دراسة: أرض الوطن العربي ستعود جنة خضراء
آفاق البيئة والتنمية- تعد المنطقة العربية واحدة من أكثر مناطق العالم فقرًا في الغطاء الأخضر، وقد واجهت خلال العقود الأخيرة موجات جفاف غاية في القسوة. لكن ذلك الوضع، حسب دراسة جديدة أجراها باحثون من معهد ماساتشوستس العالي للتكنولوجيا، لم يكن حالة دائمة، كما أنه قد لا يستمر كثيرًا.
"تشير نتائج دراستنا الخاصة إلى أن مناخ شمال أفريقيا يقع في نطاق دورة تمتد لـ20 ألف سنة"، يقول دايفد ماكجي، أحد مؤلفي الدراسة والأستاذ المساعد بقسم علوم الأرض في المعهد، في تصريح للجزيرة نت، مضيفا "خلال تلك الدورة تتأرجح المنطقة بين فترات خضراء تمامًا وأخرى صحراوية جرداء".
الوجه الخفي للغبار
وكان هدف الدراسة، التي صدرت أمس عن الدورية الشهيرة "ساينس أدفانسيز"، هو تحليل الغبار المترسّب قبالة سواحل غرب أفريقيا خلال 240 ألف سنة مضت، ويعني ذلك أن يتم فحص أعماق الأرض على مسافة كيلومترات عدة، ثم أخذ عيّنات على مسافات متساوية في تلك الطبقات لفحص مكوناتها.
وتعتمد الدراسة على ظاهرة الرياح الموسمية، التي تضرب شمالي شرقي أفريقيا كل عام، لتتسبب في نقل أطنان من الغبار الصحراوي إلى المحيط الأطلسي، والذي يترسب بدوره كطبقات يمكن أن تُستخدم كسجل أحفوري يشرح ماضي تلك المنطقة.
وذلك لأنه في حالة الجفاف تنشط الرياح الموسمية بصورة أكبر لنقل كمّيات أكبر من الغبار إلى المحيط، مما يعني أن الطبقات السميكة من هذا الغبار تشير إلى مدد جفاف شديد، في مقابل ذلك فإن الطبقات الأقل سماكة تشير إلى عصور خضراء ورطبة.
ومن أجل التوصّل إلى سمك تلك الطبقات، يبحث العلماء عن أحد النظائر النادرة لعنصر "الثوريوم"، الذي يُنتج بمعدلات ثابتة في المحيط، فحينما تتراكم طبقات الغبار بصورة أبطأ توجد نسب أكبر من الثوريوم، والعكس صحيح، وفي الفترات التي تتراكم فيها طبقات الغبار بسرعة تصبح نسب الثوريوم فيها أقل.
يقول ماكجي "نستخدم حبوب اللقاح والأدلة الأحفورية للوصول إلى تلك النتائج"، ويضيف "على سبيل المثال، نحن نعلم أن تلك المنطقة كانت في الغالب، قبل 5 إلى 10 آلاف عام، أرضًا عشبية، مع العديد من البحيرات والأراضي الرطبة والمسطحات البشرية واسعة الانتشار والحياة البرية التي شملت أفراس النهر والظباء والزرافات".
ويقصد ماكجي أن كمّيات وأنواع حبوب اللقاح والأدلة الأحفورية التي تخرج من باطن الأرض تعطي انطباعا إضافيا عن الأوضاع المناخية التي تطورت مع الزمن في منطقتنا، بمعنى أن هناك أنواعا من النباتات والحيوانات ستتكيف بسهولة مع مناخ جاف للغاية وأخرى ستتكيف بشكل أفضل مع مناخ رطب، كذلك فإن كمّيات تلك الأنواع ومدى انتشارها تتأثر بمدى سماح المناخ لها بأن تفعل ذلك.
جنة خضراء مرة أخرى
أما عن أسباب حدوث تلك الدورة خلال 20 ألف سنة، فإن الأمر يتعلّق بدورة الأرض حول الشمس، فمدار الأرض له شكل بيضاوي، وبالتالي فإن المسافة بيننا وبين الشمس تختلف من فصل إلى آخر. ويوضح ماكجي ذلك بقوله "نحن أقرب للشمس في أوائل يناير/كانون الثاني من كل عام، يكون ذلك في الشتاء. لكن قبل 10 آلاف عام كانت الأرض في أقرب نقطة للشمس خلال الصيف بشمال أفريقيا. عندما يحدث هذا الالتقاء بين الصيف ونقطة اقتراب الشمس والأرض، فإنه يعزز من أثر الرياح الموسمية في نصف الكرة الشمالي".
ما نعرفه هو أن أقرب نقطة بين الأرض والشمس ستكون في الصيف خلال حوالي 10 آلاف سنة، مما يعني فرصة جديدة لأن تعود منطقة شمال أفريقيا للمناخ الأخضر من جديد، ولكن في الوقت الحالي -بحسب الدراسة الجديدة- فإن مدار الأرض يصبح دائريًا جدًا بشكل تدريجي، الأمر الذي يعني أن تأثير هذا التغير المناخي يمكن أن يصبح أقل. لذلك، قد يستغرق الأمر مدة أطول قبل حدوث موجة خضراء أخرى، لكنها سوف تحدث على أي حال.
يأمل باحثو الدراسة أن تعزز تلك النتائج من فهمنا لتاريخ هذه المنطقة الذي يسمح بدوره بإعطاء تنبؤات دقيقة عن تحركات الإنسان بها في الماضي السحيق، والكيفية التي انتقل بها من أفريقيا إلى آسيا.
كذلك تساعد هذه النتائج الباحثين في المنطقة العربية، وحول العالم، في تطوير تنبؤات أفضل لمستقبل منطقتنا، وهي إحدى أكثر مناطق العالم تأثرًا بالتغيرات المناخية، تلك التي يتسبب فيها النشاط البشري بالأساس، ويختم ماكجي حديثه مع الجزيرة نت قائلا "لا أعتقد أن البشر لعبوا دورا في ماضي المنطقة المناخي السحيق، لكنهم بالتأكيد يؤثرون على المناخ الصحراوي الآن، وسيواصلون القيام بذلك في المستقبل".
المصدر : الجزيرة/ شادي عبد الحافظ