مشاهد بيئية
بأيدي أطفالنا توأد بيئتنا..!!
سمر شاهين / غزة
وقف دقائق على شرفة المنزل يسترق النظر إلى أن يسدل الليل ستاره ، حتى يرتكب جريمته بحق البيئة بهدوء دون أن يراه أحد من أهله أو من الجيران، لحظات وأخذ ينظر يميناً وشمالاً؛ وفجأة ودون سابق إنذار حمل "كيساً" مليئاً بالقمامة وألقاه على عجالة، لتقع الكارثة وتعم القمامة المكان و يصاحب إلقاء الكيس صوت أفزع المحيطين بالمكان، بعضهم توقع أن هناك انفجارا داخليا وآخر توقع أن يكون قصفا إسرائيليا ولكن تلك الممارسة كانت أكثر قسوة على النفس الفلسطينية من هذه أو تلك.
هو الطفل خالد إسماعيل "10" أعوام اعتاد أن يتخلص من القمامة داخل منزله عبر إلقائها من شرفة المنزل كل مساء، وذلك بطلب من والدته التي تأبى أن تترك القمامة داخل المنزل ولكنها لا تأبى أن ترى الشارع الذي تقيم به قد افترشته هذه القمامة.
ويقول خالد: "اعتدت منذ فترة هذا السلوك حيث قرر والدي أنني المسئول عن التخلص من القمامة الموجودة في المنزل لذا فقد اعتدت كل يوم أن القي بها من شرفة المنزل بعد صلاة العشاء حيث تخلو الشوارع من المارة".
ويلفت النظر إلى أن والديه لم يحذراه من هذا السلوك؛ لأن الهدف الأول والأخير لمهمته داخل المنزل هو تخليصه من كيس القمامة اليومي.
وتشكل عملية إلقاء القمامة في الطرقات من شرفات المنازل سلوكا يتبعه العديد من الغزيين ومن مختلف الأعمار؛ ولكن الأخطر أن هذا السلوك بات يترسخ في سلوكيات أطفالنا مما يهدد البيئة الفلسطينية بالخطر الشديد، لأن الأجيال القادمة لم تعد تول البيئة أهمية تذكر بل أصبحت على الهامش.
وحاولنا أن نأخذ تعهدا من خالد بألا يمارس ذلك السلوك إلا أن " الطبع غلب التطبع" ويضيف: "لا يمكنني أن أعدكم بذلك فدائما الكهرباء مقطوعة ومنزلنا كما ترين في الطابق الثامن، ولا يمكنني أن احمل هذا الكيس وأنزله لأضعه في الحاوية لأنه يرهقني" على حد قول الطفل خالد.
وتتوالى الحكايا!!
غادرنا خالد وكلنا أمل بان يكون لدى الطفل الفلسطيني لاسيما في قطاع غزة معرفة أياً كانت بأهمية الحفاظ على البيئة، إلا أن النتيجة كانت قاتلة لكل من يحاول أن يقرأ ويستطلع ما يحدث في الشارع الغزي؛ فهذا الطفل أحمد يونس" 11" سنة كان يحمل "جردلا" به قمامة ولأن الحاوية بعيدة عن منزله فكان يتعمد أن يلقى بها تدريجيا في الشارع. اقتربت منه وبادرته بسؤال: ماذا تفعل؟ ألا تعلم أنك لا تضر البيئة فقط وإنما تلحق بنفسك الأمراض، انظر إلى يديك كيف اتسختا، هل ترى الكثير من الفيروسات الآن تسير في جسدك. لحظات صمت كانت سيد الموقف، ومن ثم يقول بلهجة حادة: "الآن سأعود إلى المنزل وسوف أغسل يديّ بالماء والصابون ومؤكدا أن تلك الأوساخ والفيروسات ستغادرني". حديثه زاد من حدة النقاش بيننا فقلت له: ولكن الفيروسات في جسدك. نظر إلي بعينين شعرت ملئتا بالغضب، ماذا افعل الآن، هل أصبحت أنا متفيرس وهل أنا جهاز كمبيوتر ليكون لدي فيروس؟
وبهدوء يضيف: " أعلم أني أخطأت لكن أعدك في المرة القادمة أن أخفف كثيرا مما ألقيه في الشارع (...) سلوك تعلمته ولم ينهرني أحد من قبل "!!.
نصيحة وجهتها له بأن لا يمارس سلوكيات خاطئة لأن الضرر سيلحق به وبأسرته وبالجميع دون استثناء.
محطة ثالثة وحكاية جديدة
هنا..في جنوب القطاع، وتحديدا في مخيم خان يونس كان طفل حافي القدمين وبيده حبل يجر به كيسا من القمامة، واه من ذلك الموقف المؤلم والحديث الذي أبكى القلب قبل أن يبكي العين. يقول الطفل محمود "8" أعوام :"لا أعرف ماذا يعني الحفاظ على البيئة، انظري، في كل مكان أوساخ وقاذورات وهل الأمر فقط مرتبط بي؟
حاولت أن اعرفه على مفهوم البيئة وأهمية الحفاظ عليها، لكن صدق المثل القائل "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، لأن البيئة لم تذكر في حياته ذات مرة؛ لذا فإنها منسية ولن يكون لها مكان اليوم.
وأضاف محمود: "أمى تضعها في كيس وأنا أربط هذا الحبل وأقوم بجره وهو يتمزق من الرمل(...) لا يمكنني حملها انظري فهي ثقيلة"، مشيرا إلى أن الجيران يعملون على إلقاء القمامة في الشوارع والطرقات دون أن يضعوها في أكياس.
مشاهدات ثلاث رصدتها "آفاق البيئة والتنمية". ثلاثة أطفال عبروا عن مفهوم البيئة لدى الطفل الفلسطيني والسؤال الذي يراوح مكانه: متى ستتكاثف الجهود للقيام بحملات توعية شعبية تؤكد على أهمية الحفاظ على البيئة، وتستهدف بالدرجة الأولى الأطفال في المدارس، أما آن الوقت لان يتم إنشاء أندية بيئية في كافة أنحاء القطاع تستهدف جموع الأطفال والأشبال وتزويدهم بالمعرفة حول البيئة والمشاكل المحدقة بها ودورهم في التخفيف منها؟!
Samara.shaheen@hotmail.com
|