زيبار الزيتون يمكن أن يتحول إلى سماد وطاقة ودواء تدهور عشرين مليار طن من التربة السطحية الخصبة سنويا بسبب التآكل والتعرية البلدات الفلسطينية في إسرائيل: مكبات لملوثات الصناعات الخطرة

 

كانون الثاني 2009 العدد (10)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا 

January 2009 No (10)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب البيئة والتنمية في صور الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

الراصد البيئي:

مشــاهد بيئية

أخبار البيئة والتنمية


 

 

مع عودة الشكوى من تسببه بتلويث التربة والمياه السطحية والجوفية

زيبار الزيتون يمكن أن يتحول إلى سماد وطاقة ودواء

حبيب معلوف / لبنان

بالرغم من اعتبار موسم الزيتون في لبنان، من المواسم التراثية التي تنشغل بها معظم المناطق اللبنانية، لجني الثمار وصناعة الزيت، والصناعات الأخرى المرتبطة بالزيتون... كان إنتاج زيت الزيتون لا يزال حتى الأمس القريب، يعتبر "صناعة ملوّثة" تولّد نوعين من النفايات، نفايات سائلة (الزيبار) ونفايات صلبة (الجفت). وذلك بسبب التخلّص العشوائي من هذه النفايات الذي يؤثر سلباً على التربة، والمياه السطحية والجوفية ومياه الأنهر، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على الهواء.

وقد لاحظت الدراسات التي أعدها مشروع "الإدارة المتكاملة للنفايات الناتجة عن عصر الزيتون ما بين لبنان وسوريا والأردن"، الانعكاسات السلبية للرمي العشوائي للزيبار في العديد من المناطق، إن الزيبار يتسبب بانخفاض أعداد الأسماك؛ وتدهور نوعية مياه الاستعمال المنزلي؛ والإضرار بالأماكن السياحية والترفيهية.
وكان المشروع المذكور، قد أجرى منذ عامين مسحاً لمعاصر الزيتون والصناعات المكملة لها. وأظهرت نتائج المسح أن  هنالك 492 معصرة زيتون في لبنان، وحوالى 36 صناعة متممة، تشمل الصابون، والفحم، والتعليب، والتسبيخ. وإن غالبية المعاصر (87%) تتبع الطريقة التقليدية في استخراج الزيت؛ بينما 10% منها تستعمل الطرد الثلاثي و3% منها تستعمل الطرد الثنائي. ويبلغ معدل إنتاج معاصر الزيتون حوالي 657 كغم زيتون في الساعة. وقدرت الدراسة أن هناك حوالي 120 الف ليتر من المياه الملوثة تصرف بطريقة عشوائية سنويا، وحوالي 79 الف طن من جفت الزيتون تستعمل في غالبيتها للتدفئة وإنتاج الفحم، في المواسم الجيدة، وأن حوالى 48% من معاصر الزيتون في لبنان غير مرخّصة.

إلا أن الكثير من الابحاث والدراسات والتجارب الحديثة، وجدت في زيبار الزيتون فوائد متعددة إذا ما أحسنت إدارته. فما هي هذه الفوائد؟ وما الذي يمكن أن يطبق منها في لبنان؟ ومن سيقوم بمتابعة ما أنجزه مشروع الادراة المتكاملة للنفايات الناتجة عن عصر الزيتون بعد انتهائه؟ وهل سيكون مصيره مثل الكثير من المشاريع التي أدارتها وزارة البيئة عندنا وانتهت مع نهاية تمويلها؟!

مشكلة الزيبار

لاحظت الدراسة أن الطلب على زيت الزيتون يزداد عالمياً بشكل لافت، والتلوث البيئي من نفايات معاصر زيت الزيتون يزداد أيضاً، وبخاصة في منطقة البحر المتوسط؛ فهذه النفايات تحتوي على نسب عالية من المواد العضوية والبوليفينول. كما تنبعث من معاصر الزيتون مركّبات ذات روائح مزعجة.  ويسبب الزيبار الناتج عن المعاصر تدهوراً في موارد المياه، ينعكس في تغيير لون المياه وظهور طبقة من الزيت على سطحها، ونقص في الأكسيجين. كما يؤثر على نوعية التربة وتسمّم الحياة النباتية ويسبب انبعاث روائح مزعجة عند تصريفه إلى التربة.

 

تجارب عالمية في كيفية المعالجة

من جهة أخرى، فهناك دراسات عالمية دلّت على إمكانية تحويل مثل هذه النفايات إلى مورد اقتصادي مثل استعمالها كوقود حيوي أو سماد، أو كمادة أولى في عملي استخراج منتجات ذات قيمة، مثل: مضادات الأكسدة، والأنزيمات، والغاز الحيوي. ولكي تتحاشى الفوضى الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إلى أزمة في قطاع إنتاج زيت الزيتون نظراً لكلفة الاستثمار المرتفعة لمعالجة الزيبار الناتج عن معاصر الزيتون، فقد لجأت بعض البلدان إلى إصدار تشريعات ومعايير وخطط إستراتيجية احتياطية للتخلص من هذه النفايات،حيث تطبق في ايطاليا مثلا، عملية الري بالزيبار ضمن معايير معينة. أما إسبانيا، فقد غيّرت تقنيات الإنتاج المعتمدة من الكبس والطرد الثلاثي إلى نظام الطرد الثنائي الذي يولّد زيبارا أقل. والدراسات الموسّعة والابحاث التي جرت في كل من إسبانيا وإيطاليا دلّت على قيمة عالية لهذه النفايات في تسميد التربة.  وقامت إحدى المؤسسات الإيطالية بتطوير تقنية جديدة تسمح بمعالجة زيبار معامل الزيتون والاستفادة منه، وهذه التقنية تقوم على استعمال سلسلة عمليات ترشيح غشائي يبدأ بالترشيح المجهري مرورا بالترشيح الدقيق، وينتهي بالتناضح العكسي (reverse osmosis)وينتج عن ذلك مواد ثانوية كالمياه (صالحة للاستعمال الزراعي) ومنتجات تصلح كعلف حيواني، ومادة  Hydroxytyrosol، وهي مضاد فعال للتأكسد تستعمل في صناعة الأدوية ومواد التجميل. 

 

القيمة التسميدية للزيبار

بينت الدراسات أن الزيبار يتميز بغناه بالمواد العضوية والمواد المغذية للتربة، كما يعتبر مصدرا للماء قليل الكلفة، مما يحفز استخدامه كمادة تسميدية أو كمواد محسنة للتربة.  كما أن للزيبار تأثيرا إيجابيا على تركيبة التربة وثباتها وعلى الخصائص الهيدروديناميكية للتربة الرملية؛ وبالتالي يمكن استخدامه كمحسن للتربة لتخفيض التبخر في المناطق الجافة وشبه الجافة.  وقد خرج مشروع "الإدارة المتكاملة للنفايات الناتجة عن عصر الزيتون" بعدة توصيات لتطبيق عمليات استعمال الزيبار كمحسن للتربة ومنها: 

  • يجب فلش الزيبار على مسافة معينة من الأشجار. 

  • يجب أن لا يزيد حجم الزيبار عن 100 م3 للهكتار الواحد سنوياً.

  • يجب أن يتم التعامل مع الزيبار وفق إرشادات صارمة.

  • يجب أن يفصل بين موعد الاستعمال وموعد البذار مدة لا تقل عن شهر بالنسبة للزراعات السنوية.

  • يجب عدم استخدام الزيبار في مرحلة إزهار المحاصيل الزراعية.

وبالاستناد إلى الاستخدام التقليدي للأسمدة الكيماوية، فإن استخدام الزيبار قد يحقق وفراً سنوياً بقيمة 50 يورو في الهكتار الواحد في حقول الزيتون غير المروية، وحوالي 70 يورو في الهكتار لحقول الزيتون المروية.  يضاف إلى ذلك الوفر المحقق في كلفة رش الأسمدة.  وبينت الدراسة أن استخدام الزيبار يسمح بتخفي استعمال الأسمدة الكيماوية بحوالى 550 كغم/هكتار في الأراضي غير المروية و800 كغم/هكتار في الأراضي المروية، بما يحقق توفيراً بقيمة 55 يورو/هكتار و80 يورو/هكتار على التوالي.

 

تأثير تقنيات العصر على نوعية الزيت

تعتمد نوعية زيت الزيتون على العديد من العوامل، أهمها اختلاف نوعية ثمرة الزيتون، ومنطقة القطف، والمناخ، ومرحلة النمو التي وصلت إليها ثمرة الزيتون، وظروف التخزين، إلخ.


تم تنفيذ العديد من المشاريع الهادفة إلى دراسة فعالية تقنيات عصر الزيتون وتأثيرها على نوعية الزيت المنتج. وقد تم استخدام تقنيتين لعصر الزيتون: النظام غير المتواصل (غير المستمر ـ الكبس) والنظام المتواصل (المستمر ـ الطرد) لاستخراج الزيت من نوعين مختلفين من الزيتون.
وتمت مراقبة بعض المؤشرات المتعلقة بنوعية وثبات زيت الزيتون، من بينها الــحموضة، ومحتوى الفينول متعدد الحلقات polyphenol، وتركيبة الحمض الدهــني وذلــك في أوقــات مختلفة.
يعتبر زيت الزيتون النباتي الزيت الوحيد الذي يحتوي على كميات مهمة من الفينولات المتعددة الحلقات، التي تعمل كمواد مضادة للأكسدة وتساهم في مكافحة أكسدة الزيت خلال فترة تخزينه، وأظهرت الدراسة أن الزيت المستخرج بالنظام المتواصل يحتوي على مستويات مرتفعة من الفينولات المتعددة الحلقات والتي تساهم في إعطاء الزيت درجة ثبات عالية ضد التأكسد عند حفظه لفترة طويلة.

إضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة التي أعدها الدكتور سيلفادور في العام 2002 حول أثر نظام استخراج الزيت (الكبس، الطرد ثلاثي المراحل، الطرد ثنائي المراحل) على نوعية زيت الزيتون، أن محتوى الفينول الكلّي كان أعلى في الزيت المستخرج بنظام الطرد المتواصل منه في الزيت المستخرج بنظام الكبس، وأن معدل تركيز الفينول الكلي في الزيت المستخرج بواسطة الطرد الثلاثي كان أقل بقليل من ذلك المستخرج بواسطة الطرد الثنائي، وذلك نتيجة اعتماد الطرد الثلاثي على معدلات مرتفعة من الماء/العجينة، وبالتالي يتم إزالة الفينولات بشكل أكبر مع النفايات السائلة. تؤثر المواد الفينولية ليس فقط على نوعية الزيت، بل أيضاً على نكهته ورائحته، لا سيما بالنسبة لمذاقه المر؛ وهي خاصية مهمة تندرج ضمن التحليل الحسي لنوعية زيت الزيتون، مع الإشارة إلى أن شدة المرارة كانت، وحسب الإحصاءات، أعلى في المعاصر التي تعتمد الطرد الثنائي منها في المعاصر التي تعتمد الطرد الثلاثي. 

إضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة التي أعدها الدكتور سيلفادور في العام 2002 حول أثر نظام استخراج الزيت (الكبس، الطرد ثلاثي المراحل، الطرد ثنائي المراحل على نوعية زيت الزيتون، أن محتوى الفينول الكلّي كان أعلى في الزيت المستخرج بنظام الطرد المتواصل منه في الزيت المستخرج بنظام الكبس، وأن معدل تركيز   الفينول الكلي في الزيت المستخرج بواسطة الطرد الثلاثي كان أقل بقليل من ذلك المستخرج بواسطة الطرد الثنائي، وذلك نتيجة اعتماد الطرد الثلاثي على معدلات    مرتفعة من الماء/العجينة، وبالتالي يتم إزالة الفينولات بشكل أكبر مع النفايات السائلة. تؤثر المواد الفينولية ليس فقط على نوعية الزيت، بل أيضاً على نكهته       ورائحته، لا سيما بالنسبة لمذاقه المر؛ وهي خاصية مهمة تندرج ضمن التحليل الحسي لنوعية زيت الزيتون، مع الإشارة إلى أن شدة المرارة كانت، وحسب        الإحصاءات، أعلى في المعاصر التي تعتمد الطرد الثنائي منها في المعاصر التي تعتمد الطرد الثلاثي. 

للأعلىé

 

 

بسبب "الزراعة "الحديثة":  ستة كيلوغرامات من التربة تتدهور مقابل إنتاج كيلوغرام واحد من الغذاء

تدهور عشرين مليار طن من التربة السطحية الخصبة سنويا بسبب التآكل والتعرية

سعد داغر

أدت الممارسات البشرية إلى تدهور مساحات واسعة من الأراضي في المستوى العالمي، حيث أدى تدمير الغابات والرعي الجائر والإدارة السيئة للتربة الزراعية إلى تغييرات جذرية في الغطاء الطبيعي على سطح الكرة الأرضية. إن مثل هذا التدهور في الأراضي يؤثر سلباً على حياة قرابة المليار إنسان حول العالم يقطنون في حوالي مئة بلد، معظمها من الدول النامية.

يشمل تدهور التربة أشكالاً عدّة، مثل التغيرات الكيماوية والحيوية والتآكل بفعل التعرية الناتجة عن الرياح والأمطار. ويقدر متوسط تآكل التربة في السنةبحوالي 50 إلى 200 كغم للدونم، ويعتمد ذلك على نوع التربة ودرجة الانحدار وطبيعة عملية التآكل.

 

وفي المستوى العالمي يتعرض للتدهور، بمعدلات مختلفة، ما يقارب عشرين مليار دونم، وهو ما يساوي تقريباً 15 % من مساحة اليابسة. و يقدر أن حوالي 25400 مليون طن من المواد تُفقد من سطح التربة كل عام بسبب التعرية. كما يعتبر تراجع خصوبة التربة أو الخسارة الكلية للأرض الزراعية بسبب زيادة الملوحة أو القلوية، من المشكلات العامة على الصعيد العالمي.  

 

ما المقصود بتدهور الأراضي؟

يعني تدهور الأراضي تدني القدرة الإنتاجية للتربة بشكل مؤقت أو فقدان هذه القدرة على الإنتاج بشكل دائم. وتعتبر الأساليب الزراعية الحالية أحد أهم أسباب تدهور التربة.

 

إن التربة جسم حي وليست كتلة جامدة، وهي تحتوي على تجمع هائل ومتوازن من الكائنات الحية، فضلاً عن  المعادن والمواد العضوية؛ وإنتاجية الأرض إنما تعتمد بشكل أساسي على خصوبة التربة، التي تُبنى بشكل طبيعي خلال زمن طويل، لتدمرها الممارسات الإنسانية في زمن قياسيٍ قصير. تستطيع الطبيعة أن تبني كل خمسمئة عام ما ارتفاعه  سنتيمتر واحد من التربة؛ غير أن الممارسات الزراعية "الحديثة" تؤدي إلى تدهور ستة كيلوغرامات من التربة مقابل كل كيلوغرام واحد من الغذاء الذي يجري إنتاجه، فهل يمكن الاعتماد على مثل هذه الزراعة في تأمين مستقبل البشرية؟

 

 

البشر:  سبب تدهور الأراضي  وضحيته

 

في الوقت الذي يعتبر فيه البشر المتسبب الرئيسي في تدهور الأراضي فإنهم هم أنفسهم ضحايا هذا التدهور. وعلى نطاق العالم الثالث، كان تدهور الأراضي هو السبب الرئيسي لهجرة المزارعين لأراضيهم، وهجرة سكان الريف إلى الأحياء الفقيرة في المدن؛ مما شكل ضغطاً على المدن وعاق خطط التنمية المخصصة للنهوض بالريف في الكثير من البلدان في العالم، نتيجة لإهمال الأرض وهجرة الأيدي العاملة من الريف.

ويعتبر تدهور الأراضي أحد أهم مهددات التنوع الحيوي، نتيجة فقدان الغطاء النباتي؛ مما يؤثر على السلسلة الغذائية ويهدد الحياة النباتية والحيوانية.

ويؤثر تدهور الأراضي سلباً في القدرة على إنتاج الغذاء، وبالتالي يهدد الأمن الغذائي.

كما أدى تدهور الأراضي، نتيجة الجفاف، إلى هجرة الملايين في أفريقيا وتشرد الكثيرين. وقد باتت هذه الظاهرة من التشرد تعرف باللجوء البيئي، كما أن المتأثرين بها يعرفون باللاجئين البيئيين.

 

 

إن الزراعة عنصرٌ أساسي من العناصر الهامة والضرورية لوجود الإنسان وبقائه، غير أن الأساليب الزراعية الحديثة المتبعة، والتي تأخذ في الاعتبار الربح أولاً وتعتم على الكيماويات، تلحق الأذى بالتربة وتؤدي إلى تدهورها. وعلى الرغم من أن تلك الأساليب الزراعية "الحديثة" تبدو في البداية كزراعةٍ ذاتِ جدوىً اقتصادية، ولكن ذلك الواقع ما يلبث أن يتغير بعد سنوات قليلة، حيث تتسبب في استنزاف وتدهور التربة وتلويثها، وإلحاق الأذى الكبير بالتنوع الحيوي، لكونها تعتمد على زراعة محاصيل أحادية، إضافة إلى ما تسببه من تلويث للمياه والهواء؛ وفي المحصلة النهائية تكون أحد الأسباب المهمة في نشوء ظاهرة التصحر.

 

الزراعة المكثفة والأحادية:  عامل أساسي في تدمير التربة

لقد أدى التحول إلى الزراعة المكثفة، حتى في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وتكثيف استخدام الأراضي إلى تراجع كبير في خصوبة التربة، التي تُبنى طبيعياً خلال سنين طويلة تمتد آلاف السنين. كما يؤدي النشاط والضغط البشريّان إلى تدمير التربة في فترة قصيرة تدميراً صعباً غير قابل للإصلاح. ويؤدي هذا التدمير إلى خسارة مساحة من الأراضي تقدر بملايين الدونمات سنوياً؛ مما يؤثر على اقتصاد الكثير من الدول، معظمها في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، ويخلق ظروفاً صعبة وخارجة عن قدرة تلك الدول في السيطرة عليها؛ فتتأثر كل مناحي الحياة للسكان القاطنين في تلك المناطق، فيحصل تراجع كبير في المستوى المعيشي. وكان لعدم الموازنة ما بين الحاجة لإنتاج الغذاء وبين الحفاظ على خصوبة التربة أثر مهم في تدمير التربة. وقد تميزت إدارة البشر للنظم البيئية والزراعية بعمليات التكثيف من خلال الكيماويات الزراعية، والري، واستخدام الأصناف المهجنة والمعدلة وراثياً التي تزرع كمحاصيل أحادية. هذه الطرق في الإنتاج الزراعي جعلت النظام البيئي غير مستقر وقابلا للتدهور السريع، وأدت إلى استنزاف كبير في التربة. وفي كل سنة يزيد عدد البشر على سطح الأرض بما يقارب مئة مليون إنسان، بينما تتراجع كمية التربة السطحية الخصبة بمعدل عشرين مليار طن.

كما أدى الاستخدام المتزايد للأراضي الحدية، أي الأراضي المنحدرة التي تتعرض لعوامل التعرية، نتيجة التوسع في المساحات المزروعة، إلى نتائج سلبية عديدة، مثل: زوال التربة الناتج عن الرعي الجائر في السفوح الجبلية المنحدرة، وزوال الأشجار، الناتج عن القطع والحرق وتحويل الغابات إلى مراعٍ لتربية المواشي والزراعة الأحادية. وتحملت الأراضي الزراعية نتائج بناء المنشآت الصناعية ودور السكن وإنشاء الطرق.

وفي المستوى الفلسطيني، يعتبر الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين من أشد العوامل خطورة على البيئة الفلسطينية، وهو أكثر الأسباب المؤدية لتدهور الأراضي من خلال بناء الجدار العازل وشق الطرق الالتفافية وبناء التجمعات الاستيطانية وحرق  الأشجار واقتلاعها وقطعها.

إن المحصلة النهائية لتدهور الأراضي في حال استمرارها ستكون بروز ظاهرة التصحر، التي باتت تأخذ بعداً عالمياً لدورها الواضح في تفاقم الفقر وتهديد التنوع الحيوي؛ ونظراً لحجم المشكلة فقد اعتبرت الأمم المتحدة عام 2006 عام مكافحة التصحر.

يعكس التصحر مشكلات جوهرية في حياة البشر الذين يعيشون في المناطق التي تعاني هذه المشكلة، حيث ينتشر الفقر وغياب الأمن الغذائي، والتخلف، والتبعية. واليوم تهدد هذه الظاهرة مناطق واسعة في العالم؛ فيضطر الناس هنا إلى القيام بممارسات تتهدد البيئة كالرعي الجائر، والقطع الجائر للأشجار، والجمع الجائر للنباتات والأعشاب الطبية؛ مما يشكل ضغطاً كبيراً على البيئة يزيد من تفاقم ظاهرة التصحر.

 

 

للأعلىé

إسرائيليات

تجتاحها أعلى نسبة إصابات بالسرطان

البلدات الفلسطينية في إسرائيل:  مكبات لملوثات الصناعات الخطرة

 

د. دوف حنين

رئيس مشارك للوبي البيئي الاجتماعي في "الكنيست" الإسرائيلي

ترجمة:  سعيد عياش (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية)

إن النقص الهائل الذي تعاني منه البلدات العربية في البنى التحتية الحيوية هو، بلا شك، انعكاس آخر لسياسة التمييز العنصري والإهمال السلطوي المنهجي بحق 20 بالمئة من مواطني دولة إسرائيل، وهو التمييز الذي اعترفت به الدولة رسميا من خلال توصيات "لجنة أور" للتحقيق الرسمي في جرائم أكتوبر 2000.

هذا التمييز، بحسب التقرير، وصل إلى بنى تحتية بمنتهى التواضع والأهمية، كشبكات تصريف مياه المجاري والتي يبين التقرير ان 70 بالمئة من البلدات العربية تفتقر لها كاملة!

والنتيجة:  المزيد من المياه العادمة، إما في الشوارع، كما هي الحال في بعض حارات مجد الكروم وغيرها الكثير، وإما في الحقول والمناطق الزارعية التي تتلفها هذه المياه وإما أن تتغلغل لتلوث المياه الجوفيه. 

وأما ما يعتبر بذخا حقيقيا في البلدات العربية، فهو المناطق المفتوحة، سواء كانت متنزهات عامة أو ساحات للعب.  هذه المناطق الخضراء منعدمة تماما تقريبا في البلدات العربية، التي تعاني عادة وبسبب من الكثافة ومصادرة الأرض من غياب التخطيط البعيد الأمد لتوفير احتياجات المواطنين.

والثمن باهظ، فالأطفال الذين تنقصهم الملاعب الآمنه يضطرون إلى قضاء الأوقات في الحارات وفي جوار منازلهم، بل وربما في مواقف السيارات!

هذه الحقائق تفسر المعطيات المذهلة التي يشير اليها بحث أجراه صندوق إبراهيم بالتعاون مع جمعية "بتيرم"، والتي تفيد بأن نحو 70 بالمئة من الأطفال الذين يصابون بالحوادث في جوار منازلهم من العرب، (65% من المصابين بالمعدل القطري، و74% من المصابين في النقب هم من العرب).

 

البلدات العربية عرضة للتلوث

في مجال البنى التحتية هناك نقص جدي أيضا في المناطق الصناعية والبنى التحتية للشوارع.

بخصوص المناطق الصناعية ، هنالك ظاهرة تستحق الانتباه بجدية:

هناك محاولة لإمساك العصا من الطرفين: من جهة واحدة، تخرج الصناعات من البلدات العربية، لئلا تحظى سلطاتها المحلية بمردود الضرائب كالأرنونا أو بأماكن العمل؛ ومن جهة أخرى، تقام المصانع وتركز أقرب ما يمكن من التجمعات العربية بل وغالبا على أرضها المصادرة، فيما تعود الضرائب إلى سلطات محلية غير عربية، أو ربما إلى ما يسمى "السلطات المحلية الصناعية" ليدفع أبناؤها صحتهم ثمنا للتلوث!

 

وهناك الكثير من الأمثلة :

مجلس تيفن الصناعي مقام على أراضي يانوح – جت، ولا يصل أبناء هذه القرية سوى الحرمان من أراضيهم وسوى الآفات البيئية حيث تعود الأرباح والمدخولات من الضرائب إلى  "السلطة الصناعية" ، وكذلك هي الحال في رمات حوفاف، والتي تلوث الجو بشكل كبير مهددة حياة المواطنين العرب في القرى غير المعترف بها.

أما منطقة تسيبوري الصناعية والتي اقيمت على أراضي الجليل الأسفل، فلا يصل منها إلى الناصرة وكفر كنا والرينه وغيرها، إلا التلوثات، فيما تعود المدخولات إلى بلدية "نتسيرت عيليت" علما أن هذه المنطقة الصناعية أقرب جغرافيا إلى البلدات المذكورة. 

أليس في هذه المعطيات ما يفسر ارتفاع الإصابة بأمراض السرطان في إسرائيل عموما وفي البلدات العربية وبلدات التطوير على وجه الخصوص، بعدما حولتها السلطات، وعلى رأسها النقب إلى ساحة خلفية تركز فيها الصناعات الخطرة و الثقيلة؟

 

النقب العربي ارتفاع الإصابة بالسرطان

يستعرض تقرير منظمة "الحياة والبيئة" الإسرائيلية ("عدم العدالة البيئية في إسرائيل 2007")  بتوسع السياسة السلطوية مع الأهل العرب في النقب والعمل على تركيزهم في تجمعات سكنية كثيفة لا تتوافق وعاداتهم وثقافة معيشتهم، وهذا بهدف الاستيلاء على أراضيهم، وفي كثير من الأحيان بحجج "بيئة خضراء".

ويتناول التقرير أيضا "خطة النقب 2015" التي وضعتها الوزارة لتطوير النقب والجليل بدعم "سخي" من جمعيات صهيونية تهدف إلى تعزيز الاستيطان اليهودي في الجليل والنقب من منطلقات عنصرية وديمغرافية. 

المشكلة الأساسية بهذه الخطة، والتي يدعي الواقفون من خلفها بأنها تهدف إلى تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية بين  سكان الجنوب والمركز، هي انها لا تشرك المواطنين ولا تشاورهم حول الخطط التي من المفروض أن تخدمهم وتهتم بمستقبلهم!

هذا علما بأن عشرات ألوف المواطنين العرب في النقب يعيشون في قرى ترفض إسرائيل الاعتراف بها؛ وبالتالي تحرمها من أبسط الخدمات بما في شبكات المياه والكهرباء والمدارس. 

ويعاني المواطنون العرب من تضييق دائم، بدء بإغلاق المراعي وإبادة المزروعات وصولا إلى هدم البيوت ومصادرة الأراضي؛ إذ صودرت معظم الأراضي العربية وأقيمت في العام 1979 ما يسمى بالدوريات الخضراء والتي لا هم لها إلا ملاحقة المواطنين العرب والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم.

هذه الظروف وخاصة في القرى غير المعترف بها حيث لا شبكة للماء ولا للكهرباء او لتصريف المياه العادمة، تتسبب بآفات بيئية وصحية بمنتهى الخطورة يدفع ثمنها الكثير من أبناء النقب بحياتهم وصحتهم.

ولا بأس هنا من التذكير بأن الصدفة وحدها حالت دون وقوع كارثة في قرية وادي النعيم المجاورة لمنطقة رمات حوفاف الصناعية.  ففي أحد المصانع هناك وقع في آب 2007 خلل أدى إلى تسرب مواد كيماوية خانقة وبمنتهى الخطورة أدت بالمواطنين إلى الفرار من القرية، وكادت هذه الحادثة تنتهي بكارثة حقيقية لو أنها لم تقع في العطلة حيث لم يتواجد الطلاب في المدرسة وهي أقرب الأبنية في القرية إلى المصنع.

السؤال هو، من يضمن ألا تتسرب المواد ثانية إلا في العطلة الصيفية؟

 

الأحياء العربية – حارات فقر في المدن المختلطة

يبين التقرير المذكور بؤس الأوضاع الاجتماعية وانعكاساتها البيئية في الأحياء العربية وحارات الفقر في المدن المختلطة.

ويعرض كنموذج الأوضاع في حي بربور عكا وحي المحطة في الرملة، ومن الجدير ذكره ان الأحياء العربية في المدن المختلطة تفتقر عادة إلى الخدمات الأساسية من جهة ومن جهة أخرى تتحول إلى الساحة الخلفية لكل التلوثات البيئية والآفات الاجتماعية.

كما يعاني المواطنون العرب في هذه البلدات من تهميش في معظم مجالات الحياة رغم ما يشكلونه من نسب كمية كبيرة.

ولكن المثير في هذا القسم هو الإشارة إلى بؤس الأوضاع أيضا في حارات الفقر اليهودية، إذ يبين الفصل المتعلق بيافا وجنوبي تل أبيب ان حصة المواطن جنوبي تل ابيب من المساحات الخضراء المفتوحة تصل في أحسن الحالات إلى 4 أمتار مربعة بينما حصة ابن جلدته شمالي تل أبيب تصل إلى 15 مترا مربعا.

 

المياه أكثر انقطاعا عن البلدات العربية

يعاني المواطنون في عدد كبير من البلدات، العربية منها خاصة، من قيام شركة "مكوروت" بقطع المياه عن جميع السكان بحجة ديونها على السلطات المحلية!

