مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
كانون أول 2012 - كانون ثاني 2013 - العدد 50
 
Untitled Document  

قرية كفر دان تشكو العطش الشديد فوق نهر ماء جاري

أراض زراعية تابعة لكفر دان في سهل مرج ابن عامر

رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

"كنا نزرع مساحات واسعة من الزراعات المكشوفة كالخضار والبطيخ  لدرجة أن إنتاجنا كان يتعدى الأسواق المحلية، ليصدّرَ إلى دول الجوار كالأردن وسوريا ولبنان، أما الآن،  وفي ظل  انحسار مصادر المياه وقلة الدعم الرسمي لنا،  فقد  انخفضت الزراعات المروية إلى أقل من الثلث، كما فقدنا الإمكانيات التي تأهلنا التقدم خطوة واحدة،  وإذا استمر الوضع على حاله اليوم،  فسوف نعيش أزمة جديدة، يمكن لا سمح الله أن تقضي على ما تبقى لنا من زراعات".
بهذه الكلمات البسيطة عبّر المزارع  منير حسن صالح  من قرية كفر دان عن الواقع  الحقيقي الذي وصل إليه قطاع الزراعة في القرية شرق مدينة جنين،  فقد  كانت  أرض كفر دان منتجة ومفعمة بالخير، تعج بالحياة والخضرة وكانت مقصد الباحثين عن الاستثمار في قطاع الزراعة، ولكنها تحولت اليوم إلى قرية منكوبة  تفتقر إلى وفرة  مصادر المياه  كالآبار الجوفية التي كانت تشتهر بها، وبات الأهالي يعتمدون في احتياجاتهم الزراعية على آبارها ضئيلة المخزون المائي، وعلى بضعة آبار غير مرخصة،  تواجه شبح الهدم من قبل الاحتلال.

أراض زراعية خصبة في سهل مرج ابن عامر حيث تقع كفر دان ونشاهد في أطرافها الزحف الإسمنتي العشوائي المدمر لما تبقى من مساحات زراعية

استنزاف وجفاف الآبار المرخصة
    يشار إلى أن قرية كفر دان تقع  ضمن الحوض المائي الشمالي من فلسطين التاريخية،  لذلك تعد إن جاز الوصف: قرية تسبح فوق بحر من المياه،  لكنّ الواقع اليوم، يخالف هذه الحقيقة، فالقرية تشهد نقصاً حاداً في المياه،  ألقى بظلاله  بشكل واضح على سياسات وواقع القرية الزراعي.
ففي قرية كفر دان، توجد 9 آبار ارتوازية مرخصة زمن الحكم الأردني، قُدرت طاقتها الإنتاجية حتى عام 2002م  بمليون ونصف متر مكعب سنويا،  وكانت هذه الآبار، رافدا رئيسيا من روافد المياه ليس لقرية كفر دان فحسب،  بل إلى القرى المجاورة لها كبلدة اليامون والتي اعتمدت -إلى حد كبير- لسد النقص الحاد في المياه على الآبار الجوفية في كفر دان.
ولكن الواقع اليوم يشير إلى غير ذلك، فلقد جفت 7 آبار من أصل 9 آبار مرخصة وبقي بئران يعملان بطاقة تقدر بنحو 10% من الطاقة الحقيقية لكل بئر، والتي قدرت بنحو( 44700) متر مكعب سنويا.
وتجدر الإشارة إلى أن الاحتلال قام قبل جفاف الآبار الارتوازية بعدة سنوات،  بوضع ساعات رقمية تضبط كمية الماء المسحوبة من الآبار الجوفية المرخصة، في خطوة لتقنين كمية المياه المستخدمة لغايات الزراعة والشرب  في المنطقة.
وعن الأسباب الرئيسية الكامنة وراء جفاف الآبار الارتوازية، تحدث السيد محمد مرعي رئيس جمعية كفر دان التعاونية للري والزراعة لمجلة آفاق البيئة والتنمية بالقول: "هناك عدة عوامل ساهمت في جفاف الآبار الارتوازية القائمة من زمن الحكم الأردني، فمنها ما هو متعلق بانحسار كميات الأمطار السنوية، وبالتالي ضعف المخزون الجوفي، ومنها المتعلق بالحفر العشوائي للآبار سواء الجوفية او لغايات جمع المياه، والتي أثّرت بشكل مباشر على الآبار الارتوازية المرخصة في المنطقة،  وكذلك الآبار الجوفية التي حفرها الاحتلال في المنطقة، فقد عملت على  استنزاف المخزون المائي في سهل مرج ابن عامر بشكل عام، وفي قرية كفر دان بشكل خاص، كذلك فإن معظم الآبار المرخصة وصلت إلى عمق يزيد عن 100 متر تحت الأرض، وبالتالي وصلت إلى الطبقة السوداء تحت الأرض والتي لا يمكن اختراقها إلا بوجود معدات متطورة في التنقيب عن المياه، والتي لا يسمح الاحتلال بالأصل بتجاوزها، او حتى ادخال معدات متطورة إلى المكان للتنقيب عن المياه، والنتيجة الحتمية هي جفاف تلك الآبار وتوقفها نهائيا عن العمل.

بئر مرخص معطل بسبب النهب الإسرائيلي للمياه

الآبار العشوائية
تجدر الاشارة  إلى أن هناك عدداً كبيراً من المزارعين في قرية كفر دان وكوسيلة لإنقاذ ما تبقى من اراضٍ زراعية لديهم، فقد شرعوا في عملية حفر آبار عشوائية للبحث عن المياه في سهل مرج ابن عامر المحاذي للقرية، حتى بلغ عدد الآبار العشوائية بحسب السجلات التابعة لجمعية كفر دان للري والزراعة قرابة 67 بئراً عشوائياً، تستخدم اليوم في سد العجز إلى حد ما في مياه الشرب والزراعة وتربية الماشية في القرية، وتنتج تلك الآبار ما يقارب     600 الف متر مكعب سنويا.
لكن رغم هذا وذاك، تواجه الآبار العشوائية استهدافا ملحوظا من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فعلى الرغم من وجود تلك الآبار ضمن المنطقة المصنفة B من اتفاق أوسلو،  إلا أن هذا الاتفاق أعطى الاحتلال كامل الصلاحيات بإدارة الموارد المائية في الضفة الغربية، في موازاة ذلك لا تمتلك سلطة المياه الفلسطينية أي قدرة في ترخيص بئر ارتوازي واحد جديد في المنطقة، لذلك لا يتوانى الاحتلال عن مداهمة سهل ابن عامر وتدمير تلك الآبار ومصادرة الحفار والمعدات عليها، فمنذ بداية العام الماضي وحتى اليوم، جرى استهداف الآبار العشوائية في قرية كفر دان  ثلاث مرات متتالية: الأولى في شهر شباط  عام 2011م وذلك بهدم 6 آبار عشوائية، ثم في نفس العام في شهر تموز تم هدم 8 آبار عشوائية، ثم توالت عمليات الاستهداف هذا العام بتدمير 6 آبار عشوائية في شهر ايلول من العام الحالي.
ورغم هذا، يجد المزارع الفلسطيني في قرية كفر دان من هذه الآبار العشوائية وسيلة وحيدة للحفاظ على ما تبقى من القطاع الزراعي في ظل استهداف الاحتلال له، وفي ظل اليأس والإحباط من دور الجهات الرسمية في إنقاذ القرية من مشكلتها الرئيسية في المياه.

الواقع الزراعي في كفر دان بين الأمس واليوم
يذكر أن مساحة قرية كفر دان تقدر بنحو 8 آلاف دونم، كان يستغل منها في السابق قبل عام 2000م  ما يقارب 3000 دونم عبر زراعة الخضار المكشوفة، والتي كانت تزرع على مدار العام بواقع أربع دورات زراعية، بالإضافة إلى ذلك، تميزت كفر دان بوجود أكثر من 600 دونم مزروعة بالبرتقال الذي كانت القرية تتميز به ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى الضفة الغربية،  ناهيك عن وجود 3000 دونم مزروعة بالزراعات الحقلية المختلفة، وهناك 650 دونماً مزروعة بالزراعات المحمية، وكانت قرية كفر دان مصدر تصدير لأصناف عديدة من الخضار والفواكه لاسيما البطيخ والشمام والبرتقال، وكان إنتاجها ذو شعبية واسعة في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر بالإضافة إلى الدول العربية المجاورة.
كما كانت قرية كفر دان مقصداً لعددٍ كبير من العمالة في قطاع الزراعة، حيث كان يؤمها عشرات العمال من قرى محافظة جنين ومحافظة نابلس وذلك قبل عام 2000م.
ولكن اليوم وبعد الأزمة المائية التي تعصف بالقرية، انخفض الإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ وملفت للانتباه، حيث تقلصت الزراعات المختلفة بنسبة 70% مما كانت عليه بالسابق، ناهيك عن تحولٍ بالأنماط الزراعية، فبات المزارع يعتمد على دورة واحدة في الإنتاج تبدأ من شهر شباط حتى بداية شهر تموز، وذلك لعدم توفر المياه بشكل كافٍ ما يرفع ثمنها.
وهناك أصناف زراعية كانت قرية كفر دان تتباهى بها وخاصة برتقال كفر دان، والذي أصبح شبه معدوم بالقرية نتيجة أزمة المياه.

مشروع حصاد مائي في كفر دان نفذته لجان الإغاثة الزراعية لتعويض التراجع الكبير في كميات المياه المتاحة للزراعة بفعل السرقة الإسرائيلية للمياه

مشاريع واعدة قد تساهم في إنقاذ الزراعة
يعرف المزارع الفلسطيني بأنه صاحب عزيمة وقوة ويبحث عما هو جديد، فعلى الرغم من الواقع المرير الذي تمر به القرية من نقص حاد في المياه بسبب جفاف معظم الآبار الارتوازية المرخصة، ومحاربة الاحتلال لما ليس مرخصاً منها وعدم قدرة سلطة المياه الفلسطينية على توفير ترخيص بئر ارتوازي واحد جديد،  إلا أن هناك عدداً من المشاريع الواعدة في القرية، منها مشروع الحصاد المائي الذي تنفذه الإغاثة الزراعية، ومجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين والذي قد يسعف الزراعة المحمية في القرية.
    بالإضافة إلى ذلك، كان هناك مخططٌ يُعرف باسم "منظومة الري الجديدة لقرية كفر دان، كما صرح به محمد مرعي رئيس جمعية كفردان للري والزراعة،  والذي يهدف إلى تنظيم قطاع الري في أراضي القرية، عبر الاعتماد على ما هو متاح من مياه في ري أراضي القرية،  بالإضافة  إلى إعداد الخطط المستقبلية المتعلقة بتنفيذ مشاريع الحصاد المائي والتي قد تساهم في إعادة الاعتبار إلى قطاع الزراعة في القرية.

مضخة مياه في بئر معطل بكفر دان بسبب تجفيف الاحتلال للمياه
التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية