July 2010 No (27)
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز 2010 العدد (27)
 

"معاني التشريد"

كتاب صادر عن مركز معاً يرصد ممارسات إسرائيل الاستعمارية في القدس الشرقية


عرض: ربى عنبتاوي

أصدر مركز العمل التنموي معاً، مؤخرا، كتاباً باللغة الانجليزية تحت عنوان "معاني التشريد"، يتخصص في رصد وتوثيق الممارسات الإسرائيلية الاستعمارية الممنهجة منذ عام1967، وكشف المخططات المستقبلية، لتهويد القدس وفرض حقائق على أرض الواقع، تعرقل أي مساعٍ تفاوضية لتسليم القدس للفلسطينيين مستقبلاً.
الكتاب الذي يعدُّ دراسة توثيقية مدعّمة بالمعلومات والأرقام والإحصائيات والاقتباسات الكلامية لشخصيات رسمية وعادية، يبدأ بالمقدمة: "بدلاً من الحفاظ على مجتمع ديمومي يلبي احتياجات جميع سكانه، أساء القادة السياسيون الإسرائيليون وأصحاب القرار إدارتهم المدنية وتخطيطهم الإقليمي، لخدمة الفكر العرقي العنصري اليهودي الذي يعد القوة المحركة في إسرائيل، فأصحاب القرار يسعون لجعل القدس الشرقية مدينة مهيمنٌ عليها ومتجانسة من قبل اليهود، ما له من نتائج إنسانية خطيرة على الفلسطينيين في القدس الشرقية الذين يعيشون تحت خطر التشريد والطرد، وهذا واضح من العديد من القضايا المشار إليها في الكتاب، والتي تتراوح بين الحرمان الاقتصادي والاجتماعي إلى العنف الجسدي، كما ان معالم المدينة الحضارية مهددة بالزوال".
فالقدس التي تسعى إسرائيل منذ عام 1967 إلى جعلها يهودية بأغلبية تصل إلى 70% مقابل 30% فلسطينيين، أنشأت من المستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67 ما يتسع حتى الآن لنصف مليون مستوطن، 80% منهم يقيمون في القدس، ما يعني رغبة إسرائيل جعل احتلالها للقدس غير قابل للانعكاس، ما يثير التساؤل حول فكرة تحقيق الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس؟ وهل ما زالت قائمة؟
الكتاب الذي يعكس حقيقة التهديد المحدق بالقدس بمزيج من المعلومات المتسلسلة والصور الفوتوغرافية والصحفية المعبرة  عن القدس، قُسّم إلى ستة فصول مرتبة كالتالي: تعريف القدس الشرقية المحتلة، تأسيس الاستعمار في القدس، حلقات الاستيطان (البلدة القديمة، ما حول البلدة القديمة، داخل حدود القدس البلدية وأبعد)، والفصل الأخير المتعلق بالحلقة الاستيطانية الأخيرة لأرض شرق واحد وبدو الجهالين.
تغوص هذه الفصول في فحوى واقع القدس، محيطة القارئ بكافة الجوانب التي تهدد المدينة العربية شكلاً ومضموناً، مستندة في دفاعها على قرار الأمم المتحدة 365 الناص على التالي: " يؤكد مجلس الأمن ان جميع الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل- القوة المحتلة الرامية إلى تغيير معالم مدينة القدس ووضعها- ليس لها أي مستند قانوني وتشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، كما تشكل عقبة جدية أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الوسط.  وأنّ كل هذه الإجراءات التي غيرت معالم مدينة القدس الشريف ووضعها الجغرافي والسكاني والتاريخي، هي إجراءات باطلة أصلا ويجب إلغاؤها وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة".


ومضات من فصول الكتاب
ففي الفصل الأول يعرّف الكتاب القدس الشرقية بأنها المساحة التي كانت خاضعة لحكم الأردن قبل عام 1967 وأضيف إليها 64 كم مربعاً، من الأراضي الزراعية التي اقتطعت من 28 قرية فلسطينية تحيط بالمدينة بعيد الحرب. حيث أتى التعريف كمدخل للفصول الباقية الموضحة لكافة الإجراءات الاستيطانية الخانقة للمدينة، فالقدس التي تعرضت لعمليات ضم واسعة للأراضي الفلسطينية لصالح البلدية الإسرائيلية والمستوطنات منذ عام 1967، تم التعاطي مع سكانها المقدسيين وفق سياسة الغموض وعدم الوضوح باعتبارهم مقيمين وليسوا مواطنين لهم كافة الحقوق والواجبات، في الوقت الذي تلزمهم بلدية القدس بقوانين والتزامات مرهقة، مع التهديد الدائم الذي يواجه المقدسي من خطر فقدان الإقامة في حال السكن خارج حدود البلدية. هذا التوتر والقلق المتواصل في ظل مخطط إسرائيلي معلن عنه منذ السبعينيات بجعل القدس ذات أغلبية يهودية متجانسة.


تأسيس الاستيطان هو عنوان الفصل الثاني الذي يتحدث عن التكتيكات والإجراءات التي تنساب بسلاسة لتصب نحو تحقيق أهداف إسرائيل في تهويد المدينة، والتي بدأت فعلياً فور سن قانون أملاك الغائبين عام 1950 الذي يبرّر نقل أملاك الفلسطينيين -من بيوت وأراضي ومدخرات وجدت دون أصحابها في الأراضي التي احتلتها إسرائيل ما بين نوفمبر 1947 حتى مايو 1948- إلى الملكية الإسرائيلية التي بدورها سارعت للتعاون مع وكالات يهودية مثل منظمة الصهيونية العالمية، الصندوق الوطني اليهودي وسلطة الأراضي الإسرائيلية ما ساهم في نقل مئات الدونمات من الملكية الفلسطينية إلى ملكية الدولة الإسرائيلية. القانون الذي ارتبط بحالة طوارئ أعلنتها إسرائيل آنذاك استمر حتى اليوم مهدداً المقدسيين بفقدان إقامتهم وملكياتهم في حال السفر خارج الوطن لمدة تزيد عن ثلاث سنوات.
وفي نظرة للعمق على حال ما يقارب 364 ألف فلسطيني يقيم في القدس، فان محاصرة المدينة بالمستوطنات كانت سياسة خّطط لها لإعاقة أي محاولة لتطور المدينة لصالح الفلسطينيين، أو إعطائهم المجال للتوسع، ما ضاعف عدد السكان المقدسيين في حيّز مكاني ضيق مقارنة مع الفضاء المكاني لسكان المستوطنات، عدا عن مصادرة أراضي الفلسطينيين تحت ذرائع المناطق الخضراء الممنوع البناء فيها، ما تبين نقيضه إسرائيلياً، لصالح بناء المستوطنات.
"القدس الكبرى" مخطط إسرائيلي تم الانتهاء من رسم معالمه عام 2004 والذي يخطط لإضافة 65 ألف وحدة سكنية استيطانية في القدس مع حلول العام 2020، ما له من تداعيات خطيرة على مستقبل القدس سياسياً، بحيث سيكون هذا الجدار الاستيطاني سداً أمام النمو السكاني وبالتالي خنق السكان ودفعهم للخروج. ما يصب في  تغليب عدد اليهود على الفلسطينيين.


حلقات الاستيطان
الفصل الثالث الذي يتحدث عن حلقة الاستيطان الأولى، وهي المتغلغلة في قلب البلدة القديمة، حيث يتواجد فيها 3100 مستوطن فقط داخل أسوارها، ممن يتبعون مجموعات استيطانية متطرفة مثل عطيرت كوهانيم، نيروت ديفيد والعاد، والتي يتم حمايتها جميعاً وتعزيز بقائها من قبل حرس خاص بتكلفة سنوية تبلغ 14 مليون دولار. وأوضح مثال على الاستيطان بيت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارائيل شارون الكائن في حي الواد. عدا عن تطرق الكتاب للمنع التعسفي لسكان الضفة الغربية مسلمين ومسيحيين من الصلاة أو زيارة الأماكن المقدسة ما يشكل انتهاكاً صارخاً ومزيداً من العزل على المدينة.
كما يذكر الكتاب في نفس الفصل قصة الاستيلاء على حائط البراق(المبكى الآن) عام 1967 ، وتوسيع مساحته في خضم حملة هدم وطرد سكان حي المغاربة لإنشاء حارة اليهود على مساحة 116 دونم. ولم يكتف الاحتلال باستيطان حارة المغاربة وتهويد معالمها بل تعمق أكثر في جوف الأرض أسفل الحي الإسلامي في البلدة القديمة وسلوان، وذلك تحت ملكيات البيوت الفلسطينية، في سعي مسعور للسيطرة السفلية، وابتداع تاريخ يهودي يعود لزمن الملك داود وهيكل سليمان ما من شأنه أن يجتذب السياحة العالمية. في نفس الوقت يكشف الكتاب تواطؤ السلطات الإسرائيلية الواضحة مع الاستيطان وعرقلة أي قرار يصدر من المحكمة الإسرائيلية العليا من شأنه أن يعيد ملكية فلسطينية مستولى عليها لأصحابها، ويعرج الكتاب أيضاً لصفقات شراء الأراضي والعقارات، مثل فضيحة بيع عقارات في باب الخليل للإسرائيليين من قبل المطران اليوناني ايرينيوس، ما يدللّ على المساعي الحثيثة للسيطرة على القدس من مختلف الوسائل والأساليب.


الاستيطان حول القدس هو الحلقة الثانية، ففي الفصل الرابع يستفاض في الأمثلة التي لا تنتهي من سرد قصص تشريد العديد من العائلات، وتحديداً في منطقة الحوض المقدس الذي تركز إسرائيل على تحويله لأمر واقع ذي أغلبية يهودية. كما تأتي مسألة الأحياء المهددة بالهدم بحجة عدم ترخيص مبانيها، تأكيداً صارخاً على خطر التشريد وذلك لما يزيد عن 3600 مواطن يقطنون تل الفول في بيت حنينا، العباسية في  الثوري، البستان في سلوان ووادي يصول بين المكبر والثوري.
وقد جاء تقسيم إسرائيل  22% من القدس إلى مناطق خضراء، متجاهلة حقوق أصحابها، بمثابة توفير قاعدة للاستيطان، ومفارقة تناقض حاجة المقدسيين إلى أراضٍ للتمدد والتوسع الطبيعي ما يجعل حياة المقدسيين لا تطاق في ظل منع إعطائهم تصاريحاً للبناء، فيشير الكتاب إلى ان ما يزيد عن 2000 بيت قد هدم منذ عام 1967، وأن 40% من السكان اضطروا للبناء دون ترخيص ما يهدد 100 ألف عائلة بالتشريد. ففي عام 2008  دُّمر تسعون مبنىً، ما شرّد ما يقارب 400 فلسطيني. وفي هذا المضمار يستشهد الكتاب بقصة مصادرة بيوت الكرد وعائلتي حنون وغاوي في الشيخ جراح كقضية حديثة تدللّ على التشريد.
الفصل الخامس يتحدث عن حدود بلدية القدس ومفهوم القدس العاصمة، عبر الحلقة الثالثة، المتمثلة بجدار الضم والتوسع  وفصله القدس عن محيطها الفلسطيني، عدا عن غرس الحواجز العسكرية على مداخل المدن والقرى، منوهاً إلى دور الجدار في تعزيز قانون أملاك الغائبين بابتلاعه أراضي سكان الضفة الغربية من مناطق الولجة، بيت ساحور وبيت جالا، حيث صودرت لعدم قدرة أصحابها الوصول إليها.
ومن الاستيطان حول القدس يذكر الكتاب أيضاً، مستوطنة هار حوما على جبل أبو غنيم  التي وضع حجر أساسها عام 1997، ومع أنها اُعتبرت منطقة خضراء سابقاً، أصبحت مستوطنة يقطنها 15 ألف مستوطن حتى عام 2008 والعدد في تزايد، وكذلك يعدّ إنشاء القطار الخفيف شكلاً من الاستيطان الذي يربط مستوطنات الضفة مع القدس، ومن الجوانب الحاسمة في البنية التحتية جاء شق طريق الطوق الشرقي حول القدس الشرقية، كممر سريع يتبع مسار الجدار الفاصل، حيث يربط المستوطنات الإسرائيلية (المقامة داخل وحول القدس المحتلة) بالقدس الغربية، مسبباً الفصل الفعلي للأحياء الفلسطينية داخل القدس المحتلة عن بعضها البعض، مصادراً 1200 دونم من أراضي الفلسطينيين.
الحلقة الرابعة تشمل المستوطنات التي تسعى إسرائيل لتكثيفها بوحدات سكنية جديدة كسياسة هروب من المساءلة، والتي تتبعها لتجنب قرارات وضغوطات دولية تمنع إنشاء مستوطنات على أراضٍ جديدة، وهي:  جفعات زئيف، معالي ادوميم، افرات و تل صهيون، ومستعمرات أخرى متفرقة.  كما يضرب الكتاب مثالين على مصادرة الأراضي لذرائع عسكرية كحال جبل جيلو المصادر عام 1972 لصالح بناء المستوطنة، وقرية أرطاس التي خسرت جزءا كبيرا من أراضيها لبناء مستوطنة افرات عدا عن اختراق الجدار الفاصل لها.


الفصل السادس وفيه حديث عن منطقة E1  أو منطقة شرق واحد، التي تشكل الحلقة الاستيطانية الأخيرة للأرض المحيطة بالقدس شرقاً والفاصلة بين معالي ادوميم ومفاسيريت ادوميم، والتي ان نفذت ستحكم السيطرة الإسرائيلية على القدس من جميع الجهات.
كما يشير الفصل إلى بدو الجهالين، وهم الفئة المعرّضة للتشريد، فبعد أن كانت سلطات الاحتلال قد هجّرتهم من النقب عام 1967،  انتقلوا إلى التلال الواقعة في القدس والبحر الميت، وهم مهددون اليوم بالانتقال إلى بلدة عناتا داخل الجيب الذي صنعه الجدار.
دليل سريع لواقع مؤلم
ولا يكتفي الكتاب بهذا السرد المعلوماتي المفصلّ، بل يختم بملحق الجداول المتخصصة بالاستيطان في القدس وحولها وأنماطه وتطوراته منذ عام 1968، مشيراً أيضا إلى الأملاك المهددة بالسلب في القدس، عدا عن آثار بناء الجدار على التواصل الجغرافي مع المدن والقرى الفلسطينية، ما يوفر للقارئ دليلاً سريعاً ودراماتيكيا للاستيطان بأماكنه وأشكاله ومساحته وسنة المصادرة وعدد مستوطنيه.
بعد الاستعراض السريع لمضامين فصول الكتاب، نستخلص مجموعة لا يستهان بها من الحقائق ذات القيمة التوثيقية لواقع القدس السياسي وتباعاً تأثيراته على الصعد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى البيئية ولو أنها استخلصت بطريقة غير مباشرة، من خلال الحديث عن مصادرة الأراضي وقلع الأشجار واستغلال المناطق الخضراء للمستوطنات. وعلى الرغم من بعض التكرار والاستفاضة في طرح الحقائق، إلا أنّ الكتاب تعمد وضع القدس تحت المجهر لإضاءة ناقوس الخطر حول ضرورة التحرك الدولي لوقف أسرلة المدينة التي يتعرض تاريخها وهويتها للتهديد وبقاء مواطنيها الفلسطينيين للتشريد.

مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
     

التعليقات

   
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
   
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية