مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
حزيــــران 2012 العدد-45
 
Untitled Document  

قراءة في كتاب :

فلسطين الفصول الأربعة "عادات، تقاليد ومواسم"

اسم الكتاب: فلسطين الفصول الأربعة "عادات، تقاليد ومواسم"
سنة الإصدار: 2012
عدد الصفحات: 208 من القطع المتوسط
الناشر: مركز القدس للإعلام والاتصال JMCC

قراءة: ربى عنبتاوي

يزدان غلاف كتاب المؤلفة والباحثة الفلوكلورية السيدة ناديا البطمة بصورة زاهية لحقل زيتون تكسو ارضيته ازهار الربيع الليلكية. لوحة طبيعية آسرة تعطي لونا وشكلا ورائحة عن فحوى ومضمون كتاب  فريد يتحدث عن  التراث البيئي والفصول الأربعة بحيث يتعمق بالذاكرة الشعبية الفلسطينية التي تعكس جزءاً هاماً من الهوية الوطنية.
الكتاب الذي اعدته وجمعت محتوياته ابنة قرية بتير في محافظة بيت لحم، ارتبط بشكل أو بآخر بأثر تلك العلاقة الخاصة بينها وبين قريتها، حيث وصفت "بتير" بأنها منطلق افكارها وصانعة شخصيتها وكيانها المستقرة في عقلها ووجدانها بينابيعها الكريمة وجناتها الخضراء ومشاهدها الرائعة الجمال. وقد جاء في تقدمة الكتاب بقلم الباحث الفلسطيني القدير د. شريف كناعنة الإشادة بفحواه والتي تبلورت من خلاصة حياة كاملة من الانغماس في هذا التراث والأثر الواعي وغير الواعي به، ومن ثم حياة كاملة من العمل الدؤوب للحفاظ عليه، حيث احبته ناديا البطمة وتمثلته في حياتها وكيانها.
وانطلق الكتاب الذي اعدته مربية اجيال لأكثر من ثلاثين عاما في مدرسة بنات بتير حتى التقاعد عام 97، من واقع ان حوالي 70% من سكان فلسطين قبل النكبة عاشوا في قرى زراعية اعتمدت حياتهم بشكل كامل على الأرض، وهذا ما جعل القرية رمزا لفلسطين في الشتات. كما اتى منطق الكتاب معتمدا على مفهوم  ثقافة المجتمع التي تعبر عن طرق توافق ابناء ذلك المجتمع مع بيئتهم الطبيعية والاجتماعية وبما ان الفلسطينيين عاشوا على الزراعة فإن معظم حياتهم اليومية وثقافتهم الشعبية العادية مرتبطة بالزراعة التي تتبع دورة الطقس والطبيعة السنوية، ولذلك فإن حياة الفلاح والمزارع ارتبطت ارتباطا وثيقا بالدورة السنوية الطبيعية حسب ادراك المزارع وتقسيماته لها، حيث ان التراث الشعبي هو مجموع الطرق المتعلمة والمكررة والمنقولة من جيل الى جيل، لغويا وسلوكيا لأساليب تفاعل الناس مع بعضهم ومع بيئتهم ومصادر حياتهم وبقائهم.  
وبرؤية د. كناعنة الثاقبة فقد لخص العمل التراثي للسيدة ناديا بقوله: "قدم لنا الكتاب جزءا كبيرا من التراث الشعبي القروي الفلسطيني متماسكا ومتسلسلا مع رزنامة الدورة الزراعية والطبيعية كما كان يدركها ويعيشها الفلاح الفلسطيني، ويضم هذا الكتاب المصطلحات الشعبية لفصول ومراحل وتقسيمات السنة والظروف المناخية المتوقعة في كل منها، بالإضافة إلى الامثال والأقوال التي ترشد المزارع الى انواع المزروعات المناسبة لكل فصل أو مرحلة من السنة، والتي تعينه على معرفة موعد الزراعة وكيفية الاعتناء بتلك المحاصيل في مختلف مراحلها. بالإضافة الى الطبخات والأكلات التي تتناسب مع المواسم والتي تصنع مما يزرع او ينضج في ذلك الفصل، والأغاني التي ترافق العمل في المواسم المختلفة والمحاصيل المختلفة من زراعتها حتى جنيها واستهلاكها، مع مواعيد الاعياد والمناسبات والنشاطات المرتبطة بالمواسم والمحاصيل المتنوعة، مع الالتفات للأدوات وأواني المطبخ الفلسطيني، والنكهات والأذواق والأطعمة الموسمية الفلسطينية".
وقد استند الكتاب على واقع أن الثقافة السائدة في وطننا حتى عهد ليس ببعيد، كانت الثقافة الزراعية وثقافة المجتمع الفلسطيني الغذائية تعود الى ما تنتجه بيئات الارض الفلسطينية المنوعة من طيبات، والتجارة في المدن كانت تقوم على تجارة الغداء بالدرجة الاولى كالمواشي والقمح والزيت والفواكه وهكذا.
وفي الفصل الأول في الكتاب حول ميزات فلسطين التاريخية وتحديداً صيغة وطابع المجتمع الفلسطيني وثقافته البيئية، تقول المؤلفة: " نستخلص ان المجتمع الفلسطيني فلاحي زراعي بالفطرة تربطة ببيئته علاقة حب وتفانٍ واحتكاك مستمر مما انتج وطور خبرة تطبيقية وعملية استطاع من خلالها ربط مواعيد تحضير الأرض والزراعة والقطاف والحصاد وتوقعاته لخصوبة الموسم الزراعي القادم، واستقراء الاحوال الجوية وربطها بالمناسبات الدينية والتراثية وبأشهر السنة وبحركة النجوم والطيور المعروفة حتى رسخت ذهنه وتجمعت في ذاكرته يعود اليها من سنة الى أخرى، فشكلت قوانين ثابتة ناتجة عن دراسة وتبصر وملاحظة ورصد للظواهر الطبيعية وآثارها على النبات والحيوان والإنسان والأرض والبيئة. كما ان حب الفلسطيني لأرضه وبيئته وكل ما فيها جعل وطنه محور الاغاني والأهازيج والشعر والأدب والتشبيهات والوصف فهو يحاكي كل معالم الطبيعة من شجر وزهر وقمر وطيور ....الخ ".
"مجلة آفاق البيئة والتنمية" التي حصلت على نسخة من الكتاب، ازدانت أعدادها الشهرية وما زالت بشكل دوري، بمقالات السيدة ناديا التي تركز على تراث الزراعة والمطبخ الفلسطيني. واعتبرت اصدارها "الفصول الأربعة" الذي واكبت فحواه من خلال مقالات المؤلفة في المجلة بمثابة موسوعة تراثية مصغرة وشيقة، يجدر قراءتها فهي توثيق للتراث البيئي والفصول الأربعة، ودعوة مباشرة للعودة الى الطبيعة وكل ما هو طبيعي من غذاء وسلوك وحياة وأدوات، كما أن فيه تحفيزاً للعودة الى الريف الجميل الأكثر خيراً وصفاءً ونقاء.
استطاع الكتاب بفضل سلاسة لغته وانسيابية أفكاره ان ينقل القارئ الى هذا التراث الجميل الآخذ بالتلاشي. ومن خلاله تنقل السيدة ناديا رسالتها للأجيال: "كلما حافظ الشعب الفلسطيني على ثقافته كلما انعكس عى وجوده واستمراريته، وكلما ابتعد وتخلى عن ثقافته كلما سهل ذوبان شخصية المجتمع وإزالته ونزعه من جذوره".

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية