مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
" شبـــاط 2013 - العدد 51
 
Untitled Document  

قراءة في كتاب :

التغير المناخي في الوطن العربي واليات الدفاع والمواجهة

اسم الكتاب: التغير المناخي في الوطن العربي: اليات الدفاع والمواجهة-الحالة الفلسطينية
سنة الإصدار 2012
عدد الصفحات:63 من القطع الكبير
الناشر: مؤسسة هنرش بيل ومركز العمل التنموي / معا

عرض: ربى عنبتاوي

طرح الخبير البيئي ومدير وحدة الابحاث والدراسات في مركز العمل التنموي /معا جورج كرزم، في كتابه العلمي الأخير حول التغير المناخي في الوطن العربي وآليات الدفاع والمواجهة للحالة الفلسطينية، عدة مواضيع يسلط الضوء عليها لأول مرة في العالم العربي كالبصمة الكربونية والعمارة الخضراء ودورها في تقليل التأثيرات السلبية على البيئة، بالإضافة الى مخاطر الانبعاثات الغازية الاسرائيلية الضخمة التي يغض الطرف عنها عالمياً. وغيرها من المواضيع التي انفرد بها الكتاب فكان بمثابة رؤية مستقبلية لتنمية بيئية مستدامة، وقد شارك الكتاب الصادر باللغتين العربية والانجليزية في معرض الكتاب البيئي على هامش مؤتمر المناخ المنعقد في الدوحة نوفمبر الماضي.
وقد جاءت هذه الدراسة المدعمة بالصور التوضيحية لتساهم في التعريف بالاتجاهات والمؤشرات المتصلة بالبنية والواقع المناخيين في المنطقة العربية بعامة وفي فلسطين بخاصة، ولتناقش السياسات والاستراتيجيات القائمة او تلك التي تقترحها الدراسة لمواجهة التغيرات المناخية على المستويين الفلسطيني والعربي، وبالإضافة لذلك تطرح الدراسة افكارا وحلولا واليات عملية وتطبيقية لخفض الانبعاثات الكربونية في الاقتصاديات المحلية، كما تشجع وتعزز استخدام بدائل الطاقة الصديقة للبيئة والصحة العامة.
وتعد هذه الدراسة الاولى من نوعها عربيا من ناحية شموليتها وعلميتها وكثافة المعرفة العلمية النظرية والتطبيقية التي تتضمنها، وقد استندت خلفيتها العلمية على مزيج من معلومات ومعطيات البحث النظري والتطبيقي والتجارب والخبرات التقنية- العلمية.
وقد جاء في المقدمة التي استهل بها كرزم الكتاب: " تؤكد تقارير خبراء المناخ بأن التلوث الهوائي والانبعاثات الكبيرة المتواصلة للغازات الكربونية وبخاصة غاز ثاني اكسيد الكربون يعدان السببين الرئيسيين في ارتفاع درجة حرارة سطح الكرة الأرضية التي يتوقع ان ترتفع حرارتها ما بين 1،4 و 5,8 في الفترة 1990 و 2100 ما يؤدي الى عملية تبخر ضخمة في موارد المياه العذبة، وبالتالي حدوث شح خطير فيها، وارتفاع منسوب المحيطات والبحار بسبب ذوبان الثلوج في القطبين بأكثر من ثلاثة امتار وبالتالي غرق عدد كبير من المدن والدول الساحلية".
وتابع كرزم في مقدمته: " شهدت اقطار الوطن العربي بما فيها فلسطين المحتلة، في السنوات الاخيرة تكرارا ملحوظا ومتزايدا لموجات الحرارة المرتفعة، كما ان كمية الامطار وتوزيعها اخذ في التغير المتواصل، حيث اصبح عدد مرات هطول المطر أقل ولكن بشدة مرتفعة، وهذا يعني ان فعالية المطر متدنية، ونظراً لكون المياه من بين اهم الموارد الآخذة في التأثر من الظواهر المناخية السابقة، يؤثر المناخ الحار في جفاف المياه  وتناقص الكميات المتاحة مما يؤثر على الزراعة".
وأضاف كرزم أنه على المستوى المحلي، وبالرغم من هول وفظاعة الممارسات الاسرائيلية المدمرة للبيئة والمناخ فيجب ألا نغفل العامل الذاتي الفلسطيني ايضا في تلويث البيئة وان كان هذا العامل صغير جدا بالمقارنة مع العامل الإسرائيلي وذكر في هذا السياق، غياب الضوابط والقوانين والرقابة الحقيقية التي تحدد سقف الانبعاثات السامة من المركبات والصناعات الفلسطينية، وعلى ضحالتها فإنها على الأقل بمقدورها أن تضع حدا لاستخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية العشوائي والمفرط، فضلا عن الانبعاثات الكبيرة والخطيرة من مئات آلاف السيارات.
وبالرغم من غياب الرؤى والاستراتيجيات الهادفة لتحسين البيئة الفلسطينية، يشير كرزم إلى أن الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة التي ستساهم ولو بشكل متواضع في التخفيف من الآثار السلبية على البنية المناخية في منطقتنا، ستقلل من التبعية الفلسطينية الكاملة لمصادر الطاقة غير المتجددة وبخاصة الطاقة الأحفورية التي يتحكم الاحتلال الاسرائيلي في عملية تزويدها وتسويقها.
وتحتم الضرورة البيئية المناخية والتنموية الوطنية وفق كرزم، التفكير والعمل الجديين باتجاه التحرر من التحكم الاسرائيلي المطلق في الوقود والكهرباء والتأسيس لبنية تحتية لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وغيرها من أشكال الطاقة المتجددة، ولا بد من تحفيز الخبراء والعاملين في قطاعي البيئة والطاقة، على صياغة الدراسات المتعلقة بفرص وجدوى الاستثمار في مجال التكنولوجيا البديلة والفعالة والموفرة للطاقة، وفي المشاريع المعتمدة على الطاقة المتجددة، فضلا عن رسم الخطط والاستراتيجيات المناسبة وتطبيقها، وهذا يتطلب على سبيل المثال لا الحصر تطوير الامكانيات البحثية وتوفير المعلومات اللازمة حول افضل المواقع للاستفادة من الطاقة الشمسية، ومتوسط سطوع الشمس، والمتوسط اليومي لشدة الاشعاع على السطح الأفقي في المناطق المختلفة ومصادر الرياح في المدن ومواقع وجودها وغير ذلك من المعلومات العلمية والعملية الضرورية.
وطمح كرزم من هذا الكتاب،  تزويد القراء والمهتمين بالمعرفة المتعلقة بالاتجاهات والسياسات والتطبيقات اللازمة لإحداث خفض نوعي في الانبعاثات الغازية، ولمواجهة جدية للتغير المناخي وفي المحصلة تشجيع الشرائح الاجتماعية والاقتصادية السياسية المختلفة على المشاركة الفاعلة في الفعل التنموي البيئي البديل الهادف الى احداث تغيير جذري في الواقع التنموي البيئي المناخي العربي، الخطير والبائس،  باتجاه التأسيس لمجتمعات واقتصاديات عربية نظيفة بيئيا وخالية من الملوثات والانبعاثات السامة والمدمرة مناخيا وصحيا ووجودياً.

المناخ في أمثالنا الشعبية
ومن الجديد في هذه الدراسة وضمن باب تغيرات المناخ في فلسطين كان الاشارة الى التراث الشعبي خاصةً الامثال المتعلقة بالمناخ، والتي تعد راصداً جوياً شعبياً ومحصلةً لتراكم تجارب ومعارف وخبرات غنية لأجدادنا عبر مئات السنين وخاصة تلك الامثال المتصلة بالمواسم الزراعية والأعياد في بلاد الشام، وقد استند كرزم على الأمثال ردا على الاسقاط الميكانيكي غير المدروس للصقيع والحالة المطرية ورده لظاهرة التغير المناخي التي تجتاح الكرة الارضية، فعلى سبيل المثال نستشهد بهذا المثل المعروف حول الصقيع  بين اوائل وأواسط كانون ثاني "بين المولود والمعمود بتوقف المي عمود" أي ان الصقيع خلال هذه الفترة، يكون طبيعياً وضرورياً للأشجار المثمرة لأن درجات الحرارة المرتفعة فيه تضر الاشجار ضرراً كبيراً.
كما نوه التقرير لخطر الانبعاثات الغازية الضخمة وتجاهل بعض الباحثين للزيادة الضخمة له، مرجحين ظاهرة ارتفاع الحرارة الى ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، متناسين تسبب اسرائيل بتلوث كبير ناجم عن الآليات والمعدات العسكرية الاسرائيلية التي تعد من أخطر عوامل التغير المناخي في فلسطين، ومن أكثرها وضوحاً محطة توليد الكهرباء الاسرائيلية من الفحم  في الخضيرة قرب مدينة حيفا.

إسرائيل على رأس قائمة البصمة الكربونية عالمياً
وقد طرحت الدراسة مسألة مهمة لم تتطرق لها الدراسات السابقة وهي البصمة الكربونية والتي تعتبر سلماً لقياس مساحة الارض التي يحتاجها الفرد للحياة بنمط معين، ويهدف قياسها الى فهم تأثير اسلوب حياتنا على كوكب الارض وبالتالي بذل الجهد الوطني المطلوب لتحقيق مستقبل مستدام، وتقيس البصمة استخدام الموارد الطبيعية من قبل سكان الدولة، بمعنى تمثل البصمة الكربونية جانب الطلب على تلك الموارد الطبيعية من قبل الانسان في حين تمثل السعة البيولوجية جانب العرض من تلك الموارد، وتستوجب الحالة المثلى ان تكون السعة البيولوجية مساوية للبصمة الكربونية وذلك للمحافظة على التوازن، اما عندما تتجاوز البصمة الكربونية السعة البيولوجية المتاحة يعتبر هناك عجز في الموارد الطبيعية لهذه الدولة.
وأوضح كرزم: " لو عُلم أن المعدل العالمي للبصمة الكربونية هو 22 دونما للفرد، فعندئد سنجد ان الولايات المتحدة تتصدر هذا السلم اذ ان البصمة الكربونية لديها 95 دونما للفرد، ثم تليها كندا بقيمة 64 دونما للفرد  وفي المرتبة الثالثة اسرائيل بقيمة 53 دونما للفرد، وبينما ينقص الولايات المتحدة 46 دونما،  فان اسرائيل ينقصها 49 دونما، وبالتالي تملك اسرائيل اعلى بصمة كربونية في العالم نتيجة خطورة دورها في تفاقم الانبعاثات الغازية في المنطقة وبالتالي دورها في التغير المناخي الحاصل. وهذا يؤكد ان هذه النسبة العالية مقارنة بمساحة فلسطين المحتلة (اسرائيل) هي نتيجة النهب والاستنزاف من الضفة الغربية التي تصل بصمتها الى 4،6 وعجزها في الموارد الى 3،3 ما يؤكد حقيقة النهب والاختلاس الاسرائيلي للموارد الفلسطينية واستنزافها للمياه والأراضي الزراعية الفلسطينية.
كما شجعت الدراسة على اعتماد العمارة الخضراء كإستراتيجية وطنية قادمة، لدورها في تقليل التأثيرات السلبية على البيئة وضمان حياة صحية أكثر وتغيير انماط السلوك، والتأثير الايجابي على البيئة، حيث أن المبنى الاخضر المنسجم مع البيئة يوفر مبالغ  هائلة تنفق على استهلاك الكهرباء، كما يتم تقليل انبعاثات غاز الدفيئة من 40% الى 10%.
وقد جاء في توصيات الدراسة ضرورة ترشيد استهلاك الطاقة الاحفورية الاصل وغير المتجددة،  مكافحة الاحتباس الحراري عن طريق خفض انبعاثات الغازات الحرارية في الصناعات والقطاع المنزلي، والاقتصاد في الماء والكهرباء والتحول لاستخدام المواصلات العامة، واتخاذ التدابير العلمية وبلورة البرامج الحكومية والأهلية المتعلقة بإنشاء البنى التحتية الشمسية وأنظمة المحفزات المختلفة، تحسين نجاعة استخدام الموارد المائية وتقليص الحاجة الى تحلية مياه البحر وتطوير الزراعة في اتجاه ينسجم مع الاقتصاد في استهلاك المياه والطاقة، والاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، والإكثار من زراعة الأشجار، شراء واستهلاك الاطعمة البلدية والعضوية  التي لا تستعمل الاسمدة الكيماوية النيتروجينية التي تعمل على زيادة غاز الميثان في الجو، الاسراع في تطوير اصناف من الحنطة والقمح اكثر مقاومة للجفاف، امتلاك المعرفة التي تتيح لنا امكانية توقع التغيرات المناخية المحتملة في منطقتنا وغيرها من التوصيات الجديرة بالتطبيق.
طرح الكتاب ايضاً عدة مواضيع هامة عن الحالة الفلسطينية نذكر منها: الاحوال المناخية المتطرفة تهدد الزراعات المحلية، عمليات نهب المياه الجوفية الفلسطينية، مؤتمر المناخ في دربان، جنوب افريقيا 2011 واحتراف الثرثرة دون انجاز فعلي، مأسسة انظمة انتاج الكهرباء النظيفة، التخفيف من تلوث الهواء والحد من تدهور الأراضي، الاضرار الناجمة عن الاستعمال المكثف للسيارات الخاصة، الاجندة البيئية للشركات، الوقود الحيوي، صناعة اللحوم والتسخين العالمي وغيرها من الجوانب التي ألمت بموضوع الدراسة.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية