شذرات بيئية وتنموية.. أشجار السماء وممارسات قاتلة وشهادات شفوية ومدارس وعصامية راحلة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
| اعدام إسرائيلي لأشجار المغير بمحافظة رام الله والبيرة |
نقترب من موعد قطاف الزيتون، في موسم ربما هو الأصعب منذ النكبة، ويختلط الثمر هذه السنة بالدم والعدوان الذي لا يرحم شجرة السماء، ويسعى لاجتثاثها.
وفق تقارير لمراكز بحثية وأممية، فإن الاحتلال اقتلع ما يتفاوت من 2.5 إلى 3 مليون شجرة منذ عام 1967 وحتى بداية عام 2021، بهدف إقامة مشاريع استعمارية ومعسكرات للجيش، وشق طرق التفافية للمستعمرات وإقامة جدار الفصل العنصري.
ويشير تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة "أونكتاد"، إلى أن الاحتلال قطع 2.5 مليون شجرة في الأراضي المحتلة عام 1967، منها 800 ألف شجرة زيتون.
فيما يؤكد مركز أبحاث الأراضي أن الاحتلال الإسرائيلي صادرَ حتى عام 2021 أكثر من 21 مليون دونماً، واقتلع ما يزيد على ثلاثة ملايين شجرة.
وتظهر إحصاءات معهد الأبحاث التطبيقية "أريج"، أن سلطات الاحتلال اقتلعت بين عامي (1993-2020) ما مجموعه 639,683 ألف شجرة، وفي عام 2020 قطعت وجرّفت وصادرت وحَرقت 9379 شجرة مثمرة في الضفة الغربية، أكثر من 80% منها أشجار زيتون.
وفي أحدث الانتهاكات، اقتلعت جرافات إسرائيلية، في نهاية آب 2025، مئات أشجار الزيتون في قرية المغير، شمال شرق رام الله، ضمن بدء عمليات تجريف واسعة.

اقتلاع مئات الأشجار في خربة سروج غرب بلدة اليامون
ويؤكد رئيس جمعية المغير الزراعية المحلية، غسان أبو عليا، أن الهدف من التجريف "السيطرة وإجبار الناس على الرحيل"، محذرًا من توسع الأعمال لتشمل مناطق أوسع في الضفة الغربية.
وفي 10 أيلول الماضي، شهدت خربة سروج، غرب بلدة اليامون، في محافظة جنين، اقتلاع مئات الأشجار.
ويقول نايف خمايسة رئيس بلدية اليامون، إن الاحتلال جرّف نحو 300 دونم مزروعة بالزيتون وعدة آبار ومنشأة زراعية للمواطن حازم أبو سيفين، ولم تُحصِ البلدية بعد أعداد الأشجار المقتلعة.
ويفيد محمد عرقاوي رئيس مجلس العرقة أن الأراضي المستهدفة لقريته ولليامون المجاورة تبلغ قرابة 500 دونم، وفيها أكثر من 5 آلاف شجرة، كلها اُجتثت في وقت قصير.

حفظ خاطئ لزيت الزيتون
تصويب
في كل موسم؛ نطلق نداءات لموسم قطفٍ صديق لأشجار الزيتون، ودون مخاطر صحية. ومما يؤسف عليه، أن الممارسات السلبية تتواصل، لن نسرد في هذه السطور العادات الخاطئة في التعامل مع شجرة السماء، لكننا سنركز على أربع قضايا جوهرية:
- تفادي استخدام العصي في القطف.
- تجنب نقل ثمار الزيتون من الحقول إلى المَعاصر بأكياس بلاستيكية.
- ضرورة فصل الثمار المريضة والتالفة (الجول) عن الجيدة.
- الامتناع عن تخزين الزيت في عبوات بلاستيكية (بعضها يا للأسف قديم وكان يُستخدم في تسويق مواد كيميائية خطرة)، والعودة إلى ممارسات الأجداد في حفظ الزيتون في الفخار والتنك، أو اقتناء (الستانلس ستيل) والعبوات الزجاجية المعتمة.

لاجئة فلسطينية من قرية السنديانة
نكبة
أمضيت عام 2011 بِطوله في بحث علمي حول "العلاقات الفلسطينية -اليهودية قبل النكبة". جمعتُ أكثر من 150 شهادة شفوية من رجال ونساء تجرعوا مرارة الابتلاع، كانت الإفادات وثيقة مهمة ودليلًا على هشاشتنا، وغياب أي توجيه وإرشاد.
وقد برعَ الرواة في إعادة "بناء" قراهم بتفاصيلها وسهولها وينابيع مياهها وحقولها وأشجارها وأزهارها وطيورها.
ما أجمعَ عليه هؤلاء أنه لم تكن لديهم قيادة توجههم وترشدهم إلى ما يمكنهم فعله، وتنظم صفوفهم قبل أن "تفرط المسبحة"، وتقع الفأس في الرأس.
قالت لي سيدة من قرية السنديانة، أسعفها الحظ وإيمان والدها بالتعليم للذهاب إلى الكُتّاب: "كنا قبل النكبة بأيام مثل قطيع الاغنام في ليلة مظلمة، غاب عنا الراعي والكلب وأحاطتنا الذئاب".

مدارس 2025
طبقية
يا للأسف، عزّز صباح الأول من أيلول الماضي طبقية بين أبناء الشعب الواحد والمكلوم؛ وممارسة تقول عمليًا "مَن لا يملك المال لا يتعلم وتتعثر مواعيد عامه الدراسي، أو على بساطٍ أحمدي "اللي معوش بلزموش"!
كان على "التربية" إطلاق العام الدراسي كله في موعد واحد، تمامًا كحرصها على زي موحد يذيب الفوارق الطبقية.

زلزال صنعه الاحتلال في غزة
هزة
كنا في الماضي، نخشى الزلزال، وندعو إلى اتخاذ تدابير وقائية عند إنشاء المباني لتكون مقاومة للهزات الأرضية، ولكن من فرط ما يقع على الأرض من ظلم وجور وقتل وإبادة وهوان وقهر، لن يحل المحنة، والله أعلم، إلا هزة عظمى لا تُبقي ولا تذر.
زلزال أو ما شابه يعيد هندسة كل شيء في عالم قاتل ومتفرج ومحايد وخجول، فيأخذ معه الظالم، ويريح المظلوم راحة أبدية، ويعفيه من عبء انتظار "قيامته الصغرى" كل دقيقة.
هزة عظمى تخفي فوارق القوة والثراء والغطرسة والدبلوماسية، والقانون الدولي المُفترى عليه، وتُبطل مفاعيل القنابل النووية والذكية والصواريخ الفرط صوتية.
هزة كبرى تخفّف ثقل القيامات اليومية، وتقذف بالقتلة، ومن هم بحكمهم، في قعرٍ سحيق، وتريحنا من المضي في تعداد ذلنا وهواننا وضعفنا، وتُعفينا من ثقل انتظار دورنا في مراحل المجموعات، وتصعد بنا إلى القيامة النهائية.

جميلة عتيق سيدة عصامية رحلت مؤخرا
جميلة
خسرت بلدة برقين، غرب جنين، جميلة راغب عتيق (88 عامًا) التي كانت أول تاجرة تعمل في البلدة، وسجلت أنموذجًا لافتًا لسيدة أعمال وبائعة عصامية.
اشتغلت الراحلة في التجارة أكثر من نصف قرن برفقة والدها وإخوتها، فيما فقدت رفيق دربها عبد اللطيف، وهي في العشرين.
جاءت عتيق إلى الدنيا عام 1937، وكانت الساعد الأيمن لوالدها، والوفية لزوجها الراحل، والملهمة لابنتيها والمثال على المثابرة.
سبق أن حاورتها (آفاق)، وحينها أخبرتنا- رحمها الله- أنها صمدت أكثر من نصف قرن في حانوتها قرب المسجد الشرقي، وكانت الوحيدة التي تذهب إلى سوق الخضار المركزي لتأمين مستلزمات متجرها، وكانت تحاط باستغراب التجار الرجال.
ووصفت تغير الأحوال التجارية، وانقراض كثير من العادات التسويقية، فكانت تبيع العجوة، والسمن البلدي وطحينية السمسم بالتجزئة، وبفضلها ذاع صيت كثير من مساحيق صبغ الغسيل، كما راجت تجارة مستلزمات الإنارة بواسطة الكاز، واللوكس، والبريموس (البابور).
وذكرت قبل مماتها أنها تعاملت بكثير من الفئات النقدية، التي تغيرت عدة طبعات، كما كانت شاهدة على النكبة والنكسة والانتفاضات المختلفة، وعاصرت دخول التيار الكهربائي إلى بلدتها ومتجرها، وظهور الهواتف النقالة، والتحويلات النقدية فائقة السرعة.
ورحل رفيق دربها عبد اللطيف عتيق عام 1965، وظلت تربي صغيرتيها اليتيمتين منال ودلال، وتشق طريقها حتى أقعدها المرض منذ 15 عامًا.
وتلقت عتيق التعليم على يد الشيخ طاهر، وكانت من بنات جيلها القليلات اللواتي يدرسن القراءة والحساب والقرآن في بلدتها.
وذكرت عائلتها أن ذاكرتها كانت جيدة، حتى آذار الماضي، وكثيراً ما روت سيرة طفولتها في حيفا، ويوميات عملها باعتبارها أول سيدة تدخل عالم التجارة، ولم تتوقف عن العمل إلا بعد إصابتها بجلطة دماغية أقعدتها عن مواصلة مسيرتها التجارية.
ومما قالته للمجلة قبل مماتها إنها تعاملت مع أكياس الورق، وإعادة زجاج المشروبات الغازية بـ "رهنية"، وكانت تسوّق اللبن داخل الفخار، ثم بالزجاج الذي كان يُعاد إلى أصحابه بعد الاستخدام.