April 2010 No (24)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
نيسان 2010 العدد (24)
***أسطورة التزايد السكاني وأبعاده البيئية *** التطبيع الزراعي! *** آداب التدخين *** عن "الاعتلال المناخي" هذه المرة .. *** تقرير لـ "أمان": التعدي على الأراضي الحكومية يتزايد ومحافظتا أريحاورام الله في المقدمة *** واقع المياه في قطاع غزة مع تركيز خاص على تلوثها بالنترات *** الأمم المتحدة تحذر: كلنا سيغرق في النفايات الإلكترونية *** تطبيع إسرائيلي-مصري-أردني في مجال الطاقة المتجددة *** أطفال قرية عاطوف يحتفلون بيوم المياه العالمي على طريقتهم ويحلمون باختفاء العطش والصهاريج من حياتهم *** تقرير علمي شامل حول أزمة المياه والمرافق الصحية في الأغوار الفلسطينية *** إلغاء الإعفاء الممنوح لشركات الخلوي الإسرائيلية الخاص بالهوائيات الصغيرة وإلزامها بتصاريح بناء لجميع أنواع الهوائيات *** شركتا سيلكوم وبيلفون في إسرائيل غير مُؤَمَّنَتَيْن ضد الأضرار الناجمة عن الإشعاعات الخلوية *** ساركوزي يعتبر أن إيران "تخدع المجتمع الدولي" ويصمت على الترسانة النووية العسكرية الإسرائيلية *** إطلاق التقرير الأول للتوقعات البيئية في الوطن العربي *** تدوير المياه الرمادية: توفير أم خطر على الصحة العامة؟ ***الشبابيك الكبيرة في جهة المنزل الجنوبية من أهم مكونات المنزل الأخضر  ***في تربية الأطفال على حب الزهور البرية! ***إدارة الآفات في البستنة البيئية *** نكهة ربيعية فلسطينية شعبية من النباتات البرية *** الطبيب التميمي المقدسي وتلوث الهواء *** زهرة من أرض بلادي-القنديل *** كيف تساهم مشترياتنا في الحفاظ على البيئة؟ *** نشاط لا منهجي للتعرف إلى إنتاج المبيدات الطبيعية *** بأيدي أطفالنا توأد بيئتنا..!! *** مدينة صفد الفلسطينية  *** صايل وشاحي: حكاية من ماء طولها 28 سنة  

منبر البيئة والتنمية

 

أسطورة التزايد السكاني وأبعاده البيئية

التطبيع الزراعي!

آداب التدخين

 
أسطورة التزايد السكاني وأبعاده البيئية


نسرين مزاوي / الناصرة
اختصاصية في إدارة الموارد البيئية والطبيعية

الموضوع البيئي كأي موضوع علمي آخر قد تُدحرج فيه النظريات العلمية لتتحول إلى أساطير يتبادلها الهواة ويستغلها السياسيون لترسيخ أجندات سياسية – اقتصادية – اجتماعية محلية وعالمية تبعد كل البعد عن الحاجات البيئية الحقيقية. 
يتطرق زميلي الصحفي عمر المنصور في مقالته النمو السكاني المتزايد وأثره على البيئة، إلى الأبعاد البيئية للزيادة المستمرة في عدد سكان العالم، من حيث تزايد الطلب على الموارد البيئية بغرض تلبية الحاجات البشرية من مسكن وملبس وغذاء وأماكن عمل وترفيه. 
أوافق زميلي بتحليله للحالة البيئية إلا أنني لا أتفق معه بالخلاصة إلى "الحاجة لضرورة... وقف عشوائية زيادة السكان داخل المدن العربية التي تعاني انفجارا سكانيا هائلا..." وأود التنويه إلى ما غفل عنه المنصور وهو تحليل القضية البيئية من منظور "البصمة الكربونية" حيث تختلف الرؤية تماماً من هذا المنظور وتختلف معها التحديات واستراتيجيات العمل والأجندات.
أولاً فلنبدأ بالاعتراف بحقيقة كون الكرة الأرضية مكان محدود لا يمكنه استيعاب وحمل عبء عدد لا متناهي من الأفراد. كل من يعيش على الكرة الأرضية يستهلك جزءاً منها، جزءا من أرضها وجزءا من مياهها وجزءا من هوائها وجزءا من نفطها... بالإضافة إلى أجزاء أخرى من مواردها المتجددة وغير المتجددة. وحتى إن لم نمتلك هذه الأجزاء مباشرة إلا أننا نتملكها ونستهلكها بأشكال عدة.  على سبيل المثال إذا تتبعنا عبوة الحليب في الثلاجة والمسار التي سلكته من مصدرها الأول حتى وصلت إلى فنجان "النسكافيه" سنجد أننا قد ربينا بقرة معينه على مساحة أرض معينة (ربما نصف متر مربع يكفي لها لتصطف في زريبة تكنولوجية مع أترابها من البقرات الأخريات)، هذه البقرة تحتاج أن تأكل البرسيم الذي زرعناه على قطعة أرض معينة (فلنقل دونماً من الأرض) حصدناه من أجلها على مدار سنوات؛ وبالإضافة إلى ذلك تحتاج البقرة إلى حيز معين لإبعاد الروث عنها وإلى بئر من الماء لتشرب منها. عملية نقل البرسيم من الحقل إلى الزريبة تحتاج إلى عربة، وهذه العربة تحتاج إلى مساحة من الأرض لتخصص كشارع أو درب تسير به العربة بسلاسة، ناهيك عن العربات الحديثة وما تحتاجه من النفط الذي يحتاج استخراجه وتكريره ونقله مساحات أضافية من الأرض، بالإضافة إلى كون هذه العمليات منوطة بما لا يقل عما سبقها من مساحات هواء وماء لعمليات التكرير والتبريد والنقل البحري.  ولنقل كبرت البقرة وما شاء الله عليها وأدرت الحليب. عملية تعليب الحليب، نقله، تخزينه، وتوزيعه كلها متعلقة أولاً بوجود مساحة من الأرض والهواء والماء تدعم هذه العمليات وتمكننا من القيام بها، جزء من هذه المساحات نستهلكها بشكل مستدام؛ فمثلاً لا نحتاج إلى بناء شارع جديد لكل علبة حليب لكننا نحتاج إلى كمية إضافية من الهواء والماء لإنتاج كل علبة ونقلها من مكان إلى آخر. وهكذا فإن جزءاً من هذه المساحات يستهلك بشكل دائم ومتجدد، حيث إن بعضها تزوده لنا الطبيعة دون حدود، مثل الطاقة الشمسية، وبعضها يتجدد بفعل دورات طبيعية للمواد مثل دورات الهواء والماء، وبعضها الآخر محدود وغير متجدد مثل النفط ومعادن مختلفة.  عمليا، ما نقوم به من نشاطات حياتية بشرية يتم بفضل إخضاع هذه المساحات والموارد واستهلاكها لدعم وتمكين عمليات الإنتاج والاستهلاك على جميع مراحلها وأشكالها.
"البصمة الكربونية" هي مقياس لتقييم حيز (مساحة وحجم) من الموارد الطبيعية التي نستهلكها في عملية إنتاج واستهلاك  سلعة معينة والتخلص منها. وهكذا تختلف "البصمة الكربونية" بحسب مسار عملية الإنتاج.  فعلى سبيل المثال "البصمة الكربونية" لكأس حليب من بقرة الجيران، يختلف عن "البصمة الكربونية" لكأس حليب مستورد ومعلب ومبرد بديمومة بانتظار قدوم من ينقله من ثلاجة المصنع إلى ثلاجة المستودع التجاري ومن ثم إلى ثلاجة المنزل، ومن ثم ينقل ما بقي من رزم تعليب وتغليف إلى مكب النفايات. ولا أهدف هنا إلى حث القراء على تربية بقرة عند الجيران وإنما المثال للتوضيح لا غير. 
تختلف "البصمة الكربونية" من سلعة إلى أخرى وكذلك تختلف من فرد إلى آخر ومن دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، بحسب أنماط الحياة المختلفة. ولو نظرنا للعالم نظرة شمولية سنجد أن "البصمة الكربونية" لسكان العالم هي 22 دونما للفرد، بينما ما تستطيع الكرة الأرضية تزويده للفرد الواحد في الوضع القائم هو 18 دونما فقط!!! ومن هنا تنبع الأزمة البيئية فنحن في حالة من الإفراط البيئي أي "سالب" أو "overdraft ".
طبعا إلى هنا أتفق وزميلي عمر المنصور.  ولفهم حيثيات الحالة يمكن قراءة مقالته بتمعن. لكن الاكتفاء بالإسهاب بتفاصيل هذا الإفراط قد يؤدي بالبعض إلى الاستعجال بالتوصل إلى خلاصة خاطئة، مفادها أن المشكلة تكمن في عدد سكان الكرة الأرضية وأن ضبط عدد السكان هو الحل الكفيل بالحد من الأزمة البيئية.  بالإضافة إلى ذلك قد تؤدي هذه الخلاصة إلى هرولة المنتفعين سياسياً واقتصادياً بتوجيه أصابع الاتهام للدول سريعة "التكاثر" وللعائلات الكبيرة.  إلا أن القليل من التروي ونظرة معمقة في التفاصيل الدقيقة تقودنا إلى استنتاجات مختلفة.

بحسب النموذج المتبع لقياس "البصمة الكربونية" وبحسب المعطيات الموجودة، نحتاج اليوم إلى ما يزيد على كرتين أرضيتين ونصف لكي تستمر الحياة على الكرة الأرضية بشكلها المتعارف عليه اليوم، وبالرغم من هذا ما زالت الحياة مستمرة!!! من هنا يمكننا استنتاج أن بعض أفراد العالم لا يستهلكون 22 دونما للفرد أو حتى 18 دونما للفرد، بل إن حاجاتنا الحياتية الفردية والجماعية هي مرنة والحيز الإيكولوجي المطلوب لها هو مرن أيضاً.
ثانياً – لا بد من التساؤل كيف وصلنا إلى هذا الإفراط البيئي (السالب\overdraft )، من أفرط في استخدام الموارد ومن حافظ عليها؟  إذا تعمقنا في الجدول المدرج أعلاه نجد أن الإفراط البيئي يختلف من دولة إلى أخرى، فالإفراط البيئي الأميركي هو 46 دونما للنسمة والهولندي هو 39 دونما للنسمة، بينما الصيني هو 7- دونمات للنسمة والهندي 4- دونمات للنسمة. لا يوجد أدنى شك بأن جميع دول العالم موجودة بحالة من الإفراط البيئي وجميعها بحاجة إلى ترشيد الاستهلاك، لكن يوجد فجوة كبيرة جداً بين الدول المختلفة في قدرتها على الإفراط البيئي، وهذا ينبع من نمط الحياة الاستهلاكي المتبع في كل دولة ودولة.  كذلك يختلف الأمر في المجتمع ذاته من عائلة إلى عائلة. فعلى سبيل المثال، العائلات كثيرة الأولاد في العادة يحتم عليها عدد أفرادها اعتبارات اقتصادية وأنماطا استهلاكية تؤثر على "البصمة الكربونية" لها ولأفرادها. فنجد أن العائلات الفقيرة تعتمد الغذاء غير المصنع وغير المعلب، أما العائلات الكبيرة ميسورة الحال، وهي قليلة نسبياً؛ فإن توجهت إلى الغذاء المصنع فإنها تعتمد الكميات العائلية في الرزمة الواحدة، وتكون بصمتها الكربونية اقل بكثير من العائلات الصغيرة ميسورة الحال التي تعتمد الوجبات الفردية المصنعة والمعلبة والمخزنة كوجبات صغيرة. وهكذا، غالباً ما نجد أن أثر القدم الإيكولوجي العائلي الشامل لعائلة مكونة من عشرة أفراد قد يكون أقل منه بكثير لعائلة من ثلاثة أفراد.  وبالرغم من هذا التفاوت إلا أن الكارثة البيئية الحاصلة والمنتظرة في آن واحد تنبع من التخوف من طموح ورغبة كافة أفراد العالم بشتى أشكالهم بنمط حياه مشابه معادل وموازٍ لنمط الحياة الأميركي والغربي. في هذه الحالة سنحتاج إلى سبع كرات أرضية وربما أكثر.  وبما أننا لا نملك غير كرة أرضية واحدة ووحيدة؛ فسواء أكانت حاجتنا إلى كرة أرضية إضافية واحدة أو إلى خمس أو سبع فإن الحال واحد. 
عودة إلى مقالة عمر المنصور.  يمكننا القول إنه ليس لنا من سبيل للحياة على الكرة الأرضية إذا أراد جميع سكان العالم وذريتهم الحياة بنمط حياة استهلاكي موازٍ ومعادل لنمط الحياة الغربي ولمعاييره الحياتية.  لكن هل يمكننا من هنا أن نستنتج أن قلة من البشر "المتفرنجين" بنمط حياتهم الاستهلاكي ستكون لهم  فرصة لحياة أفضل؟! ربما لفترة وجيزة من الزمن، لكن سرعان ما سيعود جشع الاستهلاك الأعمى الذي لا يشبع، ويواصل تخمته غير المحدودة لتقود البشرية إلى المعضلات ذاتها. 
وفي سياق معايير العدل الاجتماعي البيئي، ماذا تقول للهندي الذي يريد أن يعيش حياته برفاهية كما يعيشها الهولندي والأميركي أو ربما الإسرائيلي الذي إفراطه البيئي هو الأكبر، وهل من العدل أن يستهلك الأميركي والهولندي وغيرهم مواردهم وموارد الآخرين بينما ينظرون ويروجون ادعاءاتهم المموهة والخاطئة، ويلقون الاتهامات بالدمار المقبل على من لم يأثم وعلى من لم يولد بعد؟! فهل نغفل عن ثقافة الاستهلاك التي تستهلك الإنسان كما تستهلك الأشياء ونؤمن بخدع الأساطير والأوهام؟ّ  وعلى أي من الأسس نبني ونخطط التنمية البشرية في البلاد؟ وهل الحل هو عملية الحد من السكان أم إن عملية الحد من السكان ستقود حتما إلى تفاقم الأزمة البيئية؛ حيث لا يكمن الحل في الحد من عدد السكان بل بالحد من ثقافة الاستهلاك!!!

 

التطبيع الزراعي!

محمود الفطافطة

"تطبيع المستعمَر مع المستعمِر بداية انزلاق الضحية نحو سراديب الضعف والهزيمة". هذا ما قاله فرانتس فانون قبل بضعة عقود خلت في رائعته الخالدة " معذبو الأرض".
هذا الكلام الهدف منه هو الولوج في مسألة مشاركة مجلس الزيتون الفلسطيني ومجموعة من المهندسين الزراعيين الفلسطينيين في الورشة التي عقدت في فندق " جبل الكرمل" بمدينة حيفا، برعاية الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تشكل الذراع المدني لجيش الاحتلال الإسرائيلي والمختصة في مصادرة الأراضي وهدم المنازل في الضفة الغربية .
مثل هذا العمل الانحرافي الذي لا يتساوق إطلاقا مع أية مبادئ وطنية أو قيم أخلاقية فلسطينية سامية يجب أن لا يمر هكذا دون رقيب أو حسيب، حتى ولو كان حساباً مجتمعياً. مثل هذه الخطوة الشائنة تسيء إلى أجدادنا العظماء الذين ولدوا في فلسطين وعملوا على حماية شجرة الزيتون، تلك الشجرة المباركة التي يسعى الاحتلال إلى تهويدها وكأنها شجرة ذات أصول يهودية قديمة، لذلك يقوم باقتلاع مئات أشجار الزيتون الكبيرة من مناطقنا الفلسطينية ويأخذ بها إلى مناطق فلسطين الداخل ليزرعها في الأرض السليبة.
هذا التصرف المقيت لا يهدف إلا تشويه الفلسطيني عموماً، وكل من يعمل في قطاع الزراعة ، وحقل الزيتون على وجه الخصوص. عمل هؤلاء القابعون في شرنقة التطبيع ومصالحه الرخيصة لا يدركون معنى وأبعاد مخاطر التطبيع بعامة، والتطبيع الزراعي بخاصة، على الشعب الفلسطيني. أليست هذه الأرض هي محور الصراع وجذر المواجهة مع أبشع احتلال عرفته البشرية ؟. أليست الأرض الفلسطينية وكل ما تحتويه من شجر وزيتون وزيت وبرتقال وعنب وتين وصنوبر وأقحوان ملكا للفلسطينيين وإن عمد الصهاينة إلى تهويدها ودمغها بيافطة الأسرلة والصهينة؟.
وكذلك، ألا يدرك هؤلاء المطبعين أن من دعاهم يمثل الذراع الحقيقي لقضم الأراضي الفلسطينية وهدم بيوت أبناء شعبنا في كل مكان وتهجير أهلها العزل منها؟! . كيف لمثل هؤلاء أن ينخرطوا في بيئة سيئة وتتصافح أيديهم مع أيدٍ تقطر دماً وسادية ؟. ألا يفترض بهؤلاء المطبعين أن يكونوا أوصياء على الأرض وزيتونها وزيتها؟.
التطبيع لعين وخطير ويجب مواجهته، سواء أكان تطبيعاً زراعياً أو بيئيا أو سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً ... والأخطر إن كان تطبيعاً ثقافياً..

 

آداب التدخين

حبيب معلوف / لبنان

من الآداب التي تعلمناها مع تطور حيــاتنا الاجتماعية، التنبه لعدم "التطبيس" أثناء تناول الطعام،  ومحــاولة إبقاء فمنا مغلقا لعدم صدور أصوات تتــسبب بالإزعاج لمن يأكل معنا.  فإذا كنا نلتزم بهذه الآداب لعدم "إزعاج" الآخرين، فلماذا لا نلتزم بآداب عدم تلويث جو الآخرين أيضا الذي يتسبب بأكثر من الإزعاج، كالمرض والموت؟! مع العلم أن "الضجيج المديني" يتسبب بمشاكل صحية ونفسية أكبر بكثير من إزعاج "التطبيس". 
لعل هذا ما بات ينطبق على عادات التدخين في الأماكن المغلقة، حيث يبعث المدخن بدخانه إلى كل من حوله، ويلزم من لا يدخن بالتدخين معه، حسب ما يعرف بـ"التدخين السلبي". وإذا بات مسلما به أن مضار التدخين السلبي على غير المدخنين هي نفسها تقريبا كما عند المدخنين، فكيف يقبل المدخن بالتسبب بالضرر لغيره، دون استئذان؟ هل هو مجرد جهل بالفعل والعواقب؟ أم عادة؟ أم مجرد استسلام لمنطق أننا نعيش في زمن محاط بمصادر تلوث كثيرة، قد يكون دخان التبغ أقلها تأثيرا وخطرا؟   
يعتبر البعض أيضا، أن تنفيخ الدخان يساهم في التخفيف من الهموم. ويقال "نفخ عليها تنجلي"، للتدليل على أن تنفيخ الدخان والتدخين، يساهمان في التخفيف من الهموم. إلا أننا بتنا نعرف اليوم أننا عندما ننفخ الدخان، إنما ننفخه في وجه أناس آخرين، تماما كما نرمي بوجه آخرين مشاكلنا عندما نطبق نصيحة "كب وراك وامشي". وقد اكتشفنا اليوم أن ما رماه من سبقنا خلفه، إنما رماه في وجهنا وأورثنا مشاكل متراكمة ومكلفة... وقد تكون مستعصية على الحل، تماما كما نفعل نحن مع من يأتي بعدنا. 
مناسبة هذا الكلام اليوم عودة الاهــتمام بمناقشة وإقرار قانون منع التدخين في الأماكن العامة في الفــترة الأخيرة، والذي عاد واصطدم، كما في السابق (عامي 2003 و2004) بنفس العوائق والمصالح لتجار التبغ ... وكون الموضوع، لا يزال يطــرح، كمــا في المرات الســابقة، بــجزئيته، من دون المساس بأبعاده الشمولية، الفكرية والأخلاقية والعلمية والعملية.
فكل إنسان هو مدخن. كل إنسان ملوث. ونحن بحاجة إلى آداب جديدة، أكثر شمولا. 
كل إنسان يصدر انبعاثات ما، بطريقة مبــاشرة أو غير مباشرة. فنحن لا نتمتع بالطاقة إلا إذا احــترق شـيء من الوقود في محــطات إنتــاج الطاقة أو في المولدات الخــاصة التي نشترك معها. ونحن لا  يمكننا أن ننتقل من مــكان إلى آخر، إلا إذا حرقنا وتسببنا بانبعاثات ما بطــريقة مبـاشرة أو غير مباشرة. ونحن لا نستطيع أن نلبس ثيابنا إلا إذا أنتجها معمل ما استهلك الكثير من الطاقة لصناعته. ولا نستطيع أن نكيّف منزلنا إذا لم نستخدم طاقة ما ونتسبب بانبعاثات ما... الخ   
بهذا المعنى ليس هناك من بريء وكل فرد يتسبب بانبعاثات ما، وإن بنسب مختلفة. من سائق السيارة إلى المزارع الذي يقشش الحقل ويحرقه، ويتسبب أحيانا بحرق الحراج المجاورة، إلى الفحام وصانع الدبس والطباخ... ولهذا كان من المفترض إيجاد قانون شامل لضبط تلوث الهواء من جميع مصادره، يضع القواعد ويحدد المعايير والمواصفات، بالإضافة إلى العقوبات... من أجل أن لا يتجاوز حجم الانبعاثات قدرة الأرض على إعادة امتصاصها.
كان مجلس النواب اللبناني قد أقر قانونا لعام 2001 للتخفيف من تلوث الهواء الناجم عن قطاع النقل، إلا أننا كنا بحاجة إلى قانون أشمل للحد من تلوث الهواء بشكل عام.
بالإضافة إلى ذلك، ومع تزايد المشاكل التي تتسبب فيها الأنظمة الحديثة التي يفترض إعادة النظر بها، لا بد من إعادة النظر بالفكر الليبرالي نفسه، وبمـفهوم الحرية وحدودها، وكذلك بمفاهـيم مثل الحــق والعدالة... نحو أخــلاقيات جديدة، تأخذ بالاعتبار أن الآخر هو بيئتنا كما نحن جزء من بيئته... وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولية عدم تلويث هواء الآخر.

مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
     
التعليقات
   
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق