:اريد حـــلا
تنمية العادات الاستهلاكية الصحية والمنسجمة مع البيئة
جورج كرزم
قبل عشرات قليلة من السنين، حينما كان طعامنا بلديا وطبيعيا، لم تكن الأمراض الخطيرة والمستعصية كالأمراض السرطانية والاضطرابات العصبية والجنينية والتلف في الكبد والقلب والجلد وغير ذلك من الأمراض مألوفة في بلادنا.
وللتقليل إلى الحد الأدنى من تناول الأغذية الملوثة بالكيماويات الصناعية، وبالتالي تفادي الإصابة بالأمراض، يستطيع كل منا القيام بعمل زراعي، ولو جزئي، لتوفير جزء أساسي من احتياجاته الغذائية النظيفة من الأوساخ الكيماوية. فهناك دائما متسع من المساحة في المطبخ، وعلى عتبات النوافذ، في البلكون، على الأسطح، في الأوعية، على الجدران، في الساحة، في الدفيئة أو في الحديقة. وفي حالة عدم امتلاك المساحة الكافية لتلبية احتياجاتنا أو انعدام المساحة كليا، فهناك البديل للحديقة أو الأرض الزراعية الخاصة بنا. فقد تتواجد بجوار منطقة السكن، أو في نفس القرية أو البلدة أو المدينة، حدائق أو أراضي مهملة أو غير مستفاد منها. فبإمكاننا زراعتها، بالاتفاق مع أصحابها، مقابل حصول الأخيرين على جزء من الإنتاج. بمعنى، هناك إمكانية دائما للعمل الإنتاجي الزراعي على قاعدة المزارعة. وقد يكون العمل في الأرض على أساس فردي أو مجتمعي، بحيث تبادر مجموعة من الأشخاص في الحي أو في المنطقة السكنية إلى زراعة الخضار العضوية والأعشاب الطبية أو بستان بلدي من أشجار الفاكهة، لاستهلاكها المباشر وتسويق الفائض، فضلا عن الاستفادة من هكذا مشروع زراعي، كموقع نموذجي للمشاهدات يستفيد منه كل المعنيين. فلنتوجه إلى المؤسسات العامة أو الحكومية (بما في ذلك المؤسسات التعليمية) أو المجالس البلدية أو القروية التي تمتلك أو تشرف على أراضي عامة غير مستعملة. كما، بالإمكان أيضا الاستفادة من أراض تابعة لأصحاب الأعمال أو الملاكين. وبسبب ظروف الاحتلال الصهيوني والحصار الذي يفرضه على شعبنا وبالتالي أجواء المقاومة، هناك، حاليا، عدد متزايد من الجهات والمؤسسات العامة والرسمية التي لديها أراض متاحة، تشجع المبادرات الإنتاجية المجتمعية، وخاصة تلك المعتمدة على الذات.
إذن، نقطة البداية لا بد أن تكون بأن نقلل إلى الحد الأدنى من تناول الأطعمة المصنعة، وأن ننتبه إلى السلع الغذائية التي نشتريها وأن نميز فيما بينها، وبالنتيجة أن نتناول كمية أقل من الطعام ونوعية أفضل. لكن، الأهم من كل ذلك، بالطبع، أن نتحكم بطعامنا من خلال إنتاجه بأنفسنا من المكونات الأساسية التي يكون من الأسهل علينا التأكد من عدم تلوثها بالكيماويات. علينا العودة إلى الزراعة البلدية والطبيعية (العضوية)، فضلا عن تشجيع المزارعين، إجمالا، على ذلك. وبإمكاننا أيضا تشجيع أصدقائنا ومعارفنا وأقاربنا في المدن على شراء الخضار والفاكهة مباشرة من المزارعين البلديين والعضويين في مزارعهم وحقولهم. وبإمكان مجموعات طليعية من المزارعين البلديين (العضويين) إقامة شبكات تسويق ودكاكين خاصة بهم في المدن والبلدات والقرى والمخيمات يسوقون فيها منتجاتهم الطبيعية والعضوية. وبالتأكيد، ليس بالأمر السهل أن نغير عاداتنا الاستهلاكية والغذائية، لكن، تتمثل الخطوة الأولى في هذا الاتجاه في شحذ وعينا الغذائي والبيئي، ومن ثم القيام بالخطوات اللازمة لإحداث التغيير.
ولضمان إنتاج زراعي نظيف صحيا وبيئيا، بإمكان مجموعات من المستهلكين تنظيم عملية مقايضة المال بالمنتجات الزراعية مع مزارعين بلديين - عضويين محليين، سواء ملاكين أو يزرعون بالمزارعة، أو مع مزرعة معينة في المدينة. ويوجد حاليا، في بعض البلدان، نماذج عملية لمشاريع إنتاجية تعرف بالزراعة المدعومة مجتمعيا أو: "الزراعة بالحماية الشعبية". وفي مثل هذه المشاريع المجتمعية المكونة من منتِج زراعي (أو أكثر) ومجموعة من المستهلكين (قد تكون غالبا مجموعة من الأسر في القرية أو المدينة)، يدفع المستهلك سلفا للمنتِج في بداية الموسم مبلغا ماليا محددا، لدعم المنتِج في عملية إنتاجه بمختلف مراحلها. وبالمقابل، يحصل المستهلك على نسبة معينة من الإنتاج. ويمتلك المستهلك رأيا مقرِرا في ما سيُزرع. وهناك نماذج معينة من المشاريع المجتمعية التي تزود المستهلكين بالخضار والفاكهة العضوية، فضلا عن كمية غير محددة من البيض البلدي، بل ومشاركة الأخيرين في ملكية بقرة أو أكثر ضمن المشروع، بحيث يستفيد من حليبها البلدي وغير المعالج المستهلكون والمنتجون على حد سواء. وقد تختلف آليات العمل والإنتاج من مشروع لآخر، ولكن، في معظم الحالات يدفع المستهلك رسما محددا في بداية الموسم، لمشاركة المنتِج في المخاطرة أو في الثروة الإنتاجية. وليس بالضرورة أن تكون المشاركة مالية دائما، فقد يساهم المستهلك من خلال عمله بالمشروع، سواء بالفلاحة أو بالحصاد أو بالتوزيع. وقد يكون المستهلك نفسه منتجا لمنتجات بلدية لا ينتجها المشروع الذي ينتمي إليه، وبالتالي قد تكون مساهمته، كليا أو جزئيا، عبارة عن مقايضة بعض منتجاته بمنتجات أخرى في المشروع. وتعد الزراعة المدعومة مجتمعيا أسلوبا فعالا لتسويق المنتجات العضوية (البلدية) في مواقع الاستهلاك بالمدن أو بالمخيمات الفلسطينية مثلا. و يتم، بالعادة، نقل منتجات المشروع أو التعاونية إلى نقطة تجميع متفق عليها (مثلا: بيت أحد الأعضاء) حيث يتم من هناك إعادة توزيعها محليا. وتحل هذه العملية مكان سلسلة المتاجر الكبيرة وأسعارها المرتفعة (بسبب تكاليف التغليف والنقل والتسويق وغيرها) وتدعم المزارع البلدي الصغير، بحيث تمنحه استقلالية أكبر عن إملاءات السوق والتجار، وتضمن عمليا، تزويد المستهلك مباشرة بالغذاء العضوي الطازج وذي الجودة العالية.
للمزيد من التفاعل، أو للحصول على معلومات إضافية، يمكنكم الكتابة على العنوان الإلكتروني التالي:
george@maan-ctr.org
|