مشاهد بيئية
سلوكيات بيئية خاطئة تتوارث
سمر شاهين / غزة
في غزة الكثير من الأمور مباحة، حتى لو كانت تشكل ضررا على الآخرين، سلوكيات خاطئة يمارسها المتعلم قبل الجاهل، تحت شعار "حرية شخصية"، ما دام القانون ولاسيما قانون البيئة مغيبا فأنا في أمان؛ هكذا هو واقع التفكير السائد لدى السواد الأعظم من الغزيين الذين يعانون من تدهور خطير في بيئتهم جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وممارسات سلوكية دربوا عليها منذ الصغر؛ وأصبحت تمارس يوميا وكأنها أمر عادي لا عيب فيه ولا يعتبر سلوكا خاطئا. "آفاق البيئة والتنمية" رصدت جملة من المشاهد لسلوكيات تلحق ضررا حقيقيا للبيئة الفلسطينية وتمارس بأيدٍ فلسطينية.
المشهد الأول..
شاركت برحلة لكافة مشاريع الصرف الصحي ومحطات التحلية في قطاع غزة لاهتمامي الكبير في المجال البيئي. محطتنا الأولى كانت في شمال قطاع غزة حيث محطات الصرف الصحي وهي ما يعرف بمشروع بلير – كنا مجموعة من الإعلامين ورغم الرائحة أبيت إلا أن أشارك جموع الصحفيين في النزول من الباص والاستماع إلى المرافق البيئي الذي حدثنا بإسهاب عن هذا المشروع، وعرج في حديثه على المخاطر البيئية والسلوكيات التي يتخذها البعض دون إدراك منه بمدى خطورة ذلك. لحظات ليتبين لي أن ما حدثنا به المهندس البيئي ضاع أدراج الرياح وتبخر في مياه الصرف الصحي، حينما بدأت السلوكيات السلبية تكشر عن أنيابها من قبل بعض الزميلات اللواتي كن يتفنن في إلقاء كاسات البلاستيك من شباك الباص، والمناديل الورقية التي كنّ يستخدمنها، ومخلفات بعض الأشياء التي تناولنها.
وتقول إحداهن: "أجد متعة كبيرة وأنا ألقي كافة المخلفات من شباك الباص فهي تتطاير هنا وهناك ولا تتجمع في مكان معين، وحينما بادرتها بالسؤال هل تعتبرين ذلك سلوكا سليما قالت: لا، ولكنني تعودت على ذلك -والطبع غلب التطبع- حلقة نقاش دارت برفقة الزميلات حول الأوضاع البيئية، بعضهن تبنت شعار الحفاظ البيئي الذي يبدأ من البيت وبعضهن عللت سلوكياتهن بالجهل.
ويبدو أن قطاع المتعلمين بحاجة إلى حملات توعوية وإرشادية لتعديل سلوكياتهم الخاطئة بحق البيئة الفلسطينية التي تعاني جملة من الأخطاء الممارسة دون وعي.
المشهد الثاني..
غزة بركة مياه في يوم ماطر فكيف إذا ما طالت الأيام الماطرة؛ فإن كارثة محققة ستلحق بالمدينة المحاصرة، هذا هو حالها في نهاية شباط الماضي وبداية آذار الجاري حيث طفح للمياه في أماكن عدة في المدينة، ولاسيما في منطقة السنافور وحي الشعف ومخيم الشاطئ؛ مما الحق أضرارا بيئية كبيرة، حيث اختلاط مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي؛ وهذا ما حصل في إحدى مدارس الزيتون الابتدائية، حيث طفحت مياه الصرف الصحي واختلطت بالمياه الواصلة من البلدية؛ مما شكل خطراً حقيقيا على الأطفال.
وتقول إحدى العاملات في المدرسة: "وقع خمسة أطفال داخل قنوات الصرف الصحي لعدم إقفالها بإحكام من قبل مسؤولي الصيانة بعد شفط المياه العادمة(...) ولأن المدرسة في مكان منخفض وتركز الرائحة في المكان فقد أصيب العشرات من الأطفال بحالات ضيق تنفس وحساسية".
المشهد الثالث..
يبدو أن التوعية البيئية يحتاجها الكل على حد سواء لا سيما الأمهات اللواتي تقع عليهن مسؤولية كبرى في تربية الأبناء؛ لكن الجهل لدى الأمهات ينعكس سلبا على سلوكيات الأبناء، وبخاصة لأن التعليم في الصغر "كالنقش في الحجر" إضافة إلى تقليد الكبار. هذا ما حصل مع الطفلة حنين كامل "8"سنوات التي عكفت على محاولة الكنس أمام منزلها، ولأن والدتها تترك القمامة في منتصف الشارع دون إزالتها في السلة المخصصة لها، فإن صغيرتها أيضا تتركها في منتصف الشارع غير آبهة لأن تلك القمامة ستعاود الانتشار في المكان؛ مما يشكل ضررا على المحيطين ولاسيما لأنها تحمل الكثير من المواد الضارة بالإنسان والبيئة على حد سواء.
وتقول الصغيرة لـ"آفاق البيئة والتنمية": "أمي لا تلتقط القمامة عن الأرض وتقول يستاهلوا الناس كل واحد يشيل من أمام بيته وأنا سأعمل مثلها". هكذا تقول حنين وتشير إلى أن الكثير من الجيران يعمل على التنظيف أمام بيته، ويحاول أن يلقى بالقمامة بالقرب من بيوت الجيران.
وهذا ما لاحظته آفاق البيئة والتنمية وهي تراقب سلوكيات النساء والرجال على حد سواء، فيبدو أن السلوكيات تتوارث.
المشهد الرابع..
كنت أسرع الخطى علني أتمكن من إيقاف سيارة لاستقلها لأصل إلى مقر عملي في الوقت المحدد في ظل هطول الأمطار بغزارة؛ وقد امتلأت الشوارع بالمياه وخلت من المارة إلا من الأطفال الذين اضطرتهم الأوضاع الاقتصادية السيئة إلى التنقيب بين القمامة عن قطع البلاستيك والحديد، بل يصل الحد إلى البحث عن ملابس بالية.
احمد "12" عاما يقول: "إنه الفقر الشديد والحاجة إلى ما يسد رمق أسرتي(...) فالمساعدات انخفضت إلى درجة كبيرة والغلاء الفاحش للمواد الغذائية والمستلزمات الأساسية تضاعف سعرها".
ويشير إلى أنه يجمع كل يوم ما يعادل من 10-15 شيكلا تساعده في مصروف البيت الذي يضم بين جنباته 13 فردا.
ويجيب عن سؤال لآفاق البيئة والتنمية عن الخطر التي تشكله القمامة على صحته فيقول: "الأسبوع الماضي جرحت جراء التنقيب في القامة، وقد تم تغريز يدي بـ"8" غرز(...) انظري عاودت العمل ومازالت يدي ملفوفة".
ويوضح أنه يبحث قبل الذهاب إلى المدرسة ويعاود البحث مرة أخرى مساء.
المشهد الخامس..
انقطاع الكهرباء قصة تتوالى فصولها في قطاع غزة، وأضرارها البيئية والصحية تتواصل بحق الفلسطينيين ولاسيما جراء استخدام المولدات في فترة المساء.
الضجيج هو سيد الموقف؛ أما رائحة السولار والبنزين فتعم المكان ليزداد عدد المصابين بالحساسية والاختناق.
أما البيئة والهواء الجوي فهما ملوثان بلا شك؛ وتقول سمية خالد: "في فترة المساء أصاب بالاختناق، وأعزل نفسي في غرفتي ولا اخرج منها إلا للضرورة، أما والدتي فقد أصيبت بالتهابات حادة في الصدر وباتت تعيش على البخاخات "الفوراديل"، وحياتها باتت في خطر وأصبحت من رواد أطباء الأمراض الصدرية.
وتناشد خالد المسئولين العمل من اجل إنقاذ الإنسان الفلسطيني وأيضا البيئة، حيث باتا عرضة لجملة لا نهائية من الأمراض!!
|