مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
" شبـــاط 2013 - العدد 51
 
Untitled Document  

دور الولايات المتحدة الأميركية في تدمير النظام المناخي العالمي
مؤتمرات التغير المناخي السنوية "جعجعة دون طحن"

إعصار ساندي

د. أحمد صافي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

صدر منذ أيام قليلة التقرير المناخي الوطني الأميركي ليؤكد ما هو معروف للمعظم إن لم يكن لكل المهتمين بحقيقة التغير المناخي وآثاره، فقد أكد التقرير أن التغير المناخي هو نتاج إنساني بالأساس تسببه انبعاثات غازات الدفيئة خصوصاً من قطاعي الصناعة والمواصلات. كما أكد التقرير أن آثار التغير المناخي أصبحت حقيقة في الولايات المتحدة متمثلة بتحول حالات الجو القاسية مثل العواصف الشديدة، الجفاف، موجات الحر الشديد، والفيضانات إلى واقع متكرر وغير نادر( العادي الجديد). لكن مع كل ذلك فإن الولايات المتحدة من أكثر دول العالم المتقدم تصلباً فيما يتعلق بهذا الموضوع، حيث أنهم يرفضون توقيع إتفاق كيوتو للمناخ الذي يلزم موقعيه بتخفيض انبعاثاتهم من غازات الدفيئة بنسب ثابتة بالمقارنة مع انبعاث الغازات في هذه الدول في عام 1990، بالإضافة إلى عدد من الإلتزامات الأخرى المتعلقة بدعم الدول الفقيرة لحماية نفسها من آثار التغير المناخي. لهذا سنقوم عبر هذا المقال بنقاش مسببات ومحددات هذا الموقف وآثاره على مستقبل التغير المناخي والعالم.

الولايات المتحدة الأميركية كانت وحتى عام 2007 هي المنتج الأكبر لغازات الدفيئة في العالم قبل أن تسبقها الصين لهذا الموقع كنتاج للنمو المتسارع للإقتصاد الصناعي الصيني. كما أن نصيب الفرد الأميركي من انبعاثات غازات الدفيئة هو من الأعلى في العالم لا يسبقه سوى نصيب الفرد في الدول الصغيرة المنتجة للبترول. للمقارنة فقط فإن نصيب الفرد الفلسطيني من هذه الإنبعاثات هو 0.8 طن سنوياً لكن نصيب الفرد الأميركي هو 17.67 طن سنويا والإماراتي هو 40.31 وذلك في عام 2009 حسب وكالة الطاقة الدولية.
ونظراً لكون الصعود الصيني يعتبر جديد نسبياً فإن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر المسؤول الأول عن التغير المناخي الذي نتج عن مائتي عام منذ الثورة الصناعية التي قادتها هذه الدولة بشكل يكاد يكون منفرداً، ونظرا لهذا الدور ولكون الولايات المتحدة الأميركية لا زالت القوة الأكبر المهيمنة سياسياً واقتصاديا وعسكرياً على مقدرات هذا العالم، فإن هذه الدولة وحدها تحمل مفاتيح الحل لمشكلة التغير المناخي (لكن ليس الحل كله) وبالتالي مصير العالم بأكمله.

لكن الولايات المتحدة الأميركية عارضت إيجاد حل فعّال لمشكلة التغير المناخي منذ السنوات الأولى للتفاوض بحثا عن حل عالمي تكون هي قائدة فيه. حيث ضغط الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب من أجل إخراج إتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي في عام 1992 من أي تخفيضات ملزمة قانونياً حول انبعاثات غازات الدفيئة. ثم قام الرئيس السابق بيل كلنتون بالضغط من أجل إدخال ما سمي في حينه الميكانيزمات المرنة إلى نصوص بروتوكول كيوتو الذي صدر في عام 1997.  وعلى الرغم من تجاوب العالم مع الضغوطات الأمريكية، إلاّ أن مجلس الشيوخ الأمريكي رفض تصديق هذا البروتوكول ليتم سحب توقيع الولايات المتحدة عنه في عام 2001 في زمن الرئيس بوش الإبن، حيث أثر سحب التوقيع سلبا على البروتوكول، فلم يدخل حيز التنفيذ إلا في عام 2005 من دون الولايات المتحدة بالطبع. إن عدم دخول الولايات المتحدة ضمن بروتوكل كيوتو وما تبعه من شلل في السياسة الأمريكية في هذا الموضوع مترافقاً مع صعود الصين كمصدر أول لإنبعاثات غاز الدفيئة منع امكانية انخفاض تلك الإنبعاثات العالمية عن معدلاتها في عام 1990. بل أن الانبعاثات استمرت بالإزدياد المطّرد بالرغم من الجهود الجبارة للإتحاد الأوروبي في هذا الإطار.

أما عن أسباب مثل هذا الجمود في الموقف الأمريكي الذي يعبّر أيضا عن عدم اكتراث شعبي بمسألة التغير المناخي فهي عديدة: السبب الأول هو نجاح مجموعات الضغط وأصحاب المصالح الصناعية خصوصاً من صناعتي البترول والسيارات من الضغط على صانع السياسة الأمريكي أولا ومن ثم نشر بذور الشك في أعين الناس حول حقيقة التغير المناخي وأسبابه. أما عن البعد الأول فعلاقة صناعة البترول مع الجمهورين لا تخفى على أحد، حيث يكفينا أن نعرف أن عائلة بوش تعمل منذ قديم الزمن في هذه الصناعة وكذلك السيدة كونداليزا رايس.  أما عن قطاع صناعة السيارات فهو قطاع قريب من الديموقراطيين. أما بالنسبة لصناعة الشك في أسباب التغير المناخي، فقد تمت من خلال مجموعات ومؤسسات "غير حكومية" مدعومة بشكل كبير من صناعتي السيارات والبترول مثل تحالف التغير المناخي أو مجلس المناخ. لقد قامت هذه المؤسسات بصرف ملايين الدولارات عبر إستئجار علماء ومفكرين للقيام بإنكار التغير المناخي أو التهويل من نسبة عدم اليقين فيما يتعلق ببعض جزئياته، أو التضخيم في كلفة تحاشي التغير المناخي  من خلال وسائل الإعلام أو حتى منشورات تأخذ شكل الأوراق العلمية وهي ليس كذلك.   

لقد نجحت هذه الجهود مترافقة مع رغبة المجتمع الأميركي في الحفاظ على الحال كما هو، والتمتع بخيرات الرأسمالية الفجة التي تعتبر قيمة كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية، نجحت في تحويل التغير المناخي إلى حالة خلافية متعلقة بالإيمانيات رغم أنها حقيقة علمية لا خلاف عليها. ففي الولايات المتحدة يؤمن الديمقراطيون بالتغير المناخي في حين ينكره المحافظون، كما أن المؤسسات الأهلية البيئية تدعم تخفيف انبعاث غازات الدفيئة ولا تتشجع مجموعات الضغط الصناعية لمثل هذه السياسات. كما ينقسم المجتمع الأميركي حول هذا الموضوع على مستوى القيم حيث يميل أولئك الذاتيون المؤمنون بالفردية إلى رفض التغير المناخي كحقيقة وبالطبع يرفضون بذل أي جهد لتفاديه في حين أن أولئك الذين يرفعون من قيمة المجتمع أو المحيط الحيوي عادة ما يبدون استعداداً أكبر للإقتناع بحقيقة التغير المناخي وضرورة العمل على الحد من استمرار هذا التغير. فلقد وصلت درجة الإختلاف السياسي والقيمي حول هذا الموضوع إلى درجة أن أهالي ولاية تكساس المعروفين بكونهم محافظين متشددين رفضوا أي ربط لحالة الجفاف الشديدة التي ضربت تكساس العام الماضي بالتغير المناخي، رغم أن تكساس من أكثر ولايات امريكا عرضة لآثاره.
في المحصلة لقد أصبح التغير المناخي بالإضافة إلى ترخيص حمل السلاح وتقنين عمليات الإجهاض ثالوث القضايا الخلافية في الولايات المتحدة الأميركية. الخطير في ذلك أن الناس في الولايات المتحدة يكثرون من الجدل حول هذه القضايا ولا يستطيعون التحرك في أي اتجاه حيالها. ربما يكون هذا الوضع ليس خطيراً في حالة ترخيص حمل السلاح أو تقنين الإجهاض، إلا أنه يضع مستقبل العالم كما نعرفه على المحك عند الحديث عن تغير المناخ. نتمنى أن يكون الخروج من هذه الحالة سريعاً دون المرور بكارثة لا يستطيع المشككون وذوي المصالح تجاهل علاقتها بالتغير المناخي. ولحين حصول هذا التغيير ستبقى المؤتمرات السنوية للتغير المناخي جعجعة دون طحن.

التعليقات

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية