قراءة في كتاب :
أساطير الطاقة النووية- كيف يخدعنا لوبي الطاقة-
اسم الكتاب: أساطير الطاقة النووية- كيف يخدعنا لوبي الطاقة-
سنة الإصدار: 2011
عدد الصفحات: 60 من القطع المتوسط
الناشر: مؤسسة هينريش بيل الألمانية- رام الله، فلسطين
قراءة: ربى عنبتاوي
يقدم هذا الكتيب المعد من قبل الباحث جيرد روزنكرانتس ضمن سلسلة اصدارات مترجمة الى اللغة العربية من مؤسسة هينريش بل الألمانية، معلومات حساسة طال انتظارها حول الطاقة النووية، والتي تعتبر تكنولوجيا لا مسؤولة ومكلفة وعالية المخاطر. ويتضمن الكتيب نقدا علميا واقتصاديا متينا للأساطير السبع الرئيسية التي يستخدمها المروجون لبرامج الطاقة النووية،
وقد جاء في تمهيد الكتيب بقلم الباحث البيئي الاردني "باتر محمد علي وردم" وجود علاقة مباشرة وان لم تكن واضحة بين تسونامي الدول العربية وتسونامي اليابان، ففي الوقت الذي تعيد فيه الشعوب العربية تعريف الطريقة التي تريد ان تدار بها دولها، وتجنح نحو الديمقراطية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، فان خياراتها الاستراتيجية في مجال ادارة الموارد الطبيعية وتطوير الاقتصاد ستكون مختلفة عما كانت عليه في ظل انظمة شمولية لا تقبل الحوار، فلن تسمح لمجموعات صغيرة غير منتخبة ولا تملك الشرعية العامة ان تتخذ القرارات الحاسمة في الشؤون الكبرى، دون استشارة الرأي العام ومن هذه القرارات مستقبل الطاقة في المنطقة.
وأشار أيضاً في تمهيده للكتيب: "منذ سنتين تقريبا بدأت تنتشر في العالم العربي توجهات تقاد من قبل حكومات، وأحيانا رؤساء دول، ورموز سياسية عليا، لتطوير برامج للطاقة النووية في المنطقة كاستجابة لتحدي ارتفاع اسعار النفط، وضرورة التحول نحو حالة من الاستقرار في سياق انتاج الطاقة، ولكن ما يثير القلق هو ان التوجه نحو الطاقة النووية في العالم العربي تعتبر بمثابة القفز في الفراغ فلا توجد تجارب علمية ووطنية او إقليمية ولا تطور تكنولوجي يتناسب مع هذه الطموحات، والمطلوب هو استيراد المفاعل النووي ومفتاحه معه، دون المرور بالسلسلة العلمية المطلوبة من التنمية العلمية والحوار الشعبي، وخاصةً حول افضل الخيارات وأسوأها في مجال الطاقة".
وفي خضم هذا التوجه المتسرع وغير الخاضع لضبط علمي وسياسي وإداري فعال، يصبح من الضروري المساهمة في اطلاق وتعزيز حوار وطني وإقليمي حول جدوى الطاقة النووية في المنطقة.
هذا الكتيب يعد مادة دسمة للقراءة بل وجوهرية من قبل ثلاث فئات في المجتمع وهم: النخبة صانعة القرار والتي ستحتاج الى صوت مخالف يقدم تحذيرات غير مؤدلجة او مطروحة في سياق مناكفة سياسية داخلية. الفئة الثانية هي نشطاء المجتمع المدني والإعلام والرأي العام التي اخذت على عاتقها التحذير من الخيار النووي، والفئة الثالثة هي الرأي العام العربي وخاصة المواطنين الذين يجدون في خيار الطاقة النووية، نوعا من الهوية الوطنية، التي يجب الدفاع عنها والحصول عليها أسوة بالدول الأخرى حيث يجب التعامل معهم بمنتهى الشفافية عن طريق طرح المخاطر ومصادر القلق السائدة حول تبعات البرنامج النووي.
يبدأ جيرد روزنكرانتس في الكتيب، نقده لأساطير الطاقة النووية وهي أولا الطاقة النووية آمنة حيث تبقى هذه التكنولوجيا معرضة للعديد من الأخطار، لأن حادثا واحدا كفيلاً بجلب مأساة انسانية الى موقع الكارثة ومحيطها. اما الاسطورة الثانية فهي تتعلق بإمكانية السيطرة على الاخطار الناجمة عن سوء الاستخدام المتعمد. وثالثا: "اسطورة ان النفايات النووية ليست بمشكلة". والأسطورة الرابعة: "أن هناك ما يكفي من وقود اليورانيوم"، والخامسة تتعلق بأن الطاقة النووية تحمي البيئة، والسادسة حول احتياج فترات عمرية اطول للمفاعلات النووية، وبأنها احد الخيارات المستدامة في مواجهة تغير المناخ، وفي آخر الاساطير التي يذكرها الكتيب، يتم نقض الادعاء الجذاب بوجود انبعاث جديد للطاقة النووية.
ومن اهم الحقائق التي يوردها الكتيب غموض التكلفة الحقيقية لبناء المفاعل النووي، بالنسبة للأجيال الجديدة، اذ ان التجربة حتى الآن اثبتت ان الكلفة تتزايد بشكل هائل، وبالتالي تضيف مجموعة من الاعباء على الموازنة العامة للحكومات، ما يعني ان الكلفة الحقيقية تكون على عاتق المواطن والمستهلك في نهاية الامر.
ومع ان الكتيب ناقش سبع اساطير مهمة، إلا انه وقد نسي بسبب اختلاف البيئة الطبيعية، واحدا من اهم المحددات والعقبات التي تقف في وجه الطاقة النووية ألا وهي ندرة المياه، حيث ان الدول العربية كافة، تقع تحت خط الفقر المائي، وفي عام 2015 سوف تعاني هذه الدول من معضلة المياه ما يجعل تخصيصها لأغراض الشرب معضلة تنموية واقتصادية وبيئية بحد ذاتها، فكيف سيتم تأمين المياه للمفاعلات النووية،
ما يطرحه هذا الكتيب يمثل جرس انذار واطلالة اولية على الاسئلة الحرجة والتفاصيل الفنية المهمة التي يجب ان تكون متاحة للنقاش والتعديل والتطوير، وأحيانا التغيير العام، حتى يتمكن العالم العربي من حل معضلة امن الطاقة بطريقة مستدامة، تستجيب لتحديات التنمية ولشح الموارد معا، دون الدخول في مغامرات غير محسوبة جيداً، مع عدم الوقوع في فخ النزق الوطني الذي يمكن ان تكون تبعاته قاسية وصعبة على البلدان العربية.
وقد ختم الكتيب نقلا عن مجلة النيتشر العلمية الشهيرة:"الصناعة النووية تحتاج الى تغير المناخ اكثر من احتياج تغير المناخ للصناعة النووية، فإذا ما اردنا مكافحة ارتفاع درجات الحرارة، فلماذا علينا انتقاء الخيار الاكثر بطؤا والأغلى ثمنا والأقل فعالية ومرونة، والأكثر خطورة. الطاقة النووية اليوم ما هي إلا عقبة على الطريق نحو الانتقال الى امدادات كهرباء مستدامة".
|