منبر البيئة والتنمية
طبيب للطاقة" الآن في لبنان
مشاريع لحفظ الطاقة وترشيدها تسابق مشاريع إنتاج تقليدية
حبيب معلوف / لبنان
يتسارع الاهتمام بموضوع الطاقة في لبنان استباقا لصيف حار وتوقعاً في زيادة الطلب على الكهرباء. وبالرغم من اضطرار وزارة الطاقة اللجوء إلى حلول تصنف في خانة الطوارئ، كمثل الاستعانة ببواخر في البحر، كما اعترف الوزير باسيل لـ«السفير»، في حواره الأخير نهاية الأسبوع الماضي، إلا أنها تبدو لأول مرة مقتنعة بشدة بفكرة ترشيد الاستهلاك وإدارة وضبط الطلب واعتماد مبدأ الكفاءة في الاستهلاك وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة. ويعتبر اقتراح الوزارة وقف دعم المازوت وتحويل المبلغ الباقي لدعم هذا التوجه، خطوة في الاتجاه الصحيح، بالإضافة إلى السعي لتشريع عمل «المركز اللبناني لحفظ الطاقة » والإسراع في مناقشة مشروع قانون حفظ الطاقة تمهيدا لعرضه في أسرع وقت على مجلس الوزراء كما كشفت مصادر متابعة لـ«السفير». بالإضافة إلى مشروع «طبيب الطاقة» الذي يقوم على وضع استشاري مجاني بخدمة الناس لمساعدتهم في اقتراح الحلول الموفرة للطاقة في منازلهم.
إلا أن ذلك يترافق مع إجراءات يمكن تصنيفها في باب ما قبل وضع الإستراتيجية، ومنها الإسراع في طرح قانون التنقيب عن النفط مع ما يحمله هذا الخيار من مخاطر على البيئة البحرية والبرية معا وإمكانية استغلال الشركات وتعريض البلد لمخاطر حصول نزاعات وإحداث تغييرات خطيرة في بنية الاقتصاد اللبناني كما حصل في الكثير من البلدان النامية، ولا سيما تلك التي تتمتع بنظم حكم غير مستقرة مثل لبنان.
كما لا تزال فكرة اللامركزية في إنتاج الطاقة في لبنان عند العديد من المهتمين بهذا القطاع، غير واقعية، وقد تبين أن "معتقدات" المسؤولين والتقنيين، متأثرة ببعض الدراسات التي كلفت بها شركات استشارية مرتبطة بمصالح لشركات تنتج معامل لإنتاج الطاقة على الوقود الأحفوري (فيول أويل أو مازوت أو غاز) وهي تروج لعدم جدوى المحطات الصغيرة لإنتاج الطاقة من الرياح أو الشمس أو من مساقط المياه الطبيعية؛ مما يتطلب إدماج قضية تشجيع أبحاث وتصنيع واستيراد الأدوات المنتجة للطاقة النظيفة من الهواء والشمس، وتسهيل وتشجيع تخزينها وربطها بالشبكات وجرها وبيعها، لفتح المجال القانوني أمام الاستثمارات في هذه الإمكانيات النظيفة وغير الناضبة كالنفط.
ترشيد استهلاك الطاقة بقرار حكومي
هذه الملاحظات، لا تحجب مقدار التقدم اللافت في وزارة الطاقة وتبني الوزير الجديد للاتجاهات البيئية لإدارة الطلب ومشاريع حفظ الطاقة، تحت قاعدة التنويع في المصادر، تمهيدا لتشجيع الاتجاهات الأقل تلويثا والأكثر استدامة، وتبني مشاريع جديدة مشجعة وإن كانت صغيرة بالنسبة إلى المطلوب. فما هي هذه المشاريع؟
بدل دعم المازوت بناءً على قرار مجلس الوزراء الرقم 15 في جلسته المنعقدة في 3/3/2010 والتي وافق فيها على اقتراح رفع الدعم على المازوت وتوفير ما يقارب 9 ملايين دولار أميركي وتحويل المبلغ إلى وزارة الطاقة ليُستخدم وفق خطة يقدمها وزير الطاقة، لتوفير استخدام الطاقة وترشيدها التي وافق عليها مجلس الوزراء في 10/3/2010 التي اختارت ثلاثة محاور رئيسية لإطلاق مشروع ترشيد استهلاك الطاقة واستخدام المبلغ المذكور. وقد تم تخصيص مبلغ 7 ملايين دولار لشراء 3 ملايين لمبة موفرة وتوزيعها على مليون بيت (أي مليون مشترك في مؤسسة كهرباء لبنان)، والتي يمكن أن توفر 28 دولارا أميركيا سنويا على كل مشترك أي ما يعادل 14 صفيحة مازوت وذلك لمدة 4 سنوات (العمر التقديري للّمبة الموفرة). كما أن تركيب 3 ملايين لمبة يؤدي إلى خفض الطلب على إنتاج الطاقة بمعدل 163 ميغاوات، وهو يكلف الآن 163 مليون دولار.
المحور الثاني للخطة هو تخصيص 1،5 مليون دولار لدعم أسعار السخانات الشمسية في لبنان من ضمن آلية تُبحث مع مصرف لبنان والمصارف الأخرى، والاستفادة من قروض لشراء سخانات بفائدة مدعومة بفائدة صفر وتقسيط السعر (ألف دولار تقريبا) لمدة خمس سنوات ودعم مالي من الوزارة بمبلغ 200 دولار أميركي. يسمح المبلغ الكلي بشراء 22500 سخان وتؤمن هذه العملية وفرا ماليا سنويا على المشتركين بمقدار 7 ملايين دولار أميركي، و13 مليونا على مؤسسة كهرباء لبنان.
أما المحور الثالث للخطة فهو في تخصيص مبلغ نصف مليون دولار لتركيب أجهزة تحكم جديدة وتأمين الصيانة الدورية لكل أجهزة التحكم بالإنارة العامة بما فيها اللواقط . مصادر متابعة انتقدت قضية شراء اللمبات وتوزيعها على المشتركين في مؤسسة الكهرباء، وفضلت أن يتم صرف المبلغ على دعم شراء هذه اللمبات، مع دعم إجراءات تشجيع تصنيعها في لبنان (أسوة بتشجيع تصنيع السخانات الشمسية)، مذكرة بضرورة إقرار مواصفات إلزامية لهذه اللمبات الموفّرة ولغيرها من الأدوات الموفّرة كالسخانات الشمسية وتشجيع تصنيعها في لبنان (أو جمعها ) عبر إعفاء المواد الأولية التي تصنع منها من الرسوم الجمركية.
"طبيب كفاءة الطاقة المنزليّة"
من جهة أخرى، تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركة مدكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان من خلال المركز اللبناني لحفظ الطاقة، بدعم من وزارة الطاقة والمياه لتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛
وتتضمن المذكرة العمل على تنسيق الجهود لإطلاق برنامج: «طبيب كفاءة الطاقة المنزليّة» أي كيف يمكن أن تجعل منزلك أكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة وكيف يمكنك توفير المال.
سيساعد هذا البرنامج، حسب مصادر في المركز اللبناني لترشيد الطاقة، أصحاب المنازل على إيجاد وسائل سهلة وعمليّة من أجل خفض فواتيرهم الشهرية من خلال زيادة كفاءة الطاقة وترشيد استعمال المياه وتشجيع التوجه نحو الطاقة المتجدّدة. ويركّز التحليل أو الفحص المجاني حسب الطلب على الأدوات المنزليّة المائيّة والكهربائية . وسيظهر طبيب المنزل للمستهلكين كم من السهل إجراء التحسينات والصيانة وعمليات التحديث وبخاصّة تصليح أماكن تسرّب المياه، استبدال رؤوس المرشّات، استعمال مصابيح التوفير (المصابيح الفلورية المدمجة) CFLs واستبدال الأدوات الكهربائيّة القديمة غير ذات الكفاية من حيث استهلاك الطاقة، الأمر الذي يؤدي حتما إلى الخفض في قيمة فواتير الكهرباء والمحروقات والمياه.
طبيب الطاقة وخفض فاتورتي الماء والكهرباء
إن معرفتنا بمحتويات المنازل لا تعني إدراك كل التفاصيل الخاصة بالأبنية التي نقطنها وكيفيّة تصميمها ودوريةّ صيانتها. علما أن لها تأثيرا كبيرا على الراحة المنزلية وكلفتها؟
وهنا يأتي دور طبيب كفاءة الطــاقة المـنزليّة. في الواقع، المبنى الذي لا تتمّ صيـانته دوريا يتسبّب بهدر المال. وبالتالي، يأتي الـدور الهام لهذا الطبيب الذي يحدد مواقع الخــلل التي تجعل المنزل يستهلك ويهدر المزيد من المحروقات والكهرباء المتعلقة بالحاجة إلى التــدفئة والتبريد والإنارة، ثمّ يبحث عن طريقة فعالة لاستبدال الأدوات الكهربائية التقليديّة بتكنولوجيّات جديدة أكثر كفاءة من حيث الطاقة. وسيقترح الطبيب حلولاً فعالة لأسباب الهدر في الطاقة . وبمعنى أوضح، سيحدّد "طبيب كفاءة الطاقة المنزليّة" مكامن الهدر، وسيقدم الحلول التي تساعد على ترشيد استهلاك الطاقة واستعمال المياه في المنزل. وبالتالي يساعد الطبيب على خفض فاتورتي الكهرباء والمياه الخاصّة بالمنزل.
زيارة طبيب الطاقة للمنزل
يتم الاتصال بالشركة عبر الهاتف أو يتوجّه المعنيون إليها مباشرة لتحديد موعد يناسب جداول أعمالهم. وتحت إشراف المركز اللبناني لحفظ الطاقة مباشرة، يقوم طبيب كفاءة الطاقة المنزليّة بإجراء مسح لمنزل طالب الخدمة، ويسأل عن الأنماط التقليدية السائدة في استعمال المياه واستهلاك الكهرباء. ويشمل المسح أو الفحص المنزلي التدقيق في الأمور التالية :
- تحليل كفاءة الأجهزة والأدوات الكهربائية (الغسّالة والجلاية والبرّاد والمكيّف...الخ)
- التدقيق في الغلاف الخارجي للمنزل (النوافذ والأبواب وحشوة النوافذ والأبواب والعزل الحراري... الخ)
- الكشف على أماكن تسرّب المياه في جميع تمديدات السباكة والأعمال الصحيّة.
- تحليل كيفيّة استعمال المياه داخل المنزل وخارجه.
- تقديم النصائح والحلول حول كيفيّة إعادة تدوير المصابيح الفلورية المدمجة.
ويتمّ استكمال التقييم فوراً. ثمّ يقوم طبيب كفاءة الطاقة المنزليّة بمراجعة مشاكل المساحات مع أصحاب المنازل واقتراح التحسينات اللازمة وكيفية تطبيقها. وتستغرق الزيارة النموذجيّة مع المراجعة والتقييم حوالي ساعة من الوقت فقط.
وبعد حوالي أسبوعين من الزيارة، يحضّر المركز اللبناني لحفظ الطاقة والشركة المعنية تقريراً شاملاً عن حالة المنزل الذي خضع للمسح، ويتضمّن توصيات محدّدة حول إجراءات توفير الطاقة والمياه، التي يجب أخذها بالاعتبار بالنسبة للمنزل موضوع التقرير. ثمّ يتمّ إرسال التقرير إلى صاحب المنزل ممّا يسمح له بتطبيق التوصيات المنصوص عليها في التقرير.
منافع التدقيق في الطاقة
تمّ تصميم التدقيق في الطاقة المنزلية لتحديد المشاكل ولاقتراح الحلول المناسبة لها. وبالتالي، فإن للتدقيق في الطاقة منافع كثيرة. فهو يجعل المنزل أكثر راحةً في فصلي الشتاء والصيف، ويساهم في تحسين نوعيّة الهواء فيه، وفضلاً عن ذلك، يساعد على توفير المال إضافةً إلى التوفير في تكاليف التدفئة والتبريد التي يتكبدها أهل المنزل، كما يساعد على تحقيق توفير كبير في فواتير الكهرباء. وفي النهاية، سيكون للمنزل الأكثر كفاءة في الطاقة قيمة أكبر في السوق.
وعلى نطاق أوسع، يؤدي ترشيد استهلاك الطاقة إلى خفض نسبة التلوّث وانبعاثات غازات الدفيئة. كما يؤدّي إلى خفض الأثر السيئ الذي قد يسببه المنزل على البيئة.
درس البيئة.. حريقٌ في الجسد
عيد بحيص
أن يمزقَ تلميذٌ ورقةَ امتحان استعادها للتوِّ مُصححةً؛ يعني أنه يمزقُ صورةً جماعية لكلٍ تدفق دمهم واشتعل حتى استحال إلى طاقة حركية وذهنية من أول حاطب الأشجار وصاقل الورق وناثر الحبر إلى الذي صاغ الأسئلة وقرنها بالأجوبة. فهل خطر ببال تلميذ طائش لم تسعده النتيجة كمال الصورة التي أرشدها إلى سلة المهملات؟!
ما يصنعه تلميذ طائشٌ لا يتعدى بعض ما ينظّمه الراشدونَ في بلادنا من حفلاتٍ للإتلاف وطقوس لحرقِ ما تفيضُ به صدور الأدراج والمكاتب والدوائر والمستودعات من عديد الوثائق والملفات والنشرات والكتب المدرسية التي يُستعاض عنها بطبعات معدلة ومنقحة تعوزها المراجعة. كأننا نحقق ”لخير جليس في الزمان“ مثل السالفين:”الصديق وقت الضيق“!!!!
إتلاف:
طافحٌ هذا المعنى ومقززٌ. سينفرُ من ذاكرتي بعد ثلاث سنين مشهد حرق عشرات الكتب المدرسية الهاجعة في رزم مغلفة قبالة أحد المستودعات في حفلة هندوسية تُقرّب فيها الكائنات الورقة لألسنة النار حاشا ورقة واحدة مُكربنة هي محضرٌ مكتوب تجيّرهُ تواقيعُ هيئة (الهولوكوست). سأقول محرقة هندوسية لأن المُشاهد يصغي لولولات وأصوات وتأتآت وأنين وصخب ... ويشم رائحة الأجساد المكوية باللهب فضلاً عن نحيب الأنامل التي خَطّت، والأقلام التي صُلبت طويلاً بين السبابة والإبهام! وأقول هولوكوست هندوسي لأن محرقة جماعية يتم ارتكابها دون التفريق بين الفتى والشيخ والصبي والكهل، على اعتبار الكتاب ذاكرة شبكية تتلاطم فيها النصوص وتزدحم بين دفّاتها المعاني الباهظة والصور الفارقة والألوان الدلالات الهائلة العالية الرفيعة التي تحمل القارىء على غير مقال، وتعيرهُ المفردة والصورة والمجاز ثم توردهُ الموارد المتخفية في سحنة النص من أيقونات ماثلة، واقتباسات مديدة العمر، غائرة في الدهر، حية القلب وفائقة التدليل على المقصود وراء اللفظ. والكتابُ وشايةٌ بكتبٍ أخرى ومنجزات اجترح مبدعوها الأفكار ونحتوا من جدران عقولهم العالية حتى أقطفوا المتلقي ثمرة الجهد وأعطوا له راية المعنى الجديدة.
درس البيئة:
سينفكُ سحرُ الحديثِ عن البيئةِ ومحاسنها وفضائل إعادة استخدام الأشياء وتدويرها كما ستجمعُ المباحث المدرسية ومنها الأجنبية على طرح الفكرة في نسق ثقافي واجتماعي تربوي واقتصادي. هذا السحر والحلم الجميل ينتهي عندما تزكم أنوفنا رائحة الحريق فبل أن يعلق الرماد بقمصاننا (المكوية بالنار أيضاً)عند باب المدرسة أو المديرية أو الشعبة أو عند باب الدولة إن شئت. وإذا كان ملقنو البيئة قد نجحوا نظرياً وقد نجح التلاميذ في الإجابة على سؤال البيئة في الاختبار العام، فلن ينجحوا في منع المحرقة التي قد تطال نشرات الخبراء وكراسات ورشات العمل وامتحانات التلميذ المتفوق في نهاية المطاف؛ فلنلغ درس البيئة الذي لم يتجاوز في تأثيره مواضع السِجالالت الساخنة والدروس العابرة عبور الدخان الذي (يُسخّم) ظاهر الأرض وسقفها العلوي.
تدوير:
ثمة طرق أخرى ذات مردود اقتصادي وبيئي وحضاري وقيمي وثقافي وتربوي يكمن في آلات قضم الورق إن كان هناك ما يُخشى على إفشاء وثائقنا النفيسة! وتدوير الورق يعطي للكتاب حياة جديدة يُسلّم فيها خلاياه وصفاته الوراثية لجيل واستخدامات جديدة. لعل الهندوس الذين يحرقون أجسادهم ويعيدونها إلى البحر باعتبار الماء أصل الحياة لا يحرقون أوراقهم، أي لا يحرقون أجسادهم المعنوية.
التعليقات
|