تراثيات بيئية
واقع الغطاء النباتي الطبيعي في برية القدس ومظاهر تغيراته
إعداد: داود إبراهيم الهالي / القدس
بالتجوال في أنحاء برية القدس الواقعة ما بين جبال فلسطين الوسطى غرباً وحوض البحر الميت وأراضي مدينة أريحا شرقاً يتكشف عدد من التغيرات البيئية التي لعبت فيها العوامل الطبيعية والبشرية أدواراً كان لها الأثر في تشكل المشهد الطبيعي الحالي للأرض، في بقعة حازت على اهتمام علمي وجيوسياسي إسرائيلي مقابل اهتمام ضئيل على المستوى الوطني.
برية القدس: عرفت بأسماء عديدة مثل صحراء القدس وبادية القدس. وهي تلك المنطقة الجغرافية ذات الطبيعة الجافة الممتدة ما بين جبال فلسطين الوسطى من ناحية الغرب وحواف البحر الميت والأجزاء الغربية من محافظة أريحا من ناحية الشرق. ولا تتفق المصادر على تحديد مساحتها بدقة، فبعضها يعرّف برية القدس بمعزل عن برية الخليل. في حين أنَّ دراسات أخرى تعتبر أن برية الخليل امتداد جغرافي لبرية القدس، فتقدر مساحتها بنحو 1178 كيلومترا مربعا على اعتبار أن برية الخليل تمثل الامتداد الجنوبي لهاDanin, 1978; )، في حين أن زوهري حصرها في تلك المنطقة الممتدة من الأجزاء الجنوبية الشرقية لمحافظة نابلس وحتى الأجزاء الجنوبية للبحر الميت محصورة بين الجبال الوسطى غرباً ومدينة أريحا وحوض البحر الميت شرقاً (Zohary, 1966 ).
|
ولعل التغيرات التي طرأت على الغطاء النباتي في منطقة برية القدس التي لا تتفق الدراسات الجغرافية في تحديد مساحتها بدقة يدعو إلى مزيد من الاهتمام، وهذا ما يُدرس علمياً تحت مسمى التدهور البيئي، وهو في حال منطقتنا ذات الطبيعة الجافة وشبه الجافة يتمثل في ظاهرة التصحر. ويتضمن مفهوم التدهور دخول أنواع نباتية غريبة ومنافستها للأنواع المتوطنة ومن ثمَّ الحلول محلها في كثير من مناطق برية القدس ذات التربة الفقيرة وغير الناضجة والعالية الملوحة في مناطق حوض وادي القلط ومنطقة النبي موسى.
في العقود الأخيرة أخذ نبات "شجر التمباك" المسمى علمياً "Nicotiana glauca " بالانتشار بكثافة في حوض وادي القلط وفي المناطق المتاخمة للأغوار. وقد جُلبت بذوره من أمريكا اللاتينية وتحديداً من بوليفيا والأرجنتين (Florentine et al., 2006 ) على يد الإسرائيليين في النصف الأول من القرن العشرين. ووفقاً لـ (Liphschitz & Biger, 2004 ) فإنَّ بداية زراعته كانت في المناطق الشمالية الغربية من صحراء النقب حيث تم وقوع الاختيار عليه وعلى شجر السنط Acacia saligna لعدم تعرضهما للرعي وللحد من زحف الرمال، فتمَّ زراعة 5.300 غريسة منهما وهذا ما ساعد على انتشارهما على حساب الأنواع المتوطنة وتهديدها.
لنبات "شجر التمباك" القدرة على التكيّف مع الظروف البيئية الصعبة من ملوحة التربة والجفافية وندرة المياه وقلة الرطوبة وفقر التربة مهدداً بذلك الأنواع المتوطنة وسائداً بينها. وكما أكدت ذلك إحدى الدراسات الأسترالية (Westbrook et al., 2005 ) فإنّ شجر التمباك يعتبر ضاراً وساماً خاصة للمواشي وكافة الثدييات بما فيها الإنسان، وقد تتغذى المواشي على أوراقه وبانتقال بذوره مع المياه الجارية كما هو الحال على طول قناة وادي القلط المكشوفة، وتغذية مياهها للأجزاء الجنوبية من محافظة أريحا يدعو إلى القلق وضرورة إحداث تفعيل متقدم لمحطة تنقية المياه في مخيم عقبة الجبر قبل استخدام المياه سواءً للأغراض المنزلية أو لري المزروعات.
يأخذ نبات العشير "Calotropis procera " السام (تحديداً في عصارته الحليبية التي تعتبر ضارة للإنسان والحيوان) بالانتشار البطيء والملحوظ في خارج بيئته المعهودة وبخاصة في منطقة خان الأحمر رغم أن مناطق انتشاره المعروفة هي منطقة الأغوار وحواف البحر الميت. وهذا يدفع للبحث في الأسباب الكامنة وراء انتشاره في هذه المنطقة التي تُعد ضمن الإقليم الإيراني- الطوراني الذي يتميز وفقاً لزوهاري (Zohary, 1962 ) بأنه منطقة انتقالية ما بين إقليم البحر المتوسط غرباً والإقليم الصحراوي العربي شرقاً تغير مازال بحاجة إلى مزيد من التقصي العلمي، فربما يكون مرد ذلك إلى التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة.
نبات العشير
ومن بين التغيرات البيئية التي يمكن ملاحظتها على الغطاء النباتي تراجع كثافة بعض الأنواع النباتية مثل الرتم Retama raetam (من العائلة الرغلية)، ففي المقابلات التي أُجريت مع كبار السن من عرب الجهالين والسواحرة في برية القدس تمّ التأكيد على أنه كان نبات الرتم في الماضي أكثر كثافةً مما هو عليه الآن. وباتت أنواع أخرى أقل انتشاراً كالشيح Artemisia sieberi وأشجار الأكاسيا والطلح Acacia raddiana . فهل ننتظر حتى توشك هذه الأنواع على الاندثار في منطقة برية القدس؟ كما أن مزيداً من الرعي الجائر ساهم في سيادة أنواع ضارة على حساب أنواع أخرى مثل انتشار نبات العنصلان Asphodelus aestivus بكثافة في فصل الخريف وسيادة نبات العورور Verbascum fruticulosum في أنحاء متفرقة من القسم الشمالي لبرية القدس.
تتعدد أشكال التأثيرات السلبية المدمرة للغطاء النباتي في منطقة برية القدس سواءً من خلال تحويل آلاف الدونمات إلى مناطق عسكرية أو إنشاء المستوطنات وتوسيع المقامة منها وحظر الرعي في محيطها (حاج عبد، 2003) واحتمالية تسميم المراعي نظراً لعدم معاودة نمو النباتات في مناطق كانت تُستخدم في السابق كمعسكرات للجيش الإسرائيلي كما هو الحال في الأجزاء الغربية من منطقة النبي موسى. ناهيك عن تلقي السكان البدو قرارات عسكرية تطالبهم فيها سلطات الاحتلال بإخلاء مواطن سكناهم في البرية، كما هو الحال مع عرب الكعابنة والتبنة والفقير والجهالين أبو داهوك قي القسم الشمالي من البرية.
يدعو هذا المقال المقتضب إلى بذل المزيد من الاهتمام بموضوع التغيرات النباتية ليس في برية القدس فقط، بل في سائر أرجاء فلسطين وزيادة الوعي البيئي للحد من انتشار تلك الـأنواع السامة والضارة وبخاصة للأغنام التي تشكل جزءاً لا يستهان به من الثروة الحيوانية في فلسطين، وتخصيص مناطق من برية القدس واستخدامها كأوساط بيئية لتكثير الأنواع المهددة بالاندثار في بيئتها الطبيعية كما تم ذلك في مناطق محدودة من برية الخليل (Al- Jouba, 2006 ).
daoudhali@gmail.com
المراجع:
حاج عبد، ناجح (2003): واقع المراعي في منطقة السفوح الشرقية من فلسطين. جامعة النجاح. رسالة ماجستير غير منشورة.
Al- Joaba, O. (2006): Studies of Natural Vegetation Characteristics at Different Environments and Range Improvement Practices at Southern West Bank. Msc thesis. Hebron University. Palestine.
Danin, A. (1978): Species Diversity of Semi shrub xerophalophyt Communities in the Judean Desert of Israel. Journal of Botany. Vol.27, pp. 66-76.
Florentine, S.K., Westbrooke, M.E., Gosney, K., Ambrose, G., Keef, M.(2006): The Arid Land Invasive Weed Nicotiana glauca R. Graham (Solanaceae): Population and Soil Seed Bank Dynamics, Seed Germination Patterns and Seedling Response to Flood and Drought. Journal of Arid Environments. Vol.66, pp. 218-230.
Liphschitz, N. & Biger, G. (2004): Green Dress for a Country: Afforestation in Eretz Israel- the first hundred years 1850- 1950. KKL Land Use Research Institute, Ariel Publishing House. Jerusalem.
Westbrook, M.E.(2005): Arid Land Vegetation Dynamics After a Rare Flooding Event: Influences of Fire and Grazing. Journal of Arid Environments. Vol.61, pp. 249-260.
Zohary, M.(1962): Plant Life of Palestine. The Ronald Press Company. New York. 262p. Zohary, M.(1966): Flora Palaestina. Part One. The Israel Academy of Sciences and Humanities. Jerusalem. |
البيئة في أدب أمين الريحاني (1)
علي خليل حمد
أمين الريحاني كاتب ومؤرخ لبناني، ولد بالفريكة (قرية لبنانية). رحل إلى أمريكا وهو في الحادية عشرة، واشتغل بالتجارة في نيويورك، وأولع بالتمثيل.
تردد بين الشام وأمريكا عدة مرات، وزار بلدانا عربية كثيرة. مات في قريته الفريكة التي سمّي فيلسوف الفريكة باسمها. من مؤلفاته: الريحانيات وهي مقالاته وخطبه، وتاريخ نجد، وملوك العرب، وقلب العراق، والمغرب الأقصى، والثورة الفرنسية، والتطرف والإصلاح، وله مؤلفات بالإنجليزية أيضا.
امتاز بعشقه للطبيعة وتصويره ذلك في كتاباته، وفي هذا الشأن يقول المستشرق " كراتشكوفسكي " في تقديمه للريحانيات:
" أحب الريحاني الطبيعة حبّا جمّا متناهيا بل حبّا يدنو من العبادة. ولست أعرف كاتبا عربيا آخر نشأت فيه هذه العاطفة للطبيعة ونمت نموّها في الريحاني ".
ويقول الريحاني نفسه في مقاله "روح اللغة" في الريحانيات أيضا:
" قد كتبت بالإنكليزية أصف جمال الطبيعة في بلادنا كما كتبت في العربية، ولا يختلف أسلوبي في اللغتين إلاّ في النظر إلى الموضوع من الوجهة التي تفهم في بعض الاستعارات الأدبية والآراء الاجتماعية التي تتخلل ما أكتب".
في النص الآتي يتحدث الريحاني عن استلهامه الطبيعة الجميلة في وادي الفريكة وتوحده معها:
في وادي الفريكة
" في صباح يوم من الأيام التي تقف حائرة بين الخريف والشتاء، لبّيت دعوة الوادي.
خرجت من بيتي بمعطف مشمّع، وأخذت أقفز على الرّبى وأدبّ من تحت الصخور حتى وصلت إلى قلب الغاب. نزلت لأتفقد الوادي بعد أن اغتسل بسحابة الخريف الأولى.
هبطت على عادتي لا ترويحا للنفس، كما يقال، بل ابتغاء الإلهام والفائدة: أجل، أنا أقصد الوادي كما يقصده الفلاّح، ولكنّ فأسي ومنجلي يختلفان شيئا عن فأسه ومنجله، وأحمالنا ونحن عائدان تختلف كثيرا بعضها عن بعض. على أنّ حطب الغاب يفيد في هذه الأيام أكثر من حطب الخيال، والفلاح هو الفيلسوف الحقيقي.
ولكنّ ذلك قلّما يهمّني. قد انحدرت إلى الوادي، ووقفت على صخر يشرف على النّهر، وتأملت فعل العواصف والأنواء الليلة البارحة. وقفت هناك مبتهجا فأحسست بأن روحي انفصلت عن جسمي، وطارت فوق الأشجار البليلة، وفوق الصخور الشهباء في الصيف، السوداء بعد الأمطار. طارت وطار معها ما تراكم على رأسي وقلبي من الأفكار والخيالات والأماني. طارت مسرعة صامتة كما يطير السّنونو والحسّون في هذا الفصل. شعرت بأن روح الوادي قد اتّحدت فيّ وروحي قد اتّحدت بالوادي. فأنا إذن والوادي سواء: في نفسي ما فيه من الظلال والخيالات والكهوف. في نفسي ما فيه من الصخور الشامخة والمنحدرات الهائلة والسواقي الفائضة والأنهار الجارية. في نفسي ما فيه من العصافير والجنادب والنّسور، ومن الهوامّ والذئاب أيضا، أيها القارئ البعيد القريب.
صعدت قليلا وجلست تحت خرنوبة غضة، وتنفّست متنشّقا هواء الأحراج المنعش، فكاد يكون لنفسي صدى في حفيف الأوراق. في ظل هذه السّكينة يكاد المرء يسمع خفقان قلبه. وعند توقّلي (صعودي) في الصخر، سمعت صوت زقزقة العصافير، فالتفتّ إلى جهة الصوت وإذا بسرب كبير من السّنونو فرّ من أمامي ففكّرت في نفسي قائلا: " لو كان للطّير أن يقرأ الأفكار لما كان هذا السّرب يفرّ الآن من وجهي، بل كان يجيئني مغرّدا فأقبّله ويقبّلني، ويسير بعدئذ كل منا في سبيله. ولكنّ إخواني البشر لم يعوّدوا الطير مثل هذا، والسّنونو لم يقرأ شيئا حتى اليوم مما أكتبه. إلى الآن لا يعرفني، وهل يلام على ذلك والإنسان نفسه لم يزل يعجز عن فهم ما انطوى عليه الإنسان؟ "
} الريحانيات، ج1 ص ص. 65_66 {
ويضيف الريحاني عن الرياح والأعاصير في المقال نفسه قوله:
" صحيح ما يقال من أن الرياح والأعاصير تضر بمصالح الناس، ولكن أمن أجل الإنسان ومصالحه الزمنية المادية خلق الله كل شيء؟..... يبدو لي أن الأعاصير تعوّض أضعافا على الإنسان، فالذي تأخذه من ملكه الخاص تعيده إلى ملك الطبيعة والخسارة لا تكون إلاّ نسبيّة. وهذا ظاهر لكل الذين وصلوا بترقّيهم الروحي العقلي إلى درجة يتم فيها امتزاج الروح البشرية بروح الطبيعة الشاملة؛ وهؤلاء القلائل لا يفقدون شيئا أزليا ولا يكسبون شيئا زائلا؛ لأنّ الطبيعة بما فيها هي أبدا لهم، وهم أيضا لها على غابر الدهر.
الريحانيات،ج1 } ص ص. 74_75 {
ويتحدث الريحاني آسفا عن الغابة الجميلة التي زحف عليها العمران وأساء استغلالها الإنسان، في مقاله " في سبيل الأرز" فيقول:
} ج2 : ص ص. 126_130 {
في سبيل الأرز
زرت الأرز منذ سبع وعشرين سنة، يوم لم يكن بجواره نزل أو بيت، فكان الزائرون ينامون في خيام ... ولكنّي ما رأيت يومئذ في أشجار الأرز أثرا لمرض، أو دليلا على إهمال. كانت كلها، على ما أذكر، سليمة في مجدها، وريفة عزيزة.
وزرت أمس هذه الغابة العظيمة في تاريخها، المقدسة في رمزها، الكريمة في ظلالها العطرية، زرتها ( أنا ) وصديقيّ ( وصديقاي) ... فرأينا هناك نزلين، أحدهما جديد مجهّز بالكهرباء والتلفون والراديو، وثلاثة بيوت مبنيّة كذلك على الطراز الحديث. ورأينا حقولا مزروعة، وملاّكين من وجهاء ( بشرّي ) يحلمون بالثروات من أملاك يبيعونها بالمتر المربّع بأسعار الأرض في مدينة بيروت، فقلنا ما شاء الله، قد عمر الجوار المقدّس. ولكننا ونحن نطوف بالغابة، فجعنا في شوقنا وأملنا؛ فقد عرانا من الحزن ومن الخجل، ما كان حقّا مؤلما. رأينا الأرض تعمر خارج السّور، ورأينا الأرز داخل السّور في حال تنبئ بالخراب ..
إني أكتب هذه الكلمة إكراما للملايين من الناس الذين يجلّون الأرز لقدمه وعظمته، ولا يحاولون استغلاله. وحبّذا لو بقيت الأرض بجواره، كما رأيتها منذ ربع قرن، بلقعا جرداء _ لا نزل فيها، ولا مربع ولا زرع ولا بستان ولا كهرباء ولا تلفون ولا راديو _ وظلّ الزائرون ينامون في الخيام، وظلّت هذه الأشجار في مجدها التاريخي والطبيعي كريمة عزيزة سليمة.
وأول المحزنات، بعد أن دخلنا القنطرة في السّور مطأطئي الرؤوس وصعدنا في الرابية، شجرة كبيرة دحرجها الزّمان واستأصلها. العفو، قد أخطأت التعبير، فقد كسرت الشجرة من أسفلها فخرّت صريعة بين أترابها ...
إنّ في الغابة من الأشجار القديمة التي لا يتجاوز عمرها الألف سنة نحو عشرين شجرة. أمّا تلك التي تعود، كما يظنّ، إلى عهد سليمان، فلا تتجاوز العشر. وليس بين هذه الأرزات الجليلة، العريقة في القدم، الطويلة العماد، أرزة واحدة سليمة من غصن مكسور يعيبها، أو غصن مائت يفسد عليها حياتها، أو جرح يشوّه صدرها أو ساقها. تبّا للزائرين الذين يقشرون الأرزة ليحفروا في جسمها الدامي أسماءهم " الكريمة " وكل هذه الجروح وهذه الأغصان المكسّرة هي مهد للسّوس وللدّود، وباب مفتوح للغزو والموت.
إنّ كلّ أرزة من هذه الأرزات لمسرعة في هذا السبيل المحزن المهلك. إنّ مصير كل واحدة منها لكمصير الأرزة التي رأيناها صريعة بين أترابها.
إنّ الأرز لفي خطر. وإذا استمرّ في هذه الحال لا يبقى، بعد مئة سنة، أرزة واحدة من تلك الأرزات الجليلة العظيمة، الطويلة العمر، الطويلة العماد. فهلاّ أنقذها أولو الأمر؟ والسّلام على الأرز وعلى منقذيه.
وفي مقالة " البغضاء " يبيّن الريحاني كيف أن سوء استغلال العمران يؤذي العلاقات بين الناس أنفسهم فضلا عمّا يلحقه بالبيئة من أضرار .
} ج2 ، ص ص. 221_222 {
البغضاء
وقفت مدهوشا مستغربا أمام جدار من تلك الجدران العالية قائم _ في أجمل حيّ في المدن سكانه في التمدّن عصريّون _ بين بيتين هما قصران شاهقان. وصاحباهما، على ما يظهر، عاشقان لجوهر البغض والغلّ، مشغوفان بروح النكاية والضغينة / فقد بنى أحدهما جدارا شريفا عاليا يستوقف الأنظار _ والأقدار _ في هندسته العجيبة، ما ظننت، قبل أن رأيته، أن الضغائن تظهر في أشكال هندسية، وأساليب فنية شعرية.
فإنّ قفا ذاك الجدار يسطم } يحجب الرؤية عن { ثلاثين شباكا في الخمس الطبقات من البيت المجاور له، ويحجب عن المقيمين فيه ( ولا سهم لهم في ما هو عامر بين صاحبي البيتين من العداء ) النور والهواء، والأفق والسّماء.
ولكنّ أخاه الإنسان الثاني بنى جدارا أمام الجهة المكشوفة من بيت جاره ليباريه بالإحسان، ويبزّه بالافتتان. فقد أقام أمام كلّ شبّاك من شبابيكه المتعددة مرآة من الحجر تعكس ما في قلبه من أشكال البغض.
وكأنّي به يقول: نفسي تضيق عن جدارك، ولكنّ نفسك ستختنق وراء جداري. مرآتك من حجر رملي، ومرآتي من حجر الصّوان. حجبت عنّي نور الشمال، فسأحجب عنك نور الشّرق والجنوب
زهرة من أرض بلادي
سُنّارية (شوكة الفار)
د. عثمان شركس / جامعة بيرزيت
Scolymus maculatus: الاسم العلمي
العائلة المركبة- Compositae - : اسم العائلة
Spotted Golden Thistle:الانجليزي الاسم
الاسم العربي: سُنّارية ، شوكة الفار
الوصف: نبات عشبي، حولي، شوكي، طوله 30 – 100 سم، ساقه ذات أجنحة، شوكية، بيضاء الحافة، تتفرع من أعلى. الأوراق جلدية، جالسة، تحيط بالساق عند القاعدة، مفصصة، ذات حواف بيضاء، شوكية. الهامات قطرها 1 – 2 سم، مغمورة بين الأوراق الشوكية التي تشبه القنّابات.
التوزيع الجغرافي: ينموفي الحقول والأراضي المزروعة لاسيما الأراضي الثقيلة التي تتجمع فيها المياه، ويتواجد في جميع مناطق مناخ البحر المتوسط في رام الله ونابلس وبيت لحم والخليل.
فترة الإزهار: أيار – آب.
الاستعمال: في بداية نموه يقبل الناس عليه، ويؤكل كسلطة بعد تنظيفه من الشوك وطعمه كطعم الخرفيش وهومفيد للمعدة كمُلَيِّن. وتأكله الجمال بشراهة ولكن لا تقبل عليه الأغنام والماعز بسبب الشوك الموجود.
|
|
Scolymus maculatus L. |
زهرة من أرض بلادي
المركبة
د. عثمان شركس / جامعة بيرزيت
الاسم اللاتيني: Scolymus hispanicus L.
الاسم الانجليزي: Spanish golden, thistle
العائلة: المركبة
الاسم العربي المحلي الشائع: سونارية، شوكة الفار
الوصف: سونارية عشبة شوكية معمرة، يتراوح ارتفاعها ما بين 60-100 سم. وهي ذات شكل منتصب وأزهارها صفراء اللون وأشواكها حادة جدا. وفي فصل الشتاء تبدوالنبتة يافعة الوراق الكبيرة. كما انه في أوقات الربيع تبدأ أزهارها بالتفتح. وفي هوامش الأوراق وفي أطراف السيقان يوجد أطراف بيضاء اللون. تتميز الأوراق بلونها الأخضر المبيض ويتم تلقيح أزهارها بواسطة النحل.
وينموشوك الفار في حواشي الطرق وفي المناطق المهجورة وفي المناطق الجبلية التي يزيد ارتفاعها عن 500م.
فترة الازهار: أذار – اب
التوزيع الجغرافي: ينموفي الأراضي البور والمفلوحة وعلى جوانب الطرق والأودية في جبال فلسطين الوسطى ويقل تواجده بشكل ملحوظ كلما إتجهنا نحوالشرق.
الاستعمال: يمكن استخدام الأغصان اليافعة الطرية كسلطة تؤكل بعد إزالة أشواكها الطرفية.
|
|
Scolymus hispanicus L |
|
أكلات شعبية موسمية من الحليب ومنتجاته
ناديا البطمة
كان الغذاء الشعبي في بلادنا مرتبطاً بمواسم إنتاج المواد الغذائية، ولم يكن بالإمكان تناول أطعمة عدة في غير مواسمها كما هو الحال اليوم، بحيث لم نعد نشاهد ( بائع أو بائعة الحليب) تطرق الأبواب في المدن صباحاً لتبيع الحليب طازجاً لزبائنها المعروفين.
وبعد نكبة عام 1948، وهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم قسراً وفقدانهم لأرضهم وممتلكاتهم، لم يعد بإمكان اللاجئين تربية المواشي والإبل أو استعمال الحليب الطازج حيث حل الحليب الناشف ومسحوق البيض الجاف محل منتجاتنا الغذائية الطبيعية. وكانت هذه الهبات والمساعدات الغذائية المغايرة لما اعتاد الناس عليه تزيد من حسرتهم على ما خلفوه وراءهم من الخيرات والطيبات واللذائذ الطبيعية والمحلية. وفي هذا الصدد تؤكد الدراسات والأبحاث أن آخر ما ينساه المهاجر من ثقافته هو الأطعمة والنكهات التي كانت مصادرها من أرضه ومن نتاج عرق جبينه حيث يصنعها ويعدّها بيده، كما يواجه مربي المواشي اليوم صعوبات ومشاكل عدة بسبب الاحتلال وجدار الفصل العنصري.
الحليب والألبان ...ثروة البادية
في الريف والبادية الفلسطينية يبدأ موسم الحليب والألبان أوائل الربيع بعد أن تكون الصغار قد فطمت، حيث يهتم أصحاب الأغنام برضاع صغار الحيوانات من أمهاتها حتى يكتمل نموها. ويطلقون على الصغير الذي لم يشبع من حليب أمه أوصافاً وأسماءً فيسمونه ( قرقور) ويصفونه أنه ( مكرعش) و ( مقذوع) و( مكعوش) وتستمر الأمهات بإرضاع صغارها حتى آخر الصيف، حيث يقول المثل الشعبي ( بعدك يا صليب ما ظل حليب) وتكون الاناث قد حملت.
وما زال المجتمع الرعوي يعتمد في حياته على تربية المواشي والأبقار والإبل ويستند في غذائه الأساسي على منتجاتها فيصنع الألبان، الأجبان، السمنة البلدية، الزبدة ولبن الجميد المجمد والمملح .
المساة وإعداد الجبن
كما لا يفوت الجبانين صناعة ( المساة) أو ( الدورة) التي تؤخذ من معدة الحيونات المجترة من صغار الأغنام والأبقار والتي لم تأكل حشائش الربيع وهي رضيعة. والمساة هي المعدة الرابعة أو المنفحة لهذه الحيوانات والتي بدورها تفرز مادة خاصة ( أنزيم الرنين) واسمها الشعبي ( المساة) أو ( الدورة). وحينما يذبح العابور أو الخاروف الصغير يؤخذ هذا القسم من المعدة ويوضع فيه قليل من الملح ثم تعلق حتى تجف فترسب فيها مادة المساة على شكل حبيبات تستعمل في عمل الجبنة. أما في الوقت الحاضر فتشترى هذه المادة على شكل أقراص جاهزة أو سائلة من الصيدليات. وتستعمل ( المساة) بدقة وحذر؛ حيث إن زيادة كميتها تسبب تفتت الجبن وتشكيل ثقوب في قرص الجبنة؛ وهذا يعتبر عيباً من عيوب الجبنة.
ويكون طعام الرعاة في المرعى والبراري عبارة عن جبنة تخثر باستعمال (شرى التين أو طقشه) حيث يسقط ( الشرى) أو العصارة النازلة من ( عجرة التين) على مقدار لتر من الحليب بشرط أن لا تزيد كمية ( الشرى) حتى لا يضفي طعماً مراً، ولنجاح العملية يجب أن يكون الحليب فاتراً وأن يحرك ( الشرى) المخثر جيداً في الحليب.
و يتناول الرعاة الجبن المتخثر دون تصفية مائه؛ فبعد تمام تجبن الحليب يأتي الراعي أو الشخص بجزء من ورقة تين ويلفها على شكل ( زعموط) أو ( محقان) يسمونها ( الكرو) وجمعها ( كراو) ويبدأ بغرف الجبنة بها كالملعقة وتكون جبنة بدون تمليح طبيعية خالصة .
ومن الأكلات الشعبية الموسمية المأخوذة من الحليب الطازج، أكلة تراثية قديمة اسمها ( المقيقة) وهي عبارة عن الحليب الفاتر مضاف إليه عصير قرون الخروب الخضراء التي تنمو وتنضج صيفاً، حيث تدق قرون الخروب الخضراء فتنزل عصارتها ثم تصفى وتضاف إلى الحليب مع التحريك، ثم يقدم كشراب لذيذ أو يؤكل معه الخبز.
طبق آخر من الحليب هو ( فتة الحليب) أو المفروكة وهو يشبه أكلة ( أم علي المصرية).
المفروكة نوع من أنواع الفتات التي يشيع استعمالها في بلادنا لأن الخبز هو الطعام الرئيس لدى شعبنا منذ القدم، ولا نزال حتى يومنا هذا نغمس الخبز في الطعام عندما نأكل، كما أننا نقدم أكلة المسخن على الفتة؛ والمنسف يتألف من فتة بمرق اللحم واللبن وهناك أيضاً فتة العدس، فتة الحمص وفتة الكوارع، وأشكال أخرى عديدة منها فتات حلوة وفتات مالحة يحرص الشعب الفلسطيني على تناولها وتقديمها لضيوفه، والفتات منتشرة في بيئات بلادنا الريفية والبدوية والمدنية، وفقاً لوفرة المواد ففي الوقت الذي يكثر الزيت فيه في الشمال الفلسطيني يكون طبق المسخن هو الأساسي في تلك المنطقة، وفي الريف تزدهر الفتات باليخنة من الخضر، أمّا في البادية فتكثر الفتات بالحليب والجبن واللبن وعلى رأسها المنسف.
وطبقنا الشعبي اليوم يُسمى المفروكة وهو عبارة عن فتة والحليب واليكم مكوناتها:
مكونات المفروكة هي :
خبز شراك طازج، أو خبز طابون ساخن أو خبز عربي مفرود، كمية من الحليب المغلي، زقلوطة من الزبدة
البلدية البيضاء في فصل الربيع أو ملعقة سمنة بلدية في الأوقات الأخرى مع قليل من السكر أو العسل .
طريقة العمل :
يفت الخبز الساخن ويضاف إليه قطعة )زقلوطة ( من الزبدة البلدية أو ملعقة من السمن البلدي إذا كانت الزبدة غير متوافرة، ويسكب فوقه الحليب المغلي والمحلي بحيث يشرب الخبز الحليب بتقليبه برفق لئلا يذوب ويتفتت إلى حد زائد؛ ويمكن تحليته بقليل من العسل بدل السكر إذا توافر فيضفي طعماً لذيذاً ويزيد القيمة الغذائية .
والمفروكة تشكل وجبة إفطار أو عشاء ربيعية سريعة وغنية بقيمتها الغذائية ويمكن إعدادها بسهولة في الخلاء عندما تكون العائلة متجمعة للعمل. ويمكن أن تكون (فوالة) أيّ تصبيرة قبل الوجبة الرئيسة . أما المفروكة بالجبن فهي أكلة بدوية وفلاحية حيث تفرد البدوية خبز الشراك الساخن في السدر أو الباطي،ة وتعقد الحليب الفاتر الطازج بالمساة ليتخثر ويصبح جبنا؛ً ودون أن تصفيه من الماء يسكب الجبن السائل المتخثر على الخبز ثم يسكب عليه قليل من السكر أو العسل؛ هذا إذا كانت الرغبة بالطعم الحلو، حيث يمكن تناولها بطعم الجبن البلدي السائل بلا ملح أو سكر .
|