مبادرات بيئية :
أحمد أبو حمّاد: استمرار تدمير أراضينا يعني تبعية كاملة في كل شيء!
حاوره: عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ولد د. أحمد أبو حمّاد في محافظة جنين، وحصل على البكالوريوس والماجستير من الجامعة الأردنية في تخصص المياه والتربة، ونال الدكتوراة من الجامعة الزراعية النرويجية. وعمل موظفاً عشر سنوات في وزارة التخطيط، فيما يقف حالياً على رأس دائرة الجغرافيا في جامعة بيرزيت، ويشرف على برنامجي البكالوريس والماجستير، ويعمل على بناء القدرات البحثية للطلبة. ويُلاحق التلوث البيئي الذي يقول: "إنه ينذر بأخطار كبيرة مستقبلية في فلسطين"، بينما ركز في رسائله وأبحاثه على الأثر الاقتصادي لتآكل التربة. ويشغل وقت فراغه من أجل تطوير الوعي البيئي في المجتمع، والحث على زيادة اهتمام الإنسان الفلسطيني بالبيئة وحمايتها.
كان لـــ"آفاق البيئة والتنمية" هذا الحوار مع د. أبو حمّاد: |
-ما الذي دفعك للاهتمام بالبيئة وقضاياها؟ وهل أثرت الطفولة عليك في هذا التكوين؟
كثرة المشاكل البيئية التي ألاحظها يوميا في مناطق متعددة، وتأثيراتها وتداعياتها على صحة السكان. وصدقاً، لم يكن لطفولتي أي دور أو تأثير في هذا التوجه.
-درست البكالوريوس والماجستير في الهندسة الزراعية بالجامعة الأردنية، وكرست جهودك لفهم البيئة وآثار التلوث خاصة على التربة والماء. ما هي دوافع هذا الاهتمام؟
التربة والمياه هما أساس الحياة في الأرض، كما أنهما أساس أي عملية تنموية حقيقية في أي دولة، ما كان له الأثر الكبير لاهتمامي بهذا الموضوع.
-كيف هو وضع التربة والمياه اليوم في فلسطين المحتلة؟
مما لا شك فيه أن اهتمام أغلب المواطنين الفلسطينيين ينصب على الكسب السريع من أعمال تعتبر سهلة، كالوظائف الرسمية وغير الرسمية، مقارنة بمهنة الزراعة الصعبة. ومن هذا المنطلق، يلاحظ إهمال الكثيرين لأراضيهم، الأمر الذي يجعلها عرضة للتدهور، وكذلك للمصادرة من قبل الاحتلال بحجة عدم استخدامها. كما أن ارتفاع مستوى المعيشة وتقدم الحياة، إضافة إلى العامل السياسي المتمثل بسيطرة الاحتلال على مصادر المياه أدى إلى زيادة الضغط على المصادر المائية المتاحة، وبالتالي تعرضها للتلوث والتملُح.
-إذا ما استمر التدمير والعشوائية في الامتداد العمراني، إلى أين ستصل الأمور؟
سيزيد هذا من شح موارد المياه والأراضي الزراعية، خاصة في المناطق السهلية الخصبة الملائمة للزراعة، وكذلك قلة رفد الخزانات المائية الجوفية، وبالتالي فإن هذا سيضاعف وبشكل كبير من اعتمادنا في توفير الأغذية الأساسية على العدو، وصولاً إلى التطبيق الحرفي لمقولة جبران خليل جبران: "ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع"، أي أن هذا سيؤدي للتبعية الكاملة في كل شيء خاصة في قراراتنا وتوجهاتنا السياسية.
