أبراج الخلوي على أسطح المدارس والروضات بما يتناقض وتعليمات سلطة البيئة الفلسطينية
الأبراج الخلوية خطر حقيقي يهدد حياة الأطفال الفلسطينيين
شركات الخلوي تستهتر بصحة أطفالنا وتضرب المواصفات المحلية والعالمية عرض الحائط

تحقيق: ر . م .
خاص بآفاق البيئية والتنمية
حذرت مجلة آفاق البيئة والتنمية مرارا، وبخاصة في عددها الصادر في أيلول 2009، من تكاثر أبراج الخلوي في السنوات الثلاث الأخيرة، في مختلف أنحاء الضفة الغربية، تكاثرا فطريا متسارعا وعشوائيا مثيرا للقلق. وأشار العدد ذاته إلى أن مئات إن لم يكن آلاف الأبراج تنتشر حاليا على العديد من أسطح المنازل والمؤسسات والمنشآت الخاصة والعامة، في المدن والبلدات والقرى والمخيمات، مما يخالف الضوابط المعمول بها في معظم دول العالم والتي تنص على ضرورة عدم وضع تلك الأبراج فوق البنايات السكنية بهدف حماية السكان والبيئة من الآثار المترتبة عن هذه الأبراج. وقد أصبح جميع المواطنين، عمليا، ومنهم أولئك الذين لا يحملون هاتفا خلويا، معرضين بشكل دائم للإشعاعات الراديوية غير المؤينة المنبعثة من هذه الأبراج ومحطات التقوية. ففي ظل التنافس بين الشركات الخلوية على نصب تلك الأبراج التي تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة للعديد من الأسر الفلسطينية، وتقدم لهم مغريات مادية مقابل نصب تلك الأبراج على أسطح بناياتهم ومنشاتهم، لدرجة أصبحت رياض ومدارس الأطفال هدفا لهذه الشركات. فالزائر لمحافظة سلفيت مثلا يلاحظ مدى سرعة التوسع في إقامة الأبراج الخلوية التي أصبحت تحتل أسطح عدد من المرافق التعليمية والبلدية. ففي قرية فرخة يوجد برج التقوية الخلوي فوق حاووز الماء المركزي الذي هو بدوره ملاصق تماما لمدرسة بنات فرخة الثانوية التي يقدر عدد الطالبات فيها 180 طالبة؛ وقد جرى تأجيره للشركات الخلوية من قبل المجلس القروي في فرخة. كذلك الحال بالنسبة إلى حاووز الماء في مدينة سلفيت. كما توجد أبراج التقوية الخلوية فوق أسطح عدد من رياض الأطفال كروضة وحضانة طيور الجنة شمال مدينة سلفيت. بل إن أسطح المباني التي تحوي المخابز ومستودعات الأغذية لم تسلم هي أيضا من تلك الأبراج التي تطل على المدارس الأساسية في مدينة سلفيت.
يأتي هذا التعاظم في نشر أبراج الخلويات في اللحظة التي كثر الجدل فيها حول تأثير محطات (أبراج) الهواتف الخلوية على صحة الإنسان، وانقسم الناس في هذا الأمر إلى فريقين، أحدهما مؤيد ومدافع عن هذه الأبراج والآخر متشكك بأثرها على صحة الإنسان. وبقي عامة الجمهور الفلسطيني في حالة من القلق والحيرة ما بين الخوف والحذر من التأثيرات السلبية المتوقعة لهذا النوع من المحطات، والنهم المتزايد على اقتناء الأجهزة الخلوية والاستفادة من التطور المطرد في تقنيات الاتصالات.
وضع الأبراج الخلوية بالطريقة العشوائية بين التجمعات السكنية المكتظة وفوق أسطح رياض الأطفال وخزانات المياه في مدينة سلفيت وقرية فرخة أثار عدة تساؤلات حول دور المجالس و الهيئات المحلية التي تدعي الحرص على رفاهية وسلامة المواطن الفلسطيني في ترخيص تلك المنشات (الابراج)، حيث يجيب عن هذا التساؤل رئيس الشؤون الإدارية في بلدية سلفيت السيد وليد زهد قائلا: "إن تراخيص أبراج الاتصالات كانت غلى فترة غير بعيدة تخضع لموافقة ومتابعة كل من سلطة البيئة، وزارة الصحة (قسم البيئة)، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى المجالس المحلية بالتنسيق مع المجلس الإقليمي الأعلى الذي تترأسه وزارة الحكم المحلي، حيث لا يتم منح التراخيص إلا بموافقة الجهات المختصة بالإضافة إلى مراعاة توصيات المجالس المحلية في ذلك بما يخدم مصلحة المنطقة، ولكن في 19 آذار عام 2009 تم تزويد المجالس المحلية بكتاب صادر من وزارة الحكم المحلي ينص على ضرورة تقديم تسهيلات من قبل الهيئات المحلية للأفراد الراغبين بتأجير منشآتهم لأبراج الاتصالات بعد الحصول على الموافقة الخطية من الجهات الرسمية المختصة، وهذا يعني ضمنيا إلغاء دور المجالس المحلية في ترخيص تلك الأبراج واقتصار دورنا على تسهيل انتشار تلك الأبراج بغض النظر عن موقعها وعددها بعد الموافقة على التراخيص اللازمة لذلك".
وتنص اللائحة التنفيذية والتعليمات الصادرة عن سلطة جودة البيئة الفلسطينية والتي تحدد الآليات المعمول بها لمنح أي ترخيص لإقامة الأبراج . الخلوية، على ما يلي:
1. أن يكون ارتفاع المبنى المراد إقامة المحطة فوق سطحه في حدود من 15-50 متراً
2. أن يكون ارتفاع الهوائي أعلى من المباني المجاورة في دائرة نصف قطرها 10 أمتار
3. أن يكون سطح المبنى الذي يتم تركيب الهوائي فوقه من الخرسانة المسلحة
4. ألا تقل المسافة بين أي محطتين علي سطح نفس المبني عن 12 متراً
5.أن يكون الهوائي من النوعية التي لا تقل نسبة الكسب الأمامي مقارنة بالكسب الخلفي فيها عن 20 ديسبل.
6. ألا تقل المسافة بين الهوائي والجسم البشري عن 12 مترا في اتجاه الشعاع الرئيسي
7.لا يسمح بتركيب الهوائي فوق أسطح المباني المستقلة بالكامل كالمستشفيات والمدارس
8. أن يتم وضع حواجز معدنية من جميع الاتجاهات
9. إلزام الشركات بالمواصفات الخاصة بالإشعاع طبقا لما أصدرته جمعية مهندسي الكهرباء والإلكترونيات الأميركية والمعهد القومي الأميركي للمعايرة، والتي تنص على أن الحد الأقصى لكثافة القدرة الإشعاعية التي يتعرض لها الإنسان يجب أن لا تتجاوز 0.4 ملي وات/سم2 على أن تقدم الشركة شهادة بذلك
10. يجب عدم توجيه الهوائيات في اتجاه أفنية وبنايات مدارس الأطفال في المراحل الابتدائية والإعدادية لكون هؤلاء التلاميذ في مرحلة نمو تجعلهم أكثر حساسية.
ومن جانبه يؤكد الدكتور عدنان جوده مدير دائرة الإشعاع البيئي في سلطة جودة البيئة الفلسطينية بأن "إجراءات منح التراخيص تبدأ من الحصول على موافقة إنشاء وموافقة تشغيل وأخذ قياسات وقراءات إشعاعية وصولا إلى الدور الرقابي والتقييم ومطابقة الموقع للمواصفات في جميع الأوقات، ومتابعة ما يصدر عن اللجنة المختصة لمنظمة الصحة العالمية وتبني توصياتها، ونحن نتحمل كافة المسؤولية عن أي ضرر يلحق بالمواطن".
لكن عند مراجعة التعليمات الصادرة من سلطة جودة البيئة بخصوص آلية ترخيص أبراج الخلوي يتبين أنها تتناقض مع الواقع المعمول به، وتحديدا الفقرات الأولى والثانية والرابعة المتعلقة بارتفاع المبنى المقام عليه المحطة وارتفاع الهوائي، والمسافة بين المحطتين على سطح نفس المبنى، بالإضافة إلى الفقرتين السابعة والعاشرة، حيث نصت الفقرة السابعة على عدم السماح بتركيب الهوائي فوق أسطح المباني المستقلة كالمدارس والمستشفيات، بينما تنص الفقرة العاشرة على عدم توجيه الهوائيات باتجاه أفنية وبنايات مدارس الأطفال الابتدائية والإعدادية، ولكننا نلاحظ أن هذه الشروط غير مطبقة في بعض المنشآت التعليمية في محافظة سلفيت، وهذا حال عشرات بل مئات المدارس ورياض الأطفال في المحافظات المختلفة. ترى من يتحمل مسؤولية إعطاء التصاريح في هذه الحالات؟ و من يتحمل الازدواجية في اتخاد القرار؟ من المسئول عن التلاعب في مصير ابنائنا وأطفالنا؟ هذه الأسئلة يجب توجيهها إلى الجهات المختصة التي تفتقر إلى معايير الأمان الدولية الخاصة بحماية المواطنين من خطر التعرض لمستويات عالية من مجالات التردد الراديوي وحظر الدخول إلى الأماكن التي يمكن فيها تجاوز حدود التعرض المسموح بها دوليا. ورغم ذلك تدعي بعض الجهات الحكومية أنها تطبق المواصفات والمقاييس العالمية في ترخيص تلك الأبراج.
من جهته يؤكد الدكتور الفلسطيني خليل ذباينة الحاصل على دكتوراة في الفيزياء النووية والتلوث الإشعاعي، والخبير في مجال اأاشعة الكهرمغناطيسية أنه "حسب المواصفات العالمية "يمنع منعا باتا تركيب الهوائيات على أسطح المدارس والمستشفيات ورياض الأطفال والأماكن العامة وعدم توجيهها باتجاه المدارس والمستشفيات ... ويجب أن لا تقل المسافة بينها وبين هذه المنشآت عن 200 متر، وعن المنازل السكنية 50 متراً"، علاوة على الالتزام بالقياسات التي حددتها عدد من المنظمات العالمية و التي تنص على أن الحد الأعلى لكثافة القدرة لا يجب أن يتجاوز 0.45 ملي واط / سم2 وتقديم شهادة بذلك، وأن لا يزيد معدل الامتصاص النوعي (SAR ) لأي عضو من أعضاء جسم الإنسان عن 2 واط /كغم، حيث لا توجد أي جهة فلسطينية علمية متخصصة تقوم بمثل هذه القياسات حول المحطات، رغم وعود من قبل شركات الخلوي المحلية"
أين تكمن خطورة قواعد الهواتف الخلوية (الأبراج)؟
تكمن خطورة قواعد الهواتف الخلوية في أشعة الراديو المنبعثة منها وقدرتها (معدل طاقتها لكل وحدة زمن) .
فهناك ثلاثة أنواع من التفاعل الذي يمكن أن يحدث بين هذه الأشعة والخلايا في جسم الإنسان :
- اقتران بين المجال الكهربي للأشعة مع الخلايا .
- اقتران المجال المغناطيسي للأشعة مع الخلايا .
- امتصاص لطاقة الأشعة من قبل الخلايا ونتيجة لذلك يحدث ارتفاع في درجة حرارة الخلايا .
وبما أن طاقة الأشعة تتناسب عكسيا مع مربع المسافة التي تقطعها، فإنه كلما بعد الإنسان عن القاعدة (البرج) ستقل طاقة الأشعة التي تصل لجسمه. لذا فإن التصميم الهندسي للقاعدة (البرج) ضروري لضمان عدم تعرض الإنسان لمستوى عال من الطاقة .
لقد تم وضع معايير دولية من قبل ( ICNIRP (International Commission on Non-Ionizing Radiation Protection ، مبنية على أبحاث علمية في هذا المجال، محدد فيها قدرات الأشعة التي لا تشكل ضررا للإنسان والتي يجب الالتزام بها في كافة القواعد (الأبراج) الخاصة بالهواتف الخلوية. هذه المعايير وضعت آخذة في الاعتبار الأثر الثالث في تفاعل الأشعة مع خلايا جسم الإنسان السابق الذكر؛ هو ارتفاع درجة حرارة الخلايا .
معدل امتصاص الطاقة النوعي (SAR: Specific Energy Absorption Rate) هو المعيار الذي تم وضعه لقياس ضرر الأشعة على جسم الإنسان. ويحدد هذا المعيار كمية الطاقة التي يمتصها أعضاء جسم الإنسان المختلفة لكل وحدة زمن ولكل وحدة كتلة، ويقاس بواط لكل كغم (W/kg) .
يوضح جدول (1) المرفق مع هذا التحقيق جرعة SAR للعامة والتي لا يجب تجاوزها بالنسبة للجسم ككل ولبعض الأعضاء مثل الرأس والجذع والأطراف.
الجزء المعرض للأشعة |
SAR (W/kg ) |
الجسم كاملاً
الرأس والجذع
الأطراف |
0.08
2
4 |
لقد وضعت هذه المعايير استنادا إلى الأبحاث التي جرت ودرست تأثير الأشعة على جسم الإنسان وفق زمن محدد.

أبراج الخلوي وصحة الإنسان
وقد طرحت بعض الدراسات أن الأشعة الراديوية قد تؤدي إلى تسخين الأنسجة الحية بسبب أن ملامسة الأشعة لخلايا جسم الإنسان قد يؤدي إلى حدوث خلل بها (Gajsek et al., 2003, preace et al., 1999) وقد يؤدي التعرض لهذه الأشعة إلى خلل في الذاكرة ذات المدى القصير Short-term memory (Lai et al., 1994).
وقد درست مجموعة من العلماء تأثير الإشعاع الصادر عن أبراج الخلوي على السلوكيات العصبية (Neurobehavioral ) للسكان القاطنين في المبنى الموجود فوقه البرج الخلوي، وفي المباني المقابلة للبرج، وقارنوهم بأناس قاطنين في مناطق لا توجد بها أبراج الخلوي، مع مراعاة السن والجنس والمستوى التعليمي والمعيشي، واتضح من الدراسة أن السكان القاطنين في الأماكن القريبة من أبراج الخلوي يعانون من الصداع، فقدان في الذاكرة، رعاش لا إرادي، دوخة، أعراض إعياء وكآبة وقلق و انزعاج في النوم . وقد كان هناك فرق واضح في هذه الأعراض بين الأشخاص المعرضين لإشعاعات أبراج الخلوي وبين الأشخاص غير المعرضين لهذه الإشعاعات.
كما وجدوا خلال هذه الدراسة أن السكان الموجودين في المبنى الذي عليه البرج كانت شكواهم من الأعراض السابقة أقل من الأشخاص الساكنين في المباني الموجودة مقابل البرج. وقد يفسر ذلك بأن السقف الأسمنتي قد يكون قد امتص بعض الإشعاعات الصادرة من البرج (Abdel Rassoul et al., 2007 )
في دراسة أخرى وجد الباحثون أن أعراض الصداع، فقدان الذاكرة أو كثرة النسيان Loss of memory ، حدة الطبع Irritability ، دوخة، اكتئاب، هبوط في النشاط، الانزعاج أثناء النوم والصعوبة في التركيز كانت موجودة لدى الأشخاص الذين يسكنون قرب المحطات القاعدية للهواتف الخلوية (Santini et al., 2002, Leif, 2003, Röösli,2004)
كما أن دراسة أخرى وجدت أن خطر الإصابة بالسرطان يرتفع بين السكان الموجودين في حدود 200م فأقل من أبراج الخلوي (Mclean, 2008). .
وأجرى العلماء في استراليا دراسة على متطوعين عرضوهم لأشعة مماثلة لمن يبعد 80م من برج الخلوي وقد أحس الذين تعرضوا لهذه التجربة بتغيرات كهربائية في الدماغ وعدم الإحساس بالصحة، حيث أشاروا إلى أن هناك أزيزا في رأسهم، وزيـادة في ضربات القلب، مع عدم الإحساس بالرأس، ومشكلات تنفسية وعصبية، وتهيج، وصداع ورعشة (Oberfeld, 2005 ). |