التقرير المذكور يعالج هذه القضية من وجهة نظر حادة الانتقاد لتصرفات "مكوروت" التي تلعب هنا دور السلطة القضائية والتنفيذية في حين، تسارع إلى قطع المياه، علما أن هذه الخطوة تنطوي على عقاب جماعي للمواطنين وتجاهل لاحتياجاتهم بدلا من اتباع وسائل أخرى لجباية ديونها من السلطات المحلية.

وفي المعالجة القانونية جاء في التقرير أن هذا التصرف مناقض لقرار الحكومة الإسرائيلية بالاعتراف بتبني قانون "الحق في المياه" الدولي.

وأشار التقرير إلى اهمية أن يسن في الكنيست قانون يمنع قطع المياه عن المواطنين كونها حقا أساسيا وشرطا ضروريا للحياة.

من الجدير ذكره هنا أيضا أن انقطاع المياه لم يعد أمرا شاذا في الكثير من البلدات العربية بسبب الوضع المأساوي للسلطات المحلية العربية.

ما لم يذكره التقرير هو عدد الآبار التي صودرت من البلدات العربية، وهي كثيرة

النساء العربيات أقل دخلا، والسائقون العرب على كف عفريت!

أما بخصوص الشوارع فتظهر معطيات السلطة الوطنية للأمان على الطرق أن 16 بالمئة من السائقين الضالعين بحوادث الطرق بشكل عام هم من السائقين العرب، وأن 26 بالمئة من الضالعين بحوادث خطرة وقاتلة هم من العرب أيضا!

تقرير مراقب الدولة، منذ العام 1999، والذي يبين أن 88 بالمئة من الشوارع في البلدات العربية تفتقر إلى الإشارات المرورية ، بفسر هذه المعطيات.

إن هذا التقرير يثبت أن الجماهير العربية، والتي تعد في عداد الشرائح المستضعفة نتيجة لسياسة التمييز المنهجي بحقها، هي أولى ضحايا التلوثات البيئية، إلا أنهم ليسوا آخرها ، وضد أي مصنع ملوث في البلاد بالإمكان خوض نضال عربي يهودي واسع ومشترك.  ولعل أحد أفضل الأمثلة لأشكال التعاون هذه هي الأوضاع المزرية في يافا وأحياء جنوبي تل ابيب. 

 

إن الأوضاع في البلدات العربية وتجمعات الشرائح المستضعفة باتت مشحونة بشكل مقلق، فالآفات البيئية من صناعات ملوثة ونواقص في البنى التحتية، إضافة إلى الهوائيات المضرة، باتت تشكل خطرا حقيقيا على حياة الناس الذين يدركون العلاقة ما بين هذه التلوثات وارتفاع الإصابة بالأمراض الخطرة كالسرطان وسواه..  للمتضررين هوية اجتماعية واضحة، إنهم العرب وأبناء الشرائح المستضعفة. ولكن للملوِثين أيضا هناك هوية اجتماعية واضحة، إنهم أصحاب رؤوس الأموال والمصانع التي تلوث دون أية مساءلة من قبل الدولة وبغض مفضوح للبصر.

 

الحركة البيئية ومناهضه الحروب

بالإضافة إلى مناهضتنا للحروب من المنطلقات الإنسانية والسياسية الواضحة، علينا أن نثير الانتباه إلى ما تتسبب به هذه الحروب من كوارث بيئية فتاكه ومدمرة، ولعل أبرز وأقرب نموذج هو حرب لبنان الثانية، والتي اندلعت في صيف 2006 وتسبب بخراب بيئي كبير، في طرفي الحدود ، في لبنان وإسرائيل.

لقد ثبت أن الصدفة وحدها منعت وقوع كارثة بيئية، في خليج حيفا المكتظ بالمواد السامة التي لو أصيبت بإحدى القذائف لألحقت أضرارا كارثية بالعرب واليهود؛ لكن كارثة بيئية حقيقية قد ضربت لبنان بالفعل جراء إصابة القذائف الإسرائيلية لحاويات نفط أدت إلى تلوث خطر في شواطئ لبنان، وهو ما انتقل بشكل أو بآخر إلى الشواطئ الإسرائيلية.

الكوارث البيئة لا تعرف حدودا ولا تميز بين البشر، بين انتماءاتهم وجنسياتهم؛ لذا، على الحركات البيئة الحقيقية رفع صوتها دوما ضد الحرب، أي حرب، بل وعليها المبادرة لمد جسور التعاون الإقليمي لصد أي خطر بيئي محدق.

منذ اليوم الأول، أصدرنا موقفا واضحا ضد التسلح النووي، وطالبنا بإغلاق المفاعل في ديمونا محذرين من خطورة التورط بسباق هذا التسلح الخطر في الشرق الأوسط، ورغم موقفنا الدؤوب لسنوات طويلة ظل هذا الموضوع من المحرمات يلفه إجماع كامل تقريبا في المجتمع الإسرائيلي.  حججنا السياسية والإنسانية لم تجد أي أذن  صاغية، لكن طرح الموضوع ككارثة بيئية غير الكثير، فمفاعل ديمونا قديم ويتسبب بانتشار الأمراض في المنطقة؛ مما أدى بمجموعة من السكان في هذه المنطقة إلى التحرك الاحتجاجي والمطالبة بإغلاق هذا المفاعل.

 

كما أن منظمة "جرين بيس" قامت بالإبحار أمام شواطئ إسرائيل احتجاجا على هذا التسلح، وهنا أيضا حظيت هذه الخطوة بتغطية إعلامية لا بأس بها.

اليوم، وبعد إضافة البعد الصحي فَقَدَ هذا الموضوع قدسيته وصار محور جدل بل وخلاف حاد، انعكس مؤخرا في تحقيق تلفزيوني عميق بث على القناة الثانية.

القناة الثانية تشكك بأهمية المفاعل النووي؟  لو سمعت هذا الادعاء قبل عامين لسخرت قائلا "إن هو إلا حلقة من مسلسلات الخيال العلمي"..  لكن هذا قد تم بالفعل بسبب إضافة بعد آخر للأبعاد المشروعة والصحيحة التي واظبنا على لفت الانظار إليها.

على الحركات البيئية الحقيقية أن ترفع صوتها أيضا ضد الاحتلال، وعلى هذا الصوت أن يكون واضحا بشكل خاص ضد ثلاث ظواهر احتلالية:

أولا: المستوطنات الآخذة بالتوسع السرطاني الدخيل على البيئة الفلسطينية والتي تخرب مساحات زراعية  شاسعة، بالإضافة إلى الشوارع الالتفافية المعدة لفئة دون غيرها؛ هذه الشوارع شقت لخدمة الاحتلال ولبسط السيطرة على المزيد من الأرض، ولتمزيق التواصل الجغرافي  وتعد آفات بيئية.

ثانيا:  جدار الفصل العنصري الذي إضافة إلى ما يتسبب به من معاناة حقيقية للشعب الفلسطيني، بالحد من حرية التنقل ومصادرة الأرض،  وبالإضافة إلى كونه جريمة سياسية وإنسانية بل وأخلاقية، هو أيضا جريمة بيئية؛ إذ يضرب الحياة الزراعية الفلسطينية، ويحدث جرحا عميقا للبيئة الخلابة في مناطق مختلفة، وبخاصة في صحراء الخليل.

عبر طرح الأضرار البيئية – إلى جانب التأكيد على الموقف السياسي والإنساني - نجحنا في خرق الإجماع العام الإسرائيلي حول الجدار، وهنا أيضا حظيت هذه القضية باهتمام إعلامي وجماهيري خاص، حتى أن سياسيين يمينيين، أمثال أرييه ألداد، شككوا بجدوى الجدار في بعض مواقعه، وإن لم يغيروا من آرائهم السياسية، إلا أنهم أسهموا ولو بالقليل بالتصدي - من حيث يعلمون أو لايعلمون– لقدسية الادعاءات الأمنية خلف الجدار وغيره.

ثالثا:  كولونيالية النفايات:  لقد حول الاحتلال الإسرائيلي المناطق المحتلة إلى حاوية نفايات كبيرة، من خلال رمي النفايات ومنها الخطرة في هذه المناطق، من دون أي رقابة وفي خرق فظ للقوانين الدولية. 

على الحركة البيئية في إسرائيل أن تدرك أن هذه المتلوثات لن تتوقف عند الشعب الفلسطيني فحسب، إنما ستتسرب إلى الأعماق، إلى المياه الجوفية التي يشربها الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء.

بعض المنظمات البيئية ذوتت هذه الحقيقة وبدأت بمناهضة هذه التصرفات الإسرائيلية وواجبنا اليوم تعزيز حملة الاحتجاجات هذه.

من الواضح أن ممارسات السلطات والتمييز العنصري ضد الجماهير العربية في وطنها، والإهمال الفظيع للبلدات العربية، أنضج حركات بيئية عربية تجاوزت "رومانسية الجيل الأول"؛ فنرى في كل يوم تقريبا تشكلا جديدا إما على شكل جمعية أو لجنة شعبية ضد الآفات البيئية في البلدات العربية: ضد الهوائيات في أم الفحم، وضد مصادرة الأرض في دالية الكرمل وعسفيا، وضد المزبلة في قلنسوة والمحرقة في عبلين، وضد "رمات حوفاف" في النقب وغيرها الكثير.

إن المبادرين إلى هذه التحركات بعيدون بشكل عام عن الرومانسية الحالمة، ولا يحمل نشاطهم شيئا من البذخ أو الترف؛ وما كانت هذه التحركات لتجد لها أصداء واسعة وتجاوبا جماهيريا وإعلاميا حقيقيا لو لم تثبت الأيام أن الحديث لا يدور عن كماليات بل عن صراع قاس وحقيقي من أجل البقاء؛ فالحديث  يتجاوز المشاعر المرهفة ليصل إلى الحد الفاصل بين الموت والحياة، بين بيئة نظيفة وأخرى ملوثة قاتلة؛ وأبرز برهان على هذا هو الانتشار الفظيع لمرض السرطان وغيره

 

عن:  هل إسرائيل ناضجة لسياسة خضراء؟  (أوراق إسرائيلية 46 - 2008).  مدار (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية)

للأعلىé

 

 

التعليقات

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
 
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا.