في ندوة ميدانية نظمها مركز معا على الشاطئ
بحر غزة... وصراع الصيادين من أجل البقاء
صيادون: المضايقات الإسرائيلية والمصرية تتواصل، والتلوث يغزو الشواطئ والمعاناة لا نهاية لها!!
تابعتها: سمر شاهين / غزة
أكد عدد من الصيادين في منطقة المواصى جنوب قطاع غزة، على ضرورة وضع حد لممارسات الاحتلال الإسرائيلي، الرامية إلى القضاء على مهنة الصيد والتنكيل بالصياد الفلسطيني ودفعه للعزوف عن البحر. وشددوا على أن كلا من السلطات الإسرائيلية وكذلك المصرية، يتفننون في أشكال العقاب التي تمارس بحق الصيادين، مؤكدين على أنهم باتوا يتعرضون للموت ليل نهار، وأن ذلك جراء عدم تطبيق القرارات الدولية التي تنص على حرية الصيد بمساحة كبيرة.
أكد الصيادون خلال ندوة ميدانية نظمتها "مجلة آفاق البيئة والتنمية" في القرية السويدية بمواصي رفح جنوب القطاع، أنهم لن يتخلوا عن مهنة الصيد، وأنهم سيواصلون العمل في البحر مهما كلفهم ذلك من ثمن. منوهين إلى أن معظم الصيادين قد وطئت أقدامهم ميناء أسدود في الداخل المحتل وذلك خلال اعتقالهم من البحر أثناء عملهم، رغم أنهم لم يتجاوزا الميلين في البحر، على الرغم من أن اتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تنص على أن المساحة الممنوحة للصياد الفلسطيني هي 20 ميلاً، ثم تقلصت بعد سنوات لتصل إلى 12 ميلاً واليوم باتت لا تتجاوز ثلاثة أميال.
وقد عقدت الندوة الميدانية بمشاركة العديد من الصيادين وذويهم وذلك تحت عنوان: "صيادو قطاع غزة والانتهاكات الإسرائيلية بحق البيئة البحرية".
وفي مستهل الجلسة الحوارية التي أدارتها الصحفية سمر شاهين، قدمت بدورها صورة عن مجلة آفاق للبيئة والتنمية وأهدافها التنموية، وطبيعة القضايا التي تعمل على طرحها ومناقشتها مع أصحاب الاختصاص.
تجربة مؤلمة
من جانبه تحدث الصياد كامل أبو عودة "أبو علاء" 50 عاماً، عن تجربته المؤلمة التي مازالت تتواصل حتى اللحظة مع البحر وسلطات الاحتلال الإسرائيلي وكذلك البحرية المصرية، مشيرا إلى أن الصياد الفلسطيني بات يعيش في دائرة مغلقة يحيطها الخطر ليل نهار، وأنه يحمل كفنه على يديه – في إشارة إلى الموت- كلما توجهوا إلى الصيد.
ويستذكر كيف تم أسره من داخل البحر أثناء عمله واقتياده إلى ميناء أسدود في الداخل المحتل، موضحا أنه كان يصطاد هو وابنه خليل حينما باغتهما الطرّاد الإسرائيلي ولحق بهما داخل الماء، وطلب منهما الإبحار إلى جهة الغرب وحينما ابتعدا أميالاً، طلب منهما التوقف وخلع كامل ملابسهما، ولما أصرا على إبقاء الملابس الداخلية، رفضت البحرية الإسرائيلية، حيث طلبت منهما ارتداء ملابس جيش، ثم ألقوا عليهما القبض وقيدوا أيديهما وأرجلهما وعصبوا عيونهما ثم وضعوهما بالطرّاد واقتادوهما إلى ميناء أسدود، لتبدأ رحلة التحقيق والعذاب التي استمرت ساعات وساعات .
ويقول أبو عودة الذي يعيل أسرته المكونة من ستة أفراد: "خلال تواجدنا بالطراد أخذوا يطلقون علينا الأعيرة النارية التي كانت تمر من فوق رؤوسنا، حيث تمت معاملتنا كالمجرمين، مع قذف السباب والشتائم علينا، ومع أني أتحدث العبرية بطلاقة، وأدرك معنى كل كلمة، إلا أنني أجبتهم بالنفي حين سألوني: هل تفهم العبرية؟"
تحقيق يتواصل
ويلفت أبو عودة إلى أنه وخلال تواجده في ميناء أسدود طرحوا عليه جملة من الأسئلة وقد تركزت في معظمها عن دخوله البحر والسبب من وراء ذلك، إضافةً إلى الأسئلة عن حركة حماس والحكومة بغزة، لافتا النظر إلى أنه جرى التحقيق مع ابنه في مكان ثان في الميناء، وللتأكد، سألوه ذات الأسئلة التي سُئلت لنجله، وحين توحدت الإجابة فلم يكن هناك ما يدعو للشك، أعادوهما من حيث اقتادوهما، مهددين في حال عودتهما إلى المنطقة بأشد العقاب.
ويصف أبو عودة وضع الصيادين بـ"التعبان" ويقول: "نعاني مضايقات متعددة من الاحتلال الإسرائيلي من جهة حيث الحصار المشدد والمتفاقم يوماً بعد يوماً، إضافة إلى تضيق المساحة البحرية المسموح بها للصيد، إضافة إلى مضايقات الأشقاء المصرين من جانب آخر، التي تصل في مرات متعددة إلى الاستيلاء على شباك الصيد الذي يعد رأس مالنا الوحيد أو مطاردتنا من خلال الطراد، لافتاً النظر إلى حادثة قتل الصياد الفلسطيني الأربعيني محمد البردويل بالطراد المصري.
وعن الوقع البيئي للقرية السويدية قال:" البحر كله ملوث حيث يتم التخلص من مياه الصرف الصحي لتختلط بمياه البحر، ناهيك عن الرائحة التي تكاد أن تخنقنا والبعوض المنتشر بكثافة، لافتا النظر إلى البدء في مشروع من أجل معالجة المياه ومن ثم تصريفها في مياه البحر، الأمر الذي من شأنه الحفاظ على مياه البحر.
ويشير إلى أن صيادي منطقة رفح لاسيما فئة صغار الصيادين يتعرضون لانتهاكات جسيمة وبخاصة من أصحاب حسكات المواتير الكبيرة، التي لا تراعي أحداً في طريقها، مما كبده خسائراً فادحة جراء تمزيق الشباك حيث بلغت خسائره نحو 10 آلاف شيقل أي ما يعادل 3 آلاف دولار .
يتابع أبو علاء الذي ملأ الشيب رأسه: "لا يمكننا الدخول إلى عمق ثلاثة أميال، حيث إن الطراد الإسرائيلي يقف لنا بالمرصاد، لذلك يكون الصيد شحيحاً في المساحة المسموح بها، أما بالنسبة للصيد في المياه المصرية فندخل أحيانا حتى مسافة عشرة أميال، ومعظم صيادي القطاع يدخلون المياه المصرية الملاصقة لنا، ولكن حاليا ونتيجةً لتشديد الإجراءات أصبحنا نعاني بسبب رؤية البحر الواسع أمامنا، وعدم قدرتنا على الصيد.
الساحل يغزوه التلوث
بدوره تحدث الصياد الستيني إبراهيم أبو عودة عن حجم التلوث الذي تعانيه المنطقة قائلا :" نعانى من تلوث في كل الساحل وذلك جراء صب مياه الصرف الصحي "المجارى" في البحر، وقد جاءت العديد من المؤسسات الدولية إلى هنا وأخذت عينات من المياه والتربة وكذلك عملت فحوصات للأطفال"، ونوّه إلى تسبب الماء الملوث بمرض فقر دم الأطفال ومساهمته في انتشار الديدان الشعرية و الإسكارس نتيجة التلوث الواضح على الشاطئ الذي يكون الأطفال فريسة سهلة له".
ويضيف الصياد أبو عودة الذي أخذ يغنى للبحر خلال الندوة، أن هذا العام يشهد موسم استجمام كبير، محذرا المواطنين من المناطق التي يغزوها التلوث، ولاسيما لأن الجميع يصبحون عرضة للإصابة بالأمراض.
موقف صادم
الصياد محمد عبد السلام حسونة (أبو محمود) 45 عاما، يعيل أسرته المكونة من 5 أفراد، تحدث خلال الندوة حول الواقع الصعب الذي يعيشه الصياد الفلسطيني لاسيما اعتقاله من وسط الماء ويقول:" تعرضت لإهانات قوية وصادمة حينما اعتقلتني البحرية الإسرائيلية من البحر وأنا لم أتجاوز الميل الواحد ".
وعن تجربته في ميناء أسدود تحدث أبو محمود قائلا:" يوم لا أنساه من عمري، فقد اعتقلوني برفقة ابن عمى ومن ثم أمرونا بأن نخلع ملابسنا ودفعونا للسباحة في مساحة بحرية تبعد سبعة أميال عن الشاطئ، ومن ثم قاموا بتقييد أيدينا وألبسونا ملابس جنودهم، وعصبوا عيوننا ومن ثم أخذونا إلى ميناء أسدود، كما أنهم وبواسطة الطراد سحبوا الحسكة -التي تمثل رأس مالي الوحيد- إلى ميناء أسدود، كما تعرّضنا للضرب المؤلم والتوبيخ القاسي والتحقيق المذل".
ويلفت النظر إلى أنهما عادا عن طريق معبر بيت حانون (ايرز) شمال قطاع غزة، وقد كانا شبه عراة إلا من ملابسهما الداخلية، ليستقلا سيارة عائدين إلى رفح جنوب القطاع، وينوه أبو محمود إلى أنه وبعد أربعة أيام أعادوا إليه الحسكة، بعد أن دمروها.
نحتاج لمن يعزز صمودنا
بدوره تحدث الصياد فرحات عاشور أبو مشير 55 عاما، يعيل أسرته المكونة من 12 فرداً عن الوضع الاقتصادي للصياد الفلسطيني قائلا:" إن الصيادين يعتبرون من الطبقة المعوزة التي تحتاج إلى الدعم وتعزيز صمودها، وبخاصة لأنها تتعرض لممارسات الاحتلال ليل نهار ".
وينوه إلى أن الصياد يعاني من خسائر متواصلة، إن لم تكن بقلّة موسم الصيد، فإنها تكمن في الانتهاكات الممارسة بحقه من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس أبشع الأساليب بحق الصيادين .
وأجمع الصيادون في ختام الندوة أن المطلوب في الوقت الراهن معالجة التلوث الحاصل على الشاطئ حفاظاً على حياة المواطنين من جانب، والثروة السمكية من جانب آخر، مطالبين المؤسسات الحكومية والأهلية ذات العلاقة، بالعمل على تقديم الدعم للصيادين، وإبعادهم عن شبح العوز.
|