; اصدقاء البيئة والتنمية
 
 
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
حزيــــران 2012 العدد-45
 
Untitled Document  

:اصدقاء البيئة و التنمية
_______________


بدو البرية في الخان الأحمر وآخرون

بدو الخان الأحمر

تحسين يقين

في الذكرى الـ 64 عاما على النكبة، أتساءل بحرقة: كيف يستمر مسلسل الطرد والتهجير في فلسطين؟
إذا كان ما حصل قبل عقود قد تم في سياق الصراع والحرب، فماذا نسمي ما يدور اليوم لبدو برية فلسطين بشكل عام، وليس فقط بدو الخان الأحمر!
في الطريق إلى أريحا، يلفت نظري أطفال البدو وهم يحملون حقائبهم، وأسعد حينما أراهم يلعبون مبتهجين بركوب الدراجات الهوائية في دروب التلال قرب البيوت، الخيم والبراكسات..أتأمل هذه الحداثة التكنولوجية، سيارات وتراكتورات وتلفزيونات وشبكة مياه وخلويات ..التي تعانق أقدم مهنة إنسانية وهي الرعي، وما ارتبط به من أسلوب معين من العيش والثقافة والعادات والتقاليد، خصوصا القوانين، ولمن لا يعرف، فإن بدو فلسطين هم الذين يصلحون بين العائلات التي يقع بينها الدم، وبفضلهم يعود السلام الاجتماعي والوئام للقرى والبلدات والمدن والمخيمات، بعد أن ظن الناس أن لا سلام، كون المتنازعين دقوا بينهم "عطر منشم"..كما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته الخالدة.
يَمِينـاً لَنِعْمَ السَّـيِّدَانِ وُجِدْتُمَـا عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيْلٍ وَمُبْـرَمِ
تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا َفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ
وقد حضرت أكثر من جلسة صلح قادها بدو فلسطين ونجحوا في وقف النزاع، خصوصا قبل قيام السلطة الوطنية، وقد استمر دورهم حتى الآن، هم ورجال الإصلاح القرويين والمدينيين، وعلمت أن لهؤلاء دورا في دول عربية كالأردن وسوريا ومصر..
يملك البدو منطقا وسرعة بديهة وذكاء فطري وقدرة فائقة مدهشة في تفريغ طاقات المتنازعين، وتشجيعهم على السلام، باستخدام الوعظ الديني والقصص القديمة والجديدة، حتى لكأنني ظننت شيوخ البدو ممثلين باهرين في شدّ أذهان الحضور، حتى لو اضطرهم ذلك إلى تأليف القصص تشجيعا على السلام.
تعيدني دوما أخبار البدو في برية فلسطين الشرقية إلى ذكريات الطفولة..
في 10 أيار، قبل بضع أيام تم استصدار قرار من المحكمة العليا الإسرائيليّة بتجميد إخلاء التجمع البدوي في الخان الأحمر، والذي كان يهدد 8 عائلات بدويّة بالإخلاء والترحيل القسري لأربعين شخصاً هم أفراد هذه العائلات.
أول مرة شاهدت فيها بالبدو، كان من خلال مسلسلات التلفزيون الأردني، بدءا بفارس ونجود، والذي كان من بطولة المرحوم الفنان الفلسطيني-السوري (الشامي) ناهد جبر، وسميرة توفيق المشهورة، والتي كانت ذائعة الصيت في بداية السبعينيات، ثم كان مسلسل راس غليص..والذي قامت بدور البطولة النسائية فيه الفنانة المصرية هناء ثروت، ثم تتالت المسلسلات البدوية التي كنا نتابعها، حتى أوائل الثمانينيات حيث رحت أؤثر الأفلام والمسلسلات المصرية..
وقد واكبت مشاهدتنا للمسلسلات حكايات وقصص بدوية، ومنها قصص من برية القدس، والتي سكنها البدو، تناقلتها أمي الطفلة عن أمها، عن آخرين وأخريات، بسبب إقامة خال أمي خلف الحزماوي في "عين الفوار" الجواد الذي يذبح راس غنم لضيفه، وخالة أمي هدباء في "عين فارة"، اللتين كان يربط بينهما واد ماؤه عذب وبارد في بضعة أشهر من العام، وجزء من الوادي يبقى محتفظا بالماء طوال العام حتى في أشهر الصيف.
وما إن صرت ابن 12 عاما، حتى بادرت مع أخي سعيد، للاتصال المباشر بالبدو عن قرب:
كقرويين، حملنا قطوف العنب في ذلك الصيف، وتوجهنا نحو خيم البدو شرق قريتنا بيت دقو، في منطقة بين الدوير جنوبا ووادي الطاقة شرقا وشارع اللطرون شمالا وكروم عنب الدقاقوة غربا.
تكلفنا لهجة البدو التي تعلمناها من مسلسلات التلفزيون..

  • سلام عليكم.
  • وعليكم السلام يا هلا يا هلا.

استقبلنا المرحوم أبو عارف من شيوخ عشيرة النجوم، أولئك الذين كانوا يشتون في منطقة أريحا ويصيفون في جبال القدس الغربية كبيت دقو، قريتنا.
سرّ أبو عارف بضيفيه الصغيرين، وشكرا لهما هدية العنب، وقدّم لهما كوبين من "لبن المخيض" ذي المذاق المميز ومنحهما لبنا، ومضيا عائدين إلى كروم العنب، حيث المنطار مقرّ "المعزبين"، كان التعزيب على زمن طفولتنا أن نقضي النهار في الكروم ونعود مع الغروب أو عند العشاء، حيث اعتدنا حرق نار لإبعاد الحيوانات البرية عن إيذاء الشجر.
لم يمض شهر حتى زارنا العم أبو عارف، وتعرف على والدي وأسرتنا المنهمكة في قطف ثمار العنب في آب اللهاب. ومنذ ذلك الوقت ارتبطنا بصداقة طيبة، بين الفلاحين والبدو، وسررت كطفل بها، لأنني صرت أرى البدو عن قرب. بعد مرور سنوات التقيت الصديق إسماعيل النجوم، التربوي المعروف، وهو الذي كان يتحدث عنه أبو عارف مفاخرا أن له قريبا يتعلم في الجامعة، وقد حسبت يومها أنه يقصد المدرسة! كان يقولها بحب وفخر:

  • اسماعين يدرس في الجامعة!
  • ............................

صار البدو محسوسين لديّ، واستطعت التعلم من خلال التعامل معهم، فقد تعرفت على تفاصيل عيشهم، واستغربت أنهم لم يكونوا معزولين عن العالم؛ فأبو عارف في "الشق" بكسر الشين، وهو الخيمة، كان يتابع أخبار الوطن والعالم، وكان يفضّل الاستماع لإذاعة لندن، وكان له رأي قاله لي ذات مرة، فهو يعتبرها موضوعية أكثر من إذاعة صوت إسرائيل والإذاعات العربية، كان ذلك في أواخر السبعينيات..تعلمت شيئا عن علاقة الرجل والمرأة وتقاسم العمل..
أعجبتني خصوصياتهم المختلفة عنا كفلاحين، هناك ما هو مشترك وما هو خاص، وكل بما وهب، أبو عارف قطف معنا ثمار العنب وكان ماهرا كأنه كان يفعل ذلك من زمن..
البدو لا يحبون العمل اليدوي بشكل عام، لكن ما هو متغير في الحياة غيّر العادات، فصار جزءا منهم يعمل في الورش والمصانع والمزارع الإسرائيلية، ومنهم من باع الغنم وسكن البيوت الحجرية..
فلسطين ذات سكان مدن عريقة في المدنية، وذات سكان فلاحين في القرى والأرياف، وفيها البدو، والمخيمات بعد النكبة..والبدو جزء أصيل ومكون أساسي من سكان فلسطين، وهم بوجود قبائلهم في الدول الشقيقة القريبة كمصر والأردن وسوريا ولبنان والسعودية، فهم يربطوننا بعروبتنا أكثر، فقط انظر في القبائل الفلسطينية والأردنية.
أول ضربة تلقاها البدو ونحن معهم، كانت مع الاحتلال البريطاني، حيث سيطر الاحتلال على الحدود، ومنع التواصل الجغرافي السكاني، لكن كان للبدو أساليبهم الذكية والدبلوماسية في التنقل عبر الحدود بمبررات القرابة وأساليب العيش، أما الضربة الثانية القوية فهي النكبة، التي جعلت جزءا منهم لاجئين، خصوصا بدو النقب وبير السبع، والثالثة حرب حزيران التي زادت من تشتيتهم، واستمر المنهج الإسرائيلي-إرهاب الدولة المنظم- في انتهاك حقوقهم والسطو على تجمعاتهم داخل فلسطين المحتلة عام 1948 (إسرائيل الدولة الديمقراطية) وطبعا داخل الضفة وغزة، والتي على جزء منها قامت سلطتنا الوطنية. وكان ما كان من أمر الاستيطان في الغور والبرية الفلسطينية شرقا، ثم كان جدار الضم والتوسع، حيث طردت سلطات الاحتلال جزءا منهم خارج الجدار، والآن الدور على بدو البرية وبدو الأغوار، من شرق الخليل وجنوبها حتى شمال الضفة مرورا بغور أريحا.
في الخان الأحمر على طريق أريحا، يوجد تجمع ثمانية عائلات من عشيرة الجهالين، يعتاشون من تربية المواشي ويسكنون في خيم وبيوت من الصفيح (بركسات).

لم تنته مسألة بدو الخان الأحمر، لقد سكنت العائلات البدوية هذه المنطقة بعد أن قامت الإدارة المدنية بترحيلهم إليها من منطقة النبي موسى قبل أربعة عشر عاماً. والمعروف أن ثقافة وأسلوب حياة البدو هو التنقل طلبا للعشب والماء، لكن هذا التنقل الإجباري والطرد أمر جديد وغريب..
مركز القدس للمساعدة القانونية في دفاعه عن عرب الجهالين "يسلّط الضوء على هذه القضية من جديد على ما سيحصل لاحقاً بكل التجمعات البدوية المتواجدة في منطقة الخان الأحمر، وذلك لأن الإدارة المدنية سبق وأعلنت عن خطة ترحيلهم إلى منطقة مكب النفايات في منطقة أبو ديس بالقدس، محذراً من خطورة الموقف، ومطالبا المؤسسات الحقوقية لمواجهة هذه الخطة، لأنها إن نجحت ستعني إخلاء المنطقة من كافة قاطنيها الفلسطينيين وتحويلها إلى منطقة استيطانية بامتياز، مما يجعل الحديث عن دولة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس غير قابل للتحقيق،... من الجدير ذكره بأن هذه الحالة هي جزء من خطة سياسية للحكومات الإسرائيلية لإخلاء منطقة القدس الشرقية والخان الأحمر من الفلسطينيين لصالح خلق تواصل بين المستوطنات التي هي ضمن حدود العام 1967 لخدمة المشروع الاستيطاني المعروف باسم E1 ، وبالنتيجة  سيكون شمال الضفة معزولاً عن جنوبها والقدس الشرقية بحدودها المعرفة دولياً، ستصبح جزيرة صغيرة داخل مستوطنة "معاليه ادوميم" المتصلة مع القدس الغربية".
ماذا يعني تهويد الغور غير نسف مشروع الدولة الفلسطينية؟ أين سيكون فضاء الدولة إن تم مصادرة فضائها الشرقي والغربي والجنوبي والشمالي!
أراضي الدولة هي للشعب، وهي المتنفس والمصدر الاستراتيجي لزيادة السكان واستثمار الأرض، أليس أي شعب يكثر ويتزايد؟
حين سرنا وإسماعيل النجوم في وادي القلط لساعات تذكرنا معا أبو عارف وترحمنا على روحه..لقد مرّ الكثير من أواخر السبعينيات حتى الآن، لكن ما زال هناك أمل، وإن بقاء البدو يساهم في بقاء وحدة الأرض، وكل ما يحتاجونه القليل من الدعم، والقليل هذا سيحمي بدو فلسطين وأرض دولتها القادمة..
فلا تتركوا البدو وحدهم!

Ytahseen2001@yahoo.com

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية