عام من الحرب.. غزة تحت وطأة كوارث بيئية تستمر لسنوات
آفاق البيئة والتنمية- بعد مرور عام كامل على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، تعرضت جميع مكونات البيئة الهشة، التي خلفتها سنوات من الحصار والاعتداءات المتكررة، لتدمير ممنهج فاقم معاناة الغزيين.
تعيش غزة أزمات إنسانية وبيئية غير مسبوقة، إذ أسفرت الإبادة الجماعية المدعومة من الولايات المتحدة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن تدمير واسع للبنية التحتية، ما أدى إلى تفشي الأمراض والأوبئة.
وبحسب مؤسسات صحية فلسطينية وأممية، فإن انتشار الأمراض في غزة خاصة بين الأطفال، يأتي نتيجة نقص النظافة الشخصية والمياه، وتلوّث الغذاء، والاكتظاظ السكاني في مراكز النزوح جراء الحرب، وما يترافق معها من قيود يفرضها الجيش الإسرائيلي على كل مقومات الحياة.
أوضاع كارثية
ويصف حسني مهنا، متحدث باسم بلدية غزة، الوضع بالقطاع بـ"الكارثي" ويتفاقم يوما بعد يوم نتيجة الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية.
وقال مهنا للأناضول: "غزة تعاني من مشكلات صحية وبيئية خطيرة نتيجة الاستهدافات الإسرائيلية والحصار، أبرزها تكدس النفايات وانتشارها العشوائي، وتسرب مياه الصرف الصحي بالشوارع، مما يزيد من المخاطر الصحية وينشر الأمراض المعدية".
وأشار إلى تراكم نحو 350 ألف طن من النفايات المنزلية بشوارع غزة، خاصة بالمناطق المكتظة بالسكان والنازحين، ما سبب انتشار الروائح الكريهة والحشرات والقوارض.
وأوضح أن "الجيش الإسرائيلي دمر أكثر من 165 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي، و 8 محطات لضخ المياه العادمة بشكل كلي وجزئي، تسبب بطفح مياه الصرف الصحي بالمناطق المنخفضة وتسربها إلى الشوارع وشاطئ البحر".
وبيّن مهنا أن "تدمير الجيش 62 بئرا للمياه و100 ألف متر طولي من شبكات المياه زاد من حدة الأزمة المائية، ما أدى إلى نقص حاد في المياه الصالحة للشرب وخلق أزمة عطش في غزة والشمال".
ويُضطر المواطنون في غزة والشمال إلى قطع مسافات طويلة والوقوف في طوابير لساعات تحت أشعة الشمس للحصول على كميات بسيطة من المياه التي لا تكفي للاستخدامات اليومية.
ويؤكد مهنا أن "تدهور الخدمات البيئية والصحية في غزة أدى إلى انتشار سريع للأمراض، خاصة المعدية، نتيجة التكدس السكاني بمراكز الإيواء غير الصحية وتراكم النفايات في الشوارع، مما ساهم في زيادة حالات الالتهابات الجلدية، والتهاب الكبد الوبائي، وأمراض الجهاز التنفسي".
ومنذ بداية الحرب على غزة يواجه الفلسطينيون معاناة النزوح المتكرر، حيث يأمر الجيش الإسرائيلي أهالي مناطق وأحياء سكنية بإخلائها استعدادا لقصفها وتدميرها والتوغل فيها.
ويضطر 2 مليون نازح من أصل 2.3 مليون نسمة (إجمالي السكان)، خلال نزوحهم إلى اللجوء للمدارس أو لمنازل أقربائهم أو معارفهم، أو إقامة خيام في الشوارع والمدارس أو أماكن أخرى مثل السجون ومدن الألعاب، في ظل ظروف إنسانية صعبة حيث لا تتوفر المياه ولا الأطعمة الكافية، وتنتشر الأمراض
الخبير البيئي سعيد العكلوك يشير إلى أن الحرب دمرت شبكات المياه والصرف الصحي بغزة، مما أخرج أكثر من 200 بئر مياه عن الخدمة، وقلص كمية المياه المتاحة للشرب إلى 8 لترات يوميا، مقارنة بـ84.5 لتر يوميا قبل الحرب.
وأدى تدمير محطات التحلية إلى اضطرار المواطنين للبحث عن بدائل غير صحية، مثل الآبار الزراعية غير المعقمة، كما أشار العكلوك لمراسل الأناضول.
ويقول العكلوك إن "تدمير محطات معالجة المياه العادمة أدى لتسرب مياه الصرف غير المعالجة للخزان الجوفي، مما زاد من تلوث المياه".
وبحسب الخبير، يتم ضخ نحو 100 ألف متر مكعب يوميا من مياه الصرف غير المعالجة إلى شاطئ البحر، ما تسبب بتلوثه بنسبة تزيد عن 87 بالمئة، ما يهدد حياة المواطنين، خاصة أولئك الذين يتوجهون إلى الشاطئ للراحة في فصل الصيف.
ووفقا للخبير البيئي، يُعتبر شاطئ البحر مكانا خطرا مليئا بالميكروبات والبكتيريا المسببة للأمراض.
**انتشار متسارع للأمراض
ويشير العكلوك إلى أن "عدد الإصابات بمرض التهاب الكبد الوبائي وصل إلى 100 ألف حالة، والأمراض الجلدية تجاوزت 120 ألف حالة، نتيجة استخدام المياه الملوثة".
كما يعتبر تراكم النفايات الطبية، الذي يصل إلى نحو ألف طن شهريا، كارثة بيئية وصحية، حيث تُحرق أو ترمى مع النفايات العادية، ما يزيد من مخاطر التلوث وانتشار الأمراض، بحسب الخبير.
الركام وتلوث الهواء
ويقول العكلوك: "نتيجة الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية، تراكمت كميات ضخمة من الركام بغزة، حيث أفرز تدمير 400 ألف وحدة سكنية حوالي 40 مليون طن من الركام".
ويضيف : "أدى تدمير المنازل وإحراق الركام إلى انبعاث نحو 280 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون خلال أول 60 يوما من الحرب، مما يعادل البصمة الكربونية لعشرين دولة ويؤثر سلبا على التغير المناخي".
ولفت إلى أنه " تلوث الهواء الناتج عن حرق النفايات والغازات الضارة، إلى جانب الروائح الكريهة من النفايات المتراكمة، بإصابة آلاف المواطنين بأمراض الجهاز التنفسي، مع تسجيل أكثر من 130 ألف حالة مرتبطة بتلوث الهواء".
**التربة والزراعة
وأوضح الخبير أن الحرب ألحقت أضرارا جسيمة بالأراضي الزراعية بغزة، حيث دُمرت أكثر من 50% منها، مما أثر سلبا على نوعية التربة.
ويشير الخبير إلى أن "الأسلحة المستخدمة تحتوي على مواد كيميائية سامة، مثل الفوسفور الأبيض، التي تؤثر على التربة لفترات طويلة، ما يمنع استخدامها بالزراعة".
وتتجاوز المخاوف من تأثيرات الحرب باللحظة الراهنة، إذ يتوقع العكلوك أن تلوث المياه والتربة والهواء سيؤدي إلى تدهور نوعية الحياة بغزة لعقود قادمة، مع انبعاثات الغازات الدفيئة التي ستؤثر أيضا على المنطقة.
كما سيظل تهديد الأمراض المعدية والمزمنة قائما، خاصة بظل ضعف النظام الصحي، ما قد يؤدي إلى عودة أمراض مثل شلل الأطفال أو الملاريا، بحسب الخبير.
وفي 19 يونيو/ حزيران الماضي، قال برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن التأثيرات البيئية للحرب في غزة "غير مسبوقة" ما يعرض المجتمع لـ"مخاطر التلوث المتزايد بسرعة في التربة والمياه والهواء، فضلا عن مخاطر الأضرار التي لا يمكن إصلاحها للنظم البيئية الطبيعية".
وقالت المديرة التنفيذية للبرنامج إنغر أندرسن، في تقييم أولي نشره الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، إن سكان غزة لا يتعاملون فحسب مع "معاناة لا توصف من الحرب المستمرة، بل إن الضرر البيئي الكبير والمتزايد في غزة يهدد بحبس شعبها في فترة تعافي مؤلمة وطويلة".
وأفاد تقييم البرنامج بأن "إلقاء الذخائر التي تحتوي على معادن ثقيلة ومواد كيميائية متفجرة في المناطق المكتظة بالسكان في غزة أدى إلى تلويث التربة ومصادر المياه".
وحذر من خطورة ذلك على "صحة الإنسان والذي سيستمر لفترة طويلة بعد وقف الأعمال العدائية".
ومنذ بدء الإبادة الجماعية تمنع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية والطبية والوقود ومواد النظافة الشخصية، إلا القليل منها للمؤسسات الدولية، لا يلبي احتياجات المواطنين.
المصدر: الأناضول