اقتلاع الأشجار وتدمير الحدائق كارثة ضمن حرب الإبادة

غزة/ آفاق البيئة والتنمية:
في واقعٍ مليء بالتحديات والضغوط بسبب الحصار والحروب المستمرة، كانت الحدائق العامة والمسطحات الخضراء الملاذ الوحيد الذي يلجأ إليه سكان مدينة غزة، لكن آلة العدوان وحرب والدمار امتدت لتشمل البيئة، وعاثت خراباً ودماراً واسعاً في الحدائق والمساحات الخضراء التي كانت تُمثل أملاً لمستقبل أكثر صحة واستدامة.
وقبل اندلاع الحرب الأخيرة، كانت مدينة غزة تضم 21 حديقة عامة، تمتد على مسافة 145 دونمًا، وتعد هذه الحدائق جزءًا أساسيًا من الهيكل البيئي للمدينة، كما كان 87 كيلو مترًا من الشوارع المزروعة بالأشجار، سواء على الأرصفة أم في الجزر الوسطية، وكلها تساهم في تحسين نوعية الهواء وتخفيف درجات الحرارة العالية، خاصة في فصل الصيف.
وتؤكد البلدية أنها كانت تسعى لزيادة المساحات الخضراء لكل فرد، حيث كان معدل المساحات الخضراء المتوفرة لكل فرد يصل إلى 2.5 مترًا مربعًا، وهو ما يتسق مع المعايير البيئية الدولية.
وتضيف أن "العدوان الإسرائيلي الأخير أدى إلى تدمير حوالي 90% من الحدائق العامة في المدينة؛ مما أثرَّ تأثيراً بالغاً على الحياة البيئية، ونحو 63 ألف شجرة اًقتلعت من الشوارع العامة والحدائق ومشتل البلدية الذي دمره الاحتلال كاملًا، وهو ما يعادل حوالي 70% من الأشجار التي كانت تزين الطرقات".
وتؤكد أن الدمار الهائل الذي لحق بالأشجار والحدائق كان بسبب استهداف وتجريف الاحتلال لها على نحو متعمد، وبسبب الحصار المستمر وشحّ الموارد، كما أن منع وصول الطاقة إلى قطاع غزة أدى إلى لجوء المواطنين لقطع الأشجار واستخدام أخشابها للطهي طاقة بديلة.
وتوضح أن شبكات الري الخاصة بالحدائق دُمرّت؛ مما صعّب عملية الحفاظ على أي مساحات خضراء متبقية، إضافة إلى دمار شامل في البنية التحتية للحدائق، بما في ذلك ملاعب الأطفال والمرافق العامة، ما جعل معظم المناطق الخضراء غير صالحة للاستخدام.
انعكاسات صحية وبيئية
وتشير البلدية إلى أن فقدان المساحات الخضراء في غزة لم يكن مجرد ضرر بيئي فحسب، بل أدى إلى تأثيرات صحية سلبية، حيث تسهم المساحات الخضراء في خفض معدلات التلوث وتحسين جودة الهواء، مؤكدةً أن الأضرار في قطاع الحدائق والأشجار يزيد معدلات ثاني أكسيد الكربون في المدينة بنسبة 20%، مما ساهم في تزايد مشكلات التنفس والأمراض التنفسية المزمنة بين السكان.
كما أدى نقص المساحات الخضراء إلى ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الحضرية، وارتفاع معدلات التلوث بسبب نقص الأشجار التي تمتص ثاني أكسيد الكربون، فضلاً عن تزايد مشكلات الضغوط النفسية نتيجة غياب أماكن مفتوحة للاسترخاء أو التنزه؛ مما يفاقم معاناة المواطنين.
إعادة التأهيل
وتؤكد البلدية أنها لمواجهة هذه الكارثة، أطلقت عددًا من المبادرات المشتركة مع المنظمات المحلية والأهلية لتنظيف وتشجير بعض الشوارع والحدائق المتضررة، كما نفذت مشروعاً لزرعة الخضراوات في المشتل البلدي الذي كان عرضة لتدمير كامل، وتبلغ مساحته نحو 17 دونماً وينتج نحو 250 ألف شتلة في السنة.
وتذكر أن إعادة تأهيل المشتل البلدية خطوة استراتيجية نحو استعادة الغطاء النباتي في غزة، حيث يُنتج المشتل 290 نوعًا من الأشجار والنباتات، بما في ذلك الأشجار المعمرة والشجيرات الصغيرة والنباتات الحولية.
ورغم الدمار الواسع الذي لحق بالمساحات الخضراء، لا تزال بعض الحدائق تشكل متنفسًا جزئيًا للسكان، ومنها منتزه البلدية الواقع في شارع عمر المختار، الذي طالته أضرار جزئية بنسبة 30%، لكنه لا يزال يستقبل الزوار، وكذلك، حديقة البيارة بجوار بنك الدم، وحديقة الرشيد، وحديقة الصداقة، التي لحقت بها أضرار متفاوتة، لكنها ما زالت توفر مساحات محدودة للتنزه، ومع تضررها، فإن هذه الحدائق تمثل بصيص أمل لاستعادة المشهد البيئي في المدينة، في انتظار جهود إعادة التأهيل والتشجير.
المصدر: بلدية غزة