April 2010 No (24)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
نيسان 2010 العدد (24)
***أسطورة التزايد السكاني وأبعاده البيئية *** التطبيع الزراعي! *** آداب التدخين *** عن "الاعتلال المناخي" هذه المرة .. *** تقرير لـ "أمان": التعدي على الأراضي الحكومية يتزايد ومحافظتا أريحاورام الله في المقدمة *** واقع المياه في قطاع غزة مع تركيز خاص على تلوثها بالنترات *** الأمم المتحدة تحذر: كلنا سيغرق في النفايات الإلكترونية *** تطبيع إسرائيلي-مصري-أردني في مجال الطاقة المتجددة *** أطفال قرية عاطوف يحتفلون بيوم المياه العالمي على طريقتهم ويحلمون باختفاء العطش والصهاريج من حياتهم *** تقرير علمي شامل حول أزمة المياه والمرافق الصحية في الأغوار الفلسطينية *** إلغاء الإعفاء الممنوح لشركات الخلوي الإسرائيلية الخاص بالهوائيات الصغيرة وإلزامها بتصاريح بناء لجميع أنواع الهوائيات *** شركتا سيلكوم وبيلفون في إسرائيل غير مُؤَمَّنَتَيْن ضد الأضرار الناجمة عن الإشعاعات الخلوية *** ساركوزي يعتبر أن إيران "تخدع المجتمع الدولي" ويصمت على الترسانة النووية العسكرية الإسرائيلية *** إطلاق التقرير الأول للتوقعات البيئية في الوطن العربي *** تدوير المياه الرمادية: توفير أم خطر على الصحة العامة؟ ***الشبابيك الكبيرة في جهة المنزل الجنوبية من أهم مكونات المنزل الأخضر  ***في تربية الأطفال على حب الزهور البرية! ***إدارة الآفات في البستنة البيئية *** نكهة ربيعية فلسطينية شعبية من النباتات البرية *** الطبيب التميمي المقدسي وتلوث الهواء *** زهرة من أرض بلادي-القنديل *** كيف تساهم مشترياتنا في الحفاظ على البيئة؟ *** نشاط لا منهجي للتعرف إلى إنتاج المبيدات الطبيعية *** بأيدي أطفالنا توأد بيئتنا..!! *** مدينة صفد الفلسطينية  *** صايل وشاحي: حكاية من ماء طولها 28 سنة  

:اصدقاء البيئة و التنمية

 

تدوير المياه الرمادية: توفير أم خطر على الصحة العامة؟

الشبابيك الكبيرة في جهة المنزل الجنوبية من أهم مكونات المنزل الأخضر 

في تربية الأطفال على حب الزهور البرية!

إدارة الآفات في البستنة البيئية

 

تدوير المياه الرمادية:  توفير أم خطر على الصحة العامة؟

خاص بآفاق البيئة والتنمية

متى سنكف عن إلقاء كميات هائلة من مخلفات عبوات الألبان والمخللات والقهوة وأصابع معجون الأسنان المستعملة وغيرها من النفايات المعدنية والبلاستيكية والزجاجية والورقية – بإلقائها في حاويات القمامة ومن ثم في مكبات النفايات التي يعد معظمها عشوائيا وغير صحي؟
متى ستعمل الجهات الحكومية المعنية، وبخاصة سلطة جودة البيئة، على سن قانون يفرض جمع وتدوير نفايات التغليف، مهما كانت المواد المصنوعة منها، وذلك كما هو الحال في العديد من دول العالم؟
بالطبع، سيتطلب نظام جمع مخلفات التغليف توزيع أو اقتناء الأسر لحاويات منفصلة، إحداها تخصص للنفايات الورقية، وأخرى للنفايات الزجاجية، وثالثة للنفايات المعدنية.  وقد يتم دمج بعض أنواع النفايات في نفس الحاوية، بحيث يتم فصلها لاحقا عبر عملية فصل صناعية.
ومن الضرورة بمكان أن تكون المصانع والشركات الصناعية شريكة في هذه العملية، علما بأنها تشكل المصدر الأساسي لمخلفات التغليف المحلية.
ومن المنظور التربوي – السلوكي، لن يكون التحول نحو جمع وفرز مخلفات التغليف والورق والقناني البلاستيكية سهلا، لأننا اعتدنا التخلص من جميع أنواع النفايات المنزلية والصناعية ومخلفات التغليف في المكبات؛ وذلك بسبب افتقارنا إلى ثقافة التدوير، والآليات اللازمة لتنفيذ عمليات الجمع والفصل والفرز والتدوير.  وكما هو معروف، تتحلل هذه النفايات إلى مكونات كيماوية يعد بعضها خطرا، تتسرب إلى باطن الأرض والمياه الجوفية والهواء؛ فينتج عنها غازات دفيئة ضارة بالغلاف الجوي.
لذا، لا بد أن يرافق أي إجراء قانوني عملية تثقيف وتوعية في المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة والمنشآت الصناعية والتجارية، لترسيخ ثقافة التدوير.
والهدف من سن قانون ملزم لفصل النفايات وتدويرها، هو التقليل من كميات النفايات التي تصل إلى المكبات، من خلال تدويرها، وبخاصة تدوير أكبر كمية ممكنة من مخلفات التغليف الخام.  ويتوقع أن يؤثر هذا التوجه القانوني، ليس فقط على نمط سلوك المستهلك النهائي تجاه النفايات، بل أيضا على الطريقة التي ينتج فيها المنتجون هذه النفايات.
ويمكننا العمل على بضعة خطوط للفصل والفرز والتدوير؛ فبالإضافة لفصل وتدوير مخلفات التغليف، نستطيع تعميم عملية جمع عبوات وقناني المشروبات الفارغة الصغيرة بأنواعها من خلال إعادتها إلى محلات السوبرماركت، وفي المقابل يسترد المستهلك الذي يعيدها مبلغ العربون الذي دفعه عندما اشترى العبوة الجديدة المليئة بالمشروب.  أما القناني البلاستيكية الكبيرة فيمكن جمعها في أقفاص خاصة يتم تثبيتها في الشوارع.  وأخيرا، توضع النفايات الورقية في حاويات جمع خاصة.
وكمرحلة أولى، يمكن البدء في عمليات الفصل والتدوير في المدن الرئيسية، بحيث يتم جمع وفصل وتدوير نحو 40 - 50% من إجمالي نفايات التغليف، فضلا عن القناني الفارغة والورق.  وقياسا بالدول الأوروبية، تعد هذه النسبة متواضعة، إلا أنها بمنزلة ثورة حقيقية في مجتمعنا الفلسطيني الذي يتخلص سنويا من مئات آلاف الأطنان من النفايات في المكبات التي يعتبر غالبيتها الساحقة غير صحية وعشوائية.
ويتجسد العمود الفقري للوضع البيئي الجديد في المبدأ القائل إن المُنْتِج مسئول عن المنتجات التي يسوقها، بما في ذلك التغليف.  أي يفترض أن يكون المنتج مسئولا ليس فقط عن تقليل حجم التغليف، بل أيضا عن جمعه وتدويره.  وهذا هو، عمليا، المبدأ المعروف بـ "المُلَوِّث يدفع". 
وفيما يتعلق بعمليات الجمع والتدوير، يفرض مبدأ "المُلَوِّث يدفع" قوانين بسيطة للغاية، تتلخص أولا في إلزام المنتجين بالإعلان عن كميات التغليف التي ينشرونها في الأسواق، وذلك بهدف بناء قاعدة معلومات دقيقة حول كمية مخلفات التغليف.  وثانيا، عدم التساهل مع عدم الالتزام بعمليات الجمع والتدوير؛ بحيث يغرم المخالفون، بل قد يتعرضون للقضاء.
وقد يتولى عملية جمع مخلفات التغليف جسم مختص بعمليات الجمع تابع مباشرة للشركات المنتجة؛ إذ يفترض بجميع الشركات الصناعية الكبيرة والمتوسطة أن تتحد لتأسيس جسم خاص مسئول عن عمليات الجمع، يكون مسئولا عن عمله أمام القانون.
وبالإضافة إلى معالجة مخلفات التغليف، لا بد أيضا من فرض قيود على مكونات التغليف والنسبة المئوية للمواد الخطرة التي قد يتكون منها، مثل المعادن السامة، كالزئبق والكروم والكادميوم.  وهذا يعني أن المنتجين سيجبرون، تحت طائلة القانون، على أن يغيروا جذريا تركيب التغليف.  وفي المحصلة، سيفرض على المنتجين، في إطار قانون تدوير مخلفات التغليف، أن يخططوا مسبقا مقدار وحجم الغلاف والمواد التي يتكون منها.  وقد تكلف هذه العملية المنتجين بضعة ملايين من الدولارات سنويا، قد يتحمل المستهلكون جزءا منه؛  إذ، ومن أجل الحفاظ على البيئة، لا مناص من مشاركة المستهلكين في هذه الضريبة. 
الجدير بالذكر، أن الاتحاد الأوروبي سن، منذ ستة عشر عاما، قانونا للتدوير؛ وهو يعد نموذجا ناجحا أدى إلى معالجة فعالة جدا لكميات ضخمة من النفايات.  وتتفاوت نسب التدوير بين دولة أوروبية وأخرى؛ إذ تصل في كل من بلجيكا، وألمانيا وهولندا إلى نحو 90%، بينما تصل النسبة في إيطاليا وأيرلندا إلى نحو 65%. 

الأوساط المياه الرمادية مياه مجاري، لأن المياه الناتجة عن غسل اليدين أو الجسم تحمل تركيزا خطرا من الجراثيم المسببة للأمراض.  وتقول تلك الأوساط، إن تركيز البكتيريا من نوع كولي، حسب الفحوصات المخبرية المختلفة، قد يتراوح بين عشرة آلاف ومئة مليون في كل مئة ملليلتر، وهذا مشابه للتركيز الموجود في مياه المجاري (السوداء).  وفي الواقع، تفرض العديد من الأنظمة في العالم الغربي أن يكون تركيز جراثيم كولي في المياه الرمادية المعالجة (في محطات المعالجة البلدية) التي تستخدم في ري الحدائق العامة، أقل من عشر جراثيم لكل مئة ميليليتر.  لذا، يعتقد العديد من خبراء الصحة أن استعمال المياه الرمادية في ري الحدائق  يشكل خطرا على سكان المنزل ويعرضهم لجراثيم خطرة وأمراض ملوثة صعبة.  كما تكمن الخطورة أيضا في احتمال اختلاط نظام جمع المياه الرمادية بنظام المياه العادية (مياه الشرب)، مما سيؤدي إلى انتشار التلوث في المنزل؛ أو حتى في جميع المنطقة السكنية، في حال كون النظام يشمل مبنى عاما.

ونظرا لتفهم خبراء الصحة لأهمية توفير المياه، فإنهم يوصون بتركيب أنظمة تدوير المياه الرمادية من خلال أجسام رسمية أو تجارية معتمدة.  وقد صدرت العديد من الإرشادات الصحية حول كيفية تعقيم المياه الرمادية، وصيانة نظام التدوير، والرقابة على جودة المياه؛ بحيث لا يعاد استعمال المياه الرمادية لري الحدائق العامة قبل ترشيحها وتعقيمها.  لذا، لا يوصي العديد من خبراء الصحة وضع أنظمة تدوير في المنازل الخاصة، وإنما في مباني السلطات المحلية من ناحية، وفي المنشآت التجارية والصناعية مياها في اشتراطات ترخيص عملها من ناحية اخرى. اجريت على المياه الرمادية .

 

    

الشبابيك الكبيرة في جهة المنزل الجنوبية من أهم مكونات المنزل الأخضر 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

ازدادت في الآونة الأخيرة التوجهات البيئية العالمية نحو التخطيط الأخضر للمنازل وللمدن المحافظة على مناخ مريح وبحد أدنى من استهلاك الطاقة.  وتستخدم في التخطيط الأخضر الموارد الطبيعية غير المتآكلة للإضاءة الطبيعية وللتدفئة الشتوية وللتهوية الصيفية،  بمعنى أن المقصود هنا بناء ذكي يستفيد من المكان والطبيعة لتلبية الاحتياجات المنزلية.  وعلى سبيل المثال، الاستفادة ممّا يبدو "حركة" الشمس في الشتاء والصيف، ومن الموقع الصحيح للمنزل.
وتعد زوايا الشمس من أبرز المسائل في مجال البناء الأخضر.  ومن المعروف أن اليونان والرومان والعرب القدامى أدركوا أن الشباك الجنوبي يعد مكونا أساسيا في تشييد المنزل، وحرصوا على ألا يتم حجبه في الشتاء بواسطة المباني المجاورة.
ولا بد أن تحوي المنازل الخضراء، في جهتها الجنوبية، شبابيك كبيرة؛ بحيث تخترقها أشعة الشمس في الشتاء ليتم امتصاصها وتخزينها في الأرضيات الداكنة، وفي المحصلة، تزويد نحو 90% من التدفئة في الشتاء القارس.
أما شمس الصيف المرتفعة فتصطدم بالشباك الجنوبي من أعلى وبزاوية منبسطة، مما يقلل نسبيا مدى تسخين المنزل. 
إذن، يعد الشباك الجنوبي الأفضل بيئيا من ناحية أشعة الشمس، سواء في الشتاء أم الصيف؛ شرط أن يتمتع بزوايا شمسية مناسبة في الشتاء، أي أن لا يتم إخفاؤه من الجنوب بواسطة الأشجار أو المباني المجاورة أو غير ذلك، ما عدا الأشجار متساقطة الأوراق شتاء.
ومن ناحية أخرى، تخترق الشباك الغربي كمية كبيرة من أشعة الشمس صيفا، وبخاصة بعد الظهر، مما يدفع البعض إلى اعتباره شباكا خطرا.  لذا، يجب ألا نتلهف على "البلكون المشمس" ذي المشهد الفاتن من الغرب أو الشرق، والذي يحاول بعض مقاولي البناء تسويقه.  فقد يحظى ذاك "البلكون" ببعض الشمس شتاءً، إلا أنه سيستوعب كمية هائلة من أشعة الشمس المزعجة صيفا. 
ومع ذلك، بما أن معظم الريح الصيفية تأتي من الغرب، فاستخدام ذكي للأباجور الخارجي يمكن أن يحول الشباك الغربي من أذى إلى ثروة.
ولا يعني البناء الأخضر مجرد العزل الجيد والشبابيك الجنوبية، بل هو أيضا "جوقة موسيقية" تنسجم فيها جيدا مكونات كثيرة:  العزل الجيد، قدرة المبنى على التخزين الحراري شتاءً، والبرودة صيفاً، مظلات ذكية، تخطيط يتيح تهوية المبنى في ليالي الصيف، مواد بناء تم إنتاجها بطرق صديقة للبيئة وغير ذلك.  ويجب أن نتذكر أن حوالي نصف الطاقة التي نستهلكها في بلدنا (من إجمالي الطاقة) إنما تستهلك في التدفئة والتبريد وإنارة المباني التي تعد أحيانا أكبر مسرف للطاقة.    

 


في تربية الأطفال على حب الزهور البرية!

تحسين يقين
أعادتني مزهريات النرجس البري التي وضعت في كؤوس ماء في بيتنا القديم إلى طفولتي، اقتربت منها ببطء، وبحنان، وشوق، متأملا شدة البياض وشدة الصفار في الزهرة الشهيرة، والمحببة لأطفال قريتي منذ وعيت على الأزهار والورود، سبقني عبير الزهر، صافحني عن بعد، فصافحته مستمرا بالاقتراب، حتى تلاشت المسافات بيننا، ورحت أتنفس عطر الزهرات الصغيرات التي أسرت العيون، فصارت عالمها الكبير تسرح به، عائدة إلى براءة طفولتها..
هل ثمة فكرة هنا..
طلبت من أطفالي ونحن في طريقهم إلى المدرسة فكرة أكتب عنها، فلهم الفضل في منحي أفكارا كثيرة؛ لكن ثلاثتهم كانوا منشغلين بهمّ الوصول إلى المدرسة قبل أن "يرن الجرس" أو يقرع الكترونيا!
سرنا مسرعين معا، وودت لو رأيتهم يتأملون الطريق!
قلت: لو سأل المعلم/ المعلمة الأطفال عما يرون ويسمعون ويلمسون ويشمون ويذوقون..وكيف قضوا نهارهم وأوقاتهم، لعلهم من خلال تلك الأسئلة يساهمون في تعميق اكتشاف الأطفال لمكانهم الذي يعيشون فيه، بل لعلهم يدربونهم بطريق غير مباشر، في رواية سيرة يوم أو ليلة ببعض التفاصيل، لتعليمهم التعرف على المكونات والعناصر، وعدم الركون لكل ما عام ومجمل وسطحي!
كان لقطف أزهار النرجس البري طقوس خاصة، تعرف بدقة متناهية الزمان والمكان؛ أما الزمان فهو وقت في شهر تشرين الثاني، يكون بعد أسبوعين من مصافحة السماء الأولى للأرض، فزهرة النرجس أشبه حالا بشقيقة النعمان، التي نسميها الحنونة. أما المكان، فهو سر حرفة قاطفي الزهور، وهي نفسها حرفة وهواية جمع الأزهار والنباتات البرية المستخدمة لمنح الطعام نكهة خاصة، أو للاستخدام التمريضي في البيوت لمعالجة أوجاع البطن شتاء، أو ما كانت أصلا للأكل كطعام خالص..
ومعرفة الزمان لا تقل أهمية عن معرفة المكان، حيث ما إن نغزو الزهر البري ونعود محملين بالباقات حتى يفطن باقي الأطفال، الذين إما يكررون زيارة الأماكن نفسها بحثا عما نسينا، أو قطف زهرات لم تتفتح بعد أو نصف افتتاح لها ليكمل تفتحه على طاولات البيوت من خلال ماء الكؤوس، أو لعل لديهم أماكن سرّية لم نكتشفها نحن..فكل بما يعرف من أماكن معرفة بالنرجس، وأماكن غير معروفة، أو لعلها محمية من ولد مفتول العضلات يخيف الآخرين إن تقدموا إليها..
وهكذا فقد كنا نعرف أماكن الزعتنامة والميرمية ورجل الحمام!
ومنها بالطبع مراقد النرجس البري!
أما لماذا هذا الاحتفاء بالنرجس والتنافس عليه، فهو بسبب ندرته وقصر الفترة التي يتم الإزهار فيها..
وكان أخي الأكبر مني سعيد قد دربنا أنا وأخي الأصغر داود لعدة أعوام على قطف الزهر، فخبرنا ذلك، وامتلكنا المهارة، بما يلزمها من أسلوب القطف: ساق طويل لا قصير، أزهار مفتحة، ترك المغمضة لوقت آخر، وشدها إلى بعضها بحرص ألا تنثني ساق، حتى يستطيع شرب الماء مرة أخرى حين تستأنف الزهرة حياتها في كأس الماء..وبالطبع ألا نخلع "البصلة" لأن ذلك معناه ألا نحصل على زهرة في الأعوام المقبلة..
في الزمان القصير، والأماكن الدقيقة، كنا نكون هناك لا نخلف الوعد، ولا الموعد، كالطيور كنا، أفق طموحنا باقة نرجس ذات خريف، وكتلة ثلج نصنع منها رجل الثلج ذات شتاء، وعش ذات ربيع، وثمار أولى ذات صيف.
كم مضى من وقت وبصري مزروع في بياض الزهر وصفاره المضيئين لماض جميل؟ لعلها دقيقة أو بعض دقيقة..ثوان هي تلك الرحلة السريعة جدا، كسرعة الضوء، رحلة عبر الزمن وعودة سريعة لحاضر مثقل بهموم الكبار وانشغالاتهم، والتي لربما غاب عنها الاحتفاء بأقصر موسم للإزهار..
وددت لو تطول الخطوات وأنا أعبر المكان، لعلها تمنحني عبورا طويلا للزمان، لأسعد بالذكريات الجميلة، بكل ما فيها من براءة وضياء وأمل..

  1. أولاد سعيد هم الذين أحضروا النرجس!
  2. هاتان لنا، وهذه سيأخذونها إلى بيتهم ليزينوا بها العيد!

وعلى (النملية) القديمة نفسها كانت عدة باقات، يصافحك عبيرها، وهي الطاولة (النملية)التي اعتدنا أن نضع على رخامها باقات زهر النرجس في البيت الكبير القديم..وكأن الزمان توقف ثلاثين عاما أو يزيد..
كنت خلال أيام الصيف قد وعدت أطفالي بتعريفهم على أماكن زهر النرجس، الذي نسميه رنجس، من خلال عملية تغيير في أماكن الحروف؛ فقلت لهم انظروا إلى هذا المكان جيدا، على هذه الصخور قليلة التراب، ينبت الرنجس، الذي أحبه كثيرا، وأرجو أن تتعرفا عليه حتى تحضروا باقة منه لي هدية حين أكبر ولا أستطيع القدوم هنا إلى هذه الجبال الجميلة.. هامسا لنفسي ما قاله محمود درويش، في قصيدته الإنسانية العميقة، والتي فيها برر الشاعر وجوده على الأرض، أو إن هناك ما على الأرض ما يجعل للحياة قيمة:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة..
وصولا لقوله البديع:
"عشب على حجر"
فكيف لو كان نرجسا بريا ذا رائحة أخّاذة عميقة..
ولعل صديقا جليليا يخبرني عن طقوس قطف النرجس هناك، حيث يخبرني أصدقاء من جبال الضفة الغربية عن موسم النرجس، والفرق بين البري والبيتي والذي يتأخر إزهاره لآخر الشتاء..
ثمة رابطة عميقة وقوية تربطنا بالنباتات والأزهار، كبارا وصغارا بتفاوت حسب المكان والعصر، ويمكننا أن ننشئ الكثير من الكلام والفعل حولها، بدءا بشمها وتناولها كطعام ودواء، ولربما متابعين لأبحاث عنها، في العلم؛ إذ ربما يكون هناك اكتشاف جديد يسهم في شفاء الناس منها..وفي الفن والأدب والتاريخ والجغرافيا..، رسما وتصويرا وكتابة، حيث تشكل موجودات المكان تراثا آخر له، ولساكنيه. وبذا، فإن النرجس والزعتر والميرمية والزعتنامة وغيرها الكثير تصبح جنبا إلى جنب مع الفولكلور الذي تغنى بالأزهار والنباتات والثمار والشجر والتراب..
ليس الإنسان بعدا واحدا فقط، بل أبعاد متعددة لها علاقة ليس بالمكان والزمان بالمجمل، بل في التفاصيل، وحين نقوم بتنشئة الفرد، منذ الطفولة، إنما نحن نورثه الكثير من الصفات، ونورثه أيضا أساليب استخدام الحواس.
ثمة تربية على الحواس، تبدأ من الطفولة التي لا تكون مثقلة بالهموم، ولعل اكتشافنا للطبيعة من حولنا، من خلال الكبار، أهل ومعلمين، منحنا ثروات مهمة، لا تقل أهمية عن أية ثروات علمية أو مادية أو قيم أخلاقية؛ فما هو الوطن إن لم نستبصر مكوناته، من خلال حواسنا كلها؟ وما هو مكاني الخاص إن لم أنتم له من داخل تفاصيل جسدي وروحي!
هي تربية وطنية أيضا، تجعل الوطن شيئا مميزا، نحنّ له ونشتاق، إذا ابتعدنا عنه، نحبه، ونألفه، ونحس به، ولا نرى أنفسنا خارجه إلا لمجرد الزيارة حتى ولو طالت..
هكذا أطمح أن تتم تنشئة الأطفال في فلسطين، من خلال تكامل أدوار البيت والمدرسة ومراكز الثقافة ووسائل الإعلام؛ فليست القضية حب النرجس فقط، بل هنا ما هو أشمل، هنا الأرض والجغرافيا والتراب والصخور والكائنات، من زهور وطيور وأشجار، وحيوانات أليفة وغير أليفة..
إنني أطمح يوما حين أسأل طفلا عن الوطن بأن يحدثني عن مكانه الذي يعيش فيه، عما يرى من بصر في محيط البيت والمدرسة، وعما يسمع، وعما يشمّ، وعما يلمس، وعما يذوق..وعما يشعر ويفكر في كل ذلك؛ فما هو إن علم أو لم يعلم بعد، إلا كائن لا يتحقق وجوده الطبيعي والإنساني والوطني إلا بالوعي عما حوله، والانتماء له، عن حب واختيار..
إنني آمل وأحلم أن أرى الوطن عند الأطفال شيئا ملموسا محسوسا، له ملمس ورائحة ومذاق وشكل ولون، حتى أطمئن عليهم وعلى وطني، حتى يكون الوطن أيضا إنسانا..
لعلنا نؤنسن الوطن..نشخصه!
لعلنا نؤرضن الإنسان..كابن شرعي لها أيضا!
فليس لنا غير هذا المكان..
لعلنا نتذكر ذلك ونحن نربي الأطفال!

Ytahseen2001@yahoo.com
 



إدارة الآفات في البستنة البيئية


سعد داغر


تعتبر مشكلة الآفات في الزراعة القائمة على الكيماويات من المشاكل الجدية التي تواجه المزارعين؛ ومع أنهم يستخدمون كميات كبيرة وأنواعاً كثيرة من المبيدات الكيماوية، إلا أن مشكلة الآفات لم تحل، بل ازدادت الأمور سوءاً وازدادت الآفات فتكاً بالمحاصيل؛ مما تطلب باستمرار استخدام مبيدات أكثر وأشد خطورة .
ولكن لماذا يستمر الدوران في هذه الحلقة المفرغة؟ فنستمر في استخدام المبيدات الفتاكة في حين تستمر الآفات بإلحاق الضرر بالمحاصيل الزراعية؟؟
تتجه الجهود في العادة نحو مكافحة الآفة عند ظهورها، دون الأخذ في الاعتبار لأسباب هذا الظهور. إلى جانب ذلك، هناك قصور لدى الإنسان في فهم حقيقة أنه في بيئةٍ سليمة تنمو النباتات قويةً، ولا تستطيع الآفات في مثل هذه الظروف أن تهاجم المحاصيل بسهولة، وإذا حدث أن هاجمت فإن الأضرار تكون أقل ما يمكن.
من هنا يجب التفكير على أساس فهم أسباب حدوث المشكلة، وليس العمل للقضاء على الأعراض المتمثلة في ظهور الآفة؛ فنحن نحتاج إلى التحرر من الدائرة المفرغة لمشكلة الآفات، من خلال الوصول إلى حل دائم لها.
إن التعامل مع الآفات يجب أن يرتكز على قاعدة أن النظام الحيوي يتغير كله إذا ما عدّلت عنصراً واحداً فيه، من خلال النظر إلى الأرض كما لو أنها كائن حي واحد، بحكم العلاقات المترابطة التي تجمع أشكال الحياة كلها والأشياء غير الحية ضمن النظام الحيوي .
إن الآفات عنصر من عناصر البيئة كما الهواء والماء والنبات ..... فالحشرات كعنصر (على سبيل المثال)، هي غالباً مستهلكات من الدرجة الأولى، ولذا فهي مهمة بالنسبة للسلسلة الغذائية؛ فإذا انتهت الحشرات فإن المستهلكات من درجة أعلى(التي تشكل الأعداء الحيوية جزءاً مهماً منها) سوف تموت، مما يؤدي إلى الخلل في السلسلة الغذائية.
وفي النظام البيئي المتوازن تبقى أعداد الحشرات ضمن الحد المسيطر عليه طبيعياً، والذي لا يشكل ضرراً اقتصاديا للمحاصيل؛ ولكن عند حدوث خلل بيئي ما، تصبح الحشرات مشكلة وتلحق أضراراً كبيرة بالمحاصيل. هذا يبين أن المشكلة ليست في الحشرات، ولكن في الأسباب التي أدت إلى حدوث عدم التوازن وسمحت لأعداد الحشرات بالتزايد لتصبح آفة. أي أن تحول الحشرة إلى آفة هو المؤشر على حدوث خلل في بيئة المزرعة .
وما ينطبق على الحشرات ينطبق على الأمراض أيضاً. فالجراثيم المسببة لأمراض النبات موجودة، ولكنها تنتشر عندما يحدث خلل في بيئة النبات بأن تنشأ ظروف مناسبة لتكاثر سهل للجراثيم، وعندئذ تصاب النباتات بالأمراض.
لقد بينت التجربة العالمية استحالة القضاء على الآفات (كما كان يعتقد) بالمبيدات الكيماوية؛ فالمبيدات تستطيع خفض أعداد الآفات في المدى القصير، وقتل الأعداء الطبيعية بالتزامن مع الآفات يؤدي لعودة الآفات إلى الانتشار بشكل أكبر مما كان عليه الوضع قبل استخدام المبيدات .


إن الزراعة الكيماوية تقوم على الأسس التالية :
1.   استخدام الكيماويات السامة التي تلحق الأذى بكل ما هو حي .
2.   التعامل مع المشاكل الآنية ( معالجة الأعراض).
3.   عدم الالتفات إلى الأسباب الحقيقية للمشكلة .
4.   عدم إدراك أن الحل الناجع يأتي من خلال التوقف عن الإخلال بالتوازن الطبيعي والسير حسب قوانين الطبيعة .

السيطرة الطبيعية على الآفات
الخطوة الأولى للسيطرة على الآفات تبدأ من القناعة بأنه لا توجد هناك مشكلة اسمها آفة في ذاتها؛ لأنه إذا لم يكن هناك خللٌ في التوازن في المنطقة الزراعية، فإن ظهور حشرة لا يعتبر مشكلة، بل هو من أعراض المشكلة. وعند ظهور الأعراض علينا البحث عن الأسباب فنزيلها .


للسيطرة على الآفات هناك نوعان من الإجراءات :
1.   إجراءات وقائية لمنع حدوث الإصابة .
2.   إجراءات السيطرة على الإصابة .
في بداية التحول نحو الزراعة البيئية تكون إجراءات السيطرة ضرورية، لعدم وجود التوازن، ولكن عند استمرار العمل بالإجراءات الوقائية لا تظل إجراءات السيطرة  ضرورية .


* إجراءات منع حدوث الإصابة
في العادة لا تجتذب هذه الإجراءات اهتمام المزارعين، فهي ذات آثار غير مباشرة من ناحية، وبعيدة المدى من ناحية أخرى. ولكن يظل هذا النوع من الإجراءات هو السبيل لحل جذري دائم للسيطرة على الآفات، ومن هذه الإجراءات:
1.   الحفاظ على التوازن الحيوي داخل التربة، فذلك يشكل المدخل للحصول على نبات صحي، قادر على تحمل الآفات. إن معظم الأمراض التي تصيب النباتات تعود إلى الخلل في توازن التربة، الناتج عن ضعف وقلة المادة العضوية أولاً، واستخدام الكيماويات الزراعية التي تقتل أحياء التربة ثانياً، والزراعة الأحادية ثالثاً.


للحفاظ على التوازن داخل التربة يجب :
أ.    عدم استخدام الكيماويات .
ب.   تجنب إضافة الأسمدة الطبيعية الحية (غير المخمرة).
جـ.  استخدام الدورة الزراعية .
د.    الإضافة المستمرة للأسمدة الطبيعية المختمرة .
2.   بناء التوازن الزراعي الحيوي في المزرعة، ويتم ذلك من خلال تنويع الزراعة الذي يلعب الدور الرئيسي في بناء التوازن الحيوي، حيث يجب :
أ.    تنويع الزراعة .
ب.   استخدام الزراعة المتداخلة .
جـ.  عدم استخدام المواد الكيماوية .
د.    زراعة نباتات معمرة .
3.   اختيار البذور الجيدة .
4.   الزراعة في المواعيد المناسبة والحفاظ على مسافات زراعية مناسبة


* إجراءات السيطرة على الآفات
1.   استخدام مبيدات طبيعية من مستخلصات النباتات مثل الفلفل، والثوم وغيرهما
2.   استخدام الطرق الفيزيائية، مثل: توفير ظروف لجذب العصافير والضفادع للحقل، كأعداء طبيعية، واستخدام الشاش لعزل المحصول عن الحشرات، واستخدام مصائد ملونة، والجمع اليدوي للحشرات الكبيرة وإبادتها ...

إدارة الأعشاب
تعتبر تغطية التربة من الإجراءات الأساسية للحد من نمو الأعشاب. وتتم التغطية من خلال إضافة القش الناتج عن عملية التعشيب أو بقايا المحاصيل السابقة بسمك حوالي 5 سم. كما يمكن الحد من نمو الأعشاب بالتحكم في كثافة الزراعة، واتباع الدورة الزراعية وتقليل الحرث إلى الحد الأدنى والزراعة المتتابعة، أي زراعة المحصول التالي قبل الانتهاء من حصاد المحصول الأول، إضافة إلى التعشيب اليدوي أو الآلي . 

 

                  

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 
 

 

 

 

مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة