مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
حزيــــران 2012 العدد-45
 
Untitled Document  

مخطط إسرائيلي لإنشاء محطة في مناطق السلطة الفلسطينية  لمعالجة المياه العادمة المتدفقة في وادي النار
اجتماع إسرائيلي-فلسطيني بداخل خيمة في الوادي لمناقشة حل مشكلة المياه العادمة
مهندسون إسرائيليون وفلسطينيون في منظمة "مهندسون بلا حدود"، يشاركون في المشروع

المياه العادمة في وادي النار-تصوير إميل سلمان

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

يتدفق يوميا في وادي النار الذي يبدأ من القدس ويصل إلى البحر الميت أكثر من 35 ألف متر مكعب (أو أكثر من 12 مليون م3 سنويا)، من المياه العادمة غير المعالجة الآتية من بعض أحياء القدس (الشرقية والغربية) المحتلة، ومن عدد من القرى الفلسطينية بالمنطقة.  وبالرغم من أن الوادي يعد من محميات الطيور الهامة في فلسطين، إلا أنه من أكثر الوديان تلوثا فيها.  وعلى طول الوادي، سُجِّلَ نحو 900 موقع تلقى فيها النفايات بأنواعها المختلفة.
وحاليا، يجمع الإسرائيليون المياه العادمة المتدفقة في الوادي قبل أن تصل إلى البحر الميت، وتحديدا من خلال ما يسمى "جمعية مياه الغور" الإسرائيلية؛ فتعالجها ومن ثم توزعها على مزارعي المستعمرات في المنطقة، ليستخدمونها في عمليات الري.  وبحسب جريدة "هآرتس" الإسرائيلية (27/4/2012)، لم تتوصل إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى اتفاق حول موقع محطة معالجة المياه العادمة المتدفقة إلى وادي النار من القدس الشرقية وبعض القرى الفلسطينية. 
وقد درست إسرائيل احتمال ضخ تلك المياه نحو القدس الغربية كجزء من مشروع هندسي مكلف.
وتقول "هآرتس" بأن اتجاها جديدا "لتأهيل الوادي" يلوح في الأفق؛ مع احتمال حدوث تعاون إسرائيلي-فلسطيني يستند إلى مشروع رئيسي جديد.  وتستشهد ذات الصحيفة بتصريح "غاري عمال" مدير ما يسمى "دائرة الصرف الصحي في منطقة البحر الميت"؛ إذ قال بأنه وفقا للبرنامج المعد ستقام محطة لمعالجة جزء من المياه العادمة في أراضي السلطة، ما سيمكن مزارعي المنطقة الفلسطينيين من استخدام المياه المعالجة في الري.  وستتم معالجة ما تبقى من المياه العادمة في محطة أخرى بالضفة الغربية أيضا. 
وقد تم بلورة المشروع الاحتلالي من خلال لجنة تنسيقية إسرائيلية مكونة من بعض الدوائر والوزارات الإسرائيلية.  وفي نيسان الماضي، اجتمع بداخل خيمة رمزية نصبت في الوادي الذي تفوح منه روائح المياه العادمة الكريهة، ممثلو سلطة المياه الإسرائيلية ووزير المياه الفلسطيني د. شداد العتيلي لمناقشة المشروع الإسرائيلي.
وكشفت صحيفة هآرتس، أن ممثلين عن مواطنين فلسطينيين، ومهندسين إسرائيليين وفلسطينيين ناشطين في منظمة "مهندسون بلا حدود"، يشاركون في المشروع.
وقد سبق أن قرر الاحتلال الإسرائيلي إنشاء محطة تنقية في منطقة النبي موسى لمعالجة المياه العادمة في وادي النار واستعمالها لأغراض زراعية في مستعمرات الأغوار والبحر الميت، وبالتالي ترسيخ الاستيطان الصهيوني في المنطقة.
وتقدر أوساط إسرائيلية أن بالإمكان تنفيذ المشروع من خلال دعم الدول الأوروبية والبنك الدولي الذين يمولون الفلسطينيين في مشاريع البنية التحتية.
ووفقا لصحيفة "هآرتس"، يهدف الإسرائيليون من التعاون الإسرائيلي-الفلسطيني في هذا المشروع ليس فقط إلى حل مشاكل المياه العادمة والنفايات، بل تطوير بنية تحتية للسياحة، تشمل إقامة طرق للمشاة وطرق خاصة للدراجات؛ تسهل على السياح المرور إلى بعض المواقع الدينية والتاريخية الهامة في المنطقة، ابتداء من البلدة القديمة في القدس ووصولا إلى الأديرة في منطقة مار سابا.  وبالطبع المستفيد الأساسي من هذا المشروع البيئي-السياحي هو الاحتلال الذي يسيطر سيطرة مطلقة على الوادي.
ما يسمى مسؤول مصادر المياه في الضفة "باروخ نَغَّار" التابع لسلطة المياه الإسرائيلية، قال بأنه "لا يوجد أي مشكلة في أن تستعمل إسرائيل كمية المياه العادمة التي تنتجها لاحتياجاتها؛ بينما يستخدم الفلسطينيون لأغراضهم الكمية الناتجة عنهم...وإني واثق من أن وزير المياه الفلسطيني ورئيس سلطة المياه الإسرائيلية سيصلان إلى اتفاق بهذا الشأن".
الجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية تقدمت إلى ما يسمى لجنة المياه الإسرائيلية-الفلسطينية المشتركة بطلب إقامة محطة تنقية في منطقة العبيدية (في ما يسمى منطقة "C ")، لحل مشكلة المياه العادمة في الوادي، وبحيث تستوعب المحطة كل المياه العادمة المتدفقة في حوض وادي النار.  إلا أن السلطة الإسرائيلية أحبطت جهود السلطة الفلسطينية؛ برفضها المشروع الفلسطيني في اللجنة المشتركة.

صلاحيات شكلية
في الواقع، تتمتع السلطة الفلسطينية ببعض الصلاحيات الشكلية المتعلقة بتطوير واستعمال مصادر المياه في الضفة الغربية. وقد نصت اتفاقية أوسلو (المرحلية)  في عام 1995 على بقاء "الاستخدامات الحالية لكميات المياه" في الضفة والقطاع. كما أن جميع عمليات تطوير المصادر المائية في الضفة الغربية يجب أن تحظى بموافقة "لجنة المياه المشتركة الإسرائيلية الفلسطينية" التي أُنشئت وفقا لاتفاقية أوسلو الثانية. ويتضمن ذلك ترميم الآبار، وحفر آبار جديدة، وزيادة ضخ المياه من أي مصدر كان. كما لا يمكن تمديد أنابيب المياه في ما يسمى مناطق (C ) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية المطلقة، وفي مناطق (B ) التي تقع تحت "السيطرة الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة"، إلا بموافقة اللجنة.
وتعد "لجنة المياه المشتركة"، لجنة شكلية تهدف إلى الإيحاء بالشراكة الفلسطينية الإسرائيلية، وهي في الواقع ليست سوى لجنة احتلالية هدفها منح النهب الإسرائيلي للمياه شرعية فلسطينية، وذلك من خلال العضوية الفلسطينية الصورية فيها. فالسلطة المطلقة على مصادر المياه بيد ضابط المياه الإسرائيلي في ما يسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية، والذي يملك السلطة الفعلية على اللجنة المشتركة؛ إذ إنه يمارس حق النقض ضد قرارات اللجنة المشتركة التي تتكون عضويتها من "عدد متساو من الممثلين الإسرائيليين والفلسطينيين"!
إذن، تعد سلطة المياه الفلسطينية، من الناحية الشكلية والرسمية، المسؤولة عن إدارة الموارد المائية وتوزيعها. لكن، من الناحية الفعلية، فإن ما يسمى "الإدارة المدنية الإسرائيلية" وشركة "مكوروت" هما اللتان تملكان السيطرة الفعلية على الموارد المائية الفلسطينية، وتحددان الكميات والحصص المائية واستخدامها وإدارتها.

ماذا خلف "الحماسة" الإسرائيلية؟
بالرغم من أن مسألة معالجة المياه العادمة في مناطق السلطة الفلسطينية أثيرت مرارا وتكرارا، إلا أن إسرائيل تتجاهل تماما أنهار مياه المجاري المتدفقة بوضوح نحو الأراضي الزراعية الفلسطينية من المستعمرات والقواعد العسكرية التابعة لجيش الاحتلال؛ علما بأن تدفق المياه العادمة غير المعالجة نحو الطبيعة وفي الأراضي المفتوحة والوديان تتسبب في أذى بيئي-صحي خطير، وبخاصة تلويث المياه الجوفية. 
ومن المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي أهمل طيلة عشرات السنين إقامة البنية التحتية اللازمة لمعالجة المياه العادمة، علما بأن ما يسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية لا تزال تضع العراقيل الكثيرة أمام تطوير شبكات المجاري ومحطات المعالجة، وتعيق إصدار التصاريح اللازمة لإنشاء محطات معالجة.
وقد نشاهد، هنا وهناك، تدفق المياه العادمة الفلسطينية في الوديان، وذلك، أساسا، بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين إنشاء محطات معالجة النفايات السائلة، لأنها تقع في ما يسمى مناطق C الواقعة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة.  وتتمثل الحالة الوحيدة التي قد توافق فيها سلطات الاحتلال على إنشاء محطات تنقية، في قبول السلطة الفلسطينية استخدام المستوطنين أيضا لمثل هذه المحطات.
ويكمن خلف "الحماسة" الإسرائيلية لحث الفلسطينيين على معالجة مياههم العادمة، دافع سياسي-أمني-استراتيجي يتمثل في ضمان إسرائيل مواصلة نهبها شبه المطلق للمياه الفلسطينية العذبة، وبالتالي مطالبة الفلسطينيين بسد عجزهم المائي الخطير الناجم عن السرقة الإسرائيلية المفتوحة للمياه، من خلال استعمال المياه العادمة في الزراعة؛ وبالتالي تكريس النهب الإسرائيلي للمياه.

التعليقات

لماذا يا أستاذ جورج لم تسم النشاط المائي الإسرائيلي الفلسطيني المشترك، من طراز ما ورد في تقريرك، بإسمه الصريح، أي التطبيع البيئي-السياسي؟

أحمد مهنا

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية