|
أراضي الضفة تحولت إلى مكب لمخلفات المستعمرات وللنفايات الخطرة التي يهربها إليها مقاولون إسرائيليون
الكسارات الإسرائيلية العشوائية المنتشرة في مختلف أنحاء الضفة شوهت التلال الجميلة ودمرتها
كارثة بيئية في الضفة الغربية بسبب المستعمرات الإسرائيلية
أنهار المياه العادمة تتدفق نحو الأراضي الزراعية الفلسطينية من المستعمرات والقواعد العسكرية الإسرائيلية

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تقع مستعمرة "عَلِي" في أحد أجمل المناطق الفلسطينية بين النهر والبحر. وتطل منازل المستعمرة على سلسلة جبلية خلابة تعد من أروع المشاهد البيئية بين رام الله ونابلس المحتلتين. ويمتد على السفح الجبلي من الجهة المقابلة لمستعمرة "علي"، حي استيطاني آخر يدعى "هيوفيل" يستوطنه نحو 150 مستعمرا يلقون مياههم العادمة في أراضي القرى الفلسطينية المجاورة، وذلك عبر أنبوب يفرغ محتوياته وسط السفح، ومن ثم تواصل السوائل القذرة ذات الروائح المقززة تدفقها بحرية في المنحدر الجبلي، حتى تصل إلى كروم الزيتون في قرية قريوت الفلسطينية. وبالطبع، فإن جزءا كبيرا من هذه السوائل السامة تتسرب إلى باطن الأرض وتلوث المياه الجوفية التي يشرب منها الفلسطينيون.
وفي مكان آخر غير بعيد عن مستعمرة "علي"، وتحديدا في منطقة رام الله، تقع مستعمرة "عوفرا" التي تتدفق منها كميات كبيرة من مياه المجاري، متجهة نحو أراضي القرى الفلسطينية، وبخاصة أراضي عين يبرود.

وفي جولة سريعة أجرتها مجلة آفاق البيئة والتنمية في محيط بعض المستعمرات الملاصقة للقرى الفلسطينية، تبين أن أكوام النفايات الصلبة والخطرة التي يلقيها المستعمرون في محيطهم، وعلى أطراف أراضي القرى الفلسطينية، تنتشر في كل مكان. وقد تحولت أراضي الضفة الغربية إلى مدفن نفايات كبير للإسرائيليين، حيث تنتشر في مختلف الأنحاء المكبات العشوائية لمخلفات الهدم والإنشاء الإسرائيلية، وغيرها من النفايات التي يهربها مقاولون إسرائيليون إلى أراضي الضفة الغربية. ناهيك عن حرق المستوطنين لكميات ضخمة من النفايات الكيماوية والزراعية وغيرها، مما يتسبب في انتشار غيوم الدخان الأسود الكثيف في محيط وفوق القرى الفلسطينية. ويمكننا أيضا ملاحظة أكوام الخردة القديمة المنتشرة على جوانب الطرق.
كما نرى بوضوح أنهار مياه المجاري المتدفقة نحو الأراضي الزراعية من المستعمرات والقواعد العسكرية التابعة لجيش الاحتلال.
ووفقا لتقرير منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية الذي نشرت مجلة آفاق البيئة والتنمية مقتطفات منه (أيلول 2009)، فإن كميات هائلة من المياه العادمة تتدفق من المستعمرات الإسرائيلية إلى الوديان والجداول في مختلف أنحاء الضفة الغربية، مما يتسبب في تلويث البيئة والمياه الجوفية الفلسطينية. ويتدفق سنويا، من أكثر من ثلث المستعمرات، نحو 6 ملايين متر مكعب من المياه العادمة الخام غير المعالجة إلى الوديان والجداول في الضفة الغربية؛ مما يتسبب في أذى شديد في مختلف أنحاء الضفة، وتلويث المياه الجوفية الجبلية التي تعد أهم مصدر للمياه وأكثرها جودة. يضاف إلى ذلك أكثر من 10 ملايين متر مكعب من المياه العادمة تتدفق دون أي معالجة نحو جنوب شرق القدس، حيث تتسرب تلك المياه إلى خزان المياه الجوفي الجبلي الذي يعد حساسا للتلوث، مما يتسبب في أذى صحي وبيئي خطير.
ومن الواضح أن تلويث مصادر المياه قد يفاقم أزمة مياه الشرب الفلسطينية، علما بأن الفلسطينيين يعتمدون بشكل أساسي على المياه الجوفية.
ومن المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي أهمل طيلة عشرات السنين إقامة البنية التحتية اللازمة لمعالجة المياه العادمة، علما بأن ما يسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية لا تزال تضع العراقيل الكثيرة أمام تطوير شبكات المجاري ومحطات المعالجة، وتعيق إصدار التصاريح اللازمة لإنشاء محطات معالجة.

وقد نشاهد، هنا وهناك، تدفق المياه العادمة الفلسطينية في الوديان، وذلك بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين إنشاء محطات معالجة النفايات السائلة، لأنها تقع في ما يسمى مناطق C الواقعة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة. وتتمثل الحالة الوحيدة التي قد توافق فيها سلطات الاحتلال على إنشاء محطات تنقية، في قبول السلطة الفلسطينية استخدام المستوطنين أيضا لمثل هذه المحطات.
وفي ما يسمى مناطق C ينتشر ما لا يقل عن مئة كسارة إسرائيلية "غير مرخصة" وغير مراقبة، تقع على أراضٍ نهبها الاحتلال من أصحابها الفلسطينيين، وتعمل آلياتها ليل نهار على سلخ وقص التلال الجميلة، علما بأنه لا يوجد في المناطق المحتلة عام 1948 كسارة واحدة "غير مرخصة".
وفي الواقع، تجاوز الأذى البيئي الاستيطاني في أراضي الضفة الغربية، مرحلة التدمير البيئي، ووصل مرحلة الكارثة البيئية.
يشار هنا، إلى أن القوانين البيئية التي تشدد السلطات الإسرائيلية على تنفيذها في مناطق عام 1948، لا تطبقها على المستعمرين في أراضي الضفة. وفي الحقيقة، حتى في حال الإغلاق الفوري لجميع الكسارات الاحتلالية العشوائية المنتشرة في مختلف أنحاء الضفة، ستبقى سلاسل التلال المشوهة والمدمرة جرحا عميقا غائرا في المشهد البيئي الفلسطيني.
|