عبد الباسط خلف:
خاص بآفاق البيئة والتنمية
عشق عادل مصطفى سعادة مهمة توثيق أحوال الطقس في يومياته منذ كان شاباً، حين راح يرصد النشرات الجوية ويدون درجات الحرارة الدنيا والعليا ومعدل الأمطار، كما لا يغفل عن تسجيل ما ينفذه من أعمال، ويكتب عن الأمكنة التي يزورها كل يوم.
يقول وهو ينظر إلى أرشيف طويل من السجلات في مكتبة منزله بقرية كفر صور بمحافظة طولكرم: "بدأت حكايتي مع تسجيل وقائع البلدة بمرها وحلوها، والطقس صيفه ومطره، وما أنفّذه من أعمال وتنقلات، وحتى الطعام الذي أتناوله".
وأحب سعادة الفكرة عندما شاهد الحاج حسن محمد فرحاني وهو يسجل مواليد قريتهم ووفياتها وأحوالها وطقسها في مفكرة سنوية، فبقي مشهده حتى بلغ سعادة سن الصبا، فصار يوثق كل شيء تقريبا في حياته وعن محيطه وبيئته.
أول الغيث
ووفق سعادة، الذي جاء إلى الدنيا في الرابع من كانون الثاني عام 1940، فقد كانت قريته الصغيرة دون وسائل إعلام أو سيارات، لدرجة أن الساعات لم تنتشر فيها، إلا مع الحاج فرحاتي وعبد اللطيف حسن حطاب، ووقتها كان الأهالي يسألونهم عن الساعة، مواعيد الصلاة والوقت المتبقي للإفطار في شهر الصوم.
يزيد: "درست الصف الأول في كفر صور، ثم جاءت النكبة وانقطعت لعامين عن التعلّم، وانتقلت بعدها إلى كفر زيباد ثم قلقيلية، وبدأت في التدريس عام 1958، وواصلت مهنة التعليم حتى تقاعدت عام 2000، وتنقلت بين مدارس: الأردن وفلسطين والعربية السعودية".
انطلق توثيق أبو بلال عام 1953، فسجل كل يوميات صفه الثامن، ووثق أحوال المناخ، وأحداثه الخاصة، والأمكنة التي زارها، ولم يمنعه انتقاله إلى الأردن والحجاز من مواصلة شغفه، حين اقام فيها بين عامي 1960 و1973.
يضيف: "أجلس كل يوم بعد الغروب، وأدون الأحداث والنشرات الجوية وكمية الأمطار ودرجات الحرارة، والمواليد الجدد، والوفيات، والأعراس، ونتائج الثانوية العامة، وعدوان الاحتلال، حتى أذكر الخلافات والمشاجرات التي تقع في القرية".
وبحسب أستاذ الرياضيات المتقاعد، والموظف اليوم في مجلس قريته المحلي سكرتيراً ومحاسباً، فإن عام 1992 كان الأكثر مطراً حين هطلت على كفر صور 1335 ميليمتراً، فيما جاء الموسم المطري 1998 و1999 بأدنى رقم حين سجل الشتاء 285 مليمتراً فقط، ولم يختلف العام 2007-2008 كثيراً، فقد اكتفت السماء بـ 286 مليمتراً.
يوالي: "أتابع الصحف والإذاعات، واستمع إلى بعضها منذ أكثر من 30 سنة بشكل منتظم، وأقيس بنفسي درجة الحرارة الدنيا بعد صلاة الفجر، مثلما أسجل الرقم الأعلى لها، ولا أنسى الأيام الأكثر حرارة يوم 18 تموز 2012 حين كانت الصغرى 28 درجة مئوية والعظمى 35 مئوية".
تنقل سعادة بين الأردن والسعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية ولم يمنعه ترحاله من رسم رحلاته اليومية، فوثقها وكتب عن جغرافيتها وطقوسها وحرارتها، لكنه انبهر كثيراً بشبكات المواصلات والطرق في مدن سانتييغو وأناهايم في ولاية كاليفورنيا الأمريكية؛ لاتساعها وانتظامها وغياب الإشارات الضوئية عنها.
يبتسم وهو يقرأ بعضاً من الذاكرة على صفحات يومياته: "حين كنت في السعودية عام 1968، خرجت لاصطياد السمك مع زميلي الذي كان يسكن خان يونس بغزة أحمد سعيد ابو لامي، وعندما وصلنا منطقة الباحة في بلاد غامد، حيث تنتشر الينابيع والجداول، طلب مني أن أنزل لأسبح فيها، فرفضت لأني لا أجيد العوم، لكني مشيت قليلاً في المياه، إلى أن سحبتني المياه وكدت أغرق، لولا إنقاذه لي في اللحظات الأخيرة".
يهتم أبو بلال بالطبيعة، ويحرص على العمل اليومي في حديقة منزله، والاعتناء بأشجار الفاكهة، التي تغنيه عن الأسواق. لكنه عاد وحيداً هو وزوجته، حيث انتقل إبنه الأكبر للعمل في الولايات المتحدة والثاني في رام الله، وتزوجت بناته الست، وصار جداً لـ 27 حفيداً، ورث منه أحدهم واسمه محمد، الطالب بجامعة الشارقة الشغف بتسجيل يومياته.
مما لا يفارق ذاكرته من تواريخ خاصة، خطوبته التي كانت في 26 تموز 1963، وزواجه في 15 تشرين أول 1964، وولادة بكره في 2 آب 1962، وغيرها من تنقلات مدرسية في الوطن والغربة.
يقول في أحدث توثيق للشتاء في 6 كانون ثاني من عام 2013: كان الجو عاصفاً وغائماً وماطراً بغزارة وباستمرار، وهطلت الأمطار أكثر من 65 مليمتراً، وسجلت الحرارة الدنيا 10 درجات والعظمى 12 مئوية. وجرت جميع الوديان في كفر صور بغزارة...، كما شاهدت فيضانات من المياه في أودية سعيل، المز والتين، واحتاج الأمر لتدخل الجرافات لإحداث فتحات عند دكان الشويكي.
ينهي بالعودة إلى تاريخ السادس من كانون الثاني 1974 ليصف حال يوم الأحد( 13 ذو الحجة) كان الطقس غائما، الصغرى 1 والكبرى 15، وعملت في العناية بأشجار اللوز، ثم أمطرت الدنيا مطراً خفيفاً.
|