لأسباب صحية-بيئية: فلنتناول خلال بضعة أيام أسبوعيا غذاءً خالياً من اللحوم والألبان
العواقب البيئية الناجمة عن التراث الزراعي التقليدي أقل بكثير من المشاريع التجارية الكبيرة لتربية الحيوانات
ثلاثة أرباع المساحات الزراعية في العالم تستخدم لتربية المواشي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
كثرت في العديد من مدن العالم المبادرات الشعبية والمؤسسية التي يحدد من خلالها يوم واحد أسبوعيا يتناول فيه المواطنون المناصرون لهذه المبادرات منتجات غذائية خالية من اللحوم ومشتقاتها؛ وذلك لتشجيع الناس على الامتناع عن تناول اللحوم خلال يوم واحد على الأقل أسبوعيا. وانضم إلى هذه المبادرات مجموعة من المطاعم والمصانع؛ بحيث تقدم وجبات غذائية نظيفة من اللحوم. كما التزمت بهذه المبادرات بعض المدن والمجالس البلدية. ويتجسد التزام هذه الأخيرة من خلال المدارس والمؤسسات التعليمية والمباني العامة التي تقع تحت مسؤوليتها. ففي شهر تشرين ثاني الماضي، على سبيل المثال، أعلنت بلدية لوس أنجلوس عن انضمامها للمبادرة؛ فانضمت بذلك إلى مدن أخرى في العالم.
وتتلخص فلسفة هذه المبادرات، ليس فقط في تعريف الناس بالتأثيرات الصحية السلبية الناجمة عن الاستهلاك المكثف للمنتجات الحيوانية؛ بل أيضا في العواقب البيئية البعيدة المدى.
ومنذ نحو ست سنوات، اكتسب الوعي بالعواقب البيئية الناجمة عن تربية الماشية بهدف إنتاج اللحوم والألبان، زخما كبيرا؛ وذلك إثر نشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، تقريراً موسعاً حول الموضوع. وكشف التقرير أن قطاع تربية الحيوانات يتسبب في انبعاث 18% من إجمالي غازات الدفيئة في العالم. وسبب ذلك أساسا الانبعاثات الغازية الناتجة عن الجهاز الهضمي للحيوانات، إضافة للأسمدة النيتروجينية والوقود والنقل، واجتثاث الغابات بهدف توفير المساحات اللازمة لزراعة الأعلاف.
وتعد غازات الدفيئة جزءاً من القصة البيئية؛ إذ يدور الحديث عن قطاع يتسبب في تلوث كبير للموارد البيئية والأراضي، بسبب الإفرازات الحيوانية واستعمال الهورمونات والأدوية. ومن المعروف أن اجتثاث الغابات لتوفير المساحات اللازمة لزراعة الأعلاف تتسبب في أضرار كبيرة للتنوع البيولوجي في العالم. ويتوقع أن تتفاقم هذه الاتجاهات المدمرة؛ لأن التقديرات تتوقع أن يزداد الإنتاج العالمي للحوم من 230 مليون طن قبل عشر سنوات، إلى 465 مليون طن خلال العقود الأربعة القادمة.
ويختلف مدى استهلاك اللحوم من منطقة إلى أخرى. فالولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى عالميا من ناحية استهلاك الفرد للحوم والبالغ 322 غرام يوميا؛ بينما يبلغ استهلاك الفرد الأوروبي 200 غرام. أما استهلاك الفرد الأسيوي للحوم فأقل من ذلك كثيراً. وفي المقابل، يوجد في الصين ارتفاع كبير في استهلاك اللحوم؛ وذلك إثر النمو الاقتصادي المتواصل. وفي الهند يبلغ استهلاك الفرد للحوم 12 غرام يوميا.
قبل نحو عام، نشرت مجموعة خبراء تقريرا موسعا في المجلة العلمية "Nature " حللت فيه مشاكل توفير الغذاء في العالم. وبحسب التقرير، لو أخذنا في الحسبان الأراضي اللازمة للرعي، إضافة إلى المساحات المستعملة لزراعة الأعلاف؛ فسنجد عندئذ أن ثلاثة أرباع المساحات الزراعية في العالم تستخدم حاليا لتربية المواشي.
ومن ناحيتها، تدعي صناعة اللحوم أن السنوات الأخيرة شهدت تحسنا كبيرا في كفاءة تربية الحيوانات؛ ما أدى إلى تقليل الأضرار البيئية وتقليص مدى انبعاث غازات الدفيئة. إلا أن معظم الخبراء يتفقون على أن هذا القطاع لا يزال يشكل خطرا حرجا على البيئة.
وفي بقاع مختلفة في العالم، توجد مناطق لا تزال تحافظ على التراث الزراعي التقليدي؛ حيث تتغذى الحيوانات بشكل طبيعي من الأراضي الزراعية التي تعمل على تسميدها من خلال روثها الذي تفرزه في ذات الأراضي. وتعتبر تربية الحيوانات في تلك المناطق مصدرا حيويا للارتزاق وللغذاء وللطاقة المتولدة من حرق الإفرازات الحيوانية، بحيث تكون العواقب البيئية لمثل هذه النشاطات أقل بما لا يقارن مع المشاريع التجارية الكبيرة لتربية الحيوانات؛ إلا أن معظم المناطق في العالم تحولت نحو الاقتصاد الحيواني الكبير والصناعي، حيث تتناول الحيوانات أعلافا مصنعة. وتتطلب زراعة هذه الأعلاف فلاحة مساحات واسعة لهذا الغرض، علما أن أنظمة إيكولوجية غنية كانت قائمة في هذه المساحات.
في السنوات الأخيرة، ازداد انخراط العديد من المنظمات البيئية في نشاطات تهدف إلى تشجيع تقليل استهلاك اللحوم لاعتبارات بيئية. وقد نشرت مؤخرا المنظمة الأميركية Environmental Working Group تقريرا شاملا بعنوان "دليل مستهلكي اللحوم". ودعت المنظمة المستهلكين لتناول كمية أقل من اللحم ومشتقات الحليب، وبالتالي تحسين أوضاعهم الصحية وحماية البيئة. وأوصت المنظمة أولئك الذين لا يستطيعون الاستغناء عن اللحوم والأجبان بأن يتناولوا منتجات أكثر اخضرارا؛ كتناول لحوم ومشتقات حليب مصدرها حيوانات تغذت على أعشاب طبيعية وليس طعاما معالجا أو صناعيا.
|