l هل كشفت الأمطار الغزيرة والعواصف "عورة" بنيتنا التحتية؟
 
 
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
" شبـــاط 2013 - العدد 51
 
Untitled Document  

هل كشفت الأمطار الغزيرة والعواصف "عورة" بنيتنا التحتية؟

هذا حدث في قلقيلية

عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية

فتح المنخفض الجوي العميق الذي ضرب فلسطين بين الخامس والتاسع من كانون الثاني 2013، الباب أمام العديد من الأسئلة، أبرزها مدى جاهزية البنية التحتية، وشبكات الطرق لمواجهة الكوارث الطبيعية والأمطار الغزيرة. وما زاد الطين بلة، تصدع الكثير من الطرقات، وانهيار شوارع وغرق بنايات، وعدم قدرة قنوات تصريف المياه على استيعاب المياه.
تتابع "آفاق البيئة والتنمية" المشهد، وتستقصي حال بنيتنا التحتية، وتلتقي بمسؤولين وخبراء ومواطنين وإعلاميين، لرسم لوحة لمجريات ما حدث. وتبحث عن الحلقة المفقودة، التي تسببت بضربة قاصمة للبنية التحتية خلّفت خسائر في الأرواح والممتلكات وشبكة المواصلات.

أراض في مرج ابن عامر وقد أغرقتها الأمطار الغزيرة
الأراضي الزراعية في عرابة بعد الأمطار الغزيرة

من المسؤول: الأمطار الغزيرة أم نحن؟
يفند وزير الأشغال العامة ماهر غنيم، وجود قصور وتراجع في جودة  إعداد شبكات الطرق وقنوات تصريف المياه، ويقول إن هذا الإدعاء غير دقيق علمياً؛ فحجم الأمطار الذي هطل في يومين قياسي وغير مسبوق، وأضعاف المعدل العام في فترة قصيرة، ولم تشهده فلسطين في الماضي، وفق كبار السن.
وقال: "في العادة يجري تصميم البنية التحتية وفقاً للظروف المألوفة، ولا تصمم على احتمال غير موجود، أو من الممكن أن يأتي مرة كل خمسين سنة، وحتى في كل دول العالم وأوروبا نرى بين فترة وأخرى خسائر في ظل الظروف غير الاعتيادية، وقبل أسابيع غرقت طرق مكة بأكملها، رغم كونها مدينة حديثة، هنا نحن نتحدث عن ظروف استثنائية وغيرة معتادة".
وأضاف: "سنُجري تقييماً لما حدث، وإذا ما تكررت هذه الظاهرة فستتم مراجعة للتصاميم الموجودة، تراعي كميات هطول الأمطار. وفي الحالات الطبيعية في العادة، لا تكون الظروف مماثلة لما جرى، من حيث هطول كمية امطار بين أربعة إلى خمسة أضعاف المعهود خلال فترة قياسية أو حتى دقائق، وبعض المناطق هطلت عليها الأمطار بما نسبته 200% .
ووفق الوزير غنيم، فإن الحديث لا علاقة له بالجودة والتنفيذ، وإنما بفعل حدوث ظرف غير اعتيادي، لم يحدث في سنوات، والأسس العالمية تأتي ضمن المعتاد.

اشتراطات
فيما رأى نقيب المهندسين أحمد عديلي، أن  الأضرار التي قد تنجم عن ظروف العواصف كالذي حدث في فلسطين،  وهو جزء من الكوارث التي تحدث في كل دول العالم. وبالتأكيد سيزداد الضرر إذا كانت البنية التحتية غير متكاملة.
ويزيد: "الطرق في العادة يجب أن يكون لها أكتاف، وأن تشمل قنوات لتصريف مياه الأمطار، وهذا الأمر سيؤثر على الجزء المشغول من شبكات الطرق، دون مراعاة لعناصره الأخرى الضرورية، لسبب أو لآخر".
ويتابع عديلي: "في حالتنا الفلسطينية، عادة نعمل بالبنية التحتية بالقدر الموجود، وليس المطلوب؛ والسبب الموازنات والتمويل، التي  يتعذر بسبب نقصها إكمال كل متطلبات الشوارع وشبكات البنية التحتية. وأحياناً يجري تنفيذها على مراحل، ولكن إذا ما أردنا أن نمنع انهيار البنى التحتية، يتحتم علينا أن ننفذها بشكل فني وتكاملي، ولو تطلب الأمر تقسيم المشاريع على فترات أطول".
ولا ينفي وجود حالات محدودة تشوبها عيوب التنفيذ، والإهمال، والغش، وسوء الإدارة، وسبق وأن تابع وجود خلل، لكن النسبة الكبيرة من الأضرار الحالية لها علاقة في عدم إكمال مراحل المشروع، والاكتفاء بالشوارع دون توابعها الضرورية.
ووفق عديلي، فإنه لو جرت تنفيذ كل شبكات الطرق والجدران الاستنادية بطرق متكاملة، لاستطعنا توفير 80 إلى 90 في المئة من قيمة المشاريع المنجزة؛ لأنها  ستصبح بعد تلفها جزءا من الخسائر، وسنضطر لأن نبدأ من جديد في تنفيذها، وهذا سيجعلنا نعيد المشروع مرة أخرى.

انهيار شارع في وادي الباذان بمنطقة نابلس إثر الأمطار الغزيرة
سيارات ومنازل في جنين أغرقتها الأمطار الغزيرة

خطط تنموية غائبة!
ويقترح أن يجري التنفيذ على مراحل، ولكن بطرق صحيحة ومتكاملة؛ لنستطيع مواجهة الظروف غير المسبوقة، ولو تطلب الأمر تأجيل تنفيذها، وإذا ما أردنا أن نحافظ على الجزء الأول من الشارع، يجب أن ننفذ الأجزاء المتبقية الضرورية.
وبحسب نقيب المهندسين، فإن نمط العمل السائد في فلسطين يجري في إطار المبالغ المتوفرة، وضمن المساعدات المالية والظرف السياسي القائم، ولا يخضع لخطة تنموية مستدامة.
واستناداً لتقديرات المهندس عديلي، فإن المتر المربع الواحد من شبكات الطرق يكلف بين 25-30 دولاراً تقريباً إذا ما نفذناه بطريقة "الترقيع"، وهذا يخضع أيضاً  لمعايير الجغرافيا وطبيعة التربة وتصريف المياه، ولكن إذا ما أردنا عملا متكاملاً، فإن تكلفة المتر المربع ستتضاعف لتتحرك بين 45-50 دولاراً، لكنها ستصمد في وجه الظروف غير الطبيعية، كالأمطار الغزيرة.
ويكشف عن دراسة فنية كانت مطروحة على طاولة النقابة، وعرضت في أكثر من ورشة وندوة، طالبت أن يكون تنفيذ مشاريع البنية التحتية، وفق الأسس الصحيحة والتكاملية، ولو لجأنا لتنفيذ المشروعات على مراحل، ودون استعجال وتسرع وعمل جزئي، حتى لا نلجأ إلى إعادة العمل مراراً.
ويستدرك بالقول: "لكن ما يجري يخضع لاختبارات عاطفية وحسب القدرة المالية أو الجهة المانحة، وليس السلامة العامة، وهو ما يتكرر في مشروعات أخرى خاصة وعامة، حين يلجأ أصحاب المباني للطلب بعدم مراعاة منشآتهم للتصميم الزلزالي؛ لأنه يكلفهم المزيد من المال".
ويوالي: "لاشك أن العاصفة دمرت كثيراً البنية التحتية والمنازل، وبخاصة في محافظات جنين وطولكرم وقلقيلية، وصارت بحاجة لإعادة التأهيل والإصلاح من جديد، ولكن مع غياب التمويل الحكومي وغياب الموازنات وشح التمويل الأجنبي، في هذا الظرف السياسي، سننتظر وربما طويلاً حتى نعيد الوضع لما كان عليه".
وينهي: "حتى نكون واقعيين ولإعطاء رأي دون تحيز وعاطفة، فإن المشاريع الجارية لا تخضع للشروط الفنية الصحيحة، ومعظم الممولين يهتمون فقط بشفافية المشروعات، دون تحري  بند الاستدامة".

البناء في الأراضي الزراعية والوديان ضاعف الخسائر
ويقول د. علي غياظة وكيل وزير الزراعة، إن  الأصل في الأراضي الزراعية أن تكون خالية من المنشآت، لتقليل الخسائر في حالات الفيضانات من جهة، وللمحافظة على هذه الأراضي وحماية الإنتاج الزراعي من ناحية أخرى، لكن بإصرار المواطنين بشكل خاطئ وبعض الوزارات كالاقتصاد الوطني، فإنها تمنحهم التراخيص في هذه المناطق ويجري الاستئناس برأي وزارة الزارعة، وحين ترفض بعض الجهات لا يؤخذ برأيها بدعوى الاستثمار.
وأضاف: "يجب أن يكون رأي الزراعة أساسي، والتوقف عن الاعتداء على مجاري الأودية في المدن والقرى، ومنع استمرار البناء فيها، لأن أصحاب المباني حين تُدمر ممتلكاتهم أو تتضرر في الوديان والأراضي الزراعية، فإنهم يطلبون تعويضات من الحكومة، التي تعاني عجزا خطيرا حالياً، مع أن ما وقع جاء نتيجة الأخطاء التي صنعتها أيديهم".
وتابع غياظة: "ما حدث بعد العاصفة، كشف قدراتنا واستعدادتنا لمواجهتها، كما يجب أن يكون نقطة تحول في التخطيط الاستراتيجي، وفرصة للفت انتباهنا للكثير من القضايا التي يشكل استمرارها خطراً على الممتلكات والأرواح، ويتحتم علينا اتخاذ إجراءات رقابية مستقبلية عند تنفيذ مشاريع البنية التحتية. والأصل أن تعيد الجهات التي تمنح التراخيص في الأراضي الزراعية النظر في سياساتها المستقبلية".
ويضيف: "تعرض القطاع الزراعي لضربة قاصمة، وبخاصة في الدفيئات البلاستيكية وما فيها من محاصيل، والأراضي في سهل صانور ومرج ابن عامر التي غرقت، وأيضاً مزارع الدواجن".
وتوقع غياظة، أن ترتفع أسعار الخضروات بشكل مضاعف؛ بسبب الأحوال الجوية، ما يُفاقم الأوضاع الاقتصادية الصعبة أصلا.

شارع رئيسي في جنين وقد دمرته الأمطار
شارع في قباطيه وقد دمرته الأمطار الغزيرة

تحليل
بينما يسرد د. جلال الدبيك، منسق عام المراكز العلمية في جامعة النجاح الوطنية، ومدير مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل، ونائب رئيس الهيئة الوطنية للتخفيف من أخطار الكوارث، مستويات المخاطر التي تُحدثها الكوارث المختلفة والتي تعتمد على عدة عوامل أهمها: مصدر الخطر( الذي قد يكون زلزالا، فيضانًا، أو حرباً أو تسرب مواد كيماوية)، وثانيها: قابلية الإصابة وقدرة البنى التحتية، ومدى جاهزيتها لمواجهة الكارثة( الفيضان، والزلزال وغيرها)، وثالثها: القدرة على المواجهة، وتعني وجود منظومات وطنية شاملة ومتكاملة لمواجهة الحدث، وما يعنيه من تنظيم سابق، وإعداد كوادر، وغرف عمليات، وقدرات المجتمع على العمل بطريقة فعّالة، للحد من هذه المخاطر.
وأضاف: "ما تعرضنا له من أحوال جوية مطلع كانون الثاني، ورغم أن كمية الأمطار التي هطلت زادت عن المعدل نسبياً، لكنها لا تعتبر كمية بعيدة جدًا عن الأرقام المألوفة، فالكثير من دول العالم تتعرض لأمطار كبيرة، لكن لا يحدث فيها ما حدث عندنا".
وقال د. دبيك بأن السبب يعود لعوامل رئيسية كزيادة الأمطار، فيما البنية التحتية غير مؤهلة لما جرى، فالطرق والمباني بنيت في منحدرات ومناطق منخفضة، وفي مجاري السيول والوديان، وتصميم الطرقات في الغالب فيه نوع من التقعر والتحدب المفاجئ، وطبيعة جغرافية فلسطين من وديان وجبال ساهمت في ذلك. كما أن نظام البناء القائم على مستوى الشارع أو أقل منه، مع عدم وجود سياسية استخدام الأرض، وغياب تخطيط مسبق لسياسية استخداماتها ضمن الخرائط الهيكلية، زاد من الخسائر.
وتابع يقول: "قابلية الإصابة وتعرض منشآتنا( بما فيها جودة البناء والتنفيذ للبنى التحتية والطرق وغيرها) مرتفعة عندنا، فيما جاهزيتنا منخفضة، والأصل أن يكون العكس، لأن الفيضانات كالزلازل في بعض جوانبها، وهما (الزلازل والفيضانات) يكشفان جودة التنظيم والتنفيذ لدينا".
وتوقع الدبيك أن تزداد الانزلاقات الأرضية هذا العام،  كون معظم المناطق في الضفة الغربية من هذا التكوين،  فيما 40 % من الجبال تتشكل من الصخور.

كارثة!
ويقول المقاول هارون جبارين، إن الذي حدث هذا العام يُصنف كنظام كوارث لم يحدث منذ عشرين عاماً، فالماء ارتفع لمترين في شوارع قباطية بمحافظة جنين حيث سوت بعضها بالأرض، فيما انفجرت بعض الجدران الاستنادية وتهاوى بعضها، وغمرت البيوت بالمياه.
وقال: "نعمل ضمن المواصفات المطلوبة من وزارة الأشغال والجهات المانحة، كما نعد عبّارات وقنوات لتصريف مياه الأمطار، وفي  قباطية أسسنا عبّارات وقنوات تصريف، لكنها لم تستوعب كميات المياه التي ارتفعت لأكثر من متر ونصف المتر عن العبّارات، فما حدث لم يكن طبيعي، حتى أن المياه سحبت جرافات ومعدات ثقيلة وسيارات وحاويات ضخمة ( طولها ستة أمتار) وحجارة كبيرة، وأزالت طرقات بأكملها، وانهارت معها أجزاء من الجبال، وأمتد عرض المياه لخمسين متراً في بعض المناطق".
وأضاف: "نعمل حسب المواصفات المطلوبة التي تضعها البلديات والجهات الداعمة، ويجري بشكل صحيح، وبرقابة هندسية، وفي العادة وضمن الأوضاع الطبيعية، نكفل ما نُنفذه من طرق وبنية تحتية لمدة عام، لكن ما حدث في المنخفض أمر غير مسبوق، ولا يمكن الحديث عن كفالته".
وتابع يقول: "ما حدث لم يقتصر على منطقة بحد ذاتها، حيث عمّ كل المحافظات، وكان فوق السيطرة، وحتى الكثير من المنازل التي بناها أصحابها في مجاري الوديان غرقت".
وفي رد على سؤال لـ" آفاق البيئة والتنمية"، حول متانة المقطع من الطريق الرئيس في شارع الموصل لنابلس، والذي نفذته الحكومة الدنماركية، قبل أكثر من 12 سنة، وصمد في وجه الفيضانات واجتياحات دبابات الاحتلال أكثر من مرة خلال العدوان، قال:  "إن الطريقة التي نُفذ بها الشارع لا يمكن أن يكررها أحد، فهي تحتاج إلى طمم بارتفاع  ثلاثة أمتار، وجدران استنادية متينة جداً، وهذا يكلف أضعاف مضاعفة من الشوارع التي نشقها ونُعبّدها".

طريق مدمرة في المالح بالأغوار بفعل الأمطار الغزيرة
غرق قرية برقين في بحيرة الأمطار الغزيرة

مواصفات ورقابة!
ووفق الصحافي محمد عبد ربه، فإن الشوارع والطرقات هي شريان الحياة للحركة والانتقال سواء داخل المدن والبلدات أو خارجها، وبنظرة سريعة إلى واقعها نجد الأوضاع الكارثية لها؛ فلا بنية تحتية بالمطلق.
ويضرب مثالاً على ذلك، شارع القدس-رام الله المار بقلنديا، حيث يقول منتقداً:  "بعد سنوات قليلة من انتهاء العمل به، والتي استمرت نحو عام كامل، هو اليوم (أي الشارع) في حالة يرثى لها. فبمحاذاة حاجز الاحتلال هناك بحيرة من المياه ربما تحتاج إلى قارب لتجتازها. وأيضا في المقطع الشمالي منه قرب كفر عقب هناك بحيرة أخرى تحتاج إلى قارب آخر لقطعها بأمان وسلام".
ويضيف: "لو كان العمل في هذا الشارع قد تم بالمواصفات السليمة التي وردت في العطاء والمناقصة لما شهدنا سوء الأوضاع فيه. وهنا علينا أن نسأل: هل رسا العطاء على من لا يستحقه؟ وإذا بحثنا وحققنا قد نجد تلاعبا حدث في العطاءات وبالتالي لم "يعط الخبز لخبازه".
وتابع عبد ربه: "لماذا يتقن مقاولونا أعمالهم لدى الإسرائيليين، والدليل الشوارع الاستيطانية والالتفافية التي ترسو عطاءاتها عليهم، بينما يتهاونون في مشاريع تخص وطنهم؟ وإذا بحثنا في ملفات الفساد قد نجد ما يجيب.  وعلى كل حال لو صلحت أحوال شوارعنا وطرقاتنا لتلافينا تدفق المياه إلى بيوتنا.
وترى الموظفة سوزان الريماوي، أن الاستعدادات لدينا ظهرت في اول شتوية، فشاهدنا شوارع مغلقة، ولوحات اعلانات على الارصفة والشوارع، والكثير والكثير من المآسي. وتقول: دون تردد ، أعتقد أن وزارة الحكم المحلي هي المسؤولة عما جرى.
ويفيد الإعلامي غيّاث الجازي، الذي يقيم في نابلس: "مؤسساتنا لا تُفكر للأسف استراتيجياً، بمعنى لا يوجد لدينا خطط لاستيعاب الزيادة السكانية الطبيعية في المدن والبلدات، وهو ما يستدعي تأهيل البنى التحتية وخطوط الصرف الصحي".
ويزيد: "أيضاً المسؤولية تقع على عاتق الناس بشكل جماعي من ناحية النظافة، لأن انسداد مجاري المياه سببه تراكم النفايات والإهمال العام، وهذا الحال ينطبق على المدن والبلدات كلها".

تخطيط غائب
وتقول المواطنة أمل دويكات، التي تسكن في نابلس: "نحن ندفع دائماً ثمن غياب التخطيط في كثير من مجالات الحياة، وجاهزية الجهات المسؤولة ليست كما يجب، بمعنى أن السياسات في عملها قائمة على رد الفعل وليس على الفعل ذاته، والمبادرة بعمل إجراءات احترازية ووقائية، وهذا الأمر يندرج على مجمل السياسات والمخططات في هذا البلد.
تتابع: "الشوارع غير مهيأة لسير السيارات والمشاة في الأوضاع العادية فما بالنا في أوضاع الطوارئ والأمطار الغزيرة ! وكل المرافق لا تبُنى ولا تُخطط أو تُنفذ اساسا للتعامل مع حالات طارئة مثل الأمطار والثلوج، وأول الأدلة على ضعف مواجهة الأمطار تعطيل المؤسسات والمدارس في المنخفضات العميقة؛ لأن مستوى تلافي الأزمة متدنٍ فعلا. وفي رأيي إن مستوى الفعل ضعيف لدى مؤسساتنا ومخططينا، وكذلك مستوى ردة الفعل، وعلى هذا الأساس سنبقى في الحلقة المفرغة ذاتها".
فيما يقول الصحافي نهاد الطويل بأن هناك درجة عالية من المسؤولية والوعي المؤسساتي المعنية بهذه الظروف الشتوية، فيما تتفاوت المسؤوليات حسب الأدوات والإمكانات، لكن بتقديره يقع الثقل الاكبر على الدفاع المدني باعتباره ركيزة اساسية في مثل هكذا أحوال.
ويضيف: "بالنسبة للبنية التحتية، أمام ظروف الطبيعة القوية لا سيما وقت الرياح والعواصف القوية لا يوجد شيء اسمه صمود أو تحمل، لكن بدرجات وحسب جودة تنفيذ المشاريع البنيوية، بمعنى، في الشوارع الخارجية التي تشرف عليها دولة الاحتلال تجد ان نسبة التحمل كبيرة والأضرار قليلة مقارنة بتلك الداخلية في المدن والقرى؛ والسبب واضح بفعل ضعف جودة التنفيذ في الحالة الثانية للأسف.
ينهي: "كل الجهات المعنية في موضوع البنية التحتية مسؤولة عما حدث، كوزارة التخطيط والأشغال العامة، وباختصار المسؤولية تقع على الحكومة، ومنفذي المشاريع".

طرق هشة
ويقول المدون محمد أبو علان لم أكن على علم بنشاطات كافة الجهات في طوباس، ورأيت شوارع طوباس مليئة بالمياه، وقد يكون ذلك من كثافة الأمطار بالدرجة الأولى.
ويكمل: "بشكل عام، عدم جاهزية البنية التحتية أمر واضح، وهندسة الطرق علم لم نتقن استخدامه بعد، إلا أن كمية الأمطار كشفت كل هذه المشاكل. وفي المقابل، تل أبيب هي الأخرى غرقت في المياه، لدرجة أن الشرطة طلبت من السائقين عدم الوصول للمدينة إلا للحالات الطارئة".
ويفيد المعلم أسامة الخطيب، الذي يسكن برطعة الشرقية غرب جنين: "لم يبق شوارع في البلدة والعديد من الأماكن كما شاهدنا، ودرجة الصمود انهارت من أول هزة لهشاشتها، ولا مواصلات داخلية وبخاصة القرى والشوارع ضيقة جداً، والوديان أضيق بغياب الرقابة الذاتية أولاـ والرقابة القانونية ثانياً، والمحسوبيات أخيراً، يضاف إلى ذلك الاعتداء الصارخ على الشوارع. أما المسؤولية فالمواطن يتحمل جزءاً منها والحكومة، الجزء الأكبر بسبب عدم صرامتها مع المقاولين والمهندسين."
ويقول الصحافي أكرم النتشة الذي يسكن مدينة الخليل: الفيضانات كانت غير طبيعية، وما زاد الطين بلة عدم وجود شبكة تصريف مياه الامطار، الذي يتم عبر شبكات الصرف الصحي، ما يُقلل من قدرتها على استيعاب كميات كبيرة من المياه. وبسبب اغلاق الاحتلال لأحد الشوارع في البلدة القديمة بالاسمنت والرمل، لم تسرِ المياه بمسارها الطبيعي فارتفعت في المنخفض الجوي لأكثر من متر.
الأمطار بريئة ونحن المذنبون
تنهي "آفاق" المشهد، بحديث ورد على لسان المواطن ماجد عبد الله، المقيم في جنين، الذي يعارض البناء في الوديان، قال فيها: "من لا يخطط عليه أن يتحمل مسؤولية أفعاله، ومن يسمح تحويل الوديان إلى منازل، ولا يراقب جودة المقاولين والمهندسين، عليه أيضاً أن لا يتهم المطر والسيول بأنها السبب وراء محنته؛ والسبب باختصار أنه لم يعمل بقاعدة: إن تزرع تحصد، وإن تدرس تنجح، وإن تخطط تنجو بجلدك!"

التعليقات

الصور معبرة وتتحدث عن نفسها...ورغم ذلك فإن المسؤولين يتنصلون ويبررون ولا يعترفون بمسؤوليتهم عن العيوب الخطيرة في بنيتنا التحتية وتبذير الأموال على بنية تحتية معطوبة وغير فعالة، فكسرت عصاها من أول غزواتها...ألم يحن الوقت لنتعلم مرة واحدة العبر والدروس لنطبقها ...

هاني معتز

 

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية