مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
" شبـــاط 2013 - العدد 51
 
Untitled Document  

"مبادرة مبتكرة" ستقلل من حرق الإطارات المطاطية وتسميم الأجواء في الخليل

تجميع الاطارات بهدف إعادة تدويرها

ثائر فقوسة
خاص بآفاق البيئة والتنمية

مع بداية غروب الشمس وحلول الظلام، تعيش قرى وبلدات محافظة الخليل حالة حرب لكن من نوع آخر، السماء تمتلئ بسحب الدخان الاسود والنار تزحف نحو الاراضي الخضراء  لتلتهم أخضرها ويابسها، وبعدها بلحظات تبدأ الروائح الميتة بالانتشار، حارمة سكان بلدات اذنا وبيت عوا ودير سامت والكوم من استنشاق الهواء النقي. هذا المشهد يتكرر يوميا حيث يستغل  تجار الخردة ظلام الليل لحرق أطنان من "الكوشوك"  وأسلاك الكهرباء من اجل الحصول على المال. فظاهرة تدمير البيئة ونشر الأمراض بين السكان أصبحت من تخصص تجار الخردة الذين واصلوا على مدار الاعوام الماضية  حرق  إطارات السيارات وأسلاك الكهرباء لاستخراج الحديد والنحاس، حيث يحرق يوميا في المحافظة أكثر من 300 إطار"كوشوك" أي ما يقارب من اربعة أطنان، وما يتم الحصول عليه من أسلاك معدنية يباع بثمن بخس لا يتجاوز الـ 200 شيكل.

التلوث الناتج عن حرق في منطقة الخليل
حرق إطارت مطاطية وامتداد النار لتحرق الأشجار

غازات قاتلة
"بالرغم ان الناتج المادي غير مجدٍ، إلا ان تجار الخردة استمروا في عمليات الحرق دون الاهتمام لانبعاث الغازات السامة مثل اول وثاني اكسيد الكربون  وغاز "الدايوكسين" المسرطن  حيث يفيد المهندس سمير موسى  أن إطارات السيارات المستهلكة يدخل في تركيبها الكيماوي ً مواد أولية "بترو كيميائية وكربون" ومواد كيماوية عضوية مثل "الستيرين" وهو أحد مشتقات البنزين كذلك "البويتادين " الذي يصنف على انه من اشد المواد المسرطنة، حيث يؤدي احتراق تلك المواد الى انبعاث الغازات السامة ما ينجم عنه زيادة فى المركبات العضوية المتطايرة بالإضافة إلى أكاسيد الكربون التي تسبب الاختناق والتسمم وتزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري، كما يؤدي تصاعد أكاسيد الكبريت الى ظاهرة المطر الحمضي.
أما من الناحية الصحية  فإن المواد البترولية التي تدخل في تركيب المطاط تكون سبباً كافياً في تهديد البشر بالأمراض الصدرية والحساسية، وتؤدي الى الإصابة بالسرطان وهذه الامراض –وليس من قبيل المصادفة- منتشرة بشكل واضح بين سكان قرى وبلدات غرب دورا وهي من اكثر المناطق التي تشهد عمليات الحرق.

محاولة للإنقاذ
ظاهرة حرق الاطارات المنتشرة في المحافظة لم ترق للمهندس بشير الزغل، الذي فكر في الاستفادة من هذه "النفايات" اقتصاديا دون إلحاق الاذى بالمواطنين او البيئة، حيث ذهب الى ماليزيا ليتعرف على مدى التطور العلمي في هذه المجال، وتمكن من إحضار الآلات خاصة تلك الصديقة للبيئة التي تعمل على استخراج الأسلاك المعدنية من الإطارات، ثم يتم طحن "الكوشوك" الى حبيبات صغيرة يعاد تصنيعها الى أدوات مفيدة للمجتمع، حيث يفيد الزغل: "تجار الخردة يحرقون نحو 100 اطار "كوشوك" من اجل الحصول على 50 شيكلاً، دون الانتباه لحجم الدمار الذي يخلفه حرق هذه الكميات، كما ان اغلب الأراضي الزراعية في بلدات اذنا والكوم تحولت الى بقع سوداء وتوقفت الأشجار خاصة الزيتون عن الإثمار، ولم يكتفِ تجار الخردة بحرق ما يتم جمعه من إطارات في  الأراضي الفلسطينية،  بل قاموا بجلب مئات الأطنان من إسرائيل لزيادة الضرر، مؤكدا انه من أجل التخفيف من عمليات التلوث، يقوم الزغل بجمع ما يقارب الـ 600 إطار يوميا من المناطق التي تنتشر فيها هذه الظاهرة وينقلها الى المصنع،  وهناك يعيد تصنيع " الكوشوك" بعد المعالجة الى بلاط للحدائق والمسابح وروضات الأطفال ومحلات "الجيم" والمصانع.

انتاج البلاط من الإطارات المطاطية المعاد تدويرها في مصنع بشير الزغل
بلاط ناتج عن اعادة تصنيع الاطارات

مشروع ناجح
يسعى الزغل الى زيادة إنتاج مصنعه وتكبيره  ليصبح قادرا على جمع وإعادة تصنيع اكبر عدد من الإطارات المستعملة وذلك لنجاح مشروعه في تحقيق اهدافه من الناحية الاقتصادية عبر توفير مادة استهلاكية مهمة تصنع لأول مرة في فلسطين، كما استطاع توفير عدد من فرص العمل لشباب المحافظة، وخلال الفترة القادمة سيتم وضع حد لعمليات حرق الأسلاك المغلفة بالبلاستيك عبر جلب ماكنات تعمل على استخراج النحاس بطرق صديقة للبيئة حيث يحرق تجار الخردة ما يقارب من 7 أطنان يوميا من الأسلاك، وبالتالي سيساهم هذا المشروع في زيادة الإنتاج وزيادة فرص العمل وتنشيط عجلة الاقتصاد.

احلام تنتظر
"نتمنى أن يأتي اليوم الذي نستطيع فيه فتح نوافذنا بحرية من أجل استنشاق الهواء النقي  الذي لم نشعر به منذ سنوات، وأن نتمكن من الجلوس  أمام بيوتنا التي تحولت الى معتقلات بفعل تجار الموت"، بهذه العبارات بدأ المواطن جابر اطميزه من بلدة اذنا حديثه، مشيرا الى ان اهالي البلدة لا يستطيعون في بعض الليالي مشاهدة منازلهم لكثرة الدخان، كما ان هناك  روائح غريبة وكريهة تنتشر في البلدة مسببةً الغثيان، عدا القطع الصغيرة السوداء المتطايرة في الهواء العالقة على الأجسام والتي تسقط عليها، حيث  يعاني   السكان وفي مقدمتهم الأطفال من انتشار أمراض الربو والسرطان والتهاب الجهاز التنفسي وضيق التنفس.
ورغم تقديم أهالي البلدات التي تجرى فيها عمليات الحرق شكاوى الى وزارة البيئة ومديريتي الصحة والشرطة، إلا ان تجار الخردة يستمرون في تدمير حياتهم وأراضيهم الزراعية، وأضاف اطميزه ان العقوبة التي تتمثل  بالغرامة المالية  والتعهد بعدم الحرق مرة ثانية لا تشك   رادعا حقيقياً، بسبب اغراءات الأرباح التي يجنيها هؤلاء التجار ما جعلهم لا يقيمون وزنا للعقوبات. حيث ثمن المواطنون المحاولات التي ستخلصهم من عمليات الحرق،  وبالتالي انقاذ آلاف المواطنين من الإصابة بالأمراض وتركهم للعيش بسلام.
 فيما ابدى العديد من المواطنين، سيما من بلدتي دير سامت والكوم رغبتهم في التعاون مع هذا المشروع الذي سيخفف من معاناتهم، حيث أعلن بعضهم عن استعدادهم للقيام بجمع الإطارات المستعملة وإرسالها الى المصنع لإعادة تصنعيها دون مقابل، مطالبين المهتمين بالبيئة للوقوف الى جانبهم للقضاء على ظاهرة حرق الأسلاك البلاستكية عبر عمل مشاريع صديقة للبيئة.
وهنا لا بد من القول ان أحلام المواطنين بالعيش في بيئة سليمة قد لا تحتاج الى إنسان غيور يحاول بإمكانياته البسيطة انقاذ مجتمع  يتعرض للخطر من بعض الجشعين رغم أهميتها، بل الأولى أن تأخذ مؤسسات فلسطينية على عاتقها حماية البيئة والإنسان، من خلال فرض قوانين واستراتجيات تعمل على تطبيقها، وليس التباهي بها في المؤتمرات وأمام وسائل الإعلام.

بفعل حرق الأسلاك البلاستيكية أشجار الزيتون تحرق
عمليات حرق الإطارات التي تتم بالغالب ليلا
التعليقات

لماذا لا تعمل وزارة شؤون البيئة على تشجيع وتعميم مثل هذه المبادرات البيئية الرائعة التي لا تساهم فقط في حماية بيئتنا بل أيضا في تعزيز التوجه الاقتصادي المعتمد على الذات...إن مثل هذه المشاريع جديرة بأن تمنح تسهيلات مالية وإعفاءات ضريبية ...

محمد حمودة

 

مشروع نموذجي رائع يثبت بأن المشاريع الاقتصادية البيئية لا تتناقض مع الاقتصاد، بل بالعكس، هي أكثر جدوى ربحية من المشاريع الاقتصادية التقليدية المعادية للبيئة ...

كامل عكاوي

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية