إسرائيل تقر عمليات تنقيب ضخمة عن النفط مقابل شواطئ أسدود
تفاقم التدمير والتلويث الإسرائيلي لمياه البحر المتوسط وشواطئه
|
منصة إسرائيلية للتنقيب عن النفط في البحر المتوسط مقابل الساحل الفلسطيني. أي تسرب نفطي سيؤدي إلى تسميم الثروة النباتية والحيوانية البحرية-تصوير ألبتروس |
ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
رفضت مؤخرا "لجنة الاعتراضات" الإسرائيلية في جنوب فلسطين، اعتراضات ناشطين بيئيين في "إسرائيل" طالبوا بمنع عمليات التنقيب عن النفط المسماة "يام 3" المزمع تنفيذها من قبل شركة "شيمن" مقابل شواطئ أسدود، وأقرت اللجنة البدء في التنقيب. وطالبت المنظمات البيئية الإسرائيلية المناهضة لعمليات التنقيب، وفي مقدمتها "شركة الدفاع عن الطبيعة" ومنظمة "تسلول" الإسرائيليتين، بتأجيل البدء في التنقيب لأن دولة إسرائيل غير مؤهلة لمواجهة أي كارثة قد تتسبب فيها عمليات التنقيب، أو تسريبات نفطية إلى البحر.
وتقول "شركة الدفاع عن الطبيعة" بأن "السؤال ليس فيما إذا سيحدث خلل في منشأة التنقيب أو تسريب منها؛ بل متى سيحدث". وتسعى المنظمات البيئية إلى الاستئناف ضد قرار "لجنة الاعتراضات" لدى "محكمة العدل العليا".
يشار إلى أن "جلعاد أردان" وزير البيئة الإسرائيلي، قال في أوائل تشرين ثاني الماضي بأن "أي تسريب نفطي في البحر المتوسط الصغير، قد يتسبب في أضرار كبيرة جدا لا يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي النهوض منها؛ وتحديدا أضرار بيئية، أضرار في منشآت التحلية، أضرار في قواعد الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى دعاوى دولية ضد إسرائيل من الدول المجاورة". ورغم ذلك، صوتت وزارة البيئة الإسرائيلية في "لجنة الاعتراضات" لصالح عمليات التنقيب، ولم تؤيد معارضة المنظمات البيئية. وبررت تلك الوزارة تأييدها للتنقيب بادعاء أنها بصدد إعداد خطة لمواجهة أي تسرب في البحر".
ويتوقع أن تنفذ شركة "شيمن" عمليات التنقيب في مسافة نحو 16 كيلومتراً من شاطئ أسدود. ويدور الحديث عن تنقيب في مياه ضحلة؛ ما سيقلل التكاليف بالمقارنة مع التنقيب في مياه عميقة. وتقدر شركة الاستشارات NASI بأن تنقيب واستخراج النفط مقابل أسدود قد ينتج حوالي 277 مليون برميل نفط ذات جودة ممتازة، علما أن إجمالي الاستهلاك الإسرائيلي للنفط يصل إلى مائة مليون برميل سنويا.
تدهور أوضاع الثروة البحرية الفلسطينية
تواصل "إسرائيل" استغلال واستنزاف وتدمير الموارد البحرية والشواطئ الفلسطينية. وتدل جميع المؤشرات على أن أوضاع الثروة والبيئة البحرية الفلسطينية ستزداد تدهورا، بسبب محطات تحلية مياه البحر الإضافية المتوقع إنشاؤها، والتوسع في عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي مقابل الشواطئ الفلسطينية؛ ما قد يؤدي إلى كارثة بيئية ذات بعد اقتصادي مدمر.
إن إقامة "إسرائيل" وتشغيلها لمنشآت الغاز والنفط يتطلبان إنشاء بنى تحتية للتنقيب وشبكة أنابيب في مناطق حساسة إيكولوجيا، في قلب البحر. وهذا يعني أن أي تسرب نفطي من الأنابيب أو أي خلل في منشأة التنقيب قد يؤدي إلى تلوث بحري كبير، على غرار التلوثات التي حدثت في السنوات الأخيرة في خليج المكسيك وأماكن أخرى.
وبالإضافة للمواقع البحرية التي وجد فيها الغاز، تخطط إسرائيل للتنقيب عن الغاز والنفط البحري في 15 حقلاً إضافي. ويتوقع، في المستقبل القريب، أن تنشئ "إسرائيل" منصات بحرية كبيرة لمعالجة الغاز مقابل الشواطئ الفلسطينية. كما ستضاف مداخل إضافية لشبكة الأنابيب من البحر إلى الشاطئ. ومن المعروف أن التنقيب عن الغاز في البحار قد يشكل خطرا جديا على البيئة. وعلى سبيل المثال، حدث في الأسابيع الأخيرة تسرب من منشأة غاز تشغلها شركة Shell في البحر الشمالي. ومثل هذا التسرب قد يلوث البحر بالكربوهيدرات السامة للنباتات والأحياء البحرية.
وقد سبق أن عَبَّرَ بعض خبراء البيئة والبحار الإسرائيليين عن قلقهم من استمرار عمل منصات التنقيب عن النفط والغاز التي تشوش التركيب الطبيعي للأحياء البحرية في مقاطع البحر المتوسط المواجهة للساحل الفلسطيني، علما أنه أثناء أعمال التنقيب والفحص والتطوير والاستخراج تتسرب مواد سامة إلى البيئة البحرية. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة أنواع بحرية غريبة وصلت إلى البحر المتوسط؛ الأمر الذي يقلق خبراء البحار. وقد تبين، على سبيل المثال، وجود 12 نوعا مائيا غريبا في محيط إحدى منصات التنقيب التي وصلت المنطقة عام 2003، إلا أنه لم تجر حتى الآن عملية مسح بحرية في هذا المجال. ويتخوف الخبراء من أن تخلّ الأنواع الجديدة بالتوازن الطبيعي وتستولي على مصادر غذاء الأنواع القائمة؛ ما يؤدي إلى الإضرار بالأخيرة، بل والتسبب في انقراض بعضها.
ويقول الخبراء بأن من الضروري جدا إجراء عملية مسح للمجمعات البحرية الحية في حقول الطاقة التي بُدِءَ العمل فيها بعملية التنقيب، بهدف صيانة المجتمعات الحية المميزة والنادرة.
ويخشى الخبراء من احتمال تسرب نفطي أو إصابة المنصات وحدوث انفجارات خطرة، إلا أنهم يفضلون التركيز على احتمالات الضرر البيئي، ويشيرون إلى أن للتفتيش عن الطاقة واستخراجها أبعاداً بيئية سلبية معظمها ناتج عن تشغيل المنصات، وبعضها ناتج عن حوادث أو خلل أو "عمل مُعاد".
يشار إلى أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP ) اقترح جعل منطقة التنقيب مقابل الساحل الفلسطيني كواحدة من المحميات الطبيعية الإثنتي عشرة لأعماق البحر المتوسط. من هنا تبرز الضرورة الملحة لصيانة الثروة الحية في المنطقة.
كما تتسبب مشاريع التحلية الإسرائيلية التي تستنزف الطاقة والأراضي الساحلية الفلسطينية المحدودة، وتهدد بيئة الشواطئ، في مزيد من تدهور البيئة البحرية؛ إذ تتسرب منها نحو البحر، وعبر الأنابيب، كميات الأملاح المركزة المتبقية بعد عمليات التحلية؛ ما قد يتسبب في تكون "صحراء ملحية" قرب موقع خروج الأنابيب. كما، وأثناء عملية التحلية، تستعمل أنواع مختلفة من المواد الكيميائية التي تتدفق بدورها إلى البحر. وتعمل حاليا على طول الساحل الفلسطيني ثلاث محطات تحلية تنتج أكثر من 270 مليون متر مكعب من المياه سنويا.
تخريب البيئة البحرية في غزة
في تقريرها الذي نشر العام الماضي، كشفت جمعية "تسلول" الإسرائيلية عن أن إسرائيل فاقمت، في الآونة الأخيرة، تدمير وتلويث مياه البحر المتوسط وشواطئه. وجاء في التقرير أن تخريب البيئة البحرية ناتج عن منح أكثر من مائة ترخيص رسمي يسمح بتدفق المياه العادمة غير المعالجة وملوثات أخرى إلى البحر، بما في ذلك تدفق ملايين الأمتار المكعبة من الحمأة سنويا.
والأنكى من ذلك، أن الاحتلال الإسرائيلي، وبسبب حصاره الوحشي المفروض على قطاع غزة وما ينتج عنه من انقطاع كبير ومتواصل للكهرباء والوقود، وبالتالي شل عمل محطات جمع المياه العادمة ومحطة المعالجة المركزية في جنوب المدينة، يتسبب أيضا في تدفق عشرات آلاف الأمتار المكعبة من المياه العادمة غير المعالجة يوميا نحو شواطئ بحر غزة؛ ما يتسبب في تلوث خطير لتلك الشواطئ ومياه البحر والأسماك.
|