مبادرات بيئية
صايل وشاحي: حكاية من ماء طولها 28 سنة

عبد الباسط خلف:
أبصر صايل وشاحي النور في السابع والعشرين من آذار عام 1964 في مخيم الفارعة، على مقربة من عين الماء الشهيرة الملاصقة للمخيم. كان وشاحي في طفولته يتردد باستمرار على النبع، ويراقب إيقاعات تفقده ويجلس بجواره.
يروي: "انتقلت أسرتي إلى قرية مثلث الشهداء، قرب جنين، فدرست الصف الثاني فيها، وواصلت البحث عن عيون الماء المجاورة لبيتنا الجديد. كنت أسير مسافات طويلة، بحثاً عن العيون. كنت أحمل العصا، وأحاول البحث في قلب العيون، وأسير معها لأعرف عنها أكثر، وكنت أفتش عن سبب جفافها وقوة تدفق بعضها، وضعف عيون أخرى."
جيولوجيا
يوالي: انتقلت لضفة نهر الأردن الأخرى عام 1982، ودرست الجيولوجيا في جامعة اليرموك، والتحقت بالماجستير مباشرة، في الجامعة نفسها. وأنهيت رسالتي في العام 1989.
حملت رسالة وشاحي عنوان"هيدرولوجية تكوين الحُمّر المائي(طبقة صخرية) في حوض عمان الزرقاء"، واشتملت تتبع حال المياه الجوفية كماً ونوعا.
يتابع: "عملت معيداً في اليرموك، فمحاضراً غير متفرغ حتى العام 1991، وانتقلت إلى اليمن لسنة، اشتغلت خلالها مع وزارة التربية والتعليم."
عاد وشاحي في عام 1993 إلى الضفة الغربية لنهر الأردن، وشرع في العمل مع مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، والتصق بقضايا المياه الجوفية، وآبارها، ومعدات ضخها، ثم مديراً للدراسات في مكتب الشمال للمجموعة ذاتها.
يفيد: "تخصصت مع (الهيدرولوجيين) في دراسة الأحواض المائية في الضفة الغربية، بالمشاركة مع مؤسسات وهيئات أهلية. وأصدرنا دراسة حول جيولوجية الأراضي الفلسطينية عام 1999، بعده بسنة خصصنا الأغوار بكتاب وافٍ حول آبارها الجوفية، فمدير تحرير لمجلة"المياه والبيئة" التي تصدرها المجموعة."
عمل وشاحي في إطار البحث حول مصادر المياه في الضفة الغربية وغزة، وكان جزءاً من مشروع الإدارة التشاركية لإدارة مصادر المياه في محافظة جنين.
يروي: تتبعنا خلال عملنا المشهد المائي في قباطية وميثلون وجلبون وكفردان وبيت قاد وعرابة. وسعينا إلى تحسين الحال لهذا القطاع.
منذ طفولة وشاحي، وهو يفرح ويتفاءل بحلول الشتاء أكثر من الصيف، ولا يجد راحته إلا في الأيام الماطرة والباردة، التي تعني له ، ولمخزون المياه الجوفي الشيء الكثير.
أحزان وجفاف
قبل أيام، وخلال شباط الفارق، حزن وشاحي مما عرفه، خلال جولة عمل ميدانية من أن عين المالح، في غور الأردن قد جفت. وهو النبع الذي كان يتدفق بقوة تصل إلى 400 كوب في الساعة، بمياه معدنية حارة تصل حرارتها إلى 37 درجة مئوية خلال مواسم الشتاء.
يروي بحسرة: "كنت أحرص على زيارة النبع أنا وأفراد أسرتي، وأعرف تفاصيله، وتاريخه. فقد كان منتجعاً سياحياً في العهد الأردني، وفيه بناء قديم كان يستخدم كفندق وتحول لاحقاً لمكان لتجمع الأغنام؛ أما اليوم فجف النبع، ولم يذكر أحد هذا الموضوع، ولم يمتلك أحد تفسيراً له.
يوالي: رحل السكان الذي كانوا يعتمدون على العين من مراعيهم، وتحولت منذ أكثر من سنة لذكريات، لكنني أفتش عن تفسير لجفافه، ولا أجده. فلا آبار محفورة في المنطقة، كي تقدم تفسيراً لما حدث."
ترتبط شخصية صايل بهموم المياه، فيقول: "نعاني شح المعلومات عن مصادر مياهنا؛ لأن الاحتلال الإسرائيلي هو الذي يتحكم بها. كما أن أي تعامل فلسطيني مع مصادر المياه ممنوع. والفلسطيني محروم أيضاً من حفر آباره أو تنظيفها، ومحظور عليه إعادة تأهيل الينابيع والعيون، وممنوع من التعامل مع مسألة المياه لأهميتها."
عوائق ثقيلة
يعدد التعقيدات التي تقف سداً في وجه المياه الفلسطينية، فيقول: "هناك أولاً الاحتلال المائي لمصادرنا الذي يتسبب بحصول الفرد على 30 لتراً يومياً ( المعدل العالمي وفق وشاحي بلغ 100 لتر، فيما يسرق الإسرائيلي أكثر من 130 لترا يومياً)، كما نفتقر في معظم تجمعاتنا الفلسطينية إلى شبكات المياه والصرف الصحي ومحطات تنقية المياه العادمة؛ إذ يعتمد المواطنون على الحفر الامتصاصية، التي تؤدي إلى تلويث المياه الجوفية، التي هي مصدر مياهنا الوحيد."
يتابع: الجفاف يمثل لنا الشبح المرعب، وضعف الإدارة لمصادر المياه، ونقص التمويل لبناء شبكات سليمة، عدا عن السرقة الذاتية للمياه، بسبب غياب الثقافة وضعف الرقابة وغياب تنفيذ القوانين.
يعكف وشاحي الأب لثلاثة أبناء: فراس وأحمد، وإسراء، منذ سنة 2007 على إعداد دراسة لمرج صانور، بالتعاون مع الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة، وبمشاركة اتحاد لجان العمل الزراعي. وتتمحور الدراسة حول مصادر المياه فيه، ودراسة تنوعه الحيوي وبيئته، ومساندة متخذي القرار فيه.
يبدي وشاحي معارضة شديدة لاستخدام "فلاتر" تنقية المياه، التي تصبغ الأسواق. يقول: تزيل هذه الأجهزة، التي تعمل على مبدأ النضح العكسي الأملاح الضرورية من المياه، ما يؤثر سلباً على الصحة.
ينهي: أتمنى أن يعود إلينا الشتاء مرة أخرى، بعد الانقطاع، والصيف المبكر جداً الذي يطاردنا.
|