"آفاق البيئية والتنمية" تفتح ملف آبار المياه العشوائية، وتوصي بإعادة نشرها وفق أسس علمية تراعي خصوصية القطاع الزراعي والحق الفلسطيني في المياه

تغطية خاصة:
عادت ندوة "آفاق البيئة والتنمية" لتحط في جنين بعد غياب، وفتحت هذه المرة ملف آبار المياه العشوائية المنتشرة في محافظة جنين، وتناولت أسباب الظاهرة الشائكة وعواقبها، وسعت إلى اقتراح حلول خضراء لوقفها.
وأوصى المختصون والناشطون في مجال المياه، الذين شاركوا في أعمال الندوة ونقاشاتها بوضع حلول تستند لأسس علمية، وترتكز على الحق الفلسطيني المقدس والمشروع بالثروة المائية خلال التعاطي مع الآبار العشوائية المنتشرة في محافظة جنين. واقترح ممثلون عن سلطة المياه الفلسطينية، ووزارة الزراعة، وجمعية الإغاثة الزراعية، ومجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، ومحافظة جنين، وبلديتي قباطية وبرقين، ومجلس محلي كفرذان، واتحاد لجان العمل الزراعي، وجمعيتي مزارعي جنين وكفردان، بإعادة ترتيب أوضاع الآبار العشوائية، وإيجاد بدائل عملية لها، نظراً لدورها الحيوي، ولكونها تقوم بسد الفجوة الناجمة عن عدم فعالية الآبار المرخصة والمتوقفة بمعظمها عن العمل، وباعتبارها مصدراً مهماً في استيعاب الأيدي العاملة التي امتصها قطاع الزراعات المروية، بعد إقفال سوق العمل داخل الخط الأخضر، ولأنها تزود حالياً التجمعات الفلسطينية بمياه الشرب .

نقاشات خضراء
وأكد المشاركون في الندوة التي حملت عنوان" آبار المياه العشوائية في محافظة جنين...الأسباب، والعواقب والحلول البيئية"، أن مسألة الآبار بحاجة إلى مناقشة مفيدة ومهنية ومؤثرة، باتجاه التأسيس لسياسات وممارسات واستراتيجيات تنموية مستدامة وصديقة للبيئة . وحث المجتمعون جهات الاختصاص على وضع آليات تضمن حصول المواطنين الفلسطينيين على حقهم المشروع في مياههم، ولكن بطريقة لا تحدث الضررً بالبيئة وتبقي المياه نظيفة ولا تبددها أو تلوثها، ولا تعمل على تدمير الثروة الوطنية بالغة الحساسية . وأطلقوا الدعوة إلى تشكيل جمعيات تعاونية للري، تراعي الطلب المتزايد على المياه لأغراض الزراعة بشكل مدروس، وتخفف من آثار الظاهرة العشوائية.
وناقشت الندوة، التي عقدت اليوم بمقر مركز "معا" في المدينة، شح مصادر المياه في جنين، والأبعاد الاقتصادية والمعيشية لظاهرة آبار المياه، وتأثير عمليات الضخ من الآبار على الموازنة المائية في المنطقة، بجوار جهل المواطنين بالأثر الصحي والبيئي السلبي لها، إضافة إلى استحالة الحصول على تراخيص للآبار، وحالة الفوضى وغياب القانون، فضا عن الدوافع الحقيقية الكامنة خلف مداهمة الاحتلال الإسرائيلي لبعض الآبار وإغلاقها .
واستهل الصحافي والكاتب عبد الباسط خلف، الذي أدار الندوة بالحديث عن فكرة الندوة التي تنقلت بين رام الله وغزة وجنين، وناقشت العديد من القضايا البيئة الشائكة كأبراج شركات الاتصالات الخلوية والجدل الدائر حول أضرارها البيئة والصحية، إلى جانب الإهمال الفلسطيني لموضوع الزلزال، وقضايا الأمن الغذائي والتغير المناخي والحرب على غزة والنفايات الإسرائيلية الخطرة وغيرها.
ونوه إلى دور المجلة التي لا تكفي ندواتها بنقاش عرضي أو وصفي للقضايا، وإنما تحاول إشعال ضوء أحمر، ووضعها في أولويات جهات الاختصاص، للبحث عن حلول فعالة لها.
وأشار خلف إلى الفجوة الهائلة بين استهلاك المواطن الفلسطيني والمستوطن الإسرائيلي، إذ يحصل الأخير على 800 لتر يومياً، في حين تتراوح حصة الفلسطيني بين 70-90 لتراً.
حق مقدس
وقال رئيس اللجنة المكلفة بمتابعة ملف الآبار في سلطة المياه عماد الصيفي والقائم بأعمال المدير فيها، إن الحق الفلسطيني في المياه مقدس، ولا يمكن التخلي عنه. واستعرض الأسباب التي أدت إلى تنامي هذه الظاهرة في المحافظة الزراعية.
وذكر الصيفي أن سلطة المياه تطلق على هذه الآبار صفة "العشوائية"، وتتعامل معها على هذا الأساس. وتناول أرقام الآبار التي كانت حاصلة على تراخيص في جنين وعددها 67 بئراً، قبل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وبتوالي الأيام أصبحت هذه الآبار لا تسد الحاجة، كما أن التغير المناخي وتراجع معدلات سقوط الأمطار تركا آثارا سلبية على قدرة الآبار الإنتاجية، وجفت في معظمها.
وحلل الصيفي أسباب اتساع الحفر العشوائي في جنين، بسهولة الوصول إلى المياه وطبقاتها، بجوار تدني تكلفة الحفر، ووجود تسهيلات من بعض المؤسسات، نظراً للدور الذي تساهم في الزراعة بتوفير فرص عمل مهمة للمواطنين.
وشدد على أن وثيقة انتهاء الاحتلال وإقامة الدولة قد أكدت على الحق الفلسطيني في المياه. وقال: "سعينا إلى ترتيب عمليات الحفر وضبطها، وشرعنا في عدة إجراءات كجمع الحفارات، ووضع ضوابط على الحفر، غير أن الفترة التي شهدت فلتاناً أمنياً شهدت فلتاناً مائياً، واتسعت ظاهرة الحفر، وتشكلت معادلة صعبة، تمثلت في أن قطاع الزراعة امتص الأيدي العاملة التي فقدت مصدر عملها داخل الخط الأخضر، وصار الأمر يرتبط بقضايا اجتماعية واقتصادية."
سلاح بوجهين
ووصف مدير دائرة الرصد الهيدرولوجي في سلطة المياه المهندس عمر زايد، الآبار بـ "سلاح ذو حدين"، فهو شجع من ناحية على العودة إلى الأرض وقلل من نسب البطالة؛ لكن المزارع صار ينظر إلى مسالة حفر بئر على أنها نصر, وبمرور الوقت بدأنا نشكل لجنة لترتيب أوضاع الآبار، وقبل الاجتياح الإسرائيلي جمعنا الحفارات في مقرات الأجهزة الأمنية، لكن الأخيرة تعرضت إلى القصف، وعاشت السلطة مرحلة ضعف ملحوظة.
ومضى يقول: "يكرر الاحتلال حديثه بإيقاف كافة المشاريع التي نتفاوض عليها، ويربطها بإغلاق الآبار العشوائية، ويشترط الاحتلال أن تمر المشروعات التي نطلبها في المناطق المصنفة (C ) في الضفة الغربية على 13 دائرة فيما تسمى الإدارة المدنية، قبل الموافقة عليها."
وقال المهندس في وزارة الزراعة ناصر عطاري، إن عدد الآبار التي حصلت على ترخيص قبل العام 1967 كانت 62. وأضاف: أدى تفتيت الملكية وأنماط الحيازات الزراعية المنتشرة، إلى إهمال الآبار أو جفافها.
واستعرض مدير فرع الشمال في جمعية التنمية الزراعية د. سامر الأحمد تجربة مؤسسته في مشروعات الحصاد المائي، و محاولات تأسيس جمعية تعاونية لترتيب البيت الزراعي وفق أسس مدروسة وواضحة، آتت أكلها.
وقال: عملنا في مشروعات عديدة للحصاد المائي، ونسعى لحل المشاكل والتعقيدات لإداراتنا في مصادر المياه، ضمن الموارد المتاحة.
زحف خطير
وتحدث مسؤول قسم المياه في بلدية قباطية أحمد عساف، عن خطورة الزحف العمراني الذي سيهدد الأرض الزراعية، متوقعاً أن يكف المزارعون عن العمل بمهنتهم ليس بفعل نقصان المياه، وإنما لتدمير الأرض.
ورأى عساف أن الآبار التي كانت تعمل قبل الاحتلال كرست مفهوم الإقطاع، وكان أصحابها يمارسون إجراءات غير إنسانية مع المزارعين.
وتحدث وجدي بشارات مدير زراعة جنين، بالقول إن موضوع المياه يطرح كشعار، بينما نحتاج فعلاً إلى عمل مهني ومنطقي. وتأسيس جمعيات تعاونية للري مسألة مهمة شرط أن تكون مهنية وموضوعية."
وتابع يقول: هذا الملف شائك، وهناك الكثير من القضايا التي تطرح كحل، وتساءل عن جدوى طرح حلول غير قابلة للتطبيق، فيما يتعامل الاحتلال مع الموضوع بمدلولاته السياسية، أما نحن فينقصنا تحديد الأوليات، ونتعامل مع كل شيء بردة فعل.
عطش
وتطرق وائل ظاهر عضو بلدية برقين، إلى الدور الحيوي الذي تلعبه الزراعة المعتمدة على هذا النوع من الآبار، والتي تستوعب مئات الأسر، مشيراً إلى ما تقوم به من توفير مياه الشرب. وقال: إذا ما انتظرنا الحصول على مياه من آبار رسمية فسنموت عطشاً.
وأضاف: "في بلدنا 13 رخصة لآبار جافة، ويقر المزارع بأن آباره عشوائية، لكنه بحاجة إلى بديل قبل اتخاذ أي خطوة."
وقال ممثل جمعية اتحاد المزارعين على زيدان، إن الآبار العشوائية مهمة جداً، ولولاها لماتت القرى الواقعة شرق جنين عطشاً، خلال العدوان والاجتياح للمدن.
وتابع يقول: "قبل أن نفكر في إقفال الآبار، علينا أن نقترح بدائل عمليه لأصحابها، لأن آلاف الأسر تعيش من الزراعة."
احتلال مائي
وقال منسق مجموعة الهيدرولوجيين في المدينة المهندس صايل وشاحي، إن أصحاب الآبار القانونية كانوا يتحكمون بالمزارعين. وتابع يقول: "لم يمنح الاحتلال المواطن الفلسطيني رخصة، والسلطة غير قادرة عملياً على منح التصاريح لهذا الغرض. وتحدث عن جفاف نبع المالح في الأغوار، وهو أكبر عين ماء معدنية، وهو الأمر الذي قال عمر زايد من سلطة المياه أإه لم يسمع به، رغم أنه مسؤول عن وحدة الرصد الهيدرولوجي، نظراً لأن عدد موظفي دائرته اثنان فقط!
وشدد وشاحي على ضرورة أن يطالب الفلسطينيون بحقهم في المياه، وأن لا ننتظر أن يمنوا علينا بالماء، فنحن لا نستهلك سوى11 مليون متر مكعب، ولو وفرت للمواطنين وللمزارعين بدائل عملية فسيقبلون بها، لكن لا يجوز أن نطالب العطشى بترشيد الاستهلاك، أو القبول بمياه معالجة، فيما مياههم تسرق في وضح النهار."

تحليل
وقال المزارع مصطفى عابد، والعضو في جمعية كفر دان التعاونية، وهي البلدة التي شن الاحتلال هجوماً على آبارها، وأقفل بعضها خلال شباط الفارق: "إن الفلاح سد الفراغ الذي أحدثه غياب السلطة في الوظائف". وتابع يقول: "بدأنا بتشكيل جمعيات تعاونية للري، لكننا نرفض أن نعود إلى زمن الإقطاع."
وشارك في مداولات الندوة جهاد الشولي من اتحاد لجان العمل الزراعي، ولطيفة دراغمة من محافظة جنين، وأمين مرعي من جمعية كفر دان التعاونية، وهشام صلاح ممثل مجلس كفر دان المحلي، ومحمد جرادات من جمعية التنمية الزراعية، والمهندسان حسن أبو الرب وراغب كميل من مركز "معا"، الذين أجمعوا على الدعوة إلى الشروع في تشكيل جمعيات تعاونية للري، تقوم على أسس علمية.
وأكد المشاركون، في الندوة التي جرت في العشرين من آذار، على أن إقدام الاحتلال على إقفال عدة آبار في كفر دان قبل فترة، لم يكن قراراً متعلقاً بالمياه، فقط، وإنما إجراء قصد الاحتلال منه إحراج السلطة، وإظهار عجزها وممارسة الضغط عليها .
ودعوا إلى إدارة أكثر فاعلية في مصادر المياه، والعمل ضمن مشاريع الحصاد المائي، ومعالجة المياه العادمة، بموازاة التأكيد على الحق الفلسطيني المشروع في المياه. إلى جانب دراسة جدوى الزراعات القائمة، وتوجيه الجهود الرسمية والأهلية لتنظيم قطاع المياه وفق أسس الشراكة والتكامل، ومراعاة آلاف الأسر التي تعيش من الزراعة والآبار .
|