عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يتدخل الاحتلال في تشكيل أحلام أطفال تجمع المالح البدوي في الأغوار الشمالية، ففي أعقاب عدة عمليات دهم ومصادرة للخيام والممتلكات، منذ مطلع العام الحالي، تُرك نحو 60 عائلة و450 مواطنا، معظمهم من الأطفال يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويعيشون البؤس. تتبع "آفاق" أحلام الأطفال، وترسم صورة للواقع الذي وصل إليه الصغار.
تتباين أحلام أحفاد المواطن قاسم حسين دراغمة التسعة، حيث شرد الاحتلال العائلة والأولاد وأبناء العمومة: محمد، وفؤاد، وسليمان، ومحي الدين، وعبد الكريم، ونجيب، وترك الأمتعة وبقايا حطام الخيام، تنتظر في العراء.
يقول الصغار، وأكبرهم لم يصل الثالثة عشرة بعد: "بدنا يرجع بيتنا"، " سرقوا عامود خيمتنا"، "مزعوا الشوادر والبلاستيك"،" أخذوا حراماتنا اللي منتغطى فيهن"،" حفاياتي سرقوها"، " سيرة الغنم خربوها"، "هدوا الخيمة فوق رؤوسنا". "بحلم بلمبة كهرباء وحنفية مية وشارع نمشي عليه ونلعب فيه سباق"...، بنتخيل كيف شكل البحر".
صار الجيران الذين نجحوا في إعادة بناء خيامهم، أو يسكنون البيوت الطينية القليلة في التجمع، يرسلون الطعام لعائلة دراغمة، لكن الجد والأحفاد يشعرون بالطعم المرّ لكل ما يدخل جوفهم، وبخاصة مع كل حديث عن منخفض وأمطار ورياح، تفاقم معاناتهم، كما يقول الجد المحزون، مثلما يعني الصيف لهم العطش وانتشار الزواحف والذباب.
|
|
إلى أين تصل حدود أحلام هذا الطفل البريء في المالح؟ |
بالرغم من حياتها البائسة في المالح فالابتسامة لا تفارق وجهها |
أمنيات خطرة
ليس ببعيد من منزل عائلة دراغمة، تلهو زهرات وأطفال من أبناء عمومة عائلة نجادة، التي صادر الاحتلال خيامها ومتاعها، ووضعه في شاحنة عسكرية كبيرة، كما تقول تسنيم عبد. وتضيف بقلق يسكن وجهها الصغير: "بحلم أن يعود البيت المتواضع كما كان، وأن يرجع جنود الاحتلال أعمدة بيوت الشعر والخيام إلنا ولجيرانا".
فيما تلمع عيون ريماس علي وشفاء نجاده وهن يرسمن لوحة متواضعة لأحلامهن: بدنا بيت صغير يدفينا، وتلفزيون على بطارية التراكتور(الجرّار الزراعي) نحضر عليه برامج أطفال ورسوم متحركة، وثلاجة صغيرة نشرب منها ميه باردة، وأهم شيء بدنا يرحلوا عنا، وما يسمموا بدنا كل يوم والثاني.
وتأتي أمنيات نصرة أحمد(12 سنة)، وإسلام محمد( 14 عاماً) مماثلة، وتتلخص في الحصول على خيمة آمنة، وخزان صغير للمياه، مربوط بحنفية، وهي الأداة التي لا يعرفها أهالي المالح، حيث نهب الاحتلال المياه من تحت أقدام أهلها.
غير أن نصرة وإسلام وسلسبيل علي، يحلمن بأن يعشن حياة طبيعية، كالتي يشاهدنها في بلدة تياسير، حيث يدرسن، وأن يسكن في مكان آمن، دون احتلال يتدرب بين بيوتهن، أو يطلق الرصاص وقتما يشاء فوق رؤوسهن. تقول فاطمة: "فقدت حقيبتي المدرسية يوم صادر الاحتلال خيمتنا، وأحلم أن أجدها، ففيها كتب الصف السادس، ودفاتري، وسأحزن كثيرا إذا ضاعت، ولا أعرف ماذا سأفعل في المدرسة، إذا بقيت بعيدة عني".
|
أطفال المالح يدرسون على سراج الكاز |
آمال مصادرة
وحال الفتى جبريل عبد الرحمن دراغمة ( 16 عاماً) ليس بأحسن من نظرائه، فيداه تتكفلان برفع أوعية زرقاء اللون، ليوفر الماء لعائلته.
فيما يقطر لسانه حزناً:" بحلم أستيقظ من نومي في يوم من الأيام وألقى عنا حنفية مية، وقبلها كنت بحلم يكون عنا دار مثل العالم." ويعيش جبريل، في بيت من الصفيح والخيش، تعرض للهدم أكثر من مرة، ويتوزع وقته بين رعي الأغنام وتوفير الماء للعائلة، ويمضي بعض الوقت في مدرسة بلدة تياسير. وفي الكثير من المناسبات أجبره غياب المياه على الذهاب إلى مدرسته دون غسل وجهه. يكمل جبريل: المدرسة هي المكان الوحيد الذي أرى فيه الجدران، والكهرباء، أما الكمبيوتر فأشاهده مرة في الأسبوع بغرفة الصف. وعندما أخبر رفاقي في المدرسة عن قصتي، لا يصدقون ما أقول، ولا يتخيلون واحداً في جيلهم لا زال يستخدم سراج الكاز، ولا يعرف حنفية الماء إلا المربوطة بالصهريج، ولا يشاهد التلفزيون إلا مرة أو مرتين في الشهر، حينما يزور زوج أخته في طوباس، ولم يصل في حياته مدينة نابلس غير مرة!
|
|
طفلة في المالح |
معذبو أطفال المالح |
aabdkh@yahoo.com
|