسمدة الكيماوية والهرمونات على صحته؛ لذا يضطر لبيع الخضار المنتجة بطريقة عضوية سليمة بنفس سعر تلك الغير عضوية.
ونوه المزارعون الثلاثة إلى أهمية اتباع طريقة الدورة الزراعية لنجاح الموسم، وقد وضح المزارع معروف ذلك قائلا: "إذا زرعنا مثلا دونما لمحصول البندورة هذا العام، العام الذي يليه نزرعه قمح وليس بندورة، لأن تكرار النوع الواحد لأكثر من عام يفقد التربة المناعة الكافية لمقاومة الآفات الزراعية، فإذا كررنا زراعة البندورة لأكثر من عام يضعف المحصول ويصبح معرضا لإصابته بأمراض وآفات زراعية يصعب علاجها، أما بعد أربع سنوات من زراعة البندورة مثلا فإننا نستطيع زراعتها من جديد. وهذا هو المقصود بالدورة الزراعية ".
أما بالنسبة للبذور فيستخدمون البذور المحسنة، تقول السيدة أم جهاد: "بالنسبة للكوسا واليقطين والخيار والفقوس والشمام مثلا نختار الثمار جيدة المنظر المغرية للمستهلك ونتركها على النبتة حتى نهاية الموسم، ثم نقطفها ونعرضها للشمس، وعندما يأتي وقت الزراعة نقوم بنقع بذور اليقطين والكوسا مثلا بالماء مع الثوم المدقوق حتى يحميها من التعرض للفيروسات والبكتيريا الموجودة بالتربة ونقوم بزراعتها بعد يومين أو ثلاثة من النقع، وتضيف: "كل عام أقوم بتجفيف بذور الفاصوليا واللوبية والحمص والبامية واليقطين والكوسا، وأبيعها لأهل البلدة وللقرى المجاورة ".

تحضير الكومبوست
يقول المزارع رياض عيسة: "أمارس صناعة الكمبوست منذ ثماني سنوات في أرض المزرعة حيث أجمع النفايات العضوية التي يتم تدويرها مثل المخلفات النباتية من خضروات أو بقوليات، والمخلفات الحيوانية من مزارع الدجاج والأغنام والأبقار، والأعشاب، والمخلفات العضوية في المنزل، وأوراق الزيتون الناتجة من فرز المعاصر ومخلفات تقليم الأشجار. ونحصل عليها من البيوت والمزارع والبركسات، وتتم معالجتها داخل المزرعة، حيث نقوم بتجريف الأرض بشكل مستوي ونرشها بالماء، ومن ثم نضع النباتات الخضراء ونرشها بالماء، ثم نحضر طبقة زبل سمكها 20 سم ونرشها بالماء، ثم طبقة قش مثل قش اليانسون والسمسم مثلا ثم طبقة زبل أخرى، وفي الوسط نضع الرماد ليعطي حرارة قوية تقضي على الجراثيم، ونضع ماسورة في وسط الكومة يوجد بها فتحات من جميع الجهات حتى توزع الماء، وآخر طبقة نضعها تراب. نترك الكومة مدة شهر وبعد الشهر نقلب الكومة بالباجر وتبقى لمدة ثلاثة أشهر مع استمرار التقليب ورش المياه من الماسورة، وعندما يصبح اللون أسود داكنا ولا توجد رائحة كريهة له يكون السماد جاهزاً للاستخدام. ويضيف: "أنتج سنويا مابين 60-80 كوب استخدمها في نطاق المزرعة وليس للبيع، وتكلفة تصنيع هذه الكمية تصل إلى 1700 شيكل، علما أن عملية التدوير غير مدعومة ماديا ولا من أي جهة تذكر. ويساعدني في إنتاج الكمبوست ثلاثة عمال.
وبين المزارع معروف ربايعة الذي ينتج حوالي 70 كوب سنويا أن عملية تدبيل النفايات مجدية ماديا وبيئيا وصحيا، فهو سماد بلدي يحافظ على الأرض والنباتات ورطوبة التربة.
ويقلل من عمليات الحرق للنفايات؛ وبالتالي تقليل التلوث الجوي، ويعتبر التقليل من استخدام الأسمدة والمبيدات الكيماوية بديلا أساسيا للسماد الكيماوي، وهو طريقة صحية للتخلص من النفايات. وأشار إلى أن وزارة الزراعة لا تشجع المزارعين على إعادة استعمال أو تدوير النفايات الزراعية.

القريص والفلفل الحار لعلاج المن
يقول المزارع رياض عيسة: "من أبرز الآفات الزراعية التي تواجهنا آفة المن التي يعالجها أصحاب المزارع بالمبيدات الكيماوية مثل المارشال، والميتاسيستوكس، والبايفدان والدورسبان، وجميعها مبيدات كيماوية خطرة على صحة الإنسان. أما أنا فأقوم بمعالجتها بطريقتين عضويتين كبدائل للكيماويات. الأولى، وهي القريص، حيث نحضر كمية من القريص الأخضر أو الناشف ونقوم بتخميرها بالماء داخل البراميل لمدة ثلاثة أيام، وبعد ذلك نصفي المنقوع ونأخذ السائل الناتج ونضعه داخل ماتور الرش ونرشه على أوراق المزروعات. وقد استخدمت هذه الطريقة للأشجار أيضا مثل شجر الدوالي، وبعد 24 ساعة يموت المن ونكرر العملية كل 15 يوما مرة ". ويضيف " الطريقة الأخرى التي استخدمتها وكانت ناجحة جدا هي الفلفل الحار حيث نحضر كمية من الفلفل الحار ونقوم بتقطيعه وننقعه بالماء داخل البراميل لمدة ثلاثة أيام وبعد ذلك نصفي الماء ونرش بها الأوراق المصابة بالمن واستخدام الفلفل كانت نتائجه أفضل ".
الجفت لعلاج آفة الهالوك
أشار المزارع معروف ربايعة إلى انه إضافة إلى استخدام القريص والفلفل الحار لعلاج المن قام باستخدام منقوع نبتة الشتيلة، وهي نبتة برية تنبت في الجبال ذات رائحة قوية جد ا تشبه رائحة الزعتر الفارسي إلى حد ما. وتستمر عملية النقع مدة أسبوع. ويضيف: "أحيانا أقوم بجمع النبتة وربطها على ضمم وأضعها بين الشجر أو المزروعات. وهنا أيضا كانت النتيجة إيجابية. أما بالنسبة لآفة الدودة التي تقوم بقرط أوراق المزروعات وبالتالي تجف النبتة وتموت، فعكفت على غلي الدخان العربي، وبعد أن يبرد الماء أقوم برش الأوراق فتموت الدودة. أو بطريقة الصابون البلدي المبشور بعد نقعه بالماء أرش الأوراق للقضاء على الدودة ".
أما أم جهاد فقد استخدمت الصابون البلدي المبشور والمنقوع بالماء إضافة إلى صابون الجلي السائل و"طايد" الغسيل للقضاء على المن.
وبيّن المزارع معروف ربايعة أن من أبرز وأصعب الآفات الزراعية مرض الهالوك والعاقول الذي يصيب الزعتر والنعناع ومحصول البندورة، وقد اكتشف من خلال التجربة أن الجفت الناتج بعد عصر الزيتون هو خير وأفضل علاج للقضاء على نبتة الهالوك من خلال وضع الجفت في المنطقة المصابة وخلط التربة به، فبعد أسبوع يموت الهالوك والعاقول.
وطالب المزارعون الثلاثة الجهات الزراعية الرسمية المسؤولة، بالالتفات إليهم وتقديم الدعم لهم بما يخص إنتاج الكمبوست، وتوفير سوق للخضار العضوية الخالية من الهرمونات والكيماويات، وبضرورة توعية المواطن والمستهلك بخطورة الخضار والفواكه المهرمنة بالكيماويات.
|