- في دراستك للدكتوراه في جامعة النرويج الزراعية ركزت على تدهور الأراضي والبيئة، كيف يمكن لنا أن نضع خطة إشفاء في فلسطين. كما قلت في سيرتك الذاتية عبر كتاب (منحة فورد): "يُنذر التلوث البيئي في فلسطين بأخطار مستقبلية كبيرة، وإجراء بحوث تطبيقية في هذا المجال أمر بالغ الأهمية". كيف يمكن تلخيص هذه الأخطار؟ وماذا عن فرص نجاحنا في التحدي البيئي؟
أظن بأن المشكلة الأساسية في عدم التطبيق والمتابعة النزيهة للقوانين، التي تختص بالحفاظ على الموارد الطبيعية في فلسطين للأجيال القادمة، مع أن هذه القوانين موجودة في أغلب الأحيان. ومن هنا يأتي الحل ألا وهو التطبيق النزيه والشامل لهذه القوانين دون تلاعب، مع آلية للمراقبة الدورية لمدى تطبيق هذه القوانين جنبا إلى جنب مع عقوبات رادعة لمن يخرقها. إضافة إلى أن إجراء البحوث الميدانية بخصوص المشاكل التي تتعرض لها مواردنا المائية والأرضي، وآثارها يعتبر عاملا مهماً لتحديد الأسباب وطرح الحلول العملية. وأعتقد بأن هذه ممكن فيما لو تم تضافر الجهود والنيات الحسنة في هذا السبيل.
|
الخبير البيئي أحمد أبو حماد |
- ركزت في أبحاثك على الأثر الاقتصادي لتآكل التربة، ما أبرز خلاصات هذه الجهود الأكاديمية، وهل جرى تسخيرها لتغيير الواقع؟
من أبرز النتائج أن صيانة و/أو عمل المصاطب الزراعية كان له أثرًا كبيرًا في الحفاظ على الموارد الأرضية من التآكل، وكذلك زاد من المخزون المائي في التربة، ما انعكس على الإنتاجية بشكل ايجابي، حيث زادت غلة بعض المحاصيل الحقلية إلى أكثر من 50% مقارنة بالأراضي التي لم تُطبق فيها المصاطب. وأظن بأن بعض هذه النتائج يُعمل بها حاليا حيث نلاحظ بأن الكثير من المناطق في الخليل وجنين ورام الله يتم الآن استصلاحها باستحداث المصاطب وزراعتها والاستفادة منها.
-تتطوع في أوقات فراغك من أجل زيادة الوعي البيئي في المجتمع، ماذا فعلت بالضبط، وكيف ترى هذا الوعي لدينا الآن؟
أحيانا أقوم بتنظيم رحلات ميدانية علمية لطلبة جامعة بيرزيت، ويتم فيها زيارة مواقع مختلفة تتعرض للتلوث ويتم طرح أسبابه وآثاره السلبية. ونكلف الطلبة بفتح نقاش وطرح آفاق وحلول عملية لهذا التلوث، وبما يتلاءم مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة.
كما أنه تم عقد مجموعة من المحاضرات لطلاب مدارس متعددة عن التلوث في فلسطين، وأهم آثاره، وفيها لاحظت مستوىً من الوعي المتزايد من قبل الطلبة بهذه المشاكل. غير أن المطلوب لتعميق هذا الوعي هو التفاعل الميداني والعملي للطلبة مع مثل هذه القضايا البيئية.
-كيف هو واقع التعليم البيئي في جامعة بيرزيت؟ وهل هناك نتائج ملموسة في هذا السياق؟
الواقع جيد لكنه بحاجة لتعميق أكبر من خلال التعامل مع قضايا تمس حياة الطلبة يوميا كقضية الاختناق المروري والنفايات الصلبة العشوائية، والتي يلاحظونها يوميا تقريبا من خلال تنقلاتهم ونشاطاتهم، لكن هذا لم ينعكس بصورة واضحة حتى الآن على الكثير منهم، وربما يرجع سبب هذا إلى انشغالهم الدائم بالأمور الأكاديمية والنظرية.
- لو أردنا بناء خطة مجتمعية شاملة لزيادة الوعي بقضايا البيئة، كيف يمكن أن تكون أبرز ملامحها؟
علينا أولاً تحديد الأولويات، ثم حصر أهم المشاكل وآثارها، بعدها نتوجه إلى التوعية، فالقوانين، وصولاً إلى المتابعة والتطبيق.
aabdkh@yahoo.com
|