معظم المصابيح الموفرة للطاقة تحوي الزئبق السام المسبب لمشاكل في التنفس هل توجد علاقة بين كثافة استعمال الهواتف الخلوية وسرطان الغدد اللعابية؟ العولمة: تدمير السيادة على غذاء دول "الجنوب" وإغراقها في مستنقع المجاعة مساهمة "الإعلام الجديد" في خلق ثقافة بيئية تغير المناخ عامل جديد مؤثر على الأمن الغذائي... والعلة باقية في نظام السوق أسعار السلع الغذائية قنبلة موقوتة ارتفاع أسعار الوقود يدفع إلى اقتناء سيارات صغيرة 109 مليارات دولار الكلفة الاقتصادية للكوارث الطبيعية لعام 2010 دراسة: خطط الأمم المتحدة للمناخ لا يمكنها إنقاذ الغابات الإعلاميون البيئيون الصغار: براعم خضراء في مدينة المهد كيف نواجه ملوثات الهواء المنتشرة داخل منازلنا؟ ما هي العمارة الخضراء؟ انحو سن قانون خاص بالهواء النقي أدوات شرط الوعي البيئي تغذية الشباب والمسنين الصحية والمتوازنة قصص بيئية قصيرة المؤتمر الدولي الأول للزيتون في فلسطين فيلم معالجة النفايات الصلبة في طوكيو جائزة أفضل مبادرة بيئية أكلات موسمية شعبية من الزيت الفلسطيني زهرة من ارض بلادي \ عرف الديك (ناب الجمل) مواعيد الزراعة البيرة شذرات بيئية وتنموية  زياد عزت: عدسة خضراء وأرض مُلونة حماية البيئة في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية
 

منبر البيئة والتنمية

 

العولمة: تدمير السيادة على غذاء دول "الجنوب" وإغراقها في مستنقع المجاعة ... ومــــوت

مساهمة "الإعلام الجديد" في خلق ثقافة بيئية

تغير المناخ عامل جديد مؤثر على الأمن الغذائي... والعلة باقية في نظام السوق

 

العولمة:  تدمير السيادة على غذاء دول "الجنوب" وإغراقها في مستنقع المجاعة

قدمت هذه الورقة في المؤتمر الثالث لاتحاد لجان العمل الزراعي:  "إما السيادة على الغذاء وإما المزيد من الفقر والجوع" (البيرة: 16 – 17 / 12 / 2010)

 

 

 

جورج كرزم
مركز العمل التنموي / معا

يدافع العديد من الاقتصاديين والتنمويين ورجال الأعمال العرب والفلسطينيين عما يسمى بنظام "العولمة" و"محاسنه"، وضرورة الاندماج في هذا النظام "قبل فوات الأوان".  ويغيِّب أولئك "الاقتصاديون" و"التنمويون" حقيقة أن "العولمة" تعني، أساسا، تخلي دول "الجنوب" (وبالطبع العربية أيضا) عن أسواقها القومية، وفتحها تماما للرأسمال الغربي المتمثل بشركاته العملاقة ليرتع فيها كما يشاء، ويدمر بنيتها الإنتاجية والبيئية، تحت عنوان "السوق العالمية الموحدة" التي تشكل المجال الطبيعي والحيوي لحركة الرأسمال الغربي الذي يعتبر الحاكم بأمره في هذه السوق.  وهنا يكمن سر دعوة المؤسسات المالية والاقتصادية "الدولية" (وخاصة "منظمة التجارة العالمية") إلى "تحرير" غير متكافئ بتاتا للتجارة في دول "الجنوب" التي على حكوماتها، وفقا لمتطلبات "التحرير"، رفع الحماية عن المنتجين المحليين، و"خصخصة" أصول ومشاريع القطاع العام، بما في ذلك السماح للشركات الأجنبية و"المتعددة الجنسية" بأن تشتري هذه الأصول والقطاعات، ناهيك عن منح الحرية المطلقة لحركة رأس المال، وبالتالي حرية تسريب الأموال والفوائض المحلية إلى الخارج، وتحديدا إلى دول "الشمال".
ويروج ممثلو الحكومات الرأسمالية الغربية والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية بقوة ومنهجية لما يسمى بتحرير التجارة، و"عولمة" الاقتصاد، و"تحسين مناخ الاستثمار الأجنبي" في البلدان "النامية".  بمعنى أن الدول الغربية لا زالت تصر على المضي قدما في فرض "تنمية" قسرية على مجتمعات "العالم الثالث" من الخارج، يكون عمودها الفقري مفاهيم اقتصادية – اجتماعية لا علاقة لها ببنيتها الإنتاجية والاقتصادية – الاجتماعية - البيئية.  فمفهوم "تحرير التجارة" مثلا هو إفراز مباشر للمستويات الاقتصادية والتكنولوجية والإدارية في الدول الصناعية الغربية المتقدمة، فضلا عن مكانة هذه الدول الاقتصادية في السوق العالمي، والمختلفة تماما عما هو قائم في بلدان "العالم الثالث" التي حاولت تطبيق النماذج الغربية، بعيدا عن واقعها الاقتصادي- الاجتماعي – البيئي، فكانت النتيجة الفشل الذريع،  ناهيك عن سحق البنى الاقتصادية التقليدية التي كانت قائمة قبل الوجود الاستعماري المباشر في هذه البلدان، والتي اعتمدت على الموارد والسوق المحلية، كالزراعة مثلا، وبالتالي حطم الغرب أسس اعتماد غالبية دول "العالم الثالث" على ذاتها اقتصاديا، وضمن بالتالي تبعيتها الاستهلاكية والغذائية له، وبالنتيجة جردها من أمنها الغذائي ودمر بيئتها الغنية وقذف بها إلى مستنقع المجاعة.
وتفرض الدول الغربية ومؤسساتها المالية الدولية على "العالم الثالث" زراعة محاصيل كمالية للتصدير لأوروبا وأميركا واليابان، بينما تفتقر غالبية شعوب "العالم الثالث" للمحاصيل الغذائية الأساسية التي تحتاجها.  ويشير هذا التوجه الاقتصادي الغربي المفروض على "العالم الثالث" الى أن الزراعة الأحادية الموجهة لما يسمى بالسوق العالمي قد أوصلت هذه الشعوب إلى درجة العجز عن إنتاج وتأمين الغذاء الأساسي لنفسها، فلم يبق أمامها سوى مواجهة مصيرها المحتوم:  المجاعة أو الفقر الغذائي.
وبالرغم من تأكيد منظمة "الفاو" أن إنتاج الغذاء أكثر من كاف لإطعام سكان العالم، وبأن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا كبيرا في الإنتاج العالمي لمحاصيل الحبوب الإستراتيجية، إلا أن المعروض العالمي من الحبوب قد انخفض وارتفعت الأسعار بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال العامين 2007 – 2008.  بل إن تقرير الفاو الصادر في شهر آب 2008 يقول بأن الولايات المتحدة الأميركية تهدر نحو 30% من الغذاء، أو ما يعادل 48.3 مليار دولار سنويا.  و"الهدر" هنا، يعني التخلص من الإنتاج الغذائي في مكبات النفايات.  وهذه الكمية تكفي لإطعام مئات الملايين من سكان الدول الفقيرة.  كما أشار نفس التقرير إلى هدر ثلث الغذاء في بريطانيا، ومعظمه في غلافه الأصلي دون مساس.  أما في السويد، فإن الأُسَر التي لديها أطفال تتخلص من نحو 25% من الغذاء الذي اشترته، كما هو دون أي استعمال.  يضاف إلى ذلك، أن نصف المياه المستعملة لإنتاج الغذاء في العالم تتعرض أيضا للهدر.      
وهذا يشير إلى أن "أزمات" القمح والحبوب  العالمية الدورية ليست سوى أزمات مفتعلة سببها الأساسي يكمن في التنافس على أسواق الحبوب بين أميركا (أكبر مصدر عالمي للقمح) وأوروبا، وبالتالي التلاعب بفائض القمح وسائر الحبوب المعروضة عالميا، وبالمحصلة التحكم بغذاء "العالم الثالث"، علما بأن تحويل الولايات المتحدة كميات كبيرة من الحبوب التي تنتجها (وبخاصة الذرة) لتصنيع الوقود الحيوي، والزراعات كثيفة الري والنمو السكاني، يعد من أهم أسباب الضغوط على إنتاج الحبوب والماء.  
ويتلخص الادعاء الأساسي للمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية بأن الانغلاق في داخل أسواقنا  يعيق إمكانية تنمية اقتصادياتنا، وبالتالي علينا التركيز على الاقتصاد التصديري.  لكن، وكما حدث ويحدث حاليا في العديد من دول "الجنوب" وأوروبا الشرقية، فإن "تحرير" التجارة والتوجه التصديري، أديا ويؤديان، في المحصلة النهائية، إلى نسف "النمو" في تلك الدول، بعكس ادعاء أنصار "التحرير"، لأن على هذه الدول، كي تدخل نادي "الدول المصدرة"، أن تثبت بأن أسواقها "حرة"، وبالتالي أن تفتح حدودها وأراضيها وبيئتها دون قيود، حسب ما تقتضيه أنظمة "منظمة التجارة العالمية".  وفي الغالب، ونظرا لضعف بنية دول "الجنوب" الإنتاجية غير المتكافئة بتاتا مع البنى الإنتاجية الغربية من ناحية كثافة رأس المال والتكنولوجيا، ناهيك عن الأسعار الاحتكارية التي تفرضها الدول الصناعية على منتجاتها، وبالتالي قدرة هذه المنتجات على منافسة مثيلاتها في دول "الجنوب"، تزداد واردات هذه الأخيرة أكثر بكثير من صادراتها، الأمر الذي يولد عجزا دائما ومتزايدا في الميزان التجاري، ويسحق القطاعات الإنتاجية المحلية، وخاصة الزراعية، ويتلف البيئة المحلية وأخصب الأراضي الزراعية، ويدمر المنتجين الصغار الذين يشكلون أغلبية المنتجين، وبالتالي زيادة التبعية للغذاء المستورد وتصاعد الهجرة من الأرياف، فضلا عن تدهور متواصل في قيمة العملات المحلية، وبالنتيجة تعميق علاقات التبعية بصيغ جديدة، كما حدث في الكثير من دول "العالم الثالث" ذات "السيادة"، فما بالك في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني.
إن "تحرير" التجارة و"النجاح" في مجال التصدير لا يشكلان، إطلاقا، ضمانة للتقدم الاجتماعي والتنمية.  إذ أنه، حتى في دولة جنوبية "عظمى"، مثل الصين، التي "حررت" اقتصادها، وقطعت بالتالي أشواطا كبيرة في معدلات نموها الاقتصادي ووصلت إلى مستويات عالية في حجم إنتاجها الصناعي والزراعي و"أغرقت" العالم بسلعها الرخيصة المنافسة، فقد دفع مئات الملايين من سكانها، على المستوى الاجتماعي، ثمنا باهظا، كنتيجة لعملية "التحرير" التي كرسها، تحديدا، انضمام الصين، عام 2001، إلى منظمة التجارة العالمية.  وذلك، عكس ما تدعيه الأخيرة، بأن "الانفتاح" الاقتصادي الصيني، منذ عام 1987، أدى إلى زيادة الثروة للفرد الواحد تسع مرات.  إذ أن الوجه الآخر القبيح لهذه "المعجزة" تجسد في تعميق عملية استغلال العمال وزيادة الفقر والبطالة الهائلة والفجوة الطبقية، كما أكد ذلك "الإتحاد الدولي للنقابات الحرة".
ومن الملاحظ هنا، أنه تحت عنوان "العولمة"، فان غالبية التدفقات الاستثمارية المباشرة والمكثفة تتركز باضطراد، وبشكل مهيمن، في دول "الشمال" تحديدا وليس "الجنوب".  وعلى مستوى الوطن العربي، فإن حصة الوطن العربي من الاستثمار الأجنبي نحو 1% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم، وهي نسبة متدنية، علما بأن العالم يتعامل (إحصائيا واقتصاديا) مع المنطقة العربية بشكل عام وليس كل قطر على حدة.  وبالرغم من التنافس الحاد القائم بين الشركات الغربية العملاقة، إلا أن مصلحة مشتركة توحدها، وتتمثل في الدفاع عن سيطرتها على الأسواق ومنع دخول منافسين جدد إليها. 

التخلي عن السيادة الوطنية
وبالإضافة إلى ذلك، تهدف "العولمة" الغربية، إلى كسر الرابط بين الرأسمال الوطني والدولة، لصالح زيادة التدفقات الرأسمالية والاستثمارية إلى الدول الغربية نفسها.  بمعنى أن "العولمة" تقتضي، عمليا، بأن تتخلى دول الجنوب نهائيا، عن سيادتها الوطنية على مواردها وأسواقها المحلية، وبالمقابل، تشديد قبضة الشركات الاحتكارية الغربية على هذه الموارد والأسواق والبيئة المحلية، وتوطيد وتعميق ارتباطها بولائها لمراكزها الأم في أوروبا وأميركا (الشمالية)، من ناحية نشاطها الاستثماري الأساسي، ومن ناحية مواصلة نهبها للأرباح والفوائض (من "الجنوب")، وتحويلها إلى قواعد انطلاقها "الوطنية" في بلدانها.  وهنا تتقزم السياسات الاقتصادية للحكومات والأنظمة المحلية إلى مجرد توفير "المناخات" المواتية لجذب الشركات الأجنبية إلى مناطق الاقتصاد الوطني.  وفي ظل هذه "المناخات" يتعاظم بشكل هائل تأثير مؤسسات اقتصادية ومالية "عالمية" مثل منظمة التجارة العالمية والبنك وصندوق النقد الدوليين.  حيث عمل ويعمل الأخيران، بشكل منهجي، على ربط "مساعداتهما" لدول "الجنوب"، وإعادة جدولة ديونها بتنفيذ الأخيرة لخططهما وبرامجهما الاقتصادية التي هي ليست مجرد "نصائح" أو "وصفات"، بل أوامر على دول "الجنوب" المدينة تنفيذها تحت رقابة البنك والصندوق المشددة، الأمر الذي يمكن اعتباره مدخلا جديدا لإعادة استعمار "العالم الثالث"، باسم "التنمية" الاقتصادية المنشودة التي تغلف التفنن في أشكال نهب الموارد المالية الذي تجسد، خلال العقود الثلاثة الماضية، في سلخ رأسمال صاف بقيمة مئات المليارات من الدولارات سنويا، من دول "الجنوب" إلى دول "الشمال"، كخدمة ديون وأموال مهربة إلى المصارف الغربية وأخرى "مجهولة" الأصل. وهذه المبالغ بمجملها أكبر بأضعاف من الأموال التي نهبها الاستعمار التقليدي المباشر من مستعمراته السابقة طيلة قرون!
وبهدف صبغ عملية استنزاف الغرب للموارد المادية والبيئية والفوائض العربية والإسلامية والعالم الثالث إجمالا بالصبغة "القانونية"، قررت "منظمة التعاون والتطور الاقتصادي" (OECD ) التي تضم أغنى 29 دولة في العالم، في أوائل عام 1998، تشكيل "محكمة دولية" تتولى الدفاع عن "حقوق" الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسية التي قد "تتضرر" مصالحها بسبب القوانين المحلية للدول، بمعنى محكمة "تدافع" عن "حق" الاحتكارات الغربية في انتهاك سيادة دول "الجنوب" وفي ضرب مصالحها ومواردها الوطنية‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

مقابر جماعية للجياع
لننتبه جيدا إلى كيفية ترتيب الدول الصناعية الغربية لمصالحها الاقتصادية المشتركة، في مواجهة دول "العالم الثالث".  فقبل مؤتمر منظمة التجارة العالمية الفاشل، والذي عقد عام 2003 في المكسيك (كانوكون)، توصل كل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي إلى اتفاق جديد، وضع، نصا وروحا، "خارطة طريق" تفصيلية لما يمكن اعتباره المرحلة الثانية من عملية النهب التجاري العالمي.  وفي أعقاب انهيار محادثات منظمة التجارة العالمية، التي تخللها تظاهرات عنيفة ضد المنظمة العالمية والعولمة، واصل الثنائي المذكور إغداق الوعود الفارغة حول النمو والتنمية دون بذل أي جهد لإحداث إصلاح حقيقي في سياساتهم الداخلية في بلدانهم.
وفي الواقع، يهدف الاتفاق الجديد، أو ما سمي "بالرؤية المشتركة"، إلى إحداث عملية تدمير إضافية لما تبقى من دعائم الاكتفاء الذاتي الغذائي القوية في بعض البلدان النامية التي أخذت تذوي تحت وطأة الاتفاقات الزراعية العالمية.  وفي المحصلة، تواصل الدول الصناعية الغنية دعم المؤسسات التجارية الزراعية فيها، من خلال السماح للأخيرة بشراء المنتجات الزراعية بأسعار رخيصة جدا، وفي نفس الوقت تدفع حكومات تلك الدول مبالغ ضخمة للمزارعين مباشرة لسد العجز في الأسعار.
وبصرف النظر عن الانعدام الصارخ للمساواة في العالم، فقد وضع الاتفاق الجديد (بين أميركا والاتحاد الأوروبي) حلقة حماية أقوى حول المنتجين المحليين في كتلة الدول الأقوى تجاريا، أي في "منظمة التعاون والتطور الاقتصادي" (OECD ).      
إن الحرب الحقيقية التي تخوضها العديد من الدول الغربية ضد الشعوب الفقيرة هي الحرب ضد ما تبقى من لقمة عيشها وسيادتها على غذائها، وشرعنة وتعميق امتهان كرامات الشعوب ونهبها واستباحتها اقتصاديا وسياسيا وغذائيا وبيئيا وإنسانيا ونفسيا وأخلاقيا.  
وللتدليل بالملموس على ما نقوله، نذكر أنه من بين أبرز مظاهر الظلم والانعدام المطلق للعدالة والتكافؤ، في ظل "العولمة"، أن نجد، على سبيل المثال، بأن قطعان البقر في الدول الغنية تُدَلَّل على حساب مئات ملايين المزارعين في الدول النامية، حيث أن الدعم اليومي الذي تدفعه دول الاتحاد الأوروبي للبقرة الواحدة هو 2.7 دولارا أميركيا، أما اليابان فتدفع 8 دولارات يوميا، في الوقت الذي يبلغ معدل الدخل اليومي لنصف سكان الهند البالغ عددهم أكثر من مليار نسمة، أقل من دولارين.  إن مثل هذه المقارنات بين مستوى معيشة البقرة الغربية ومستوى معيشة المزارع في "العالم الثالث" قد "تجرح مشاعر" بعض الاقتصاديين وصانعي القرار، لأنها تكشف حقيقة أن الحرب الحقيقية التي يخوضها الغرب الاستعماري ضد الشعوب الفقيرة هي الحرب ضد ما تبقى من لقمة عيشها وسيادتها على غذائها، وذلك تحت شعار ما يسمى "العولمة" و"مكافحة الإرهاب" اللذان يعدان أعلى مراحل النفاق السياسي والأيديولوجي الكولونيالي.  ومن المثير أن أحد مزارعي القطن في ولاية "أركنسس" الأميركية، تلقى، في عام 2001، دعما حكوميا بقيمة 6 مليون دولار، وهذا المبلغ يعادل مجموع الأرباح السنوية لـِ25000 مزارع قطن في دولة مالي الإفريقية.
وفي نفس العام، تلقى مزارعو القطن في الولايات المتحدة والبالغ عددهم 25000، دعما حكوميا مباشرا بقيمة 3.9 مليار دولار، وذلك مقابل إنتاجهم لمحصول القطن الذي بلغت قيمته بأسعار السوق العالمي 3 مليار دولار فقط.  ويزيد هذا المبلغ عن إجمالي الناتج المحلي لبضع دول إفريقية، كما أنه يعادل ثلاثة أضعاف المبلغ الذي تنفقه الولايات المتحدة "كمساعدات" لنصف مليار أفريقي فقير.  وفي قطاع الألبان، ضربت صادرات الاتحاد الأوروبي، المدعومة حكوميا، صناعة الألبان في البرازيل والهند، علما أن صناعة الألبان في الأخيرة تعاني من إغراق الصادرات للسوق المحلي.  ففي عام 2000 استوردت الهند من الاتحاد الأوروبي أكثر من 130000 طن من مسحوق الحليب المدعوم دعما كبيرا.  ولسخرية القدر، تعد الهند أكبر منتج حليب في العالم، كما أنها لا تدفع أي دعم لقطاع الألبان.  وقبل سريان مفعول منظمة التجارة العالمية، كانت أندونيسيا تصنف بين أول أكبر عشر دول في العالم مصدرة للأرز.  وبعد ثلاث سنوات من ولادة المنظمة، أي في عام 1998، أصبحت أندونيسيا مستورد الأرز الأكبر في العالم.  أما الهند التي تعد أكبر منتج للخضراوات في العالم، فقد تضاعف استيرادها للخضراوات خلال سنة واحدة (بين 2002 و2003).
إذن، لا تزال السياسات التجارية الدولية تميز تمييزا صارخا ضد مزارعي الدول النامية.  ولإدراك مدى حجم الحماية التي توفرها دول أل (OECD ) لقطاعها الزراعي، يكفي أن نعرف بأن "الهبات التنموية" التي تكرمت بها الأخيرة لدول "العالم الثالث" بلغت 52 مليار دولار، وهو يعد مبلغا ضئيلا جدا مقابل الدعم الزراعي الضخم الذي قدمته تلك الدول لقطاعها الزراعي عام 2004 والذي بلغ أكثر من 300 مليار دولار أميركي.  وفي الحقيقة، لا تمنح تلك الدول النقود بيد لتأخذها باليد الأخرى، بل إنها تستخدم "المساعدات التنموية" استخداما فعالا لإقناع سكان "العالم الثالث" "بسخائها" في مواجهة الآلام الإنسانية، واعتبار "المساعدات" الوجه الإنساني للتجارة الضخمة و"الطموحة" ووحيدة الاتجاه:  من دول (OECD ) إلى سائر أنحاء العالم.  وهذا يعني بأن على الدول النامية أن تتوقف عن زراعة المحاصيل الأساسية التي تأثرت سلبيا من الدعم الضخم الذي تقدمه الدول الغنية والصناعية لنفس المحاصيل المزروعة لديها.
ولم تأل الدول الغنية جهدا في تضليل وخداع الدول الفقيرة، وذلك عبر إعلانها، عشية انعقاد المؤتمر الوزاري السادس لمنظمة التجارة العالمية في هونغ كونغ (كانون أول 2005)، بأنها ستعفي 97 من صادرات الدول الأشد فقرا من الرسوم الجمركية، علما أن جزءا كبيرا من المنتجات التي ترغب الدول الفقيرة في تصديرها فعلا، مثل السلع الزراعية والنسيج والجلود، غير مشمولة بقائمة أل 97 السابقة، بمعنى أن أسواق الدول الغنية ستبقى مغلقة أمام معظم المنتجات الرئيسية التي تصدرها الدول الفقيرة.  بل إن الولايات المتحدة واليابان يمكنهما أن تمنعا عمليا نحو 400 سلعة من سلع الدول الأشد فقرا من دخول أراضيهما.
وفي الحقيقة، أنشأت الدول الرأسمالية الغربية منظمة التجارة العالمية كأداة تستعملها شركاتها الاحتكارية لغزو واكتساح أسواق دول "الجنوب" وإغراقها بسلعها.  لذا، فإن الموقع الطبيعي للدول النامية هو خارج هذه المنظمة، إلا أن حكومات غالبية هذه الدول تابعة للغرب، وبالتالي تفتقر إلى القرار السياسي - الاقتصادي المستقل.  أما الأقطار العربية، فقد حطمت الدول الصناعية الغربية مقومات اقتصادها الإنتاجي وحولتها إلى أسواق استهلاكية للسلع الغربية، ولم يُبْقِ لها الغرب ما تصدره لأسواقه، لأنها تفتقر أصلا إلى الصناعات الحقيقية المنافسة، سواء الخفيفة أو الثقيلة (التكنولوجيا، الأسلحة، الآلات، الماكنات، السيارات، الطائرات وغيرها)، وإنتاجها هامشي وهزيل.  ومع ذلك، تلهث الأنظمة العربية لهاثا غبيا للإنضمام لمنظمة التجارة العالمية، وبالتالي فتح ما تبقى من أسواقها للغرب الذي لو فتح أسواقه بالكامل، فلن تستفيد الدول العربية من ذلك شيئا.
وبهدف خدمة التوجه التجاري الأخير، وتحت راية "برامج التصحيح الهيكلي"، اشترط البنك وصندوق النقد الدوليان لتقديم القروض للدول النامية، بأن تغير الأخيرة أنماط إنتاجها الزراعي.  وفي هذا السياق، تواصل المؤسستان الماليتان إجبار الدول النامية على التحول من إنتاج غذائها الأساسي الضروري لتوفير أمنها الغذائي، إلى إنتاج المحاصيل الكمالية لتلبية متطلبات الدول الغربية.  كما وتعمل المؤسستان على إرغام نفس الدول على إلغاء الدعم الحكومي للاحتياجات الغذائية الأساسية وإبطال دعم الأسعار للمزارعين، وتسهيل قوانين الأراضي، لإتاحة المجال أمام الشركات الكبرى بأن تستثمر في الزراعة، وبالتالي، ترك المزارعين "غير الفعالين" تحت رحمة قوى السوق، بل واستبدالهم بالشركات الصناعية، علما أن الزراعة تشكل مصدر عيش 70% من فقراء العالم. 
وبالطبع، لم تقترح المؤسسات المالية الدولية مثل هذه الوصفات على الدول الغنية والصناعية التي تنتج فوائض ضخمة من القمح والأرز والذرة وفول الصويا وقصب السكر والقطن، وذلك في ظروف مسيئة للبيئة وتتسبب أيضا في كوارث إيكولوجية واضحة.  وهذه الدول تحديدا تسدد ضربتين مدمرتين للبيئة في وقت واحد. وتتمثل الضربة الأولى في قيام كبار المزارعين بتدمير الأرض بسبب ممارساتهم الزراعية المكثفة جدا، وفي تلويثهم المياه الجوفية وتسميمهم للبيئة، ومن ثم- وهذه هي الضربة الثانية- يتلقون دعما ماليا مكثفا لتشجيعهم على مواصلة هذه الممارسات غير المستدامة وضمان استمراريتها بشكل مصطنع. 
إن عجز الدول النامية عن فهم ومواجهة السياسات العالمية التي تتحكم بجدول أعمال التجارة الزراعية، سيؤدي إلى مواجهة العالم لنظامين زراعيين:  النظام الأول يشمل الدول الغنية التي ستنتج الغذاء الأساسي والاستراتيجي لأكثر من 6 مليار نسمة في العالم والمتمثل أساسا بالحبوب والحنطة.  أما النظام الثاني فيضم الدول النامية التي ستتخصص في زراعة الخضراوات والمحاصيل الكمالية للدول الغنية، كالورود والتوت الأرضي وعباد الشمس.  أما الدولارات التي ستكسبها الدول النامية من تصدير هذه المحاصيل فستعود ثانية إلى الدول الصناعية المتقدمة، لأنها ستستخدم، في نهاية المطاف، لشراء الحبوب من تلك الدول.  كل هذا يعني أن عدد الذين يتضورون جوعا في العالم ويصل أكثر من 800 مليون، سيزداد باطراد، وسيموتون ويدفنون في مقابر جماعية، في الوقت الذي سيواصل فيه الغرب ما يسمى بحربه ضد "الإرهاب".

استنتاجات وتوصيات
أولا:  لا يجوز أن تبقى الدول النامية والفقيرة مشاهدا صامتا وعاجزا.  حيث أن قدرة الدول الصناعية الغنية على حماية زراعتها وعلى إتباع أساليب عدوانية، يجب ألا تجعل الدول الفقيرة تشعر بالخجل من ممارسة نفس السياسات وإتباع نفس الأساليب.  ولا بد أن تتركز كل الجهود لإرغام الأغنياء على إلغاء الدعم الزراعي في دول "منظمة التعاون والتطور الاقتصادي" (OECD ).  كما أن تسهيل الانتقال إلى أسواق عالمية "أكثر انفتاحا" يجب أن يبدأ أولا بعملية إعادة بناء جذرية للزراعة في دول شمال أميركا والاتحاد الأوروبي.  وما لم يحدث ذلك، فلا بديل للدول النامية سوى الموقف الجماعي الموحد، دفاعا عن الزراعة التي تعد العمود الفقري لاقتصادياتها.  ويتلخص هذا الموقف في تعليق الاتفاقيات الزراعية مع الدول الغربية، حتى تلغي الأخيرة سياسات الدعم. 
ثانيا:  إن أية اتفاقيات تعقد دون إلغاء سياسات الدعم في الدول الغربية، والقائمة على قاعدة تثبيت تحكم الإنتاج الزراعي الاحتكاري الغربي واستباحة الأسواق الزراعية في الدول النامية، يعني، في نهاية المطاف، تدمير الزراعة في الدول الأخيرة.  ومن بين المسائل التي يجب على دول "الجنوب" أن تفرضها على دول "الشمال"، عقد اتفاقية ملزمة ومتعددة الأطراف ضد المجاعة، تستند على المبدأ الإنساني الأساسي في الحق بالطعام، وتكون أساسا لجميع المفاوضات المستقبلية.  ومثل هذه الاتفاقية متعددة الأطراف يمكنها أن تضمن حق الدول باتخاذ إجراءات وقائية كافية، في حال أن التزاماتها تجاه منظمة التجارة العالمية ستؤدي إلى مزيد من المجاعة والفقر.      

 

ورقة بعنوان
مساهمة "الإعلام الجديد" في خلق ثقافة بيئية

المؤتمر الفلسطيني الأول للتوعية والتعليم البيئي 

مركز التعليم البيئي
بيت لحم

أواخر كانون أول 2010

عبد الباسط خلف

توطئة-------------------------------------------------
تقدم الورقة بالأساس، سلسلة مقترحات لخلق ثقافة بيئية في فلسطين عبر وسائل الإعلام غير التقليدية. وتنطلق الورقة من تدني اهتمام وسائل الإعلام الفلسطينية بالبيئة. إذ تغيب من الصحف اليومية أي مساحة دورية ذات هوية بيئية. والحال ليس بالجيد في المنابر الإلكترونية والمسموعة والمرئية.  كمثال عند البحث قي  شبكة الإنترنت عن عبارة( التغير المناخي في فلسطين) نحصل على 114 نتيجة تتحدث عن الموضوع، وإذا ما حصرنا العبارة بين مزدوجين"......."، فإننا لا نحصل سوى على 36 نتيجة، وهذا يدلل على قلة الاهتمام بقضايا التغير المناخي في وسائل الإعلام.

ما هو"الإعلام الجديد"؟---------------------------------------
قد لا نجد تعريفًا متفقا عليه لتوصيف مصطلح "الإعلام الجديد"، إلا أنه يمكن الحديث عن مجموعة من التوصيفات التي لا تُفرقه عن "الإعلام الإلكتروني"، أو تعتبره  بمثابة كل وسيلة ظهرت في ربع القرن الماضي.
إجمالاً، انه تجاوز للإعلام التقليدي المطبوع والمسموع والمرئي. وهو بمثابة فضاء الكتروني رقمي، ومواقع انترنت، وشبكات تفاعلية، ومقاطع فيديو تتناول همًا عامًا، وتكنولوجيا سريعة الإيقاع، ومؤثرة، وتفاعلية.
وثمة من ينفي وجود إعلام "جديد "، ويذهب إلى القول أنه لا ينبغي فصله عن الإعلام القديم. وينظر إليه كتطور في الوسائل والأدوات.
 انه  تويتر، والفيس بوك، والمدونات، وأي وسيلة تعبير لا تخضع لإمرة رئيس التحرير أو توجهاته.
هو الهروب من الرقابة، أو انتهاء عصرها.
يشارك كل الناس في إنتاجه وتداوله ونقده وكشف صدقيته من عدمها.
الإعلام الجديد.. مرآة لهموم الناس وقيمهم، وليس لأيديولوجيات رئيس التحرير وأهوائه.
انه لا يخاف أن ينتقد شركات الاتصالات.. لأنها (معلن) مهم لديه.
لا يُلغي الرأي الآخر أو يسقطه، ولا يخشى من نشر التعليقات التي لا توافق رئيس التحرير.

 كيف نؤسس لثقافة بيئية إلكترونية؟-------------------------------
الثقافة تراكم، وتفاعل، وخبرات سابقة، وتربية، وإعلام، ومدرسة، وجامعة، ومسجد، وكنيسة، وتدريب، وقوانين، وتشريعات، وإحساس، وإيمان.
"الإعلام الجديد" يمكن أن يكون من أسرع الوسائل وأقلها تكلفة، وأكثرها قدرة على المساهمة في خلق ثقافة من أي نوع.
فوسائل الاتصال القديمة والجديدة، السهلة والمعقدة، المصابة بالسياسة أو المدعية بالموضوعية، الكاشفة عن  جهاتها الداعمة أو التي تدعي الاستقلالية، تصنع جدول أعمالنا، وترتب أولوياتنا، وتدخل بيوتنا وغرف نومنا وعقولنا دون إذن، وتأتينا من وراء الحدود، ولا تحتاج لتأشيرة.

جهود إلكترونية خضراء لكل مدرسة، وحي، وهيئة محلية، وعائلة.-------------
يمكن أن نُطلق مدونة إلكترونية ومجموعة بريدية  وحوارات ومناقشات في كل مدرسة، يشارك فيها الأساتذة والطلبة ومجالس أولياء الأمور. نعلن فيها عن قرارات  "خضراء"، كأن نزرع شجرة لكل طفل في ساحة المدرسة تحمل اسمه، أو نعلن عن مقصف مدرسي خال من المواد الملونة والصناعية وال Junk Foods . يمكن أن تطالب المدونة والمجموعة والحوار سلطة جودة البيئة بتطبيق القوانين البيئية، ومعاقبة من يقلع الأشجار، ويرمي النفايات عشوائياً. وربما تطلق المدونة مبادرة لفرز النفايات، وتصنيع الأسمدة الطبيعية(الكمبوست)، أو مطالبة شركات الخليوي بعدم نصب الهوائيات بين البيوت والمدارس، وبالضغط على وزارة الصحة لمنع التدخين في الأماكن العامة، ومنع الإعلانات التجارية التي تروّج للسجائر، وغيرها من قضايا بالغة الحساسية والتداعيات.

كيف يمكن أن نبدأ؟-----------------------------------------
بوسع كل معلم وطالب وطالبة وولي أمر أن يصبح "إعلامياً" ينشر المعلومات والأفكار البيئة، ويراقب ويطالب بتطبيق القوانين الخضراء.
بمقدور هذه المبادرة أن تذهب إلى رئيس التحرير للصحيفة، وللمسؤول في سلطة جودة البيئة، ولجهات الاختصاص للمطالبة بحقهم في العيش  في بيئة آمنة ونقية، ووزارات تُراقب  المزارعين والتجار والشركات على كل السلع والخدمات التي ينتجونها، وأنشطتهم المختلفة.
"الإعلام الجديد" يمكن أن يكون رسالة قصيرة من الهاتف المتنقل، أو اتصال تلفون أرضي أو   كلمة في الإذاعة المدرسة، أو خطبة في المسجد، موعظة في الكنيسة، أو خبراً في الحي، أو إعلاناً ينقله الأطفال إلى  آبائهم وأمهاتهم وأفراد أسرهم، يقترح إجراء تجارب في المنزل لفرز النفايات ولفحص جودة المياة وسلامة الغذاء والهواء.

تجربة ناجحة-------------------------------------------
يمكن للإعلام الجديد أن يعمم لمجموعات بريده الإلكترونية نماذجاً لمبادرات بيئية كتجربة روضة مدارس الفرندز في رام الله، إذ أصبح الصغار يستخدمون أكياس الساندويتشات مرة أخرى، ويصطحبون سلة كبيرة عند التسوق؛ لوضع السلع فيها بدلاً من الأكياس البلاستيكية، ويستعملون أكياس السلع مرة ثانية للنفايات، ويستخدمون العبوات البلاستيكية التي تتراكم من وراء العصائر والمياه المعدنية والمشروبات الغازية، لتخزين المخللات والزيتون، وإحضار الساندويشات للروضة في علبة حافظة وليس في أكياس بلاستيك. وصنعوا من علب الحديد مقالم، وزرعوا في العلب البلاستيكية والكراتين الزهور، وتوقفوا عن حرق النفايات، وصنعوا من المواد العضوية الأسمدة الطبيعية، وصاروا  يراقبون تحركات أمهاتهم ووالديهم وأفراد أسرهم، ويعلقون عليها، ولا يطلبون من أصحاب البقالة أكياس بلاستيكية، ويرجون أصحاب السيارات التي تحدث دخاناً اسود بإصلاحها كي لا تلوث الجو أكثر فأكثر، ولا يستخدمون في البيت أو عند الأصدقاء أدوات بلاستيكية.

الكل شريك ومبادر ومهم--------------------------------------
بوسعنا في الإعلام الجديد، أن نتجاوز تدني اهتمام وسائل الإعلام بالبيئة، فكلنا يشترك في صناعة الخبر والقصة والرأي والوعي، ولا ننتظر رئيس التحرير والمراسل كي ينشر لنا أو لا ينشر همومنا وقلقنا ورسائلنا وأخبار ندواتنا ومبادراتنا.
بمقدورنا أن نلجأ إلى"الفيس بوك" و"توتير" و"اليوتيوب" والمدونات والمجموعات البريدية والمنتديات لنقل رسائلنا الكثيرة، يمكننا أن نساهم في إرسال مئات وآلاف الرسائل الإلكترونية للصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء ومواقع الإنترنت تتحدث عن البيئة وتطالب رئيس التحرير والمدير العام ورئيس مجلس الإدارة بأن يناقشوا قضايا البيئة، لأنها تتحدث عن غذائنا ومائنا وهوائنا وصحتنا، وهي ليست ترفًا، أو خيالاً أو مبالغة.
يمكنهم أيضاً أن يفعلوا الشيء نفسه مع الجهات المسؤولة، فيرسلوا بقلقهم وهمومهم ومطالبهم إلى وزارات الصحة والزراعة والاقتصاد الوطني وسلطة جودة البيئة، تطالبهم بالرقابة وفعل كل الجهود لأجل اعتبار البيئة قضية حياة أو موت، فلا نستورد أي منتوجات صينية ستتحول بعد أيام لنفايات، ونراقب المبيدات الكيماوية السامة التي تباع في الأسواق، ونفحص الغذاء الذي نأكله، والماء الذي نشربه، والهواء الذي نتنفسه.
بوسعنا أن نطالب بمقابلة المسؤولين والوزراء، ونناقش معهم قلقنا وخوفنا، وننتظر إجاباتهم على رسائلنا وأسئلتنا.

وسيلة للضغط وضمانات النجاح كثيرة-----------------------------
"الإعلام الجديد" المنظم والمرتب وغير العشوائي، هو أحد أهم وسائل الضغط، والمطالبة بتفعيل القوانين، وإصلاح الخلل، والمحاسبة، ومنع المزيد من التدهور للبيئة، وهو أيضا مصدر بث الوعي للجمهور، والكشف عن الحقائق، والإشارة إلى المخاطر والأضرار الجانبية للغذاء والماء والهواء والدواء.
إن ضمانات النجاح كثيرة، وعنقودية ومتداخلة، لأننا نتحدث عن هموم مشتركة لكل الفئات، فبالقدر الذي تكون فيه رسائلنا الإعلامية ذكية وسهلة ومهنية، وجهودنا مُنسقة، وفريق عملنا مؤمن بالبيئة  وقضاياها، سيكون التأثير شاملاً وواضحًا وقابلاً للقياس والتكرار.

_______________________________________
عبد الباسط خلف كاتب وصحافي وباحث ومصور فوتوغرافي مهتم بالبيئة وقضايا جودتها. يعيش في جنين ويعمل في مهنة الإعلام منذ ثلاث عشرة سنة. حصل على خمس جوائز عربية ومحلية  عالجت  قضايا البيئة والصحة والأرض. ويكتب في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" منذ أن خرجت إلى فضاءات الحياة كأول وسيلة إعلام فلسطينية متخصصة في مجال البيئة. وله مساهمات في قضايا المجتمع والمرأة والفن في الصحافة الكويتية والإماراتية والسعودية والفلسطينية.   

 

تغير المناخ عامل جديد مؤثر على الأمن الغذائي... والعلة باقية في نظام السوق

حبيب معلوف / لبنان

لم تعد قضايا الغذاء والفقر والجوع مفصولة عن قضايا البيئة في العالم، وقد بدت متداخلة متفاعلة في ما بينها أكثر من أي يوم مضى وتتبادل التأثيرات السلبية، حتى ان كل كارثة باتت تنفد إلى غيرها. فبالإضافة إلى مشكلة الغذاء والفقر التاريخية التي زادت بدل ان تنقص مع تزايد أعداد الذين يعانون الجوع ليتجاوز المليار إنسان      -بحسب آخر إحصاءات "منظمة الأغذية والزراعة" التابعة للأمم المتحدة الأخيرة- تُطرح علامات استفهام عدة، حول ما قدمته الثورة الزراعية الأولى حين أدخلت كماً هائلاً من المبيدات والمخصبات الكيميائية، بحجة زيادة الإنتاج ومحاربة الجوع، فلوثت التربة والمياه والأنظمة الغذائية، وزادت من عمق المشكلة بدل ان تحلها. كما لم تحقق الثورة الثانية بإدخال الهندسة الجينية وتعديل جينات المحاصيل لمقاومة الأمراض وزيادة الإنتاج سوى الأرباح الكبيرة للشركات والخسائر لصغار المزارعين (لا سيما خسارة البذار) وتهديد التنوع البيولوجي وخسارة الكثير من الأنواع إلى الأبد.
وإذ بقيت المشكلة في سوء إدارة الموارد وتوزيعها وليس في ندرتها وعدم كفايتها، بقي النظام الغذائي دون حل، كون المشكلة هي في نظام السوق القائم على المنافسة والاحتكار والاستغلال المفرط للموارد، بالإضافة إلى استغلال القوي للأضعف.
وقد دخل الموضوع البيئي والمناخي هذا العام كحجة إضافية لزيادة أسعار الأغذية الرئيسية والتنصل من الالتزامات الدولية بمكافحة الجوع. ولعل أبرز العوامل التي دخلت إلى التقارير الدولية التي تناولت أزمة الغذاء في العالم هي حرائق الغابات والحقول الزراعية في روسيا والفيضانات التي ضربت باكستان.  إلا ان هذه المشاكل ليست المدخل الصحيح لتقييم دور البيئة وإشكالياتها في سلامة وكفاية وديمومة النظام الغذائي. يمكن القول ان الاختلالات العميقة في النظام الغذائي ناجمة عن اختلالات في النظام البيئي. ولكن ما سبب هذا الاختلال، أليس النظام الاقتصادي المسيطر؟ أليس نظام السوق؟ أليس نظام التنمية القائم على زيادة الإنتاجية والاستهلاك، بما يفوق الحاجات الأساسية للبعض ويحرم البعض الآخر من الحاجات الضرورية؟
واذ يتسبب الغنى بزيادة الاستهلاك، الذي يتسبب بدوره بزيادة إنتاج النفايات وبزيادة استهلاك الطاقة والتسبب بانبعاثات خطرة على المناخ، كذلك قد يتسبب الفقر بزيادة القطع والرعي والتسبب بمشاكل بيئية كبيرة. صحيح ان نظام الحياة المدنية ولا سيما في الدول التي تصنف "متقدمة"، يتسبب بالمشكلة الأكبر على مستوى الكوكب، إلا انه لا يزال يرفض ان يدفع الثمن الأكبر لحل تلك المشاكل التي تسبب بها، ان على مستوى زيادة الفقر أو على مستوى تغير المناخ العالمي.
كما لا يمكن إغفال عامل جديد سلبي ومؤثر دخل بقوة في الفترة الأخيرة على عالم مفاقمة الجوع، وهو "إنتاج الوقود الحيوي" بحجة محاربة تغير المناخ، أي استخدام حقول واسعة من المحاصيل الزراعية لتحويلها إلى وقود للسيارات بدل الوقود الاحفوري، مما يزيد في الطلب على الكثير من الحبوب والمواد الغذائية ويساهم في ندرتها وارتفاع أسعارها. فقد ارتفع إنتاج الوقود الحيوي ثلاثة أضعاف من العام 2000 حتى العام 2007 بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية ذات الصلة بما يقارب 70% بين عامي 2006 و2008، بحسب إحصاءات منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو).  كما تسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية الرئيسية كالأرز والقمح بأعمال عنف ونزاعات دامية (كما حصل منذ عامين في 60 دولة، حسب الفاو)؛ وأدى تخزين المستوردين للسلع وتدافع بعض الدول والشركات الغنية لشراء أراض زراعية أجنبية في البلدان الفقيرة، إلى أن تتصدر قضيتا نقص الإمدادات الغذائية والجوع الأجندة السياسية، كما ثارت مخاوف من حقبة استعمارية جديدة في الدول الفقيرة، مما يعيد طرح قضية كيفية اعتماد استراتيجيات في البلدان النامية لتشجيع العودة إلى زراعة الأغذية التقليدية وتأمين الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي من بعض الزراعات الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، لم ترصد الأمم المتحدة في تقاريرها السنوية قضية التأثيرات السلبية للنظم الغذائية الغربية المعولمة كـ"المأكولات السريعة" (فاست فود) على النظام الغذائي العالمي. فكل شريحة لحم بقر (هامبرغر) تتطلب كمية كبيرة من المياه والحبوب التي تحتاجها البقرة لجمعها (على البقرة ان تأكل 7 كيلوغرامات من الحبوب وسبعة آلاف لتر من المياه لتجمع كيلوغراما من اللحم)، وبالتالي فإن تغيير النظام الغذائي العالمي القائم بشكل رئيسي على الوجبات السريعة والعودة إلى المأكولات التقليدية التي تعتمد على الحبوب والبقوليات والخضار والفواكه، بشكل رئيسي، يمكن ان يؤمن الغذاء (من حبوب ومياه) لكل الناس، كما يمكن ان يؤمن نظاما غذائيا صحيا ومتوازنا لكل فرد.
كما لا يمكن إغفال قضية زراعة حشيشة الكيف والتبغ التي تأخذ بشكل كبير أمكنة الزراعات الغذائية، والتي يفترض إعادة النظر بها، أو على الأقل تحويل الدعم الذي تتلقاه (كما هي الحال مع زراعة التبغ في لبنان) إلى زراعات بديلة مفيدة لحل الأزمة الغذائية.
وفي كل الحالات، لا بد من العودة إلى سلطة الدول وإعادة الاعتبار لأدوار الدولة الرئيسية في حماية التنوع البيولوجي في العالم وحماية وتأمين مصادر الغذاء والتدخل لضبط الأسواق وجنوح واستغلال الشركات الخاصة الكبرى، التي تضرب بأنظمتها الخاصة، الأنظمة الغذائية والايكولوجية معا، والتي بدأت تهدد الكثير من الأنواع في العالم بالانقراض، بسبب إنتاجها البذور المعدلة جينيا التي وضعت فيها خاصية الانتحار أو الموت، لكي تلزم المزارع بالعودة إليها سنويا لشراء البذار.
ولعل المشاكل المنتظرة، مع التغيرات المناخية التي لا مفر منها ومن آثارها السلبية على الأمن الغذائي العالمي، ومع اتجاهات الخصخصة وسيطرة قوانين اقتصاد السوق القائمة على المنافسة، لن تبقى على مستوى زيادة الجوعى في العالم، بل ستنتقل إلى تهديد التنوع البيولوجي وأسس الحياة على هذا الكوكب.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية