سياحة بيئية واثرية
بيسان
إبراهيم سلدمة خوري
تقع مدينة بيسان على بعد 35 كيلو مترا إلى الجنوب الغربي من بحيرة طبريا وفي الطرف الشرقي لسهل مرج بن عامر، وهي في غور الأردن على عمق (350) قدما تحت سطح البحر االأبيض؛ وتعرف أيضا باسم تل الحصن بسبب وجود التل الأثري الكائن هناك حيث تعاقبت عليه المدن المندثرة التي وصل عددها إلى 20 مدينة؛ إذ كانت تلك المدن تتحكم في الطرق التجارية التي تمر بها آتية من الشرق من جبال جلعاد في شرقي الأردن متجهة إلى مرج بن عامر وجبال نابلس في الجنوب، وعلى الأخص كانت تحمي المدخل الشرقي لمرج بن عامر؛ أما الطريق الآخر فكان يتجه منها إلى الشمال في الجليل وإلى دمشق. ويعتقد البعض أن اسمها يعني (دار الاستراحة) وقد جادل علماء الآثار كثيرا في أصل اسمها.
دلت الحفريات الأثرية التي أجريت في المكان أن المدينة تعود إلى العصر البرونزي الأول (3000 ق.م.) وفي العهد البرونزي الأخير كانت حصنا للملكة المصرية، لا سيما في حكم سيتوب الأول ورمسيس الثالث 1198-1194 ويظهر أنه بعد أن انتصر على الفلسطينيين (رجال البحر) في القرن الثاني عشر ق.م. وضع فيها حامية الجنود المرتزقة.
وفي حوالي سنة سبعمائة قبل الميلاد هجرت المدينة ولم تعمر سوى في عهد الهيلانيين ودعيت شيتوبول (Scythopolis) نسبة إلى فرقة من الخياله الشيتيون الذين تمركزوا في المدينة من جيش الملك طولومي الثاني، ولكن الاسم تغير في القرن الثاني ق.م. عندما دخلت في حوزة السلوقيين، فدعيت نيسا (Nysa) نسبة إلى إلهة رومانية بحسب الميتيولوجية الرومانية، كانت قد حضرت من روما وتبنت الإله ديونيسيوس المولود في بيسان حسب الرواية وأصبحت ربة المدينة.
وقد اكتشف علماء الآثار الذين عملوا في السنوات الأخيرة في المدينة عددا من الغرف التي تحيط بالحمامات مرصوفة بالفسيفساء التي تعود إلى العهد الروماني وقد جددها البيزنطيون وجملوها أيضا بفسيفساء أخرى بحيث ظهر فيها رسم جميل جدا لهذه الآلهة نيسا يكلل رأسها التاج وفي يدها الصولجان. ومما يجدر ذكره أن كلمة بيسان العربية قد تبين منها لأول مرة أنها لفظ لهذه الآلهة تبناه العرب عندما فتحوا المدينة ولفظوه مبدلين الحرف الأول نون إلى حرف باء لكونه أسهل لفظا على أبناء الضاد، وكذلك نطقوه بالنون في النهاية توضيحا للفظ كما نرى في كثير من الأسماء التي تتبناها العرب من اللغات الأخرى، لأن آخر الكلمات المنتهية بألف تطن بالنون ومع الزمن أضيفت إليها النون.
أما تسمية المدينة بيت شان فإنه من المعروف بأن كلمة بيت لا تدخل في الاسم وكلمة شان هي تحريف من شعوب أخرى تبنتها وأضافت عليها كلمة بيت وشين بدلا من حرف سين؛ ولا فرق في اللغة السامية بين شين وسين إلا بموقع النقاط على هذا الحرف.
اشترى المدينة جون هركانوس سنة 109 ق.م. ولكن القائد الروماني بومبي أخذها من اليهود سنة 63 ق.م. وضمها إلى المدن العشرة (الديكابولس) وأضحت عاصمة تلك المدن فتمتعت بالازدهار العظيم في تلك الحقبة من التاريخ ودخلت إليها الديانة المسيحية في وقت مبكر وتنامى ازدهارها في العهد البيزنطي، وكشفت الحفريات عن الكنائس التي شيدت فيها ومنها الكاتدرائية؛ وكان أول أسقف للمدينة القديس باتروفيلوس الذي حضر المجمع النيقاوي سنة 325 ميلادية وفيها ولد القديس كريلوس مؤرخ حياة القديس مار سابا وماريوتيميوس.
وكانت تسكن بيسان أقلية يهودية وعندما احتلها الصليبيون نقلوا منها الكرسي الأسقفي إلى الناصرة، وبعد أن استردها العرب أعادوا إليها اسمها السابق بيسان وبقيت مدينة عربية تسكنها أغلبية عربية وأقلية يهودية. وفي سنة 1948 أجبر العرب، بالقوة الإرهابية، على تركها، فأضحت جزءا من "إسرائيل".
عثر علماء الآثار على عدد من الهياكل الوثنية المصرية وعلى حجر رقيم (Stelle) أقامه سيثوس الأول يروي قصة عملية حربية يعود إلى ما بين القرنين الرابع عشر والثالث عشر، وفي الحقبة التي تلي ذلك اكتشفوا تمثالا من الخزف لعشتاروت وكثيرا من الأدوات الأثرية؛ مما قادهم إلى الاعتقاد بأن فترة القرن الثاني عشر كانت منتشرة فيها عبادات عديدة منها طيور الحمام والأفاعي.
ومن الآثار المكتشفة حديثا والتي نشاهدها اليوم المدرج الروماني ويتسع لنحو ثمانية آلاف شخص وقد رمم أخيرا. ومن المدرج نتبع الشارع المعمور >(Cardo) قد تبين أن هذا الكاردو هو الوحيد الذي لا يسير باتجاه مستقيم بل ينعطف إلى اليمين لجهة الشمال الغربي بعد أن يلتقي بالشارع المعترض المسمى (الدوكومانو) المتجه من الجنوب إلى الشمال وسبب ذلك ناتج عن تل الحصن القديم حيث تربض فوقه المدن المندثرة قديما كما اشرنا إلى ذلك سابقا.
ثم يدور هذا الشارع المعمد صعودا إلى الجنوب ليصل إلى محاذاة (الانفيتياتر) الذي تبين أخيرا أنه كان معد لمصارعة الأسود والعبيد، وبالتالي ففي الجانب الشرقي حيثما ينتهي الكاردو تتجه درجات تعود إلى المكان الفسيح حيث الحمامات الكبيرة المحاطة بأروقة ومن داخلها الغرف المتعددة تصطف على جوانبها المزينة أرضها بالفسيفساء حيث مبنى النمفيوم، فترى بركة مياه عذارى النهر. وهناك هيكل ديونيسيوس الذي يظهر مستدير الشكل بخلاف غيره من الهياكل الوثنية وقد أعيد بناؤه من حجارته الأصلية التي وجدت في المكان عند سقوطها سنة 748م إثر الزلزال الذي دمر كثيرا من الأماكن ومنها قصر هشام في أريحا.
اما الإنفيتياتر فيبلغ طوله 99 مترا بيضاوي الشكل أرضه غير مبلطة وقد تركت كذلك لتمتص الدماء النازفة من المصارعين. ويعتقد أنه كان في الأصل ميدانا لسباق الخيل ويرى في النصف الشرقي منه صف المقاعد الأولى التي كان يجلس فوقها علية القوم، أما الصفوف التي كانت تعلوها فلم يبق منها سوى القليل ومن المرجح أنها كانت تتسع لعشرة آلاف مشاهد.
عن: الدليل السياحي لأهم الأماكن الدينية والأثرية في الأرض المقدسة
|