مبادرات بيئية
اكتشف أنواعا نادرة جدا ومهددة بالانقراض على مستوى العالم
الدكتور بنان الشيخ.. صديق البيئة والحافظ الأمين لنباتات فلسطين
المستوطنات والطرق الالتفافية والجدار العازل.. أعداء البيئة
سامر خويرة / نابلس
عشقه للأرض وحبه واهتمامه بالنباتات ولاسيما الطبية منها برز لديه منذ الطفولة، فنمّى تلك الهواية وحصنها علمياً بالتحاقه بالدراسة الجامعية وتخصصه في علم الأحياء في جامعة النجاح الوطنية بنابلس التي تخرج منها عام 1985.
لم يكتف بذلك بل واصل مسيرته العلمية في ذات التخصص الذي أحب، ليسافر في بعثة عام 1989 إلى المملكة البريطانية المتحدة لإكمال الدراسة عن تصنيف النبات وهو تخصص نادر جدا في بلادنا، ولا يلقى إلى الآن الاهتمام المطلوب، ليعود بعد ذلك بعام تقريبا ويعمل في الجامعة التي احتضنته في بداية طريقه مدة 3 سنوات في قسم الأحياء كمدرس غير متفرغ، ومثلها في جامعة بيرزيت لينشئ هناك معشبة (متحف نباتي) ما تزال حتى الآن تزخر بالأنواع المتعددة والفريدة الموجودة فيها.. وفي العام الأخير من القرن الماضي وتحديدا في سنة 1999 التحق بالجامعة العبرية لنيل شهادة الدكتوراه في التنوع الحيوي الحيواني، وخلال تلك الفترة قام بصحبة الأساتذة والطلبة بجولات ميدانية عديدة في فلسطين التاريخية وزار مناطق مختلفة مثل جبل الشيخ وجبل الجرمق والساحل الفلسطيني وشمال النقب حتى حدود سيناء.. وهو ما أكسبه معلومات غزيرة عن توزيع النباتات وأنواعها في فلسطين في مختلف المناخات والبيئات الطبيعية التي تنمو فيها..
ولكن مع اندلاع انتفاضة الأقصى نهاية تشرين الأول من عام ألفين منع كغيره من الدخول إلى إسرائيل وبالتالي توقف عن الدراسة. لكن هذه لم تكن نهاية الطريق بالنسبة للدكتور بنان الشيخ والمولود في قرية "سنيريا" قضاء محافظة قلقيلية في العام الأول من ستينيات القرن العشرين، فخلال الانتفاضة وما بعدها ورغم الصعوبات والمعوقات الكثيرة التي كان يضعها الاحتلال في وجه الفلسطينيين ومنعهم من التحرك بحرية والتنقل من مكان لآخر، استطاع بنان الشيخ تنفيذ عشرات الجولات الميدانية النباتية برفقة مهتمين في البيئة في مناطق عديدة بالضفة الغربية.. كان في كل جولة يجري عملية جرد للنباتات في المنطقة التي يقوم بزيارتها للتعرف عليها.
وخلال تلك الجولات التي لم تعترف بحاجز عسكري هنا أو هناك، اكتشف الشيخ نباتات نادرة جدا ومهددة بالانقراض على مستوى العالم.. منها "سوسن نابلس" و"سوسن فقوعة" والسوسن الأزرق، وتم تحديد نوع من هذا السوسن لا يوجد في العالم إلا في فلسطين. إضافة إلى أنواع أخرى نادرة ومتوطنة في فلسطين تقريبا مثل نبات السراج "السيراج" ونبات يسمى "لحلاح".
وعبر هذه الجولات الميدانية المكثفة التي ما زالت مستمرة إلى الآن كوّن الشيخ قاعدة معلومات موسعة ومن خلالها تم تحديد مواقع النباتات النادرة والمهددة بالانقراض في أراضينا.. وقام بحوسبة جزء كبير منها، وهو الأمر الذي لم يكن موجودا من قبل.
دور النباتات في التنوع الحيوي والبيئي
ويؤكد د. بنان الشيخ على الدور الكبير الذي تلعبه النباتات في التنوع الحيوي والبيئي وأهميتها للكائنات الأخرى، ولاسيما لأن هناك أنواعا من النبات تشكل غذاءً للإنسان ومصدر رزق له، ومنه ما يشكل غذاءً للحيوانات والطيور وملاذا لها وأماكن للتفريخ والتعشيش؛ مما يشكل خطرا عليها ويهدد بانقراض بعض أنواعها في حال انقراض بعض أنواع من النباتات؛ ويضرب مثالا لذلك بنبات الرمان الذي ساعد انتشاره على توسيع مدى انتشار "عصفور الشمس الفلسطيني" الذي كان موطنه الأصلي في الأغوار الشمالية.
ويضيف "هناك أنواع من النباتات لها قيمة اقتصادية وطبية وجمالية قد تتعرض للانقراض في حال عدم الاهتمام بها، ولاسيما لأننا في مرحلة يقبل الجميع فيها على الغذاء والعلاج الطبيعي، فعلى سبيل المثال يوجد في هذه الأيام إقبال شديد على تناول نبات "اللوف" كغذاء بعد الاكتشاف الحديث لأهميته في مقاومة السرطان.
رحلاته البيئية
ويؤكد د. بنان الشيخ على أن الرحلات الميدانية زادت من وعيه بالبيئة بشكل عام وبأهمية النباتات التي تنمو عندنا بشكل خاص، حيث استطاع إدراك مدى "المهددات" التي تتعرض لها النباتات في بلادنا وهي كثيرة وذات تأثير مباشر وسريع على انقراض أنواع عدة مهمة مثل "الميرمية" و"الزعتر" و"الزعتمانة" و"زعتر السبل" و"الندغ"، وبعضها انقرضت بالفعل في بعض المناطق بفعل القطف الجائر لها.. إضافة إلى مرور الجدار والتجريف في بيئة هذه النباتات.
ويعطي مثالا على ذلك بـ"وادي قانا" الذي يعد من أهم المحميات الطبيعية في الضفة الغربية حيث أقيمت سبع مستوطنات على تلاله. منوها إلى أنه وجد نوعا من النبات في الوادي لم يسجل وجوده من قبل إلا في شمال فلسطين -وهو مهدد بالانقراض-، حيث يتم إشعال الحرائق في مكان وجوده مما يهدد بخطر فقدانه في الضفة الغربية ككل.. مشددا على أن فقدان أي نبات مهما كان نوعه سيكون له أثره السلبي والكبير على البيئة، ولاسيما لأن لكل كائن حي دورا في السلسلة البيئية، وعند فقدانه تُفقد حلقة من هذه السلسلة التي كان لها دورها الفاعل في البيئة..
كتبه وإنجازاته
ويعد د. بنان الشيخ مختصا بـ"التنوع الحيوي النباتي"، وهو علم يهتم بالاسم العلمي الصحيح للنبات وبوجود نوعه ودرجة ومكان انتشاره وفيما إذا كان نادرا أم لا!!.. وهذا العلم يعد أساسا لعلوم أخرى منها البيئية والطبية والصيدلانية؛ لأنه دون معرفة الاسم العلمي للنبات يحصل تشويش واختلاط في أنواع النباتات المقصودة أو التي تجرى عليها الأبحاث، ولاسيما لأن الأسماء العربية مختلفة للنبات الواحد في المنطقة الواحدة. كما أنه مختص بعلم تشريح النبات.
وخلال السنوات التي قضاها باحثا في علم النباتات استطاع تحقيق عدد من الانجازات الهامة على الصعيد الشخصي والبيئي، أبرزها الكتاب الذي ألفه بناءً على الجولات الميدانية المكثفة التي قام بها تحت عنوان "نباتات الضفة الغربية – فلسطين" (قاعدة معلومات نباتية وبيئية)، وهو الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي، ويقع في 110 صفحات ويحوي الأسماء العربية الأكثر شهرة لمعظم أنواع النباتات في الضفة الغربية والتي يقدر عددها بنحو 1600 نوع. وسيتم إصدار نسخة جديدة له مستقبلا تحوي تحديثا وتطويرا للمعلومات الواردة فيه.
ويرى د. بنان الشيخ أن الكتاب يعد مرجعا للنباتات في الضفة الغربية من حيث نوع النبات واسمه العلمي واسمه العربي الأكثر شيوعا ودرجة شيوعه وموعد إزهاره وبيئته.
ومن أهم إنجازاته، اكتشاف نباتات في الضفة الغربية لم تكن معروفة أنها فيها، كإحدى أنواع النباتات المتطفلة الموجودة فقط في الصحراء، إضافة إلى نبات "الحنة" وشجرة السواك.
كما شارك د. الشيخ كممثل لفلسطين على حوض المتوسط في أسبانيا ممثلا لجامعة القدس لتحديد النباتات المهمة الموجودة في فلسطين، وخلاله تم اعتماده كمنسق وطني لدى جمعيات رئيسية دولية للحفاظ على التنوع الحيوي مثل جمعيات IUCN, PALNTLIFE, WWF .
وحرصا منه على اطلاع الطلبة وزيادة درايتهم بالنباتات البرية المهمة في الضفة الغربية، عمل على إدخالها إلى حدائق جامعة القدس "أبو ديس"، إضافة لزراعة العديد من النباتات المهمة في حدائق بلدية نابلس، حيث وجدت البلدية تفهما كبيرا لأهمية هذا الموضوع.
كما يعمل حاليا مستشارا للتنوع الحيوي لدى جمعية أصدقاء الأرض، ولدى جمعية التطوير المائي والبيئي وكلاهما في مدينة بيت لحم، إضافة إلى جمعية الحياة البرية الفلسطينية وبلدية نابلس.
ومؤخرا، ساهم د. بنان الشيخ كخبير في التنوع الحيوي بتقييم المؤثرات السلبية على النباتات البرية في عدة مشاريع، آخرها كان مشروع إعادة تأهيل نهر الأردن؛ وخلاله قام بتسجيل جميع أنواع النباتات الموجودة في النهر وعلى ضفافه، وتم تحديد أنواع نباتات قد انقرضت وأخرى كانت شائعة أصبحت نادرة جدا على طول النهر بسبب تلوثه وزيادة ملوحة مياهه من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، كما أن النهر ينحسر ويقل عرضه شيئا فشيئا، وهناك خطر أن يحدث له شبه جفاف.
أثر الاحتلال الإسرائيلي على النباتات
ويشدد د. بنان الشيخ على الدور السلبي للاحتلال الإسرائيلي على البيئة والنباتات والحيوانات من حيث تخريب البيئات الطبيعية لهذه الكائنات بواسطة إقامة المستوطنات والطرق الالتفافية والجدار العازل وإغلاق مناطق معينة أمام الفلسطينيين؛ مما يجعلهم يمارسون نشاطاتهم في مساحة محدودة، وهو ما يحول دون اكتمال دورة حياة النبات كما في أماكن الرعي الجائر.
وتكمن المشكلة الكبرى بنظره في عدم قدرته وغيره من المختصين والخبراء البيئيين على الوصول لمناطق عديدة غنية بالتنوع الحيوي والبيئي لدراستها ومعرفة درجة أهميتها، بسبب الاحتلال الذي يمنعهم من ذلك تحت حجج وذرائع واهية.
ويؤكد د. الشيخ أن إقامة المستوطنات لعب دورا سلبيا للغاية في الإضرار بالبيئة الفلسطينية، مشيرا إلى أنه تم إنشاء سبع مستوطنات على رؤوس الجبال في محمية "وادي قانا" مما تسبب بإزالة الغطاء النباتي لرؤوس هذه الجبال كاملا؛ وهو ما ترتب عليه فقدان معظم الحيوانات البرية التي كان يشاهدها المواطن الفلسطيني هناك باستثناء زائر جديد من قبل الاحتلال، ألا وهو الخنازير البرية التي تتسبب بإرهاب المواطنين وإلحاق الضرر بهم.
مخاطر الجدار
ولا يفوت على د. الشيخ التنويه إلى مخاطر مسار الجدار الذي يتلوى كالأفعى في الأراضي الفلسطينية على التنوع الحيوي والبيئي، ولاسيما لأنه قضى على بيئات مختلفة وأدى إلى تدمير أنواع عديدة من النباتات بعد أن مر فوق أراض زراعية بعلية ينمو فيها بعض أنواع النباتات ولا تنمو في أراض مروية، مثل نبات "الجلثون" و"الرقيطة"، إضافة إلى محاولة عزل نبات من السوسن الذي لا يوجد على مستوى العالم إلا في فلسطين لعزله داخل الجدار وحرمان الفلسطينيين منه؛ ليقال إنه لا يوجد في العالم من هذه النوعية إلا في إسرائيل، "ولكنني رصدته قرب الجدار في تلك المنطقة من الضفة الغربية".
كما يؤكد أن الجدار حرم الفلسطينيين من العديد من الأشجار الأثرية القديمة والتي أصبحت داخله، وكذلك عزل العديد من الآبار الجوفية التي كانت تغذي المزارعين بالمياه لفلاحة أراضيهم؛ فترك الأرض المروية دون زراعة يجعل نمو النباتات "الغازية" سهلا وكبيرا.
إضافة إلى طرح مخلفات المستوطنات والمياه العادمة في البيئة الفلسطينية مما يقضي على العديد من أنواع النباتات، وكذلك الضخ الجائر للمياه الجوفية من قبل الاحتلال والذي أدى إلى جفاف ينابيع عديدة؛ وبالتالي القضاء على النباتات المائية في تلك البيئة وبعض الحيوانات المرافقة مثل "السرطعان" و"البط البري" والضفادع وغيرها.
كما أن الاحتلال يقوم بإشعال الحرائق في بعض المناطق وبخاصة في بعض المحميات الطبيعية، مثل "عين الفشخة" وبعض المواقع على طول نهر الأردن.
|