تشرين ثاني 2008 العدد (8)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

November 2008 No (8)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب البيئة والتنمية في صور الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

قراءة في كتاب:

مشروع قناة البحرين والأمن العربي

تأليف:  أشرف علام 

سنة الإصدار:  2008

عدد الصفحات:  688

 

عرض ومراجعة:  محمود الفطافطة

 

بين حينٍ وآخر يقذف الجدل والنقاش إلى السطح قضية "قناة البحرين". فبعد أن تم الإعلان عن الاتفاقية بشأن تنفيذ الجدوى الاقتصادية لها بين (الأردن، إسرائيل، والسلطة الفلسطينية) تكاثرت الآراء المتباينة بشأنها، فمن مشيدٍ بفوائدها المستقبلية ومعدد لها، إلى محذرٍ من تبعاتها البيئية والسياسية.ومن رافضٍ، بل ومهاجم لأصل الفكرة ومخاطرها الإستراتيجية والأمنية، إلى متحاشٍ في حسم حكمه، طالما أن موقعيها يحجبون معلومات، بدونها لا يمكن إعطاء موقف فاصل بشأنها.

وفي خضم كل ذلك، جاء كتاب "مشروع قناة البحرين والأمن العربي" ليوضح لنا الكثير الكثير من المعطيات والإحصاءات فيما يتعلق بهذه القضية،  ليخرج لنا باستنتاجات وتوصيات توضح وتحدد "الصورة العامة" لهذه القناة من حيث تفاصيلها وجذورها وطبيعتها وأطرافها ومساراتها ومستقبلها وأبعادها. ورغم أن هذا الكتاب هو في الأصل رسالة ماجستير قدمها الباحث إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في العام 2007،  وعنوانها"مشروع قناة البحرين والأمن المصري" إلا أن الكاتب يعطي تفاصيل واسعة عن القناة وما لها من ارتباطات سلبية أو ايجابية على الواقع العربي عموما، وما لذلك من ارتباطات سياسية أو اقتصادية أو بيئية على المستوى الأوسع، وهو الإقليمي والدولي.

المخاطر والمواجهة

ويوضح الباحث أن السبب وراء تعديل العنوان جاء من أن الأمن الوطني المصري يعتبر جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، يؤثر فيه ويتأثر به، إلى جانب أن الكتاب يعرض لمجمل الآثار السلبية للمشروع على أطرافه المباشرين من العرب، وهم: الأردن وفلسطين. وهذا الكتاب يركز على أمرين أساسين:

أولاً: معرفة المخاطر أو المشاكل التي قد تمثلها قناة البحرين ـ في حال ظهورها على أرض الواقع ـ على الأمن الوطني المصري من النواحي الإستراتيجية والاقتصادية والبيئة، وعلى قناة السويس، ومستقبل العلاقات العربية ـ العربية ، والدور الإقليمي لمصر.

ثانياً: كيفية التصدي لهذه المخاطر / المشاكل على الصعد القانونية والاقتصادية والبيئية وعلى مستوى التخطيط الاستراتيجي.

ولتبيان كل ذلك،  تناول المؤلف تعريف الأمن لغة واصطلاحاً. والأمن في نظرية العلاقات الدولية ، ثم تطرق إلى تاريخ مشروع قناة البحرين منذ كان فكرة قبل 150 عاماً حتى وقتنا الراهن.كما تناول المؤلف الآثار البيئية والاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية المحتملة للمشروع على الأمن العربي.هذا الكتاب يبحث في أثر مشروع قناة البحرين، لربط البحر الميت بالبحر الاحمر عن طريق خليج العقبة كما هو معلن، على الامن القومي العربي من خلال تتبع تاريخ المشروع في الفكر الصهيوني ومختلف البحوث والدراسات التي تناولته من قبل وصولاً الى وقتنا الراهن.

 

أهادف معلنة...وأبعاد متجاوزة

ويذكر الباحث أن الغرض المعلن من إنشاء قناة البحرين هو أن تسهم في تحقيق خمسة أهداف:

1.تعويض ما يتم فقده سنويا من مياه البحر الميت،  من جراء التبخر والجفاف.

2.إقامة محطة تحلية للمياه ستزود إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية بنحو 850 مليون م3 من المياه سنويا. وتخصص للأردن نحو 570 مليون م 3  في حين تحصل إسرائيل والأراضي الفلسطينية على 280 مليون م3  منها 160 لإسرائيل.

3. إقامة محطة لتوليد الكهرباء هيدروليكيا لتزويد الأردن وإسرائيل والسلطة بنحو 550 ميجاوات من الكهرباء/ ساعة.

4. تمكين الدول الثلاث من استصلاح واستيطان مساحة شاسعة من الصحاري في المنطقة.

5. إقامة سلسلة من المشروعات السياحية والمنتجعات السياحية والمشتركة حول البحر الميت.

وبناء على هذا الغرض ، اعتبر بعض الخبراء(كما يشير الكاتب) أن لمشروع قناة البحرين" صيغة اقتصادية" يمكن الاستفادة منها كفرصة جيدة لبدء مشاركة اقتصادية بين أطراف النزاع في المنطقة. كما أن له "صيغة سياسية" باعتبار أنه يعالج مشكلة سياسية مائية.

إلى ذلك، فإن المؤلف علام يوضح :أن هناك ثمة مؤشر قوي يرجح ان دراسة الجدوى قد تتجاوز الى اقامة مشروع القناة/ الناقل المائي،  .وهذا المؤشر يستند الى حقيقتين، هما:

الحقيقة الاولى:  إن تاريخ البنك الدولي، في تمويل المشروعات المائية، يتسم بالانحياز والكيل بمكالين. فقد سبق له ان مول مشروعات نهرية في تركيا واثيوبيا مع علمه التام بالاثر الضار لها على باقي دول حوض النهر،  في حين سبق للبنك أن رفض تمويل مشروعات لدول مشتركة في تلك الاحواض نفسها، مثل سوريا ومصر،  لم يكن لها الاثر الضار نفسه.يقود هذا التوجه الى نتيجة واحدة، هي تحيز إدارة البنك واستخدامها سياسة الكيل بمعيارين. والسبب هو ما تقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا ـ وفقاً للاتفاقية المنشئة للبنك الدولي ـ من تسييس دور البنك الى أن أصبحت معوناته وقروضه الجادة متاحة فقط للدول التي تحظى برضاء السياسة الاميركية وتحقق مصالحها، اذ تهدف السياسة الاميركية الى استثمار قضايا المياه بالمعنى السياسي والاستراتيجي لخدمة مصالحها بالمنطقة . وهو ما انعكس، بدوره على سياسات البنك. كما أن المشروع يتواءم مع "الفكر المائي الجديد" للبنك الدولي المتمثل في سياسات البنك الجديدة، التي تروج لاسواق المياه، كأداة واعدة لاستخدامها في الادارة المائية . كما أن البنك حدد استراتيجيته المائية في التركيز على الطلب. ووسيلته في ذلك تتمثل في تسعير المياه. وهذا يتماشى مع اسناد مشروع القناة الانبوب لشركات متعددة الجنسيات، بنظام البناء والتشغيل ونقل الملكية ، وبيع المياه المحلاة لاطراف المشروع.

 

الحقيقة الثانية: أن الخبراء الذين يعدون الجدوى من مكاتب استشارية اوروبية/ أميركية موالية لاسرائيل، وبالتالي فهي تهمهم بالدرجة الاولى.أما العرب فيأتون في مرتبة لاحقة. وبالتالي من المرجح أن يتغاضوا عن سلبيات المشروع على الجانب العربي. وهذه الفرضية تجد من يؤيدها في سابقة أن البنك الدولي أجرى دراسة جدوى للمشروع في تسعينيات القرن العشرين ساهمت فيها ايطاليا ولم يتطرق الى الاسباب التي ادت الى حدوث انحسار مياه البحر الميت.ولم يتطرق كذلك الى الاضرار التي قد تلحق بدول الجوار ، في حالة تنفيذ المشروع.

 

وفي مقابل ذلك، يشير الكاتب أن هناك من يرى أن توقيع الاتفاق هو بمثابة " اعلان حرب المياه رسمياً"، بهدف افقار الدول المركزية في المنطقة العربية وخنقها ـ وفي مقدمتها مصر وسوريا ـ لصالح اسرائيل . وهي "حرب" لا تستخدم فيها الاسلحة الذكية ولا حتى الاسلحة التقليدية، لا تجيش من أجلها الجيوش، ولا يطاح فيها بالانظمة او تحتل البلاد عسكرياً. الانتصار فيها سهل مضمون، وكل ما يتطلبه هو إجراء مفاوضات سرية مع الانظمة المعنية جغرافياً ، وبضعة مليارات ـ توفرها المؤسسات المصرفية الدولية ـ لزوم البنى الاساسية وقرارات المسؤولين المحليين، ثم اتخاذ الخطوات التي تضفي الشرعية على الإجراءات.

 

المشروع والأمن المصري: آراء وأبعاد

ينتقل الكاتب للحديث عن مدى تأثر الأمن الوطني لمصر جراء هذا المشروع، مبيناً وجود رأيين متباينين في هذا الخصوص:

الرأي الأول: يقول أنصاره بأن مشروع قناة البحرين يحمل في طياته صيغة مزدوجة؛ اقتصادية وسياسية. وينبه أنصاره الى خطورة الخرافات الاعلامية التحريضية على قناة البحر الاحملر ـ الميت،  وينتقدون صحفاً مصرية محترمة وغير مصرية "روجت" أنماطاً عجيبة من الامية الجغرافية والسياسية ، مثل ان هذه القناة هي(لخلق بديل عن قناة السويس) وضرب( المصالح الحيوية المصرية)، دون التيقن من أن البحر الميت هو بحر مغلق لا يشبه من قريب أو بعيد البحر المتوسط، ودون التنبه الى أن هناك 180 كم من القناة عبارة عن انابيب معدنية لا تتسع للسفن التي تتسع لها قناة السويس.ويرون ان هذا النمط من الامية الجغرافية والسياسية، مصدر التشكيك والتخويف من المشروع.وفي الوقت نفسه من دواعي السخرية، فالقناة ستكون مجرد ماسورةكبيرة مغلقة غير مكشوفة المحتوى، سيتم تمديدها بين البحرين. كما أن معارضي المشروع "لو أنهم نظروا اليه من زاوية المصلحة الاردنية الاستراتيجية ، لاعتبروه الخطوة الاولى في أهم انجاز لهذه المنطقة في القرن الحادي والعشرين.

الراي الثاني: يقول أنصاره بأن خطر المشروع لا يقتصر على منافسة قناة السويس كممر ملاحي، بل هو تهديد للامن الوطني المصري في أكثر من بعد. بل ويذهب هؤلاء الى اعتبار أن المشروع هو "القنبلة البحرية " التي تسعى عمان لتفجيرها ـ دون أن تدري ـ في وجه الجميع...عبر ضغطة واحدة على الزر، باصابع اسرائيلية، بمجرد أن تكتمل إقامتها. فقناة البحرين ليست قناة مجار في بلدة أو ماسورة ماء تمدها بلدية ما . انه مشروع يمس جوهر وجودنا، لذا يجب أن يناقشه الناس جميعاً في وضع مريح.

نتائج ومطالب

ومن أهم النتائج التي خلص إليها الباحث في دراسته:

* ظهور قناة البحرين (الأحمر ـ الميت) على ارض الواقع يهدد امن مصر في صورتيه؛ الوطنية والقومية من النواحي الإستراتيجية والاقتصادية والبيئة ، ويوجه ضربة شديدة للدور الإقليمي المصري في حين يكرس لتعاظم الدور الإقليمي لإسرائيل في المنطقة والقارة الإفريقية. والمشروع في حال نجاحه مقدمة لان تدير إسرائيل المنطقة اقتصاديا لحسابها بعد ان استغلت إسرائيل حال الوهن العربي الراهنة. وترتيبا على هذه النتيجة (والكلام للباحث) ، فان إسرائيل لن تتردد ـ في مرحلة تاليةـ في ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط وإقامة ممر ملاحي ينافس قناة السويس في المستقبل البعيد، إذا استمر الوضع المتردي عربيا، ومستفيدة أيضاً من التقدم التكنولوجي الهائل والدعم المالي والاقتصادي الغربي، ولا سيما الأمريكي.

* وجود قصور على المستوى الرسمي المصري في التصدي لمشروع قناة البحرين. هذا القصور مرده الأساسي هو نظرة الحكومة المصرية التي ترى أن مشروع القناة المعلن عنه يمثل تهديدا يقلل من قيمة قناة السويس، بوصفها شريانا عالميا للملاحة البحرية.لكن الكتاب يبين خطأ هذه النظرة لسببين الأول: أن تنفيذ المشروع يحيي مطامع إسرائيل في شق مجرى ملاحي منافس لقناة السويس، والثاني: أن تأثير المشروع لا يقتصر على قناة السويس فقط، بل يمتد بالسلب على مجمل عناصر القوة الشاملة لمصر، وفي المقابل يزيد من هذه العناصر لدى إسرائيل.

* ما زالت إسرائيل هي مصدر الخطر الأول  ـ إن لم يكن الوحيد ـ للأمن الوطني المصري وللأمن القومي العربي ، بل هي اشد خطورة في مرحلة ما يسمى بالسلام عما كان وقت الحروب.

* مشروع قناة البحرين يساعد إسرائيل في تجريد حوض الأردن من قيمته الإستراتيجية للجانب العربي وتوظيف  هذه القيمة لمصلحتها. ومن هنا كان اهتمام إسرائيل بان ترتب شؤون أمنها من خلال ما يمكن تسميته " التجمع الأمني الإسرائيلي ـ الأردني ـ الفلسطيني ". وهذا يجعلها تطبق نظرية الأمن المطلق.

*إن إشراك البنك الدولي، في بحث دراسة جدوى مشروع قناة البحرين قد يكون مدخلا لقيام البنك بالضغط على الدول النفطية العربية للمشاركة في تمويل هذا المشروع الذي تقدر تكلفته المبدئية بنحو 4,5 مليار دولار.

نود أن نسرد في الختام تقسيمات الكتاب، وهي على النحو التالي: يتكون الكتاب من مقدمة وخمسة أبواب وخاتمة. وبدأ بعرض الفكرة المكونة من شقين هما: مشروع قناة البحرين، وتأثيره على الأمن الوطني المصري.ثم دلف إلى تحديد المفاهيم مبتدئاً من العام إلى الخاص.أما الباب الثاني فتحدث حول الممارسة العملية للأمن الوطني المصري، فقد تناول في أربعة فصول كلا من : تعريف الأمن الوطني،  الأمن في السياسة الخارجية المصرية، أمن مصر في التخطيط الاستراتيجي، وتفعيل مجلس الأمن القومي في مصر.

أما الباب الثالث فكان عنوانه:" مشروع قناة البحرين في الفكر والسياسة الإسرائيليين"، تناول التطور التاريخي لفكرة المشروع من قبل تبلور الحركة الصهيونية وصولا إلى مشروعات السلام والشرق أوسطية . أما الباب الرابع فعنوانه" الآثار المحتملة لقناة البحرين على الأمن الوطني لمصر". والباب الخامس والأخير تحدث عن التحركات  المصرية الممكنة لدرء المخاطر المحتملة للمشروع.

وبهذا؛ نجد أن هذا الكتاب، جديد في موضوعه، حيث لم تتناوله المكتبة العربية من قبل، وغني بما احتواه من معطيات وإحصاءات ووثائق وتوصيات واستنتاجات.  و بما أن الكتاب هو في الأصل رسالة ماجستير، فإن مادة الكتاب يغلب عليها الموضوعية، والعلمية، والدقة.مثل هذا الكتاب مهم حتى يتعرف المسؤول العربي لمدى خطورة هذا المشروع، وكذلك يتوجب على المواطن العربي أن يعرف مخاطره، وأن لا يبقى رأيه وموقفه في إطار الشك، والغيب، وعدم الدقة في المعلومة السليمة. المطلوب الإكثار من مثل هذه الدراسات، خاصة وأنه(حد ظني) لم تصدر لغاية الآن أية دراسة عن مشروع قناة البحرين في فلسطين أو الأردن تبين مدى تأثير هذا المشروع عليهما وعلى المنطقة عموماً.وكذلك، ونتيجة لشح المعلومات الرسمية عن مضمون هذا المشروع (قناة البحرين)، بل وتناقضها، يتوجب على الجانب الفلسطيني طرح الموضوع للنقاش الوطني وعقد ورشات عمل لدراسة أهدافه وأبعاده.ولا يصح أن نسمع عن اتفاقيات يحرم فيها الخبراء والمؤسسات والمواطنين في فلسطين من المشاركة فيها أو الحصول على المعلومة المتعلقة بها.

للأعلىé

 

 

التعليقات

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
:
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.