الشركات العقارية تلتهم الغابات والقرى في محيط موسكو

( آفاق البيئة والتنمية) تستعر المضاربات العقارية في ضاحية موسكو، لكن حركة مقاومة تنشأ لمواجهة جشع المروجين المستعدين لمحو مئات الهكتارات من الغابات وإزالة قرى بأكملها.
وترتدي حالة فوستوتشنايا بيرلوفكا وهي قرية تضم مساكن تقليدية في شمال شرق موسكو، رمزية خاصة. فعندما قررت السلطات إزالة 600 منزل من هذه المنطقة في مايتشي لبناء مجمعات كبرى، قام السكان بتعبئة فورية.
ويقول فيكتور كاراتشون وهو من سكان فوستوتشنايا بيرلوفكا "لن استطيع الانتقال يوما للعيش في مبنى خرساني. هنا، لدي منزل كبير من الخشب وحديقة مع أشجار تفاح. لا أواجه أي مشكلات في مواقف السيارات. كذلك يمكن لأولادي تمضية النهار في الهواء الطلق".
ونشر كاراتشون عبر الانترنت عريضة للاحتجاج على تدمير قريته من جانب شركة "زيميلنيي ريسورسي" المحلية للترويج العقاري حصدت أكثر من ألفي توقيع. لكن لا هذه العريضة ولا الرسائل الكثيرة الموجهة للسلطات والتظاهرات التي أقامها السكان سمحت بتغيير الوضع.
وفي العام 2014، تقدم سكان القرية بشكوى استتبعت بمعركة قضائية طويلة إلى أن أقرت المحكمة العليا أخيرا في كانون الأول/ديسمبر 2016 بأن السلطات المحلية غير مخولة الترخيص بهذه الإنشاءات.
غير أن قرار المحكمة العليا أتى متأخرا للغاية ولا يتعين على الشركة العقارية سوى تعديل خطتها خصوصا من خلال بناء مبان أقل علوا مما هو مقرر أصلا.
ويقول المحامي اندري يوماتشيف الذي تولى الدفاع عن السكان "إذا ما تم إنجاز هذا المشروع، ستتخطى الكثافة السكانية في هذه المنطقة مستوى 13 ألف نسمة في الكيلومتر المربع أي ضعف الكثافة السكانية في هونغ كونغ".
وتشدد السلطات المحلية وشركات الترويج العقاري على السواء على ضرورة مثل هذه المشاريع.
ويقول فلاديمير فورونين الذي يقود شركة "اف اس كاي ليدر" الروسية الكبرى العاملة في المجال العقاري "في موسكو، لم يعد هناك عمليا أي أراض شاغرة".
ويشير إلى أن الطلب مرتفع لأن "منطقة موسكو تستقطب سكان مناطق أخرى يرغبون في كسب المال والعمل في العاصمة". كما أن هذا الإقبال لم يتراجع مع الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد العام 2014 بعد التراجع الكبير في أسعار النفط وفق فورونين.

وفي ظل الاكتظاظ السكاني في موسكو التي يقطنها 12 مليون نسمة، يبدي الوافدون الجدد إلى العاصمة استعدادا لشراء منازل في ضواحي المدينة.
من هنا، تمثل منطقة موسكو التي تتمتع بمساحة أكبر بـ18 مرة من العاصمة ويقطنها سبعة ملايين نسمة "فقط"، هدفا مثاليا بالنسبة لهؤلاء.
وتم بناء نحو 8,8 ملايين متر مربع من المساكن في العام 2016 بينها 5,5 ملايين للمجمعات الكبرى بحسب أرقام وزارة الإنشاءات في منطقة موسكو.
كذلك تتسارع وتيرة التوسع الحضري في موسكو. ففي سنة 2011، شهدت مساحة العاصمة الروسية ازديادا بواقع 2,4 مرة ما انعكس تمددا بنحو 1500 كيلومتر مربع إلى الجنوب الغربي من موسكو.
وعلى بعد ستة كيلومترات من فوستوتشنايا بيرلوفكا، يكافح سكان سترويتل ضد القضاء على غابة تشيليوسكينسكي الممتدة على مساحة 103 هكتارات والمهددة بفعل مشروع انشاءات.
ويتهم السكان الإدارة المحلية ببيع هذه الغابة بطريقة غير قانونية لشركة عقارية في موسكو، "نوفايا زيمليا"، تسعى لبناء حي جديد في الموقع يضم 20 ألف نسمة.
وتقول ماريا تيابوت القاطنة في المنطقة "نحن نقيم هنا كي يتنشق أطفالنا هواء عليلا. في هذه الغابة، كل شجرة عزيزة علينا".
وفي كانون الأول/ديسمبر، بعد شكاوى عدة من سكان مدعومين من نواب، أجرت النيابة العامة المحلية تحقيقا وأقرت بحصول انتهاك للقانون. غير أن شركة "نوفايا زيمليا" لم تتخل أيضا عن مشاريعها وتواصل القضاء على الغابة.
ويقول الناشط البيئي في الفرع الروسي من منظمة "غرينبيس" ميخائيل كريندلين إن "الشركات العقارية تستغل الثغرات التشريعية". كما أن القضاء على المساحات الطبيعية لمصلحة مشاريع عقارية بات يحصل على نطاق متزايد في البلاد على حد تأكيده.
ويشير الناشط البيئي إلى أن "الإعمار العقاري يمثل قطاعا يدر أموالا كثيرة، ليس فقط على المستثمرين بل أيضا للسلطات المحلية، وحتى لو استثنينا الفساد، وهو منتشر بشكل كبير، تمد هذه المشاريع الميزانيات المحلية بالضرائب".
ويضيف "قريبا لن يكون لدى الناس مساحة للتنزه ولا هواء عليل للتنشق".
المصدر: القدس دوت كوم