تغير المناخ يُعزز مقاومة الأدوية في البلدان الفقيرة

أقراص مضادات حيوية تُستخدم لعلاج العدوى البكتيرية، لكن مقاومتها تزداد بسبب تغير المناخ- حقوق الصورة:NIAID (CC BY 2.0
نيروبي/ آفاق البيئة والتنمية:
لم يُجرَ سوى القليل من الأبحاث حول الرابط بين ظاهرتي احتمال البلدان الفقيرة العبء الأكبر من مقاومة الأدوية المضادة للميكروبات كما هو معروف جيدًا، وأنها أيضًا الأكثر عرضة وهشاشة لتغيُّر المناخ والأشد تأثرًا به.
الآن، ثمة تحليل جديد أجراه باحثون صينيون يتوقع حجم عبء مقاومة مضادات الميكروبات على البلدان منخفضة الدخل والمتوسطة في ظل مسارات تغيُّر المناخ الراهنة، إذا لم تُتبع إستراتيجيات التنمية المستدامة على عجل.
ووجد أن جهود التنمية المستدامة -مثل خفض النفقات الصحية المباشرة، وبسط تغطية التحصين، وزيادة الاستثمارات الصحية، وضمان تعميم الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة- كانت أكثر فاعليةً في معالجة المقاومة التي تلقاها المضادات الحيوية وأجدى من مجرد الحد من استخدام المضادات الحيوية.
الدراسة التي ضمّت التحليل، والمنشورة في مجلة ’نيتشر ميديسن'، توقعت أن تزيد مقاومة مضادات الميكروبات بنسبة تصل إلى 2.4% عالميًّا بحلول عام 2050.
لكن هذه المقاومة -التي لا تستجيب معها البكتيريا المُمْرضة والفيروسات للأدوية المصممة لعلاجها- سوف تتجاوز نسبة الزيادة فيها 4%، بالبلدان منخفضة الدخل والمتوسطة.
آثار تغيُّر المناخ -مثل ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية القاسية والمتطرفة- يمكن أن تؤثر على جميع البلدان، كما يقول ليانبينج يانج، المؤلف الرئيس للدراسة والأستاذ المشارك في كلية الصحة العامة بجامعة سون يات-سن الصينية.
يقول بينج لشبكة SciDev.Net: ”ومع ذلك، تُظهر دراستنا أن الزيادة في مقاومة مضادات الميكروبات من المتوقع أن تكون أكثر حدةً في البلدان منخفضة الدخل والمتوسطة“.
”إلى حدٍّ كبير يرجع هذا إلى أن تلكم البلدان غالبًا ما تواجه تحدياتٍ أكبر في الوصول إلى الرعاية الصحية، والبنية التحتية للصحة العامة، والصحة العامة للسكان“.
ووفق دراسة سابقة نُشرت في مجلة لانسيت، فإن مقاومة مضادات الميكروبات البكتيرية ارتبطت بوفاة 4.71 ملايين حالة في عام 2021، لقد وُجد أنها مسؤولة مباشرةً عما يُقدر بنحو 1.14 مليون حالة وفاة -وهو رقم من المتوقع أن يرتفع إلى ما يقرب من مليوني حالة وفاة بحلول عام 2050.
ومع ذلك، يقول العلماء الصينيون إن الاستجابة لمقاومة الميكروبات تنصبُّ أكثر ما تنصبُّ على مسألة الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، بينما الاهتمام الذي يولى لسياق تغيُّر المناخ والظروف الاجتماعية والاقتصادية أقل.
وباستكشاف الروابط بينهما، يأمل الباحثون في تحفيز إستراتيجيات أكثر استهدافًا وفاعليةً لمعالجة كلا التحديين في آن واحد، وخاصةً للبلدان منخفضة الدخل والمتوسطة.
يشرح يانج: ”عندما تقع الضغوط المرتبطة بالمناخ في أماكن تعاني نقص المياه النظيفة والصرف الصحي والخدمات الطبية، يرتفع خطر الإصابة بالعدوى، وكذلك الاعتماد على المضادات الحيوية، مما قد يُسرّع من مقاومة الميكروبات“.
”باختصار، يعمل تغيُّر المناخ مضاعفًا لمواطن الضعف والهشاشة القائمة، مما يجعل مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات أكثر حدةً في أجزاء من العالم، تلك التي تناضل بالفعل في سبيل توفير الحماية الأساسية في الصحة والبيئة“.
حلل الباحثون أكثر من 4500 سجل تشمل 32 مليون عينة معزولة من ستة مسببات أمراض رئيسة (بكتيريا، فيروسات، أو كائنات دقيقة أخرى) مقاوِمة للمضادات الحيوية، تم الحصول عليها من 101 دولة بين عامي 1999 و2022.
ثم استخدموا نماذج التنبؤ للتحقيق في كيفية تأثير العوامل الاجتماعية الاقتصادية والعوامل البيئية والسياسات على اتجاهات مقاومة مضادات الميكروبات عالميًّا.
ووجدوا أنه مع أسوأ سيناريو مناخي، والذي سترتفع فيه درجات الحرارة العالمية بمقدار 4-5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن على مستويات ما قبل الصناعة، قد تزيد مقاومة مضادات الميكروبات بنسبة 2.4% بحلول عام 2050، مقارنةً بسيناريو الانبعاثات المنخفضة.
وتراوحت هذه النسبة بين 0.9% في البلدان ذات الدخل المرتفع و 4.1% في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
ويضيف يانج أن البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط في أجزاء من جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، الأقل نموًّا اقتصاديًّا والأكثر تعرضًا لتأثيرات تغير المناخ، ستكون أكثر عرضة للخطر وهشاشة.
”هذه المناطق غالبًا ما تواجه مزيج تحديات، من محدودية الوصول إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، ونقص الموارد في أنظمة الرعاية الصحية، وارتفاع مستويات تفشي الأمراض المعدية“، وفق ما صرح به يانج لشبكة SciDev.Net.
”عندما تجتمع هذه مواطن الضعف هذه ومكامن الخطر مع آثار تغيُّر المناخ -مثل ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات والطقس المتطرف القاسي- فإنها تُهيئ ظروفًا مثاليةً لانتشار ألوان من العدوى المقاومة للأدوية“.
يانج يعتقد أن معالجة هذه التحديات مسؤولية عالمية، لا محلية فحسب.
ويضيف: ”على عجل، تحتاج هذه البلدان إلى مزيد من الاهتمام والدعم للوقاية من مقاومة مضادات الميكروبات ومكافحتها، لأنها في طليعة هذا التهديد الصحي العالمي المتزايد“.
ودعا الباحثون إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة العوامل الاجتماعية الاقتصادية والبيئية الأوسع نطاقًا، بما يتجاوز مجرد الحد من استخدام المضادات الحيوية لتخفيف عبء مقاومة مضادات الميكروبات عالميًّا.
ويشيرون إلى أن إستراتيجيات التنمية المستدامة يمكن أن تقلل من انتشار مقاومة مضادات الميكروبات في المستقبل بنسبة 5.1% وتتخطى تأثير الحد من استهلاك مضادات الميكروبات، والذي يتوقع أن يخفض انتشار مقاومة مضادات الميكروبات بنسبة 2.1%.
نتائج هذه الدراسة منطقية ومقبولة عقلًا.. هكذا يصرح ديفيد جراهام، مهندس بيئي في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة.
يقول جراهام لشبكة SciDev.Net: ”من المحتمل جدًّا أن تؤدي التغيرات المناخية، لا سيما الاحترار، والجفاف والفيضانات المتقطعة الأشد قسوةً وتطرفًا، إلى زيادة انتقال مقاومة مضادات الميكروبات وانتشارها“.
ويضيف: ”مع ارتفاع درجات الحرارة، فإن مسببات الأمراض المعوية التي تفضل درجات الحرارة الأكثر دفئًا -بما في ذلك السلالات المقاوِمة لمضادات الميكروبات- ستنمو بسرعة أكبر في البيئة وتستمر مدةً أطول، مما يزيد احتمالية انتشار مقاومة مضادات الميكروبات في كل مكان“.
ويقول إن المشكلة ستتفاقم بسبب الظواهر الجوية الأكثر تطرفًا، مثل هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، مما يزيد الانتشار المنفلت لملوثات المياه والأمراض.
ويستطرد جراهام، الذي طور أداة ذكاء اصطناعي لمعالجة مقاومة مضادات الميكروبات: ”إن حجم مجموعة البيانات مدهش“.
ومع ذلك، يقول إن التحليل يُغفل بعض العوامل المهمة المتعلقة باتساع مقاومة مضادات الميكروبات أو انحسارها، مثل التعليم، واستخدام مضادات الميكروبات في إنتاج الغذاء، وتربية الحيوانات.
ويقترح جراهام: ”يمكن تحسين هذا العمل باستخدام الذكاء الاصطناعي وغيره من أساليب البحث الذكية، القادرة على توسيع نطاق تحليل قواعد البيانات الأكبر حجمًا والأكثر تعقيدًا“.
المصدر: النسخة الدولية لشبكة SciDev.Net