مشاهد بيئية :
شذرات بيئية وتنموية
عبد الباسط خلف
(ش)
شابان يقفان عند حافة مفرق جبع القريب من رام الله. يشعلان سجائرهما المستوردة، في الحافلة ذات يوم بارد، عقب منخفض قطبي. أطلب منهما بأدب، أن يبعدا عنا شر عادتهما السيئة. يتذامران من الأمر، ويعتبرانه تدخلا في الخصوصية، ثم يقولان: شايف المفرق كله زبالة، والبلد مليانة كل شيء وسخ، وعنا ألف مستوطنة وحاجز، وما في رواتب، وعنا أسرى في سجون الاحتلال، هي المسألة وقفت على سيجاراتنا!
(ذ)
ذهبت أستاذة مهتمة بالرياضة إلى تسجيل اعتراض على نقدي اللاذع، خلال محاضرة لدارسي الإعلام، لاهتمام وسائل إعلامنا بالرياضة، لحد الإغراق والجنون، وانفاقها مبالغ طائلة على المواسم الأوروبية والبطولات العالمية، وبشكل يومي.
خلال الحوار معها، وعشرات الطلبة، أجبت على الاحتقان بتساؤل مفتوح: هل بوسعنا أن نلعب الكرة بجوار مكرهة صحية، أو مكب نفايات، أو مفاعل نووي؟ جاء ردها بالنفي، لكن شؤون البيئة لم ترق لها، ولم تمنحها صفة الأولوية.
(ر)
راحت العائلات والشبان تتقاطر إلى مرج صانور الذي أغرقته مياه الشتاء، في زمن قياسي، مثلما ذهبوا إلى نبع واد حسن بين بلدتي اليامون وبرقين بمحافظة جنين. في حوارات عديدة مع المتنزهين، تكتشف تعطشهم للبحر والينابيع. بعضهم وقد تجاوز نصف قرن من العمر يقول: لم أزر البحر في حياتي، وهذه المياه تجعلني أشعر بالسعادة، ونتمنى أن يرحل الاحتلال لنزور بحرنا. أما الأطفال، فتمنوا أن يبقى المرج على حاله في الصيف، ليهربوا من الحر إليه.
(أ)
أن تسير في أي شارع بأي مدينة وقرية، ستصاب بالحزن، فطرقاتنا على ما يبدو، ليست معدة للصيف أو الشتاء أو الخريف، فالحفر تنال منها، والجودة تختفي عن الكثير منها، واستعدادتها للشتاء بنجمة واحدة. أما النفايات العشوائية وروث الحيوانات فتتدخل في كل شارع. كأن طرقاتنا ربيعية!
وحين تدخل مجلس عزاء، فعليك أن تجلس خمس دقائق بين سحب السجائر، وأن تضطر للسلام الحار بقبل قد تنقل لك ولغيرك أمراضاً شتوية قد تكون قاتلة، وأن تسمع حديثا لا صلة له بالحزن من قريب أو بعيد. وحين تفتح نافذة تجاورك، تسمع ألف تعليق وتعليق، وكأنك أرتكبت جناية.
وحين تدخل للكثير من مؤسساتنا، فستجد ما لا يسرك، ويدمي قلبك: بنية تحتية متراجعة، اكتظاظ، سجائر، عمارات مصممة لأغراض تجارية، وبعيداً عن أي إجراءات وقائية.
وأن تخرج إلى الطبيعة، فستحزن على غير أمر، فلن تجد الهدوء المنشود، وسترى الإسمنت يلاحق كل أرض خصبة، وتشاهد تراكم نفايات عشوائية، وقطعاً للأشجار، ورعياً جائر، وغيرها الكثير مما لا يسر القلب والعين.
وحين "تبحر" في شبكة الانترنت، ستجد أخبارا يومية، تقطر حزنا وموتا وقتلا جماعي، في غير مكان، وكأن الدم صار ماءً.
(ت)
تصل الأغوار الشمالية مرتين في أسبوع واحد، تكتفي بسماع قصص أطفالها، الذين تلاحقهم إجراءات الاحتلال، وتهدم خيامهم، وحظائر أغنامهم، وتهرب من حديث سياسي مكرر وإنشائي وشعاراتي.
من أخطر ما يمكن أن ترصده، خلال تتبع أحلام الزهرات والأطفال الكبيرة والمستقبلية، كيف يُجمع الصغار على حلم بعودة أعمدة الخيام التي صادرها الاحتلال، وأن يحصلوا على فرشة وحرام صوف، وأن يشاهدوا ثلاجة في منزلهم المتواضع جداً!
|