مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
نيسان 2012 العدد-43
 
Untitled Document  

قراءة في كتاب :

قراءة في كتاب: "آخر شفة...أزمة المياه في فلسطين"

اسم الكتاب:  آخر شفة...أزمة المياه في فلسطين
سنة الإصدار : 2011
عدد الصفحات: 35 من القطع المتوسط
الناشر: مؤسسة روزا لوكسمبرغ / فلسطين

مراجعة:  ربى عنبتاوي

سعى الباحث الألماني المقيم في رام الله، كلمنس مسرشمد عبر هذا الكتيب إلى الإضاءة على أزمة المياه في الأراضي الفلسطينية، كونها من القضايا الشائكة جداً ما بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي. وهي تعاني أيضاً من كم كبير من المعلومات والأفكار الخاطئة "الخرافات" حولها خاصة بين الفلسطينيين والجهات الأجنبية المعنية. كما يأتي هذا الكتيب ليوضح الخلفية التاريخية والسياسية والفنية لأزمة المياه، مقدماً الاقتراحات للتعامل معها آنياً وعلى المدى الطويل.
حق المياه حق من حقوق الإنسان ...هراء بالنسبة للفلسطينيين
بعد أن أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الـ 28 من يوليو 2010 أن: "الحق في المياه النظيفة هو حق من حقوق الإنسان، يعقّب الكاتب مسرشمد وهو هيدرو-جيولوجي يعمل منذ عدّة سنوات في قضايا المياه في فلسطين الجغرافية متهكماً من حقيقة كون هذا الأمر "هراءً"  على حد وصفه بالنسبة للشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب الممنوعة من حقها في الوصول إلى المياه. حيث يفند الكاتب ادعاءات إسرائيل حول شح المياه "فلسطين بلد الجفاف"، واصفا ذلك بالخرافة الأولى، حيث تعتبر فلسطين إحدى البلدان الوحيدة في المنطقة التي تحتوي على كمية مستدامة من مصادر المياه المتجددة، بالإضافة إلى ذلك فإن الضفة الغربية، لديها معدل استثنائي عالٍ من تغذية المياه الجوفية ومعدل منخفض من الجريان السطحي.
واستهجن مسرشمد الخرافة الإسرائيلية الثانية التي تدعي "جعل الصحراء تزهر"، حيث أن 97% من صحراء النقب بقيت غير مزروعة. أما الخرافة الثالثة فهي مقولة: " بناء الجدار الفاصل لسرقة الآبار" حيث لا ينكر مسرشمد بأن الجدار يفصل العديد من الفلسطينيين عن آبارهم القديمة، حيث يقع ما يقارب 10 مليون متر مكعب سنويا من المياه خلف الجدار، ولكن إسرائيل تملك آبارا أكثر قوّة قادرة على ضخ 400 مليون متر مكعب سنويا من نفس الحوض الغربي،  مشيراً إلى أن اهتمام إسرائيل بالمياه والجدار ينبع من هدف آخر هو فصل الفلسطينيين عن مناطق إنتاجهم المستقبلي على طول الخط الأخضر،  وخاصةً المنطقة الأساسية للمياه الإضافية المحتملة في الضفة الغربية . وحيث أن المناطق الواقعة خلف الجدار تحتوي على ما يقارب 90 مليون متر مكعب من المياه الإضافية المحتملة، تصبح الـ 10 مليون متر مكعب التي تفقدها الآبار الحالية هامشية.
"المقصد أن الجدار لا يعكس تحول إسرائيل للمياه حيث ومنذ احتلالها عام 1967 سعت إسرائيل لمنع الفلسطينيين من الحفر في أراضي الضفة الغربية، وبالتالي اعتراض تدفق المياه الجوفية التي تنساب من الجبال قبل وصولها إلى إسرائيل". أوضح مسرشمد
أما الخرافة الرابعة فهي الإقرار بأن المستوطنين هم من يسرقون كل كميات المياه في الضفة باستثناء بضعة آلاف في غور الأردن،  حيث يوضح مسرشمد أن إسرائيل بذاتها هي من وضعت يدها على كل المياه قبل وقت طويل من وصول أول مستوطن إلى الضفة الغربية. أما الخرافة الخامسة فهي ترديد مقولة  أن إسرائيل تجني الأرباح من بيع المياه للفلسطينيين، حيث أن الأرباح الإسرائيلية من هذه المبيعات تعتبر هامشية بالمقارنة مع تكلفة الاحتلال، فلا يمكن اعتبار مبيعات المياه سببا رئيسيا للاحتلال، ولكن تنطوي الأزمة الفلسطينية نتيجة السيطرة الإسرائيلية على المياه وشراء المياه من شركة ميكوروت الإسرائيلية ما يسبب أزمة مياه متكررة ومؤكدة في الصيف عندما تقطع الشركة المياه عن الفلسطينيين وتعطيها للإسرائيليين، بحيث يعتبر التزود بالقليل من كميات المياه التي لا يتحكم بها الفلسطينيون واستخدام إسرائيل المياه بمثابة أداة للضغط والعقاب.
خرافات أزمة المياه في غزة
وينتقل مسرشمد من الضفة الغربية إلى قطاع غزة الذي يشكو كارثة مائية واضحة، حيث يستكمل الحديث عن الخرافات الغير دقيقة، ويبدأ بالخرافة الأولى وهي أن إفراط الفلسطينيين في ضخ المياه، يؤدي إلى تسرب مياه البحر إليها وجعلها غير صالحة للاستعمال، ففي الماضي والحاضر تظهر الخرائط أن تدفق المياه المالحة بشكل رئيسي إلى غزة يأتي من الجنوب الشرقي أي بسبب إسرائيل وليس من مياه البحر،  حيث تفرط الأولى في ضخ المياه الجوفية بشكل خطير ويصل منسوب المياه الى اقل مما هو عليه في غزة، ولكن تأثير سوء الإدارة اقل دراماتيكية على إسرائيل حيث لا تزال تنعم بمناطق بعيدة عن الساحل وبالتالي تستطيع تحويل آبارها الجافة إلى مناطق وفيرة من جديد.
أما خرافة غزة الثانية فهي خطأ الاكتظاظ السكاني وارتباط ذلك بشح المياه، فصحيح أن غزة هي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية على وجه الأرض، ولكن لا تستطيع غزة أن تزود نفسها بنفسها مائيا أو تحقق الاكتفاء الذاتي، فكما تعمل اسرائيل على مد شبكة من بحيرة طبريا لتزويد منطقة بئر السبع فلم لا يحصل نفس الأمر بالنسبة لغزة؟. حيث شبّه مسرشمد غزة بمدينة منهاتن الأمريكية من حيث المساحة، حيث يتم تزويد الأخيرة بالمياه من بحيرة شمالية مسافة تبعد 200 كم، وليس عن طريق حفر آبار للمياه الجوفية!!.
خرافة تحلية مياه غزة
ويكمل مسرشمد سرده للخرافات تعبيراً عن المعلومات الخاطئة والغير دقيقة والتي يتكرر استعمالها، فيرى أن الخرافة الثالثة تكمن في مقولة أن تحلية المياه هي الحل الوحيد لإنقاذ غزة، فهي ليست حلاً مستداما حيث تستخدم الموارد غير المتجددة وهي مكلفة للغاية وغير فعالة، وهي أعلى عشرة - عشرين ضعفاً من سعر المياه الجوفية، ومطالبة إسرائيل بأن تستخدم غزة مصدرها غير المحدود من مياه البحر بدلا من تقاسم  المياه الجوفية للحوض الساحلي المشترك بشكل منصف أمر غير منطقي ومجحف.
من هنا يدعو مسرشمد غزة عبر الجهات الرسمية الفلسطينية ووفق القانون الدولي بالمطالبة بحصتها العادلة من المياه الجوفية المسلوبة والتي تتعرض للإفراط في الضخ بمعدل 592 مليون متر مكعب في السنة، وينبغي لغزة أن تطالب بالحصول على 100-200 مليون متر مكعب في السنة من قبل إسرائيل كحصة في الحوض. أما الخرافة الرابعة فهي مقولة أن إسرائيل تقوم بحفر عددٍ من الآبار حول القطاع بهدف تجفيفه، حيث أن الحقيقة  وفق مسرشمد أن إسرائيل اقل اهتماما بالضخ بمحاذاة القطاع، ليس فقط لأن احتياجاتها الرئيسية تتركز في الشمال بل لأن نوعية المياه في الجنوب أسوأ، حيث تضخ إسرائيل من مناطق رحوفوت، نتانيا وتل أبيب.
نهب المياه بدأ منذ النكبة
في الجزء الثاني من الكتاب "قليل الكلام كثيف المعلومات" عاد المؤلف الألماني ليشير إلى الحقائق التاريخية حول النهب الإسرائيلي للمياه، والتي بدأت من نقطة أن معظم المناطق الوفيرة بالمياه والتي لا يسهل فيها حفر الآبار قد ضمتها إسرائيل عام 1948، بينما أشار إلى النكسة حيث صدر قرار عسكري إسرائيلي رقم ( 92) عام 1967، بنقل السلطة على الموارد المائية للقائد العسكري في المنطقة، ثم قرار (158) في نفس العام الذي يمنع البناء غير المرخص لإنشاء أي من البنى التحتية للمياه، حيث أن نظام التصاريح حال دون حفر أي من الآبار الجديدة في الحوض الغربي، أو تصريف الينابيع أو مد خطوط الأنابيب او حفر آبار جمع مياه الأمطار أو حتى صيانة الآبار.
إسرائيل "ما هو لكم فهو لنا"
ولكن ما بعد أوسلو، يِشير مسرشمد، أصبح النظام كالتالي: "ما هو لي فهو لي، وما هو لكم فهو لنا" وذلك عبر نظام الهيمنة ونظام النقض الإسرائيلي على أي قرار يتخذه الفلسطينيون بشأن المياه، ما أتاح لإسرائيل مستويات أكثر من الرفض لدرجة رفضها مشاريع في ما يسمى مناطق أ، ويندر أن وافق الكيان الإسرائيلي على مشاريع حفر آبار جديدة ما يجبر الفلسطينيين على شراء الماء من الإسرائيليين. وقد قدمت إسرائيل أرقاما مشكوكا فيها من حيث قدرة أحواض المياه الجوفية والحد الأقصى المسموح به في كل حوض، حيث تم التلاعب بالأرقام ولا سيما بالحوضين الشرقي والغربي، ما خدم المصلحة الإسرائيلية لتسمية الأحواض: الشمالي الشرقي والغربي بالأحواض المغلقة، وعدم السماح لحفر أي آبار فلسطينية هناك.
مئتا قرية وبلدة فلسطينية محرومة من المياه
وناقش الخبير الهيدرولوجي مظاهر الأزمة من حيث سهولة الوصول والقدرة الشرائية،  حيث أنه بالرغم من كون 450 نقطة تجمع فلسطينية تصلها المياه، إلا أن حوالي 200 قرية وبلدة وخربة بدون شبكات مياه، فتعتمد على مياه الينابيع المحلية والآبار المنزلية ومياه الصهاريج باهظة الثمن من مناطق التعبئة، حيث يعتبر معدل استهلاك الفرد في تلك المناطق هو الأدنى وفق منظمة الصحة العالمية التي توصي بـ 100 لتر يومياً من المياه النظيفة لكل إنسان، و30 لترا وفق الصليب الأحمر في حالة الطوارئ، لكن يعتبر استهلاك الفرد في الضفة (60 لتراً يومياً) أمراً بلا معنى.
وأوضح أيضاً إلى أن أزمة المياه في صيف كل عام، هي من أهم الصفات الثابتة في الحياة اليومية للفلسطينيين،  حيث يصبح استهلاك المستوطنين من شبكات المياه مضاعفاً وبالتالي يقل تزويد الفلسطينيين من المياه ليصل إلى الصفر. كما تجف الآبار في حزيران وتموز،  وتضمحل الينابيع طبيعيا إضافةً إلى الضخ القريب منها، والحل المستدام  كما يدعو مسرشمد يتمثل في حفر آبار عميقة إضافية في الأحواض الجبلية المشتركة المتنازع عليها مع إسرائيل، ما لا يعتبر مشكلةً فنية بل سياسية.
وقد قدم مسرشمد حلولا بالنسبة للحد من فاقد المياه في الأراضي الفلسطينية والذي يبلغ 38% حيث يمكن توفير 15% عن طريق إصلاح الأنابيب، عدا أن التجمعات الفلسطينية بحاجة إلى زيادة المياه بنسبة 100% لتصل إلى المستويات الدنيا.
وعودةً لغزة تعتبر جودة المياه اقل بكثير من معايير منظمة الصحة العالمية،  ويتضح ذلك في أن 90% من الآبار هي في تدهور مستمر نتيجة تدفق المياه المالحة من الشرق والغرب، ونتيجة التخلص غير الصحي وغير المنظم لمياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة. وقد حدا منع إسرائيل بناء محطات معالجة للمياه وحظرها لضخ مياه الصرف الصحي في البحر، إلى اتجاه مواطني غزة لتصميم برك صرف صحي لتصريف المجاري، ما أدى إلى تغلغلها تباعاً إلى المياه الجوفية ومباشرةً إلى الآبار الصالحة للاستعمال البشري.
مشروع البحرين والوقوع في الفخ
كما استهتر مسرشمد من مشاريع استيراد المياه على نطاق واسع، خاصةً مشروع قناة البحر الميت- الأحمر  حيث سيضعف القبول بها الموقف التفاوضي الفلسطيني الذي يطالب بالحقوق المائية من المحتل، ويجعلهم يقعون في فخ مياه إضافية للفلسطينيين، بدلا من نصيبهم العادل في موارد المياه القائمة. كما سيؤدي إلى فقدان حصة وحق الفلسطينيين في النهر والى الأبد، وعوضا عن ذلك عليهم شراء المياه المحلاة من قرب البحر الميت بثمن باهظ.
ووفقاً للقانون الدولي "خطة جونستون 1955" يملك الفلسطينيون الحق بحوالي 250 مليون متر مكعب من نهر الأردن، وأما ما يحصلون عليه في الواقع، فهو لا شيء حيث تضخ إسرائيل منه حوالي 600 مليون متر مكعب.
الحل في الآبار العميقة
ويكمن الحل بالنسبة للفلسطينيين في آبار المياه الجوفية العميقة التي تعتبر الحل الأرخص والأكثر اعتماداً وديمومة حيث أنه بموجب القانون الدولي فإن للفلسطينيين الحق في تطوير موارد المياه في الأحواض المائية الخاصة بهم. وفي ذات السياق انتقد الباحث أيضاً أموال الدول المانحة، والتي لا تعالج الأسباب السياسية الجذرية بل تركز على مشاريع مائية ذات تدخلات فنية بحتة من إنشاء شبكات وخزانات وآبار جمع منزلية، بينما يحتاج الفلسطينيون إلى زيادة فرص الوصول إلى الماء وهو ما يعني المياه الجوفية.
الفلسطينيون أخطأوا أيضاً
ولم يشح مسرشمد ببصره عن الصراعات الداخلية الفلسطينية، منتقداً قيام بعض المزارعين الفلسطينيين بعيدا عن الشعور بالمسؤولية، بحفر عشرات الآبار الزراعية الجديدة في أعلى نبع عين الفارعة على سبيل المثال، الأمر الذي أدى إلى جفافها تماماً. وقد تم حرمان القرى المجاورة من المصدر الوحيد للمياه، وأصبحت مضطرة لشراء المياه من نفس أصحاب الآبار غير المسؤولين وغير الشرعيين الذين تسببوا بجفاف النبع.
وشدد الباحث مراراً على ضرورة إعادة التوزيع العادل بين إسرائيل والأراضي المحتلة عام 1967، من حيث ضمان القانون الدولي لحق الفلسطينيين في حصة عادلة من الموارد المائية، حيث أن الكميات الدقيقة تحسم خلال المفاوضات بحيث يمكن التعامل مع كمية إضافية سنوية أي ما يقارب 400 مليون متر مكعب من الأحواض المائية الجبلية، بما يعادل 200 مليون متر مكعب من الحوض الساحلي لغزة و 250 مليون متر مكعب أخرى من حوض نهر الأردن. كما دعا إلى إعادة التوزيع العادل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 نفسها، حيث ان التقاسم العادل من المياه ما بين الفلسطينيين أنفسهم يجب أن يتحقق.
ويختم مسرشمد كتيبه الحيادي والبعيد عن المبالغات العاطفية بحيث يعد وثيقة ملائمة ومرجعاً يستند عليه الفلسطينيون في المفاوضات السياسية مع الاحتلال، يختمه بملخص تصريح عنصري على صفحة الغلاف الأخير لكبير المفاوضين الإسرائيليين حول المياه في اوسلو وممثل إسرائيل في لجنة المياه المشتركة "نوح كينارتي" اتهم فيه الفلسطينيين بأنهم كاذبون يدعون حرمان إسرائيل لحقهم في المياه. وذلك  في آب من عام  2009.
 تصريح يلخص النكران الاسرائيلي للحق الطبيعي للفلسطينيين في مياههم، ويعكس النزعة المسبقة للافتراء والتبجح الإسرائيلي ضد حقوقهم المائية، ما يحتاج إلى تدخل دولي حقيقي لصالحهم.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية