هاتان لنا، وهذه سيأخذونها إلى بيتهم ليزينوا بها العيد!
وعلى (النملية) القديمة نفسها كانت عدة باقات، يصافحك عبيرها، وهي الطاولة (النملية)التي اعتدنا أن نضع على رخامها باقات زهر النرجس في البيت الكبير القديم..وكأن الزمان توقف ثلاثين عاما أو يزيد..
كنت خلال أيام الصيف قد وعدت أطفالي بتعريفهم على أماكن زهر النرجس، الذي نسميه رنجس، من خلال عملية تغيير في أماكن الحروف؛ فقلت لهم انظروا إلى هذا المكان جيدا، على هذه الصخور قليلة التراب، ينبت الرنجس، الذي أحبه كثيرا، وأرجو أن تتعرفا عليه حتى تحضروا باقة منه لي هدية حين أكبر ولا أستطيع القدوم هنا إلى هذه الجبال الجميلة.. هامسا لنفسي ما قاله محمود درويش، في قصيدته الإنسانية العميقة، والتي فيها برر الشاعر وجوده على الأرض، أو إن هناك ما على الأرض ما يجعل للحياة قيمة:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة..
وصولا لقوله البديع:
"عشب على حجر"
فكيف لو كان نرجسا بريا ذا رائحة أخّاذة عميقة..
ولعل صديقا جليليا يخبرني عن طقوس قطف النرجس هناك، حيث يخبرني أصدقاء من جبال الضفة الغربية عن موسم النرجس، والفرق بين البري والبيتي والذي يتأخر إزهاره لآخر الشتاء..
ثمة رابطة عميقة وقوية تربطنا بالنباتات والأزهار، كبارا وصغارا بتفاوت حسب المكان والعصر، ويمكننا أن ننشئ الكثير من الكلام والفعل حولها، بدءا بشمها وتناولها كطعام ودواء، ولربما متابعين لأبحاث عنها، في العلم؛ إذ ربما يكون هناك اكتشاف جديد يسهم في شفاء الناس منها..وفي الفن والأدب والتاريخ والجغرافيا..، رسما وتصويرا وكتابة، حيث تشكل موجودات المكان تراثا آخر له، ولساكنيه. وبذا، فإن النرجس والزعتر والميرمية والزعتنامة وغيرها الكثير تصبح جنبا إلى جنب مع الفولكلور الذي تغنى بالأزهار والنباتات والثمار والشجر والتراب..
ليس الإنسان بعدا واحدا فقط، بل أبعاد متعددة لها علاقة ليس بالمكان والزمان بالمجمل، بل في التفاصيل، وحين نقوم بتنشئة الفرد، منذ الطفولة، إنما نحن نورثه الكثير من الصفات، ونورثه أيضا أساليب استخدام الحواس.
ثمة تربية على الحواس، تبدأ من الطفولة التي لا تكون مثقلة بالهموم، ولعل اكتشافنا للطبيعة من حولنا، من خلال الكبار، أهل ومعلمين، منحنا ثروات مهمة، لا تقل أهمية عن أية ثروات علمية أو مادية أو قيم أخلاقية؛ فما هو الوطن إن لم نستبصر مكوناته، من خلال حواسنا كلها؟ وما هو مكاني الخاص إن لم أنتم له من داخل تفاصيل جسدي وروحي!
هي تربية وطنية أيضا، تجعل الوطن شيئا مميزا، نحنّ له ونشتاق، إذا ابتعدنا عنه، نحبه، ونألفه، ونحس به، ولا نرى أنفسنا خارجه إلا لمجرد الزيارة حتى ولو طالت..
هكذا أطمح أن تتم تنشئة الأطفال في فلسطين، من خلال تكامل أدوار البيت والمدرسة ومراكز الثقافة ووسائل الإعلام؛ فليست القضية حب النرجس فقط، بل هنا ما هو أشمل، هنا الأرض والجغرافيا والتراب والصخور والكائنات، من زهور وطيور وأشجار، وحيوانات أليفة وغير أليفة..
إنني أطمح يوما حين أسأل طفلا عن الوطن بأن يحدثني عن مكانه الذي يعيش فيه، عما يرى من بصر في محيط البيت والمدرسة، وعما يسمع، وعما يشمّ، وعما يلمس، وعما يذوق..وعما يشعر ويفكر في كل ذلك؛ فما هو إن علم أو لم يعلم بعد، إلا كائن لا يتحقق وجوده الطبيعي والإنساني والوطني إلا بالوعي عما حوله، والانتماء له، عن حب واختيار..
إنني آمل وأحلم أن أرى الوطن عند الأطفال شيئا ملموسا محسوسا، له ملمس ورائحة ومذاق وشكل ولون، حتى أطمئن عليهم وعلى وطني، حتى يكون الوطن أيضا إنسانا..
لعلنا نؤنسن الوطن..نشخصه!
لعلنا نؤرضن الإنسان..كابن شرعي لها أيضا!
فليس لنا غير هذا المكان..
لعلنا نتذكر ذلك ونحن نربي الأطفال!
Ytahseen2001@yahoo.com
إدارة الآفات في البستنة البيئية

سعد داغر
تعتبر مشكلة الآفات في الزراعة القائمة على الكيماويات من المشاكل الجدية التي تواجه المزارعين؛ ومع أنهم يستخدمون كميات كبيرة وأنواعاً كثيرة من المبيدات الكيماوية، إلا أن مشكلة الآفات لم تحل، بل ازدادت الأمور سوءاً وازدادت الآفات فتكاً بالمحاصيل؛ مما تطلب باستمرار استخدام مبيدات أكثر وأشد خطورة .
ولكن لماذا يستمر الدوران في هذه الحلقة المفرغة؟ فنستمر في استخدام المبيدات الفتاكة في حين تستمر الآفات بإلحاق الضرر بالمحاصيل الزراعية؟؟
تتجه الجهود في العادة نحو مكافحة الآفة عند ظهورها، دون الأخذ في الاعتبار لأسباب هذا الظهور. إلى جانب ذلك، هناك قصور لدى الإنسان في فهم حقيقة أنه في بيئةٍ سليمة تنمو النباتات قويةً، ولا تستطيع الآفات في مثل هذه الظروف أن تهاجم المحاصيل بسهولة، وإذا حدث أن هاجمت فإن الأضرار تكون أقل ما يمكن.
من هنا يجب التفكير على أساس فهم أسباب حدوث المشكلة، وليس العمل للقضاء على الأعراض المتمثلة في ظهور الآفة؛ فنحن نحتاج إلى التحرر من الدائرة المفرغة لمشكلة الآفات، من خلال الوصول إلى حل دائم لها.
إن التعامل مع الآفات يجب أن يرتكز على قاعدة أن النظام الحيوي يتغير كله إذا ما عدّلت عنصراً واحداً فيه، من خلال النظر إلى الأرض كما لو أنها كائن حي واحد، بحكم العلاقات المترابطة التي تجمع أشكال الحياة كلها والأشياء غير الحية ضمن النظام الحيوي .
إن الآفات عنصر من عناصر البيئة كما الهواء والماء والنبات ..... فالحشرات كعنصر (على سبيل المثال)، هي غالباً مستهلكات من الدرجة الأولى، ولذا فهي مهمة بالنسبة للسلسلة الغذائية؛ فإذا انتهت الحشرات فإن المستهلكات من درجة أعلى(التي تشكل الأعداء الحيوية جزءاً مهماً منها) سوف تموت، مما يؤدي إلى الخلل في السلسلة الغذائية.
وفي النظام البيئي المتوازن تبقى أعداد الحشرات ضمن الحد المسيطر عليه طبيعياً، والذي لا يشكل ضرراً اقتصاديا للمحاصيل؛ ولكن عند حدوث خلل بيئي ما، تصبح الحشرات مشكلة وتلحق أضراراً كبيرة بالمحاصيل. هذا يبين أن المشكلة ليست في الحشرات، ولكن في الأسباب التي أدت إلى حدوث عدم التوازن وسمحت لأعداد الحشرات بالتزايد لتصبح آفة. أي أن تحول الحشرة إلى آفة هو المؤشر على حدوث خلل في بيئة المزرعة .
وما ينطبق على الحشرات ينطبق على الأمراض أيضاً. فالجراثيم المسببة لأمراض النبات موجودة، ولكنها تنتشر عندما يحدث خلل في بيئة النبات بأن تنشأ ظروف مناسبة لتكاثر سهل للجراثيم، وعندئذ تصاب النباتات بالأمراض.
لقد بينت التجربة العالمية استحالة القضاء على الآفات (كما كان يعتقد) بالمبيدات الكيماوية؛ فالمبيدات تستطيع خفض أعداد الآفات في المدى القصير، وقتل الأعداء الطبيعية بالتزامن مع الآفات يؤدي لعودة الآفات إلى الانتشار بشكل أكبر مما كان عليه الوضع قبل استخدام المبيدات .
إن الزراعة الكيماوية تقوم على الأسس التالية :
1. استخدام الكيماويات السامة التي تلحق الأذى بكل ما هو حي .
2. التعامل مع المشاكل الآنية ( معالجة الأعراض).
3. عدم الالتفات إلى الأسباب الحقيقية للمشكلة .
4. عدم إدراك أن الحل الناجع يأتي من خلال التوقف عن الإخلال بالتوازن الطبيعي والسير حسب قوانين الطبيعة .
السيطرة الطبيعية على الآفات
الخطوة الأولى للسيطرة على الآفات تبدأ من القناعة بأنه لا توجد هناك مشكلة اسمها آفة في ذاتها؛ لأنه إذا لم يكن هناك خللٌ في التوازن في المنطقة الزراعية، فإن ظهور حشرة لا يعتبر مشكلة، بل هو من أعراض المشكلة. وعند ظهور الأعراض علينا البحث عن الأسباب فنزيلها .
للسيطرة على الآفات هناك نوعان من الإجراءات :
1. إجراءات وقائية لمنع حدوث الإصابة .
2. إجراءات السيطرة على الإصابة .
في بداية التحول نحو الزراعة البيئية تكون إجراءات السيطرة ضرورية، لعدم وجود التوازن، ولكن عند استمرار العمل بالإجراءات الوقائية لا تظل إجراءات السيطرة ضرورية .
* إجراءات منع حدوث الإصابة
في العادة لا تجتذب هذه الإجراءات اهتمام المزارعين، فهي ذات آثار غير مباشرة من ناحية، وبعيدة المدى من ناحية أخرى. ولكن يظل هذا النوع من الإجراءات هو السبيل لحل جذري دائم للسيطرة على الآفات، ومن هذه الإجراءات:
1. الحفاظ على التوازن الحيوي داخل التربة، فذلك يشكل المدخل للحصول على نبات صحي، قادر على تحمل الآفات. إن معظم الأمراض التي تصيب النباتات تعود إلى الخلل في توازن التربة، الناتج عن ضعف وقلة المادة العضوية أولاً، واستخدام الكيماويات الزراعية التي تقتل أحياء التربة ثانياً، والزراعة الأحادية ثالثاً.
للحفاظ على التوازن داخل التربة يجب :
أ. عدم استخدام الكيماويات .
ب. تجنب إضافة الأسمدة الطبيعية الحية (غير المخمرة).
جـ. استخدام الدورة الزراعية .
د. الإضافة المستمرة للأسمدة الطبيعية المختمرة .
2. بناء التوازن الزراعي الحيوي في المزرعة، ويتم ذلك من خلال تنويع الزراعة الذي يلعب الدور الرئيسي في بناء التوازن الحيوي، حيث يجب :
أ. تنويع الزراعة .
ب. استخدام الزراعة المتداخلة .
جـ. عدم استخدام المواد الكيماوية .
د. زراعة نباتات معمرة .
3. اختيار البذور الجيدة .
4. الزراعة في المواعيد المناسبة والحفاظ على مسافات زراعية مناسبة
* إجراءات السيطرة على الآفات
1. استخدام مبيدات طبيعية من مستخلصات النباتات مثل الفلفل، والثوم وغيرهما
2. استخدام الطرق الفيزيائية، مثل: توفير ظروف لجذب العصافير والضفادع للحقل، كأعداء طبيعية، واستخدام الشاش لعزل المحصول عن الحشرات، واستخدام مصائد ملونة، والجمع اليدوي للحشرات الكبيرة وإبادتها ...
إدارة الأعشاب
تعتبر تغطية التربة من الإجراءات الأساسية للحد من نمو الأعشاب. وتتم التغطية من خلال إضافة القش الناتج عن عملية التعشيب أو بقايا المحاصيل السابقة بسمك حوالي 5 سم. كما يمكن الحد من نمو الأعشاب بالتحكم في كثافة الزراعة، واتباع الدورة الزراعية وتقليل الحرث إلى الحد الأدنى والزراعة المتتابعة، أي زراعة المحصول التالي قبل الانتهاء من حصاد المحصول الأول، إضافة إلى التعشيب اليدوي أو الآلي .