رعاة ومزارعون أفغان يتضورون جوعًا بسبب تغير المناخ
صورة من قرية حاجي رشيد خان في ولاية بادغيس الأفغانية التي ضربها الجفاف بسبب الاحتباس الحراري
آفاق البيئة والتنمية
في منطقة بالا مرغب في شمال غرب أفغانستان، الجفاف عدوّ قاتل يدفع إلى الجوع والعطش وبيع المواشي وترك القُرى وحتّى تزويج القاصرات مقابل المال.
ويقول زعيم قرية حاجي رشيد خان في بالا مرغب المُلّا فاتح "آخر مرة رأيت فيها المطر كانت العام الماضي ولم يكن غزيرًا".
الحياة شبه معدومة فوق تلال بالا مرغب النائية في ولاية بادغيس التي لا مدرسة ولا مستشفى فيها، إلّا أن بضعة رعاة وخراف لا يزالون في المنطقة.
ويضيف فاتح من منزله المبنيّ من طين "بعنا خرافنا لشراء الأكل، ومات بعض الخراف بسبب الجفاف".
ويمتلك فاتح اليوم أكثر من 20 خروفًا، غير أنّه كان يمتلك 300 قبل ثلاث سنوات.
وكان أكثر من 90% من سكان ولاية بادغيس يعيشون من الزراعة والمواشي قبل أن ينال الجفاف منهم عاميْ 2018 و2021.
ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، يعاني أكثر من نصف سكان أفغانستان - أي 22,8 مليون شخص - انعدامًا حادّا بالأمن الغذائي، بسبب الآثار المشتركة للحرب والاحتباس الحراري والأزمات الاقتصادية والصحية. وتّعدّ هذه النسبة الأكبر منذ أن بدأت الأمم المتحدة بتحليل البيانات في أفغانستان منذ عشر سنوات.
ويعاني 90% من سكّان بادغيس انعداماً حاداً بالأمن الغذائي بسبب قلة الأمطار التي أدّت إلى جفاف الحقول وحرمان الحيوانات من الماء والطعام، بحسب وكالة التعاون التقني والتنمية.
ولا تقتصر المعاناة فقط على الجوع والعطش. فيعرف فاتح مثلًا نحو عشرين عائلة اضطرت إلى تزويج بناتها في سن مبكرة جدًا لأنها كانت بحاجة ماسة إلى المال.
وتقول بيبي يليه، وهي أمّ لسبعة أطفال من بينهم فتاة (15 عامًا) متزوّجة وأخرى (سبعة أعوام) تستعدّ للزواج "كان أطفالي الآخرون جياعًا وعطشى".
- مخيّمات نازحين -
وتخشى بيبيه ألّا يكون لديها إلّا خيار تزويج ابنتيها الصغريين اللتين تبلغان من العمر عامين وخمسة أعوام، في حال لم يتحسّن الوضع.
وينسب الناس في بادغيس سبب فقرهم إلى "الجفاف".
وكانت أفغانستان سادس أكثر دولة تضرّرت من التغير المناخي بحسب أحدث تصنيف صادر عن منظمة جيرمان ووتش.
ولاحظت الأمم المتحدة في تقرير صدر عام 2016 انخفاضًا مقلقًا بنسبة الأمطار في الشمال وتغيرًا مناخيًا يشعر به "ملايين المزارعين والرعاة" في البلد وليس للسكان علاقة مباشرة به.
وقال البنك الدولي عام 2018 إن الفرد الأفغاني يُصدر معدّل 0,2 طنًّ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا فيما يصدر الفرد الأميركي 15 طنًّا سنويًا.
وغادرت نحو 27% من العائلات قرية الملّا فاتح مثل آلاف العائلات التي اضطرت إلى ترك منازلها في بادغيس والانتقال إلى مخيّمات للنازحين حيث لا وظائف، ما يدفع الرجال إلى المخاطرة بحياتهم لتأمين معيشة لعائلاتهم.
ويقول عنصر من طالبان الملّا موسنمل عبدالله الذي يبلغ من العمر 28 عامًا تقريبًا "عليهم المغادرة للبحث عن عمل في إيران أو في مكان آخر، وبعضهم يموت في الطريق".
ويتأسّف والده حاجي جمال على "الحقول التي دُمِّرت والحيوانات التي ليس لديها ما تأكله"، مضيفًا "مات ستّة أشخاص جوعًا في العامين الماضيين" و"الشتاء باردٌ جدًا (...) وليست لدينا معاطف كافية".
وترى جارته لال بيبي أن "النساء والأطفال وحيدون وفي خطر".- "لم يبقَ شيء" -
والوضع مشابه في قرية بيل-ايه-غلزار في منطقة قادس حيث يقول شيرينغ خان (52 عامًا) "كلّ شيء مدمّر بسبب الجفاف. لم يبق شيء!" مضيفًا "وحده الله يعلم" سبب الجفاف.
وحذّرت الأمم المتحدة في تقرير صدر عام 2016 من أن "الجفاف السنوي في مناطق عديدة من البلد سيصبح ربما القاعدة بحلول عام 2030".
لكن يقرّ مولوي عبد الحكيم هاغيار، وهو مسؤول إداري في طالبان في بادغيس، بأن النظام الجديد لحركة طالبان التي استلمت السلطة في آب/أغسطس "لا يملك الكثير من المال"، ويعتمد على المساعدات الدولية المجمّدة حاليًا.
وترك محمّد نبي ولاية بادغيس بعد موجة جفاف العام 2018 ليستقرّ في مخيّم في مدينة هرات في الجنوب.
ويقول "بعنا كلّ ماشيتنا وحقولنا لأننا لم نعد نمتلك ما نأكله وما نشربه. عندما نفذ منا المال، رحلنا".
أمّا ابنه بشير (تسعة أعوام) المستلقي بالقرب من والده، فغلبه الفقر. فبدل أن يصبح راعيًا، يقضي الصبي وقته في جمع العلب الحديدية والزجاجات لبيعها في السوق.
وقبل أيام قليلة، وجد بشير خرطوشة لعب فيها فانفجرت، ما أدّى إلى فقدانه إصبعين من يد وثلاثة أصابع من يد أخرى.
ويقول والده الذي لا يُواسى "نحن بانتظار المساعدة".
المصدر: (وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب)